الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّخَلُّلِ، فَبَعْدَهُ أَوْلَى (لَا مَا أُرِيقَ) مِنْ خَمْرِ مُسْلِمٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ خَلَّالٍ (فَجَمَعَهُ آخَرُ فَتَخَلَّلَ) فِي يَدِ جَامِعِهِ فَلَا يَلْزَمهُ رَدُّهُ (لِزَوَالِ يَدِهِ هُنَا) بِالْإِرَاقَةِ.
(وَإِنْ أَتْلَفَ) غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ (الْكَلْبَ أَوْ الْخَمْرَ وَلَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ ذِمِّيًّا لَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَتُهَا) لِأَنَّهُمَا لَيْسَ لَهُمَا عِوَضٌ شَرْعِيٌّ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا (كَخِنْزِيرٍ وَ)(كَخَمْرٍ غَيْرِ مَسْتُورَةٍ) وَلَوْ لِذِمِّيٍّ (وَتَجِبُ إرَاقَةُ خَمْرِ الْمُسْلِمِ) غَيْرِ الْخَلَّالِ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى اقْتِنَائِهِ (وَيَحْرُمُ رَدُّهَا) أَيْ الْخَمْرِ (إلَيْهِ) أَيْ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الْخَلَّالِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ؛ مَيْتَةٍ نَجِسَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (رَدُّهُ) وَلَوْ دَبَغَهُ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ وَلَا قِيمَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِيَعُهُ وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ: يَجِبُ رَدُّهُ حَيْثُ قُلْنَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْيَابِسَاتِ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا كَالْكَلْبِ الْمُقْتَنَى وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ رَجَبٍ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْمُوَضِّحُ وَقَالَ: وَصَرَّحُوا بِوُجُوبِ رَدِّهِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ.
(وَإِنْ اسْتَوْلَى عَلَى حُرٍّ لَمْ يَضْمَنْهُ بِذَلِكَ وَ) لَوْ كَانَ (صَغِيرًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ (وَيَأْتِي فِي الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) بِأَوْضَحَ مِنْ ذَلِكَ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ: إذَا أَبْعَدَهُ عَنْ بَيْتِ أَهْلِهِ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ دَابَّةً عَلَيْهَا مَالِكُهَا الْكَبِيرُ وَمَتَاعُهُ لِأَنَّهَا فِي يَدِ مَالِكِهَا نَقَلَهُ ابْنُ رَجَبٍ عَنْ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى.
(وَيَضْمَنُ) الْغَاصِبُ (ثِيَابَهُ) أَيْ ثِيَابَ حُرٍّ صَغِيرٍ (وَحِلِّيَّةِ) وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَالٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا.
(وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ) أَيْ الْحُرُّ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا (كَرْهًا، أَوْ حَبَسَهُ مُدَّةً، فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ مَالٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَضُمِنَتْ بِالْغَصْبِ (كَ) مَنَافِعِ (الْعَبْدِ وَإِنْ مَنَعَهُ) أَيْ مَنَعَ إنْسَانٌ آخَرَ (الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ فَلَا) ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي مَنَافِعِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْمَمْنُوعُ (عَبْدًا) لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فَاتَتْ تَحْتَ يَدِهِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْغَيْرُ.
[فَصْلُ يَلْزَمُ الْغَاصِب رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَحَلِّهِ]
فَصْلُ وَيَلْزَمُهُ أَيْ الْغَاصِبَ (رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَحَلِّهِ) الَّذِي غَصَبَهُ مِنْهُ.
(وَإِنْ بَعُدَ، إنْ قَدَرَ عَلَى رَدِّهِ) أَيْ إنْ كَانَ بَاقِيًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا أَوْ جَادًّا، وَمَنْ أَخَذَ عَصَا
أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَلَوْ غَرِمَ) الْغَاصِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الرَّدُّ (أَضْعَافُ قِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَدِي فَلَمْ يُنْظَرْ إلَى مَصْلَحَتِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْغَرَامَةِ (فَإِنْ قَالَ رَبُّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ الْمُبْعَدِ (دَعْهُ) مَكَانَهُ.
(وَأَعْطِنِي أُجْرَةَ رَدِّهِ) إلَى مَكَانِهِ (وَإِلَّا أَلْزَمْتُكَ بِرَدِّهِ) لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا (أَوْ طَلَبَ) رَبُّ الْمَغْصُوبِ (مِنْهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (حَمْلَهُ إلَى مَكَان آخَرَ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الرَّدِّ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ الْغَاصِبَ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبُ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ.
(وَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ: دَعْهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (لِي فِي الْمَكَانِ الَّذِي نَقَلْته إلَيْهِ لَمْ يَمْلِكْ الْغَاصِبُ رَدَّهُ) إلَى الْمَكَانِ الَّذِي غَصَبَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمَالِكُ (رُدَّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (إلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ) إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي غَصَبَهُ مِنْهُ (لَزِمَهُ) رَدُّهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إلَى جَمِيعِ الْمَسَافَةِ فَلَزِمَهُ إلَى بَعْضِهَا، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ رَبُّ الدَّيْنِ عَنْ الْمَدِينِ بَعْضَ الدَّيْنِ وَطَلَبَ مِنْهُ بَاقِيَهُ (وَمَهْمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ، لَهُمَا.
