المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَاسْتُلْحِقَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ حَكَمٌ فَقُبِلَ الْوَاحِدُ فِيهِ كَالْحَاكِمِ (وَهُوَ كَحَاكِمٍ - كشاف القناع عن متن الإقناع - ت مصيلحي - جـ ٤

[البهوتي]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ إجَارَةُ الْعَيْنِ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِجَارَة عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ مَعَ إطْلَاقِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى زَرَعَ فَغَرِقَ الزَّرْعُ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَجِيرُ قِسْمَانِ خَاصٌّ وَمُشْتَرَكٌ]

- ‌[فَصْلٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ]

- ‌[بَابُ السَّبَقِ وَالْمُنَاضَلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُسَابَقَةُ جِعَالَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُنَاضَلَةِ مِنْ النَّضْلِ]

- ‌[بَاب الْعَارِيَّةِ]

- ‌[فَصْلُ حُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ]

- ‌[فَصْلُ دَفَعَ إلَيْهِ دَابَّةً أَوْ غَيْرَهَا]

- ‌[بَابُ الْغَصْبِ وَجِنَايَةِ الْبَهَائِمِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ الْإِتْلَافَاتِ]

- ‌[فَصْلُ يَلْزَمُ الْغَاصِب رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَحَلِّهِ]

- ‌[فَصْل زَادَ الْمَغْصُوبُ بِيَدِ الْغَاصِبِ أَوْ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ بِيَدِ الْغَاصِبِ أَوْ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ خَلَطَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ]

- ‌[فَصْلٌ وَطِئَ الْغَاصِبُ الْجَارِيَةَ الْمَغْصُوبَةَ]

- ‌[فَصْلٌ تَلَفُ الْمَغْصُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مَنْفَعَةٌ تَصِحُّ إجَارَتُهَا]

- ‌[فَصْلٌ تَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُضْمَنُ بِهِ الْمَالُ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ]

- ‌[فَصْلٌ أَجَّجَ نَارًا فِي مَوَاتٍ أَوْ أَجَّجَهَا فِي مِلْكِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْبَهَائِمِ]

- ‌[بَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[شُرُوطُ الشُّفْعَة أَنْ يَكُونَ الشِّقْصُ الْمُنْتَقِلُ عَنْ الشَّرِيكِ مَبِيعًا أَوْ مُصَالَحًا بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ وَمَا بِمَعْنَاهُ شِقْصًا مُشَاعًا]

- ‌[فَصْلٌ لِلشُّفْعَةِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَنْ يَأْخُذ الشَّرِيك جَمِيعَ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ مِلْكٌ لِلرَّقَبَةِ سَابِقٌ عَلَى الْبَيْعِ]

- ‌[فَصْلٌ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الطَّلَبِ]

- ‌[فَصْلٌ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ]

- ‌[لَا شُفْعَةَ فِي بَيْعٍ فِيهِ خِيَارُ مَجْلِسٍ أَوْ خِيَارُ شَرْطٍ]

- ‌[بَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ دَفَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُودَعُ أَمِينٌ]

- ‌[بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ إحْيَاء الْأَرْضِ الْمَوَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقْطَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الِانْتِفَاعِ بِالْمِيَاهِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ وَنَحْوِهَا]

- ‌[بَابُ الْجَعَالَةِ]

- ‌[بَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[فَصْلُ التَّصَرُّفُ فِي اللُّقَطَةِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُلْتَقِطِ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا]

- ‌[بَابُ اللَّقِيطِ]

- ‌[فَصْلٌ مِيرَاثُ اللَّقِيطِ إنْ مَاتَ]

- ‌[فَصْلٌ أَقَرَّ إنْسَانٌ أَنَّ اللَّقِيطَ وَلَدُهُ]

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ]

- ‌[فَصْلٌ: إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ وَالْغُزَاةِ وَالْعُلَمَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ يَزُولُ مِلْكِ الْوَاقِفِ عَنْ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِمُجَرَّدِ الْوَقْفِ]

- ‌[فَصْلٌ يُرْجَعُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْوَقْفِ إلَى شَرْطِ وَاقِفٍ]

- ‌[فَصْلٌ يُرْجَعُ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي النَّاظِرِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ نَاظِرًا وَشَرَطَهُ النَّظَرَ]

- ‌[فَصْلٌ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَسِّمَ الْوَقْفَ عَلَى أَوْلَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ]

- ‌[بَابُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَبْرَأَ غَرِيمٌ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعْدِيلِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فِي الْهِبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ: وَلِأَبٍ حُرًّا أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فِي مَرَض الْمَوْتِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِي أَشْيَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ مَلَكَ فِي صِحَّتِهِ ابْنَ عَمِّهِ فَأَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا بِقَبُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الرُّجُوعِ فِي الْوَصِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَاجِبَاتُ الَّتِي عَلَى الْمَيِّتِ تُخْرَجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ]

- ‌[بَابُ الْمُوصَى لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ قَتَلَ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصَى]

- ‌[فَصْلٌ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَنِيسَةٍ]

- ‌[بَابُ الْمُوصَى بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمُفْرَدَةِ]

- ‌[فَصْلٌ أُوصِيَ لَهُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ]

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ زَادَتْ الْوَصَايَا عَلَى الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَنْصِبَاءِ]

- ‌[بَابُ الْمُوصَى إلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَّا فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَدّ مَعَ الْإِخْوَة أَوْ الْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مُنْفَرِدِينَ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْأُمِّ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إرْثِ الْجَدَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إرْثِ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ]