(وَإِنْ خَلَطَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (بِمَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ مِنْهُ، أَوْ) يُمْكِنُ (تَمْيِيزُ بَعْضِهِ كَحِنْطَةٍ) خَلَطَهَا (بِشَعِيرٍ أَوْ بِسِمْسِمٍ، أَوْ) خَلَطَ (صِغَارَ الْحَبِّ بِكِبَارِهِ) وَلَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ (أَوْ) اخْتَلَطَ (زَبِيبٌ أَحْمَرُ بِأَسْوَدَ) وَمَا أَشْبَهَهُ (لَزِمَهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (تَخْلِيصُهُ وَرَدُّهُ) إلَى مَالِكِهِ (وَأُجْرَةُ الْمُمَيَّزِ عَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ تَعَدِّيهِ فَكَانَ أَوْلَى بِغُرْمِهِ مِنْ مَالِكِهِ لِكَوْنِ الشَّارِعِ لَمْ يَنْظُرْ إلَى مَصْلَحَةِ الْمُتَعَدِّي (وَإِنْ) اخْتَلَطَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِهِ، وَ (لَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُهُ، فَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ) .
(وَإِنْ شُغِلَ الْمَغْصُوبُ بِمِلْكِهِ، كَحَجَرٍ بَنَى) الْغَاصِبُ (عَلَيْهِ أَوْ خَيْطٍ خَاطَ بِهِ ثَوْبَهُ أَوْ نَحْوَهُ فَإِنْ بَلِيَ الْخَيْطُ وَانْكَسَرَ الْحَجَرُ) بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَإِلَّا رَدَّهُ مَعَ أَرْشِهِ (أَوْ كَانَ مَكَانَهُ خَشَبَةٌ فَتَلِفَتْ) الْخَشَبَةُ (لَمْ يَجِبْ رَدُّهُ) لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا.
(وَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ) كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ (وَإِنْ كَانَ) الْحَجَرُ أَوْ الْخَشَبَةُ أَوْ الْخَيْطُ (بَاقِيًا بِحَالِهِ) أَوْ مُتَغَيِّرًا (لَزِمَهُ رَدُّهُ) مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ (وَإِنْ انْتَقَضَ الْبِنَاءُ) بِرَدِّ الْحَجَرِ أَوْ الْخَشَبَةِ (وَتَفَصَّلَ الثَّوْبُ) بِرَدِّ الْخَيْطِ لِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ أَمْكَنَ رَدُّهُ فَوَجَبَ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْنِ عَلَيْهِ أَوْ يَخِطْ بِهِ وَإِنْ وَصَلَ بِهِ.
(وَإِنْ سَمَّرَ) الْغَاصِبُ (بِالْمَسَامِيرِ) الْمَغْصُوبَةِ (بَابًا لَزِمَهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (قَلْعُهَا وَرَدُّهَا) لِلْخَبَرِ وَلَا أَثَرَ لِضَرَرِهِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ (وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَامِيرُ مِنْ الْخَشَبَةِ الْمَغْصُوبَةِ، أَوْ) كَانَتْ مِنْ (مَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ) فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ لِتَعَدِّيهِ بِهِ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (قَلْعُهَا) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ (إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْمَالِكُ) بِقَلْعِهَا (فَيَلْزَمُهُ) الْقَلْعُ، وَلَا أَثَرَ لِضَرَرِهِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ
(وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَامِيرُ لِلْغَاصِبِ، فَوَهَبَهَا لِلْمَالِكِ، لَمْ يُجْبَرْ الْمَالِكُ عَلَى قَبُولِهَا) مِنْ الْغَاصِبِ، لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْمِنَّةِ (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْغَاصِبُ عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ غَرَّ الْعَامِلَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ.
(وَإِنْ زَرَعَ) الْغَاصِبُ (الْأَرْضَ فَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ.
(وَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (أُجْرَتُهَا) أَيْ الْأَرْضِ (إلَى وَقْتِ تَسْلِيمِهَا) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ عِوَضُهُ، كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ بِالْإِجَارَةِ وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ فَوَجَبَ إنْ تَضَمَّنَ كَالْعَيْنِ.
(وَ) عَلَيْهِ (ضَمَانُ النَّقْصِ) إنْ نَقَصَتْ كَسَائِرِ الْغُصُوبِ (وَلَوْ لَمْ يَزْرَعْهَا) أَيْ الْمَغْصُوبَةَ الْغَاصِبُ (فَنَقَصَتْ لِتَرْكِ الزِّرَاعَةِ، كَأَرَاضِي الْبَصْرَةِ أَوْ نَقَصَتْ) الْمَغْصُوبَةُ (لِغَيْرِ ذَلِكَ ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (نَقْصَهَا) لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِيَدِهِ الْعَادِيَةِ.
(وَإِنْ أَدْرَكَهَا) أَيْ الْأَرْضَ (رَبُّهَا، وَالزَّرْعُ قَائِمٌ) لَمْ يُحْصَدْ (فَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ) لِمَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَلَهُ نَفَقَتُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ إتْلَافِ مَالِ الْغَاصِبِ عَلَى قُرْبٍ مِنْ الزَّمَانِ فَلَمْ يَجُزْ إتْلَافُهُ كَمَا لَوْ غَصَبَ سَفِينَةً فَحَمَلَ فِيهَا مَتَاعَهُ، وَأَدْخَلَهَا لُجَّةَ الْبَحْرِ، لَا يُجْبَرُ عَلَى إلْقَائِهِ فَكَذَا هُنَا، صِيَانَةً لِلْمَالِ عَنْ التَّلَفِ وَفَارَقَ الشَّجَرَ لِطُولِ مُدَّتِهِ وَحَدِيثُ «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» مَحْمُولٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَدِيثَنَا فِي الزَّرْعِ، فَيَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
(وَيُخَيَّرُ) مَالِكُ الْأَرْضِ (بَيْنَ تَرْكِهِ) أَيْ الزَّرْعِ (إلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَتِهِ) أَيْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَأَرْشِ نَقْصِهَا إنْ نَقَصَتْ (وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِنَفَقَتِهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهِ غَرَضُهُ فَمَلَكَ الْخِيَرَةَ بَيْنَهُمَا تَحْصِيلًا لِغَرَضِهِ (فَيَرُدُّ) الْمَالِكُ إنْ اخْتَارَ أَخْذَ الزَّرْعِ لِلْغَاصِبِ (مِثْلَ الْبَذْرِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ مِنْ حَرْثٍ وَسَقْيٍ وَغَيْرِهِمَا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ " وَلَهُ نَفَقَتُهُ قَالَ الْإِمَامُ: إنَّمَا أَذْهَبُ إلَى هَذَا الْحُكْمِ اسْتِحْسَانًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ عَمِلَ الْحَرْثَ وَنَحْوَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْعَمَلَ مُتَقَوِّمٌ اُسْتُهْلِكَ لِمَصْلَحَةِ الزَّرْعِ فَوَجَبَ رَدُّ عِوَضِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ عَمِلَهُ وَهَذَا أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْحَارِثِيُّ.
(وَلَا أُجْرَةَ) عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ أَخْذَ الزَّرْعِ بِنَفَقَتِهِ مُدَّةَ (مُكْثِهِ) أَيْ الزَّرْعِ (فِي الْأَرْضِ) الْمَغْصُوبَةِ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَرْضِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَادَتْ إلَى الْمَالِكِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهَا عَلَى
غَيْرِهِ (وَيُزَكِّيهِ) أَيْ الزَّرْعَ (رَبُّ الْأَرْضِ إنْ أَخَذَهُ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ) بِأَنْ تَمَلَّكَهُ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ لِوُجُوبِهَا وَهُوَ فِي مِلْكِهِ.
(وَ) إنْ تَمَلَّكَهُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ وُجُوبِهِ، بِأَنْ تَمَلَّكَهُ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ فَزَكَاتُهُ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَقْتَ وُجُوبِهَا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَهَذَا الصَّحِيحُ وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِيهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَزْكِيَةُ آخِذِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَنْصُوصِ وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ اخْتَارُوا أَنَّ الزَّرْعَ مِنْ أَصْلِهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ انْتَهَى وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى فِي الزَّكَاةِ: أَنَّ الْمَذْهَبَ الثَّانِي وَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْغَاصِبِ إلَى أَخْذِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُشْتَرِي، بِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يَتَمَلَّكُهُ بِنَفَقَتِهِ فَمِلْكُهُ اسْتَنَدَ إلَى أَوَّلِ وُجُودِهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي.
(وَإِنْ غَرَسَهَا) أَيْ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ (الْغَاصِبُ، أَوْ بَنَى فِيهَا وَلَوْ) كَانَ الْغَاصِبُ شَرِيكًا فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (أَوْ فَعَلَهُ) أَيْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِي الْأَرْضِ أَجْنَبِيٌّ أَوْ شَرِيكٌ (مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ، بِلَا إذْنِ) رَبِّ الْأَرْضِ (أُخِذَ) أَيْ أُلْزِمَ (بِقَلْعِ غِرَاسِهِ وَ) قَلْعِ (بِنَائِهِ) إذَا طَالَبَهُ رَبُّ الْأَرْضِ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ " وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلًا فِي أَرْضِ الْآخَرِ فَقَضَى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِأَرْضِهِ وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا» فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَتُضْرَبُ أُصُولُهَا بِالْفُؤُوسِ، وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عُمٌّ قَالَ أَحْمَدُ الْعَمُّ الطِّوَالُ.
(وَ) أُخِذَ الْغَاصِبُ أَيْضًا بِ (تَسْوِيَةِ الْأَرْضِ وَأَرْشِ نَقْصِهَا) لِأَنَّهُ ضَرَرٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِ فَلَزِمَهُ إزَالَتُهُ كَغَيْرِهِ (وَ) عَلَيْهِ (أُجْرَتُهَا) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ مُدَّةَ احْتِبَاسِهَا لِأَنَّ مَنَافِعَهَا ذَهَبَتْ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ.