- ‌[بَابُ الْعَصَبَاتِ]

- ‌[بَابُ أُصُولِ الْمَسَائِلِ وَالْعَوْلِ وَالرَّدِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّدِّ]

- ‌[بَابُ تَصْحِيحُ الْمَسَائِلِ]

- ‌[فَصْل تَمَاثُلِ الْعَدَدَيْنِ]

- ‌[بَابُ الْمُنَاسَخَاتِ]

- ‌[بَابُ قِسْمَةِ التَّرِكَاتِ]

- ‌[بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَكَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْحَمْلِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْغَرْقَى وَمَنْ غَمَى أَيْ خَفَى مَوْتُهُمْ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ]

- ‌[فَصْلٌ يَرِثُ مَجُوسِيٌّ إذَا أَسْلَمَ أَوْ حَاكَمَ إلَيْنَا]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْمُطَلَّقَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي طَرِيقُ الْعَمَلِ فِي هَذَا الْبَابِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَقَرَّ مِنْ الْوَرَثَةِ فِي مَسْأَلَةٍ فِيهَا عَوْلٌ بِمَنْ أَيْ بِوَارِثٍ يُزِيلُ الْعَوْلَ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ]

- ‌[بَابُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الْوَلَاءِ وَجَرِّهِ وَدَوْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَرِثُ النِّسَاءُ بِالْوَلَاءِ إلَّا مَنْ أَعْتَقْنَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَوْرِ الْوَلَاءِ وَمَعْنَاهُ]

- ‌[كِتَابُ الْعِتْقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ رَقِيقِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِصِفَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ قَالَ السَّيِّدُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ]

- ‌[فَصْلٌ أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ جُزْءًا مِنْ عَبْدِهِ]

- ‌[بَابُ التَّدْبِيرِ]

- ‌[بَابُ الْكِتَابَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ نَفْعَ نَفْسِهِ وَكَسْبَهُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ أَيْ الْمُكَاتَبِ]

- ‌[فَصْلٌ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ فِي مُدَّةِ الْكِتَابَةِ بِشَرْطٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْكِتَابَةُ الصَّحِيحَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ كَاتَبَ عَبِيدَهُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ إمَاءَهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ]

- ‌[بَابُ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْكَافِرِ]

الفصل: وَاسْتُلْحِقَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ حَكَمٌ فَقُبِلَ الْوَاحِدُ فِيهِ كَالْحَاكِمِ (وَهُوَ كَحَاكِمٍ

وَاسْتُلْحِقَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ حَكَمٌ فَقُبِلَ الْوَاحِدُ فِيهِ كَالْحَاكِمِ (وَهُوَ كَحَاكِمٍ فَيَكْفِي مُجَرَّدُ خَبَرِهِ) لِقِصَّةِ مُجَزِّزٍ.

" تَنْبِيهٌ " قَوْلُهُ " مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ " أَيْ كَثِيرَ الْإِصَابَةِ فَمَنْ عَرَفَ مَوْلُودًا بَيْنَ نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ ثُمَّ وَهِيَ فِيهِنَّ فَأَصَابَ كُلَّ مُرَّةٍ فَقَائِفٌ وَقَالَ الْقَاضِي يُتْرَكُ الصَّبِيَّ بَيْنَ عَشْرَةِ رِجَالٍ غَيْرَ مُدَّعِيهِ فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمْ سَقَطَ قَوْلُهُ وَإِنَّ نَفَاهُ عَنْهُمْ تُرِك مَعَ عِشْرِينَ مِنْهُمْ مُدَّعِيهِ فَإِنَّ أَلْحَقَهُ بِهِ عُلِمَتْ إصَابَتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذِهِ التَّجْرِبَةُ عِنْدَ عَرْضِهِ عَلَى الْقَائِفِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي مَعْرِفَةِ إصَابَتِهِ وَلَوْ لَمْ تُجَرِّبُهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْإِصَابَةِ وَصِحَّةِ الْمَعْرِفَةِ فِي مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ جَازَ وَقَضِيَّةُ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي وَلَدِ الشَّرِيفِ مِنْ جَارِيَةٍ شَاهِدَةٍ بِذَلِكَ.

[كِتَابُ الْوَقْفِ]

(كِتَابُ الْوَقْفِ وَهُوَ) مَصْدَرُ وَقَفَ بِمَعْنَى حَبَسَ وَأَحْبَسَ وَسَبَلَ قَالَ الْحَارِثِيُّ وَأَوْقَفَ لُغَةٌ لِبَنِي تَمِيمٍ، وَهُوَ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَالْأَصْلُ فِيهِ: مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْتُ مَالًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ قَطُّ مَالًا أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهِ قَالَ إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ قَالَ فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ وَذَوِي الْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ - وَفِي لَفْظٍ - غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَقَالَ جَابِرٌ " لَمْ يَكُنْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذُو مَقْدِرَةٍ إلَّا وَقَفَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي تَحْبِيسِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَالْوَقْفُ (تَحْبِيسُ مَالِكٍ) بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ (مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ) وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ (مَالَهُ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ تَصَرُّفِ الْوَاقِفِ وَغَيْرِهِ فِي رَقَبَتِهِ) أَيْ الْمَالِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَعْنَى تَحْبِيسِ الْأَصْلِ

ص: 240

إمْسَاكُ الذَّاتِ عَنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكَاتِ مَعَ قَطْعِ مِلْكِهِ فِيهَا (يُصْرَفُ رِيعُهُ) أَيْ الْمَالِ (إلَى جِهَةِ بِرٍّ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ " وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ " أَيْ إطْلَاقُ فَوَائِدِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ مِنْ غَلَّةٍ وَثَمَرَةٍ وَغَيْرِهَا لِلْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَقَوْلُهُ (تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْمَطْلَعِ وَالتَّنْقِيحِ.