فَكَانَ عَلَيْهِ عِوَضُهَا كَالْأَعْيَانِ (ثَمَّ إنْ كَانَتْ آلَاتُ الْبِنَاءِ مِنْ الْمَغْصُوبِ) بِأَنْ كَانَ فِيهِ لَبِنٌ أَوْ آجُرٌّ، أَوْ ضَرَبَ مِنْهُ لَبِنًا أَوْ آجُرًّا، أَوْ بَنَى بِهِ فِيهِ (فَ) عَلَيْهِ (أُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةً) لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَرْضَ مِلْكٌ لِلْمَغْصُوبَةِ مِنْهُ الْأَرْضُ وَلَا أُجْرَةَ لِلْغَاصِبِ لِبِنَائِهِ (وَإِلَّا) تَكُنْ آلَاتُ الْبِنَاءِ مِنْ الْمَغْصُوبِ، بَلْ كَانَتْ الْآلَاتُ لِلْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ (أُجْرَتُهَا غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ) لِأَنَّهُ إنَّمَا غَصَبَ الْأَرْضَ وَحْدَهَا وَأَمَّا بِنَاؤُهُ بِآلَاتِهِ فَلَهُ.
(فَلَوْ أَجَرَهَا) أَيْ أَجَرَ الْغَاصِبُ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ الْمَبْنِيَّةَ بِآلَاتِهِ مَعَ مَا بِهَا مِنْ بِنَاءٍ (فَالْأُجْرَةُ)
الْمُسْتَقِرَّةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (لَهُمَا) أَيْ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْأَرْضِ وَرَبِّ الْبِنَاءِ (بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا) أَيْ: قِيمَتَيْ مَنْفَعَتَيْهِمَا فَيُنْظَرُ: كَمْ أُجْرَةُ الْأَرْضِ مَبْنِيَّةً، ثَمَّ أُجْرَتُهَا خَالِيَةً؟ فَمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ أُجْرَةُ الْبِنَاءِ فَيُوَزَّعُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى أُجْرَةِ الْأَرْضِ وَأُجْرَةِ الْبِنَاءِ، فَيَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ بِأُجْرَةِ مَا لَهُ (وَلَوْ جَصَّصَ الْغَاصِبُ الدَّارَ) وَنَحْوَهَا (أَوْ زَوَّقَهَا، فَحُكْمُهَا كَالْبِنَاءِ) لِأَنَّهُ شَغَلَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِمَا لَا حُرْمَةَ لَهُ.
(وَلَوْ غَصَبَ) إنْسَانٌ (أَرْضًا وَغِرَاسًا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَغَرَسَهُ فِيهَا فَالْكُلُّ لِمَالِكِ الْأَرْضِ) وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي نَظِيرِ فِعْلِهِ لِتَعَدِّيهِ (فَإِنْ طَالَبَهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (رَبُّهَا بِقَلْعِهِ) أَيْ الْغِرَاسِ.
(وَلَهُ فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ أُجْبِرَ) الْغَاصِبُ (عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى الْمَالِكِ غَرَضًا مَقْصُودًا بِالْأَرْضِ فَأُوخِذَ بِإِعَادَتِهَا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ وَفِي نُسْخَةٍ وَعَلَى تَسْوِيَةِ الْأَرْضِ، وَأَرْشِ (نَقْصِهَا، وَ) أَرْشِ (نَقْصِ الْغِرَاسِ) لِحُصُولِهِ بِتَعَدِّيهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لِلْمَالِكِ (فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لَمْ يُجْبَرْ) الْغَاصِبُ عَلَى الْقَلْعِ لِأَنَّهُ سَفَهٌ.
(وَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَهُ) أَيْ قَلْعَ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْ الْمَالِكِ (فَلَهُ مَنْعُهُ) مِنْ الْقَلْعِ، لِأَنَّهُمَا مِلْكُهُ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ التَّصَرُّفُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
(وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (أُجْرَتُهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ إذَا بَنَاهُ الْغَاصِبُ بِآلَاتٍ مِنْ الْمَغْصُوبِ (مَبْنِيًّا) لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَرْضَ مِلْكٌ لِرَبِّهِمَا وَتَقَدَّمَ وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا لِرَجُلٍ وَغَرْسًا مِنْ آخَرَ وَغَرَسَهُ فِي الْأَرْضِ، ثَمَّ وَقَعَ النِّزَاعُ فِي مُؤْنَةِ الْقَلْعِ فَكَمَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ غَرْسًا إلَى أَرْضِ آخَرَ فَنَبَتَ فِيهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْعَارِيَّةِ وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْمَجْدِ فَإِذَا قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ مَجَّانًا وَغَرِمَ أَرْشَ النَّقْصِ، رَجَعَ رَبُّ الْأَرْضِ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي غُرْمِهِ،.
وَكَذَا إذَا زَرَعَ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ بِبَذْرِ الْغَيْرِ، هَلْ لَهُ تَبْقِيَتُهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ مَجَّانًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِذَا قُلْنَا: لَا أُجْرَةَ فَهِيَ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ: تَكُونُ عَلَى صَاحِبِهِ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الْمَجْدِ (وَرَطْبَةٌ وَنَحْوُهُ) كَنَعْنَاعٍ وَبُقُولٍ مِمَّا يُحْرَزُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، أَوْ يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ كَقِثَّاءٍ وَبَاذِنْجَانٍ (كَزَرْعٍ فِيمَا تَقَدَّمَ) فِي أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ إذَا أَدْرَكَهُ قَائِمًا لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِنَفَقَتِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ قَوِيٌّ أَشْبَهَ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ (لَا كَغَرْسٍ) أَيْ لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْغَرْسِ وَإِذَا غَصَبَ الْأَرْضَ فَغَرَسَهَا وَأَثْمَرَتْ فَأَدْرَكَهَا رَبُّهَا بَعْدَ أَخْذِ الْغَاصِبِ، فَهِيَ لَهُ وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَهَا وَالثَّمَرَةُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا ثَمَرَةُ شَجَرِهِ فَكَانَتْ لَهُ كَأَغْصَانِهَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ؛ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَابْنُ رَزِينٍ، وَالْمُبْدِعِ وَصَحَّحَهُ
الْحَارِثِيُّ قَالَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الزَّرْعِ ضَعِيفٌ وَعَنْهُ كَالزَّرْعِ، إنْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ الْجُذَاذِ أَخَذَهَا وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي.