وَلَعَلَّ الْمُرَادَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ لِتَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ لَا لِصِحَّةِ الْوَقْفِ، فَكَثِيرٌ مِنْ الْوَاقِفِينَ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يَقْصِدُ قَصْدًا مُحَرَّمًا، كَمَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَخَافَ بَيْعَ عَقَارِهِ فِيهَا، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى أَوْ يُقَالُ: هَذَا بَيَانُ أَصْلِ مَشْرُوعِيَّةِ الْوَقْفِ وَسُمِّيَ وَقَفًا لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْقُوفَةً، وَحَبِيسًا لِأَنَّ الْعَيْنَ مَحْبُوسَةً (وَهُوَ مَسْنُونٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وَلِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ.

(وَيَصِحُّ) الْوَقْفُ (بِقَوْلٍ) وَيَأْتِي صَرِيحُهُ وَكِنَايَتُهُ (وَ) يَصِحُّ الْوَقْفُ أَيْضًا ب (فِعْلٍ) مَعَ (دَالٍّ عَلَيْهِ) أَيْ الْوَقْفِ (عُرْفًا) كَالْقَوْلِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ (مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً وَيَأْذَنَ فِي الدَّفْنِ فِيهَا) إذْنًا عَامًّا لِأَنَّ الْإِذْنَ الْخَاصَّ قَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ فَلَا يُفِيدُ دَلَالَةَ الْوَقْفِ (أَوْ يَبْنِي بُنْيَانًا عَلَى هَيْئَةِ مَسْجِدٍ وَيَأْذَنْ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ إذْنًا عَامًّا) لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِيهِ) أَيْ فِيمَا بَنَاهُ عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ نَصَّبَهُ لِذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ فِيهِ كَالْإِذْنِ الْعَامِّ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ نَوَى خِلَافَهُ نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ انْتَهَى أَيْ أَنَّ نِيَّتَهُ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ لَا أَثَرَ لَهَا قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَيْسَ يُعْتَبَرُ لِلْإِذْنِ وُجُودُ صِيغَةٍ بَلْ يَكْفِي مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ فَتْحِ الْأَبْوَابِ أَوْ التَّأْذِينِ، أَوْ كِتَابَةِ لَوْحٍ بِالْإِذْنِ أَوْ الْوَقْفِ انْتَهَى.

وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ بَيْتًا فِي الْمَسْجِدِ وَأَذَّنَ فِيهِ (أَوْ بَنَى بَيْتًا لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ) أَيْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ.

(وَالتَّطْهِيرِ وَيَشْرَعُهُ) أَيْ يَفْتَحُ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ (لَهُمْ) أَيْ لِلنَّاسِ (أَوْ يَمْلَأُ خَابِيَةً) أَوْ نَحْوَهَا (مَاءً عَلَى الطَّرِيقِ) أَوْ فِي مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى تَسْبِيلِهِ (وَلَوْ جَعَلَ سَفَلَ بَيْتِهِ مَسْجِدًا، وَانْتَفَعَ بِعُلُوِّهِ) أَيْ الْبَيْتِ صَحَّ (أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ جَعَلَ عُلُوَّ بَيْتِهِ مَسْجِدًا وَانْتَفَعَ بِسَفَلِهِ صَحَّ (أَوْ) جَعَلَ.

(وَسَطَهُ) أَيْ الْبَيْتِ مَسْجِدًا وَانْتَفَعَ بِعُلُوِّهِ وَسَفَلِهِ (وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِطْرَاقًا) إلَى مَا جَعَلَهُ مَسْجِدًا (صَحَّ) الْوَقْفُ (وَيَسْتَطْرِقُ) إلَيْهِ (كَمَا لَوْ بَاعَ) بَيْتًا مِنْ دَارِهِ (أَوْ أَجَّرَ بَيْتًا مِنْ دَارِهِ) وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ اسْتِطْرَاقًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَيَسْتَطْرِقُ إلَيْهِ عَلَى الْعَادَةِ.

(وَصَرِيحُهُ) أَيْ الْقَوْلِ (وَقَفْتُ وَحَبَسْتُ وَسَبَّلْتُ وَيَكْفِي أَحَدُهَا) فَمَنْ أَتَى بِكَلِمَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ

ص: 241

صَحَّ بِهَا الْوَقْفُ لِعَدَمِ احْتِمَالِ غَيْرِهِ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ الْمُنْضَمِّ إلَيْهِ عُرْفُ الشَّرْعِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعُمَرَ «إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَسَبَّلْتَ ثَمَرَتَهَا» فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي الْوَقْفِ كَلَفْظِ التَّطْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ وَإِضَافَةُ التَّحْبِيسِ إلَى الْأَصْلِ، وَالتَّسْبِيلُ إلَى الثَّمَرَةِ لَا يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ الثَّمَرَةَ مُحْبَسَةٌ أَيْضًا عَلَى مَا شُرِطَ صَرْفُهَا إلَيْهِ.

(وَكِنَايَتُهُ: تَصَدَّقْتُ، وَحَرَّمْتُ، وَأَبَّدْتُ) لِعَدَمِ خُلُوصِ كُلِّ لَفْظٍ مِنْهَا عَنْ الِاشْتِرَاكِ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالتَّحْرِيمُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ، وَالتَّأْبِيدُ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يُرَادُ تَأْبِيدُهُ مِنْ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ (وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (بِالْكِنَايَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ) الْمَالِكُ.

فَمَتَى أَتَى بِإِحْدَى هَذِهِ الْكِنَايَاتِ وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ نَوَى بِهَا الْوَقْفَ لَزِمَهُ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهَا بِالنِّيَّةِ صَارَتْ ظَاهِرَةً فِيهِ، وَإِنْ قَالَ مَا أَرَدْتُ بِهَا الْوَقْفَ قُبِلَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي ضَمِيرِهِ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الضَّمَائِرِ (أَوْ يُقْرِنُ بِهِ) أَيْ بِلَفْظَةِ الْكِنَايَةِ (أَحَدَ الْأَلْفَاظِ الْخَمْسَةِ) وَهِيَ الْكِنَايَتَانِ وَالصَّرَائِحُ الثَّلَاثُ (فَيَقُولُ تَصَدَّقْت) بِكَذَا (صَدَقَةً مَوْقُوفَةً، أَوْ) تَصَدَّقْتُ بِهِ صَدَقَةً (مُحْبَسَةً، أَوْ) صَدَقَةً (مُسَبَّلَةً، أَوْ) صَدَقَةً (مُؤَبَّدَةً) ، أَوْ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً، (أَوْ يَقُولُ: هَذِهِ) الْعَيْنُ (مُحَرَّمَةٌ مَوْقُوفَةٌ، أَوْ) مُحَرَّمَةٌ (مُحْبَسَةٌ، أَوْ) مُحَرَّمَةٌ (مُسَبَّلَةٌ، أَوْ) مُحَرَّمَةٌ (مُؤَبَّدَةٌ، أَوْ يَصِفُهَا) أَيْ الْكِنَايَةَ (بِصِفَاتِ الْوَقْفِ، فَيَقُولُ) تَصَدَّقْتُ بِهِ صَدَقَةً (لَا تُبَاعُ) أ (وَلَا تُوهَبُ) أ (وَلَا تُوَرَّثُ أَوْ) يُقْرِنُ الْكِنَايَةَ بِحُكْمِ الْوَقْفِ كَأَنْ (يَقُولُ: تَصَدَّقْتُ بِأَرْضِي عَلَى فُلَانٍ وَالنَّظَرُ لِي أَيَّامِ حَيَاتِي أَوْ) وَالنَّظَرُ (لِفُلَانٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِفُلَانٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى وَلَدِهِ، أَوْ) .

تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ (عَلَى فُلَانٍ، أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى قَبِيلَةِ كَذَا، أَوْ) تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى (طَائِفَةِ كَذَا) كَالْفُقَرَاءِ أَوْ الْغُزَاةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَنَحْوَهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا عَدَا الْوَقْفِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَتَى بِلَفْظِهِ الصَّرِيحِ.

(وَلَوْ قَالَ) رَبُّ دَارٍ (تَصَدَّقْت بِدَارِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ قَالَ) الْمُتَصَدِّقُ (بَعْدَ ذَلِكَ: أَرَدْت الْوَقْفَ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ فُلَانٌ) وَقَالَ إنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ، فَلِي التَّصَرُّفُ فِي رَقَبَتِهَا بِمَا أُرِيدُ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمُتَصَدِّقِ فِي الْحُكْمِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ فَيُعَايَى بِهَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَمَنْ قَالَ قَرْيَتِي الَّتِي بِالثَّغْرِ لِمَوَالِي الَّذِينَ بِهِ وَلِأَوْلَادِهِمْ صَحَّ وَقْفًا وَنَقَلَهُ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِذَا قَالَ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ: جَعَلْنَا هَذَا الْمَكَانَ مَسْجِدًا أَوْ وَقْفًا صَارَ مَسْجِدًا أَوْ وَقْفًا بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلُوا عِمَارَتَهُ وَإِذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ جَعَلْتُ مِلْكِي لِلْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ صَارَ بِذَلِكَ وَقْفًا لِلْمَسْجِدِ انْتَهَى

ص: 242

فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَقْفَ يَحْصُلُ بِكُلِّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ وَوَقْفُ الْهَازِلِ وَوَقَفَ التَّلْجِئَةِ إنْ غَلَبَ عَلَى الْوَقْفِ جِهَةُ التَّحْرِيرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كَالْعِتْقِ وَالْإِتْلَافِ وَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ شَبَهُ التَّمْلِيكِ فَيُشْبِهُ الْهِبَةَ وَالتَّمْلِيكَ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْ الْهَازِلِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ.

(وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (إلَّا بِشُرُوطٍ) خَمْسَةٍ (أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ فِي عَيْنٍ مَعْلُومَةٍ يَصِحُّ بَيْعُهَا) بِخِلَافِ نَحْوِ أُمِّ وَلَدٍ (غَيْرُ مُصْحَفٍ) فَيَصِحُّ وَقْفُهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ خِلَافٍ وَتَقَدَّمَ.