(وَلَوْ أَرَادَ مَالِكُ الْأَرْضِ) الْمَغْصُوبَةِ (أَخْذَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ) مِنْ الْغَاصِبِ (مَجَّانًا، أَوْ) أَرَادَ أَخَذَهُمَا (بِالْقِيمَةِ وَأَبَى مَالِكُهُ) أَيْ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ الْإِعْطَاءَ (لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ مَالِكِ (ذَلِكَ) لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِ الْغَاصِبِ، فَلَمْ يَمْلِكْ رَبُّ الْأَرْضِ أَخْذَهُ، كَمَا لَوْ وَضَعَ فِيهَا أَثَاثًا أَوْ نَحْوَهُ وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لِصَاحِبِ الْأَرْضِ تَمَلَّكْ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسِ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا، إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِهِ.
(وَإِنْ اتَّفَقَا) أَيْ مَالِكُ الْأَرْضِ وَمَالِكُ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ (عَلَى تَعْوِيضِهِ) أَيْ عَلَى (أَنْ يُعَوِّضَ رَبُّ الْأَرْضِ رَبَّ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ عَنْهُ جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا.
(وَإِنْ وَهَبَ الْغَاصِبُ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ لِيَتَخَلَّصَ) الْغَاصِبُ (مِنْ قَلْعِهِ فَقِبَلَهُ الْمَالِكُ جَازَ) لِتَرَاضِيهِمَا (وَإِنْ أَبَى) مَالِكُ الْأَرْضِ (قَبُولَهُ) أَيْ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ مِنْ الْغَاصِبِ.
(وَكَانَ) لِرَبِّ الْأَرْضِ (فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لَمْ يُجْبَرْ) رَبُّ الْأَرْضِ (عَلَى قَبُولِهِ) مِنْ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ غَرَضَهُ الصَّحِيحَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُسْقِطُ الطَّلَبَ عَنْ الْغَاصِبِ بِقَلْعِهِ لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَقَدْ زَادَ زِيَادَةً تَنْفَعُهُ وَلَا تَضُرُّهُ وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الرِّضَا، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يُجْبَرَ.
(وَإِنْ أَخَذَ) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (تُرَابَ أَرْضٍ) بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا (فَضَرَبَهُ لَبِنًا رَدَّهُ) لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِ رَبِّ الْأَرْضِ (وَلَا شَيْءَ لَهُ) فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ لِتَعَدِّيهِ بِهِ (إلَّا أَنْ يَجْعَلَ) الْغَاصِبُ (فِيهِ تِبْنًا لَهُ) أَيْ لِلْغَاصِبِ (فَلَهُ أَنْ يَحُلَّهُ) أَيْ اللَّبِنَ (وَيَأْخُذَ تِبْنَهُ) قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَكِنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ اللَّبِنِ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَحَّضَ لِلْمَالِكِ مِلْكًا (إنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَحْصُلُ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ حَلُّهُ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ.
(وَإِنْ طَالَبَهُ الْمَالِكُ بِحَلِّهِ) أَيْ اللَّبِنِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْغَاصِبَ حَلُّهُ (إنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ الْحَلِّ (غَرَضٌ صَحِيحٌ) وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ سَفَهٌ (وَإِنْ جَعَلَهُ) أَيْ التُّرَابَ بَعْدَ ضَرْبِهِ (آجُرًّا) وَهُوَ اللَّبِنُ الْمَشْوِيُّ (أَوْ فَخَّارًا) بِفَتْحِ الْفَاءِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (رَدُّهُ) لِلْمَالِكِ.
(وَلَا أَجْرَ لَهُ لِعَمَلِهِ) لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (كَسْرُهُ) أَيْ الْآجُرِّ أَوْ الْفَخَّارِ (وَلَا لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ) أَيْ الْكَسْرِ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِلَا فَائِدَةٍ.
(وَإِنْ غَصَبَ) إنْسَانٌ (فَصِيلًا) أَوْ مُهْرًا وَنَحْوَهُ (فَأَدْخَلَهُ دَارِهِ فَكَبِرَ، وَتَعَذَّرَ خُرُوجُهُ بِدُونِ نَقْضِ الْبَابِ، أَوْ) غَصَبَ (خَشَبَةً وَأَدْخَلَهَا دَارِهِ، ثُمَّ بَنَى الْبَابَ ضَيِّقًا) بِحَيْثُ
(لَا تَخْرُجُ) الْخَشَبَةُ (إلَّا بِنَقْضِهِ وَجَبَ نَقْضُهُ) أَيْ الْبَابِ، لِضَرُورَةِ وُجُوبِ الرَّدِّ.