(وَ) يُعْتَبَرُ فِي الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ أَيْضًا أَنْ (يُمْكِنَ الِانْتِفَاعُ بِهَا دَائِمًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا عُرْفًا كَإِجَارَةٍ وَاسْتِغْلَالِ ثَمَرَةٍ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّ الْوَقْفَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ لَيَكُونَ صَدَقَةً جَارِيَةً وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِيمَا لَا تَبْقَى عَيْنُهُ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَإِجَارَةٍ إلَى آخِرِهِ إلَى أَنَّ الْمُنْتَفَعَ بِهِ تَارَةً يُرَادُ مِنْهُ مَا لَيْسَ عَيْنًا كَسُكْنَى الدَّارِ وَرَكُوبِ الدَّابَّةِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَتَارَةً يُرَادُ مِنْهُ حُصُولُ عَيْنٍ كَالثَّمَرَةِ مِنْ الشَّجَرِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ وَالْأَلْبَانِ وَالْبَيْضِ مِنْ الْحَيَوَانِ (عَقَارًا كَانَ) الْمَوْقُوفُ كَأَرْضٍ (أَوْ شَجَرًا أَوْ مَنْقُولًا كَالْحَيَوَانِ) كَفَرَسٍ وَقَفَهُ عَلَى الْغُزَاةِ.

(وَ) ك (الْأَثَاثِ) كَبِسَاطٍ يُفْرَشُ فِي مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ (وَ) ك (السِّلَاحِ) كَسَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ أَوْ قَوْسٍ عَلَى الْغُزَاةِ (وَالْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ) أَمَّا الْعَقَارُ فَلِحَدِيثِ عَمْرٍو وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ حَسَنَاتٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا الْأَثَاثُ وَالسِّلَاحُ فَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ حَبَسَ أَدْرَاعَهُ، وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

، وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ "، وَأَعْتِدَهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ " الْأَعْتَادُ " مَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنْ مَرْكُوبٍ، وَسِلَاحٍ، وَآلَةِ الْجِهَادِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَمَقِيسٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا مَقْصُودًا فَجَازَ وَقْفُهُ كَوَقْفِ السِّلَاحِ.

(وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُشَاعِ) كَنِصْفٍ أَوْ سَهْمٍ مِنْ عَيْنٍ يَصِحُّ وَقْفُهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْمِائَةُ سَهْمٍ الَّتِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَعْجَبَ إلَيَّ مِنْهَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: حَبِّسْ أَصْلَهَا، وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ: كَذَا سَهْمًا مِنْ كَذَا سَهْمًا قَالَهُ أَحْمَدُ (فَلَوْ وَقَفَهُ) أَيْ: الْمُشَاعَ (مَسْجِدًا ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الْحَالِ) عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِالْوَقْفِ (فَيُمْنَعُ مِنْهُ الْجُنُبُ) ، وَالسَّكْرَانُ، وَمَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ تَتَعَدَّى (ثُمَّ الْقِسْمَةُ مُتَعَيِّنَةٌ هُنَا) أَيْ: فِيمَا إذَا وَقَفَ

ص: 243

الْمُشَاعَ مَسْجِدًا (لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا لِلِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَوْجِيهًا، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ.

(وَيَصِحُّ وَقْفُ الْحُلِيِّ لِلُّبْسِ وَالْعَارِيَّةِ) لِمَا رَوَى نَافِعٌ " أَنَّ حَفْصَةَ ابْتَاعَتْ حُلِيًّا بِعِشْرِينَ أَلْفًا حَبَسَتْهُ عَلَى نِسَاءِ آلِ الْخَطَّابِ فَكَانَتْ لَا تُخْرِجُ زَكَاتَهُ رَوَاهُ الْخَلَّالُ (وَلَوْ أَطْلَقَ) وَاقِفُ الْحُلِيِّ (وَقْفَهُ) فَلَمْ يُعَيِّنْهُ لِلُبْسٍ أَوْ عَارِيَّةٍ (لَمْ يَصِحَّ) وَقْفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهِ.

(وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ فِي الذِّمَّةِ كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَبْدًا أَوْ دَارًا وَلَا وَقْفُ مُبْهَمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ هَذَيْنِ) الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ (نَقْلُ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يَصِحَّ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْهِبَةِ، فَإِنْ كَانَ) الْمُعَيَّنُ مَجْهُولًا مِثْلُ أَنْ يَقِفَ دَارًا لَمْ يَرَهَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: مَنْعُ هَذَا بَعِيدٌ، وَكَذَلِكَ هِبَتُهُ.

(وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا وَقْفُ أُمِّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا الْوَقْفُ عَلَيْهَا، وَيَأْتِي (فَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهَا) كَعَلَى زَيْدٍ (عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ مِنْهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ يَكُونَ (الرِّيعُ لَهَا) أَيْ: لِأُمِّ وَلَدِهِ (مُدَّةَ حَيَاتِهِ صَحَّ) الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ لِأُمِّ وَلَدِهِ كَاسْتِثْنَائِهَا لِنَفْسِهِ.

(وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا (وَقْفُ كَلْبٍ وَحَمْلٍ مُنْفَرِدٍ وَمَرْهُونٍ وَخِنْزِيرٍ وَسِبَاع الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ وَكَذَا جَوَارِح الطَّيْر) الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَلَا وَقْفُ مَنْفَعَة يَمْلِكُهَا كَخِدْمَةِ عَبْدٍ مُوصًى لَهُ بِهَا، وَمَنْفَعَةِ أُمِّ وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَمَنْفَعَةِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَى صِحَّتِهِ.

(وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُكَاتَبِ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ (فَإِذَا أَدَّى) مَا عَلَيْهِ عَتَقَ وَ (بَطَلَ الْوَقْفُ) ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا تَبْطُلُ بِوَقْفِهِ كَبَيْعِهِ، وَهِبَتِهِ.

(وَ) يَصِحُّ (وَقْفُ الدَّارِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّ لَمْ يَذْكُرْ حُدُودَهَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً) لِلْوَاقِفِ، وَتَقَدَّمَ لَك كَلَامُ أَبِي الْعَبَّاسِ.

(وَلَا) يَصِحُّ (وَقْفُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ دَائِمًا كَالْأَثْمَانِ) كَحَلَقَةِ فِضَّةٍ تُجْعَلُ فِي بَابِ مَسْجِدٍ، وَكَوَقْفِ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ لِيُنْتَفَعَ بِاقْتِرَاضِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسُ الْأَصْلُ، وَتَسْبِيلُ الثَّمَرَةِ، وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْإِتْلَافِ لَا يَصِحُّ فِيهِ ذَلِكَ، فَيُزَكِّي النَّقْدَ رَبُّهُ بِبَقَائِهِ فِي مِلْكِهِ (إلَّا) إذَا وَقَفَ الْأَثْمَانَ (تَبَعًا كَفَرَسٍ بِسَرْجٍ وَلِجَامٍ مُفَضَّضَيْنِ فَيُبَاعُ ذَلِكَ) أَيْ: مَا فِي السَّرْجِ، وَاللِّجَامِ الْمُفَضَّضَيْنِ مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ فِيهِ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا (وَيُنْفِقُ) مَا حَصَلَ مِنْ ثَمَنِهِ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْفَرَسِ الْحَبِيسِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ (نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَرَسِ الْحَبِيسِ) ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: وَإِنْ بِيعَ الْفِضَّةُ مِنْ السَّرْجِ

ص: 244

وَاللِّجَامِ وَجُعِلَ فِي وَقْفِ مِثْلِهِ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ فِيهِ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَلَعَلَّهُ يُشْتَرَى بِتِلْكَ الْفِضَّةِ سَرْجٌ، وَلِجَامٌ، فَيَكُونُ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ قِيلَ: فَتُبَاعُ الْفِضَّةُ، وَتُجْعَلُ فِي نَفَقَتِهِ قَالَ: لَا قَالَ فِي الْمُغْنِي: فَأَبَاحَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِفِضَّةِ السَّرْجِ، وَاللِّجَامِ سَرْجًا وَلِجَامًا؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لَهَا فِي جِنْسِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا فِيهِ فَأَشْبَهَ الْفَرَسَ الْحَبِيسَ إذَا عَطِبَ فَلَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي الْجِهَاد جَازَ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ وَلَمْ يَجُزْ إنْفَاقُهَا عَلَى الْفَرَسِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لَهَا إلَى غَيْرِ جِهَتِهَا.

(وَلَا) يَصِحُّ وَقْفُ (مَطْعُومٍ وَمَشْرُوبٍ غَيْرُ مَاءٍ وَلَا وَقْفُ شَمْعٍ وَرَيَاحِين) لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْمَاءُ فَيَصِحَّ وَقْفُهُ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ وَقَدْ نَقَلْنَا كَلَامَ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِ فِيهِ فِي الْحَاشِيَةِ.

(وَلَوْ وُقِفَ قِنْدِيلُ نَقْدٍ عَلَى مَسْجِدٍ) أَوْ نَحْوِهِ (لَمْ يَصِحَّ) الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ (وَهُوَ) أَيْ: الْقِنْدِيلُ (بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ فَيُزَكِّيهِ) لِبُطْلَانِ وَقْفِهِ (وَلَوْ تَصَدَّقَ بِدُهْنٍ عَلَى مَسْجِدٍ لِيُوقَدَ فِيهِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ تَنْوِيرَ الْمَسْجِدِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ (وَهُوَ مِنْ بَابِ الْوَقْفِ قَالَهُ الشَّيْخُ) كَوَقْفِ الْمَاءِ.

الشَّرْطُ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ) الْوَقْفُ (عَلَى بِرٍّ) ، وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ، وَأَصْلُهُ الطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ اشْتِرَاطُ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي الصَّرْفِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ قُرْبَةٌ، وَصَدَقَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا فِيمَا لِأَجْلِهِ الْوَقْفُ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ (مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْمُسْلِمِ الْوَقْفُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ مِنْ الذِّمِّيِّ كَالْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ قَالَ أَحْمَدُ فِي نَصَارَى وَقَفُوا عَلَى الْبِيعَةِ، وَمَاتُوا وَلَهُمْ أَبْنَاءٌ نَصَارَى فَأَسْلَمُوا، وَالضِّيَاعُ بِيَدِ النَّصَارَى فَلَهُمْ أَخْذُهَا، وَلِلْمُسْلِمِينَ عَوْنُهُمْ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ لَا يُقَالُ: مَا عَقَدَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَتَقَابَضُوهُ ثُمَّ أَسْلَمُوا أَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ.

فَإِذَا لَمْ يَقَعْ صَحِيحًا لَمْ يَزُلْ الْمِلْكُ فَيَبْقَى بِحَالِهِ كَالْعِتْقِ، وَالْقُرْبَةِ قَدْ تَكُونُ عَلَى الْآدَمِيِّ (كَالْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ) ، وَالْغُزَاةِ، وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ.

(وَ) قَدْ تَكُونُ عَلَى غَيْرِ آدَمِيٍّ ك (الْحَجِّ، وَالْغَزْوِ، وَكِتَابَةِ الْفِقْهِ وَ) كِتَابَةِ (الْعِلْمِ وَ) كِتَابَةِ (الْقُرْآنِ وَ) ك (السِّقَايَاتِ) جَمْعُ سِقَايَةٍ بِكَسْرِ السِّينِ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُتَّخَذُ فِيهِ الشَّرَابُ فِي الْمَوَاسِمِ، وَغَيْرِهَا، وَتُطْلَقُ عَلَى مَا بُنِيَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَلَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَالْغَرِيبِ (وَالْقَنَاطِرِ، وَإِصْلَاحِ الطُّرُقِ، وَالْمَسَاجِدِ، وَالْمَدَارِسِ والبيمارستانات نَاتِ، وَ) إنْ كَانَتْ مَنَافِعُهَا تَعُودُ عَلَى الْآدَمِيِّ فَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَمِنْ النَّوْعِ الْأَوْلِ (الْأَقَارِبُ) فَيَصِحُّ

ص: 245

الْوَقْفُ عَلَى الْقَرِيبِ (مِنْ مُسْلِمٍ، وَذِمِّيٍّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرَبِ) كَالرُّبُطِ، وَالْخَانَاتِ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ.

(وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى مُبَاحٍ) كَتَعْلِيمِ شِعْرٍ مُبَاحٍ (وَ) لَا عَلَى (مَكْرُوهٍ) كَتَعْلِيمِ مَنْطِقٍ لِانْتِفَاءِ الْقُرْبَةِ (وَ) لَا عَلَى (مَعْصِيَةٍ) ، وَيَأْتِي أَمْثِلَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَعُونَةِ عَلَيْهَا.

(وَيَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى ذِمِّيٍّ) مُعَيَّنٍ (غَيْرِ قَرِيبِهِ) وَلَوْ مِنْ مُسْلِمٍ لِجَوَازِ صِلَتِهِ (وَشَرْطُ اسْتِحْقَاقِهِ مَا دَامَ ذِمِّيًّا لَاغٍ، وَيَسْتَمِرُّ لَهُ إذَا أَسْلَمَ) بِطَرِيقٍ أَوْلَى (كَمَعَ عَدَمِ هَذَا الشَّرْطِ) .

(وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ السُّتُورِ) السُّتُورِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَرِيرًا (لِغَيْرِ الْكَعْبَةِ) كَوَقْفِهَا عَلَى الْأَضْرِحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ (بِقُرْبَةٍ وَيَصِحُّ وَقْفُ عَبْدِهِ عَلَى حُجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِإِخْرَاجِ تُرَابِهَا، وَإِشْعَالِ قَنَادِيلِهَا، وَإِصْلَاحِهَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ قُرْبَةً فِي الْجُمْلَةِ وَ (لَا) يَصِحُّ وَقْفُ الْعَبْدِ (لِإِشْعَالِهَا وَحْدَهُ، وَتَعْلِيقِ سُتُورِهَا الْحَرِيرِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَكَنْسِ الْحَائِطِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْوَاقِفِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُمَكَّنُ مِنْ تِلْكَ الْقُرْبَةِ فَلَوْ أَرَادَ الْكَافِرُ أَنْ يَقِفَ مَسْجِدًا مُنِعَ مِنْهُ.

(وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى كَنَائِسَ وَبُيُوتِ نَارٍ وَبِيَعٍ وَصَوَامِعَ وَدُيُورَةٍ وَمَصَالِحهَا) كَقَنَادِيلِهَا، وَفُرُشِهَا، وَوُقُودهَا، وَسَدَنَتِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ.

(وَلَوْ) كَانَ الْوَقْفُ مَا ذُكِرَ (مِنْ ذِمِّيٍّ) فَلَا يَصِحُّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْمُسْلِمِ لَا يَصِحُّ مِنْ الذِّمِّيِّ قَالَ فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ: وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى كُلِّ وَقْفٍ وُقِفَ عَلَى كَنِيسَةٍ، وَبَيْتِ نَارٍ أَوْ بِيعَةٍ، وَيَجْعَلَهَا عَلَى جِهَةِ قُرُبَاتٍ انْتَهَى، وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ وَرَثَةُ وَاقِفِهَا، وَإِلَّا فَلِلْوَرَثَةِ أَخْذُهَا كَمَا تَقَدَّمَ (بَلْ) يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى (مَنْ يَنْزِلُهَا) أَيْ: الْكَنَائِسَ، وَالدُّيُورَةَ، وَنَحْوَهَا (مِنْ مَارٍّ، وَمُجْتَازٍ بِهَا فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِمْ لَا عَلَى الْبُقْعَةِ، وَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ جَائِزَةٌ (وَلَوْ كَانَ) الْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِهَا أَوْ يَجْتَازُ (مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَطْ) فَيَصِحُّ الْوَقْفُ نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ الْمُنْتَخَبِ، وَالرِّعَايَةِ وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي فِي بِنَاءِ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ الْمُجْتَازُ مِنْهُمْ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَلَمْ أَرَ مَا قَالَهُ عَنْ الرِّعَايَةِ فِيهَا فِي مَظِنَّتِهِ بَلْ قَالَ فِيهَا: فَيَصِحُّ مِنْهَا عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِهَا أَوْ يَنْزِلُهَا أَوْ يَجْتَازُ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ خَصَّ الْمَارَّةَ مِنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ بُطْلَانِ الْوَقْفِ عَلَى