(وَرَدَّ الْفَصِيلَ وَالْخَشَبَةَ) لِرَبِّهِمَا وَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهِمَا لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ أَوْلَى بِالضَّرَرِ (وَإِنْ كَانَ حُصُولُهُ) أَيْ الْفَصِيلِ (فِي الدَّارِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِهَا) بِأَنْ دَخَلَ الْفَصِيلُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَدْخَلَهُ رَبُّهُ (نَقَضَ الْبَاب، وَضَمَانُهُ عَلَى صَاحِبِ الْفَصِيلِ) لِأَنَّهُ لِتَحْصِيلِ مَالِهِ فَيَغْرَمُ مَالِكُهُ أَرْشَ نَقْضِ الْبِنَاءِ وَإِصْلَاحِهِ.
(وَأَمَّا الْخَشَبَةُ) إذَا حَصَلَتْ فِي الدَّارِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطِ صَاحِبِهَا (فَإِنْ كَانَ كَسْرُهَا أَكْثَرَ ضَرَرًا مِنْ نَقْضِ الْبَابِ) بِأَنْ تَنْقُصَ قِيمَتُهَا بِالْكَسْرِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ نَقْضِهِ وَإِصْلَاحِهِ (فَكَالْفَصِيلِ) فَيُنْقَضُ الْبَابُ، وَيَغْرَمُ صَاحِبُهَا أَرْشَ نَقْضِهِ وَإِصْلَاحِهِ.
(وَإِنْ كَانَ) كَسْرُهَا (أَقَلَّ) ضَرَرًا (كُسِرَتْ) وَلَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ (وَإِنْ كَانَ حُصُولُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَصِيلِ أَوْ الْخَشَبَةِ (فِي الدَّارِ بِعُدْوَانٍ مِنْ صَاحِبِهِ، كَمَنْ غَصَبَ دَارًا، وَأَدْخَلَهَا فَصِيلًا أَوْ خَشَبَةً أَوْ تَعَدَّى عَلَى إنْسَانٍ، فَأَدْخَلَ دَارِهِ فَرَسًا وَنَحْوَهَا) بِغَيْرِ إذْنِهِ (كُسِرَتْ الْخَشَبَةُ، وَذُبِحَ الْحَيَوَانُ) الْمَأْكُولُ.
(وَإِنْ زَادَ ضَرَرُهُ عَلَى نَقْضِ الْبِنَاءِ) لِأَنَّ رَبَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِعُدْوَانِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَاصِلُ مِنْ ذَوَاتِ التَّرْكِيبِ كَالتَّوَابِيتِ وَالْأَسِرَّةِ فَكَذَلِكَ إنْ فَرَّطَ مَالِكُ الدَّارِ نُقِضَ الْبَابُ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ.
وَإِنْ فَرَّطَ مَالِكُهُ فُكَّكَ التَّرْكِيبُ (وَإِنْ بَاعَ) إنْسَانٌ (دَارًا وَفِيهَا مَا يَعْسُرُ إخْرَاجَهُ كَخَوَابٍ) غَيْرِ مَدْفُونَةٍ (وَخَزَائِنَ) غَيْرِ مَسْمُورَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ: أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُتَّصِلَ بِهَا (حَيَوَانٍ وَكَانَ نَقْضُ الْبَابِ أَقَلَّ ضَرَرًا مِنْ بَقَاءِ ذَلِكَ فِي الدَّارِ أَوْ) مِنْ (تَفْصِيلِهِ) أَيْ مَا يَتَأَتَّى تَفْصِيلُهُ كَخَزَائِنٍ.
(وَ) مَنْ (ذَبَحَ الْحَيَوَانَ) الْمَأْكُولَ (نَقَضَ) الْبَابَ (وَكَانَ) أَرْشُ نَقْضِهِ وَ (إصْلَاحِهِ عَلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ وَكَذَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ فِيهَا أَسِرَّةٌ وَتَعَذَّرَ الْإِخْرَاجُ وَالتَّفْكِيكُ.
(وَإِنْ كَانَ) نَقْضُ الْبَابِ (أَكْثَرَ ضَرَرًا) مِنْ بَقَاءِ ذَلِكَ فِي الدَّارِ وَمِنْ تَفْصِيلِهِ، وَذَبْحِ الْحَيَوَانِ (لَمْ يُنْقَضْ) الْبَابُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ (وَيَصْطَلِحَانِ عَلَى ذَلِكَ، بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ مُشْتَرِي الدَّارِ وَغَيْرَ ذَلِكَ) بِأَنْ يَهَبَهُ لَهُ الْبَائِعُ وَنَحْوَهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُوَفَّقِ وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ: بِنَقْضِ الْبَابِ وَعَلَى الْبَائِعِ ضَمَانُ النَّقْضِ.
(وَإِنْ غَصَبَ لَوْحًا فَرَقَعَ بِهِ سَفِينَةً لَمْ يُقْلَعْ وَهِيَ) أَيْ السَّفِينَةُ (فِي اللُّجَّةِ حَتَّى تَخْرُجَ) السَّفِينَةُ (مِنْهَا) أَيْ اللُّجَّةِ (وَتَرْسًا إنْ خِيفَ عَلَيْهَا) الْغَرَقُ (بِقَلْعِهِ) لِأَنَّ فِي قَلْعِهِ إفْسَادًا لِمَالِ الْغَيْرِ، مَعَ إمْكَانِ رَدِّ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ بَعْدَ زَمَنٍ يَسِيرٍ بِدُونِهِ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا مَالُ الْغَاصِبِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ
فِيهَا ذُو رُوحٍ مُحْتَرَمٍ) خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدَّ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ إتْلَافٍ كَمَا لَوْ كَانَ فِيهَا مَالُ غَيْرِهِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (أُجْرَتُهُ) أَيْ اللَّوْحِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى رَدِّهِ، لِذَهَابِ مَنَافِعِهِ بِيَدِهِ وَأَرْشُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ.
(وَإِنْ كَانَ اللَّوْحُ فِي أَعْلَاهَا) أَيْ السَّفِينَةِ بِحَيْثُ (لَا تَغْرَقُ بِقَلْعِهِ لَزِمَهُ قَلْعُهُ) وَرَدُّهُ لِرَبِّهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِالسَّاحِلِ (وَلِصَاحِبِ اللَّوْحِ طَلَبُ قِيمَتِهِ حَيْثُ تَأَخَّرَ الْقَلْعُ) لِكَوْنِهَا فِي اللُّجَّةِ وَخِيفَ غَرَقُهَا لِلْحَيْلُولَةِ (فَإِذَا أَمْكَنَ رَدُّ اللَّوْحِ) إلَى رَبِّهِ (اسْتَرْجَعَهُ وَرَدَّ الْقِيمَةَ) لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ وَعَلَى الْغَاصِبِ الْأُجْرَةُ إلَى حِينِ بَذْلِهِ الْقِيمَةِ فَقَطْ وَلَا يَمْلِكُهُ بِبَذْلِهَا بَلْ يَمْلِكُهَا رَبُّهُ.
(وَإِنْ غَصَبَ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ) مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (وَخِيفَ مِنْ قَلْعِهِ) أَيْ الْخَيْطِ (ضَرَرُ آدَمِيٍّ) لَمْ يُقْلَعْ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ (أَوْ) خِيفَ مِنْ قَلْعِهِ (تَلَفُ غَيْرِهِ) الْآدَمِيِّ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (قِيمَتُهُ) أَيْ الْخَيْطِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ فَوَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ وَهُوَ الْقِيمَةُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَلْعُ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ آكَدُ حُرْمَةً مِنْ بَقِيَّةِ الْمَالِ وَكَذَا لَوْ شَدَّ بِالْمَغْصُوبِ جُرْحًا يَثْغَبُ دَمُهُ، أَوْ جَبَّرَ بِهِ نَحْوَ سَاقٍ مَكْسُورٍ.
(وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (كَالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْخِنْزِيرِ) فَإِذَا خَاطَ جُرْحَ ذَلِكَ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ وَجَبَ رَدُّهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ تَفْوِيتُ ذِي حُرْمَةٍ أَشْبَهُ مَا لَوْ خَاطَ بِهِ ثَوْبًا.
(وَإِنْ كَانَ) الْحَيَوَانُ (مَأْكُولًا) وَخَاطَ جُرْحَهُ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ وَهُوَ مِلْكٌ (لِلْغَاصِبِ ذُبِحَ) الْحَيَوَانُ وَلَوْ نَقَصَتْ بِهِ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْخَيْطِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِأَكْلٍ، كَالْخَيْلِ (وَلَزِمَهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (رَدُّهُ) أَيْ الْخَيْطِ لِرَبِّهِ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَدِّهِ بِذَبْحِ الْحَيَوَانِ وَالِانْتِفَاعِ بِلَحْمِهِ وَلَا أَثَرَ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ (وَإِنْ كَانَ) الْحَيَوَانُ الَّذِي خِيطَ جُرْحُهُ مُحْتَرَمًا (غَيْرَ مَأْكُولٍ رَدَّ) الْغَاصِبُ (قِيمَةَ الْخَيْطِ) لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ آكَدُ كَمَا سَبَقَ.
(وَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ) الَّذِي خِيطَ جُرْحُهُ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (رَدُّهُ) أَيْ الْخَيْطِ لِرَبِّهِ لِزَوَالِ حُرْمَةِ الْحَيَوَانِ بِمَوْتِهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا مَعْصُومًا فَيَرُدُّ الْقِيمَةَ) أَيْ قِيمَةَ الْخَيْطِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْآدَمِيِّ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا.
(وَإِنْ غَصَبَ جَوْهَرَةً فَابْتَلَعَتْهَا بَهِيمَةٌ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْخَيْطِ) الَّذِي خَاطَ بِهِ جُرْحَهَا عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ.
(وَلَوْ ابْتَلَعَتْ شَاتُه) أَيْ شَاةُ إنْسَانٍ (وَنَحْوُهَا) أَيْ الشَّاةِ مِنْ كُلّ مَا يُؤْكَلُ (جَوْهَرَةَ آخَرَ غَيْرِ مَغْصُوبَةٍ وَتَوَقَّفَ إخْرَاجُهَا) أَيْ الْجَوْهَرَةِ (عَلَى ذَبْحِهَا) أَيْ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا (ذُبِحَتْ) بِقَيْدِ كَوْنِ الذَّبْحِ أَقَلَّ ضَرَرًا مِنْ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِتَرْكِهَا.
(قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَاخْتَارَ الْأَصْحَابُ عَدَمَ الْقَيْدِ) لِكَوْنِ الذَّبْحِ أَقَلَّ ضَرَرًا عَلَى مَا مَرَّ فِي مِثْلِهِ
وَعَلَى مَالِكِ الْجَوْهَرَةِ ضَمَانُ نَقْصِ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ (إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ مَالِكُ الشَّاةِ بِكَوْنِ يَدِهِ عَلَيْهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ) مِمَّا نَقَصَهُ الذَّبْحَ (لِتَفْرِيطِهِ) .
(وَلَوْ أَدْخَلَتْ الْبَهِيمَةُ رَأْسَهَا فِي قِدْرٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ) أَيْ الرَّأْسِ (إلَّا بِذَبْحِهَا وَهِيَ) أَيْ الْبَهِيمَةُ (مَأْكُولَةٌ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ) مِنْهُمْ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: (إنْ كَانَ) دُخُولُ رَأْسِهَا (لَا بِتَفْرِيطٍ مِنْ أَحَدٍ كُسِرَ الْقِدْرُ) لِرَدِّ مَا حَصَلَ فِيهِ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ لِرَبِّهِ (وَوَجَبَ الْأَرْشُ عَلَى مَالِكِ الْبَهِيمَةِ) لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ.
(وَإِنْ كَانَ) دُخُولُ رَأْسِهَا (بِتَفْرِيطِ مَالِكِهَا بِأَنْ أَدْخَلَ رَأْسَهَا بِيَدِهِ) فِي نَحْوِ الْقِدْرِ (أَوْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا) حَالَ الدُّخُولِ (وَنَحْوُهُ ذُبِحَتْ غَيْرَ ضَمَانٍ) عَلَى رَبِّ الْإِنَاءِ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالضَّرَرِ مِمَّنْ لَمْ يُفَرِّطْ.
(وَإِنْ كَانَتْ) الْفَعْلَةُ (بِتَفْرِيطِ مَالِكِ الْقِدْرِ، بِأَنْ أَدْخَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ أَلْقَاهَا) أَيْ الْقِدْرَ (فِي الطَّرِيقِ كُسِرَتْ) الْقِدْرُ أَوْ نَحْوُهَا (وَلَا أَرْشَ) لَهَا عَلَى رَبِّ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْمُفَرِّطَ أَوْلَى بِالضَّرَرِ وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: يُعْتَبَرُ أَقَلُّ الضَّرَرَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْكَسْرُ هُوَ الْأَقَلَّ تَعَيَّنَ وَإِلَّا ذُبِحَ وَالْعَكْسُ كَذَلِكَ ثَمَّ قَالَ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ التَّفْرِيطُ فَالضَّمَانَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَفْرِيطٌ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ إنْ كُسِرَ الْقِدْرُ وَإِنْ ذُبِحَتْ الْبَهِيمَةُ فَالضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْقِدْرِ (وَلَوْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ أَنَا أُتْلِفُ مَالِي وَلَا أَغْرَمُ شَيْئًا لِلْآخَرِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِضْرَارِ نَفْسِهِ (وَإِنْ كَانَتْ) الْبَهِيمَةُ الَّتِي أَدْخَلَتْ رَأْسَهَا فِي نَحْوِ الْقِدْرِ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ كُسِرَتْ الْقِدْرُ وَلَا تُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ بِحَالٍ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْقَتْلِ لَمْ يُمَكَّنَا مِنْهُ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " نَهَى عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ " وَيَحْرُمُ تَرْكُ الْحَالِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ.
(وَمَنْ وَقَعَ فِي) نَحْوِ (مِحْبَرَتِهِ دِينَارٌ وَنَحْوُهُ) كَجَوْهَرَةٍ لِغَيْرِهِ (بِتَفْرِيطِ صَاحِبِهَا) أَيْ الْمِحْبَرَةِ (فَلَمْ يَخْرُجْ) الدِّينَارُ مِنْهَا (كُسِرَتْ مَجَّانًا) أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الدِّينَارِ لِرَبِّ الْمِحْبَرَةِ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ (وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ) رَبُّ الْمِحْبَرَةِ (خُيِّرَ رَبُّ الدِّينَارِ) فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ (بَيْنَ تَرْكِهِ فِيهَا) إلَى أَنْ تَنْكَسِرَ (وَبَيْنَ كَسْرِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ (فَإِنْ بَذَلَ رَبُّهَا بَدَلَهُ وَجَبَ قَبُولُهُ) وَلَمْ يَجُزْ لَهُ كَسْرُهَا لِأَنَّهُ بَذَلَ لَهُ مَا لَا يَتَفَاوَتُ بِهِ حَقُّهُ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ (فَإِنْ بَادَرَ) رَبُّ الدِّينَارِ (فَكَسَرَ) الْمِحْبَرَةَ (عُدْوَانًا لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا) كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ.
(وَإِنْ كَانَ السُّقُوطُ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ، بِأَنْ سَقَطَ مِنْ مَكَان أَوْ أَلْقَاهُ طَائِرٌ أَوْ هِرٌّ وَجَبَ الْكَسْرُ وَعَلَى رَبِّ الدِّينَارِ