ص: 246

الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى:، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

(وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى كِتَابَةِ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَلَوْ) كَانَ الْوَقْفُ (مِنْ ذِمِّيٍّ) لِوُقُوعِ التَّبْدِيلِ، وَالتَّحْرِيفِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَضِبَ لَمَّا رَأَى مَعَ عُمَرَ صَحِيفَةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ "، وَكَذَا كُتُبُ بِدْعَةٍ (وَوَصِيَّةٌ كَوَقْفٍ فِي ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِمَّا تَقَدَّمَ فَتَصِحُّ فِيمَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَتَبْطُلُ فِيمَا لَا يَصِحُّ عَلَيْهِ.

(وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ أَيْضًا (عَلَى) طَائِفَةٍ (الْأَغْنِيَاءِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَجِنْسِ الْفَسَقَةِ الْفَسَقَةِ وَالْمَغَانِي وَلَا عَلَى التَّنْوِيرِ عَلَى قَبْرٍ وَ) لَا عَلَى (تَبْخِيرِهِ وَلَا عَلَى مَنْ يُقِيمُ عِنْدَهُ أَوْ يَخْدُمُهُ أَوْ يَزُورُهُ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ، لَكِنْ فِي مَنْعِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَزُورُهُ نَظَرٌ: فَإِنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ سُنَّةٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى زِيَارَةٍ فِيهَا سَفَرٌ.

(وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ أَيْضًا (عَلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ عَلَيْهِ) أَيْ: الْقَبْرِ (وَلَا وَقْفُ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ الْقَبْرُ مَسْجِدًا) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ، وَالسُّرُجَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.

(وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ أَيْضًا (عَلَى حَرْبِيٍّ وَ) لَا عَلَى (مُرْتَدٍّ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَجُوزُ إزَالَتُهُ، وَالْوَقْفُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا؛ وَلِأَنَّ إتْلَافَ أَنْفُسِهِمَا، وَالتَّضْيِيقَ عَلَيْهِمَا وَاجِبٌ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِبَقَائِهِمَا، وَالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمَا، وَفِي الْإِنْصَافِ لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ عَلَى ذِمِّيَّةٍ لَزِمَهُ.

(وَلَا) يَصِحُّ وَقْفُ الْإِنْسَانِ (عَلَى نَفْسِهِ) عِنْدَ الْأَكْثَرِ نَقَلَ حَنْبَلٌ، وَأَبُو طَالِبٍ مَا سَمِعْتُ بِهَذَا وَلَا أَعْرِفُ الْوَقْفَ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ لِلَّهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ إمَّا لِلرَّقَبَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ هُنَا، إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ كَبَيْعِهِ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ (فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى مَنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَوَلَدِهِ (صُرِفَ) الْوَقْفُ (فِي الْحَالِ إلَى مَا بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَعَدَمِهِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ ابْتِدَاءً، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ نَفْسِهِ فَمِلْكُهُ بِحَالِهِ، وَيُوَرَّثُ عَنْهُ، وَعَنْهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ عَلَيْهَا الْعَمَلُ فِي زَمَنِنَا وَقَبْلِهِ عِنْدَ حُكَّامِنَا مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِيهِ

مَصْلَحَةٌ

عَظِيمَةٌ، وَتَرْغِيبٌ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ، وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَتَى حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ ظَاهِرًا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الْقَضَاءِ بِالْمَرْجُوحِ مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَى قُلْت: هَذَا فِي الْمُجْتَهِدِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ أَمَّا الْمُقَلِّدُ

ص: 247

فَلَا.

(وَإِنْ وَقَفَ) الْإِنْسَانُ (لِغَيْرِهِ) كَأَوْلَادِهِ أَوْ مَسْجِدٍ (وَاسْتَثْنَى كُلَّ الْغَلَّةِ لَهُ) أَيْ: لِنَفْسِهِ صَحَّ (أَوْ) وَقَفَ عَلَى نَحْوِ مَسْجِدٍ، وَاسْتَثْنَى الْغَلَّةَ (لِوَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ اسْتَثْنَى الْأَكْلَ) مِمَّا أَوْقَفَهُ (أَوْ) اسْتَثْنَى (النَّفَقَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى عِيَالِهِ) مِمَّا وَقَفَهُ (أَوْ) شَرَطَ (الِانْتِفَاعَ لِنَفْسِهِ، وَعِيَالِهِ، وَنَحْوِهِمْ وَلَوْ) كَانَ الِانْتِفَاعُ (بِسُكْنَى مُدَّة حَيَاتِهِمْ أَوْ) شَرَطَ (أَنْ يُطْعِمَ صَدِيقَهُ صَحَّ) الْوَقْفُ عَلَى مَا قَالَ (سَوَاءٌ قَدَّرَ ذَلِكَ) أَيْ: مَا يَأْكُلُهُ هُوَ أَوْ عِيَالُهُ أَوْ صَدِيقُهُ، وَنَحْوُهُ (أَوْ أَطْلَقَهُ) لِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا وَقَفَ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ، وَكَانَ الْوَقْفُ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ (فَلَوْ مَاتَ) الْوَاقِفُ (الْمَشْرُوطُ لَهُ) نَحْوَ السُّكْنَى (فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ) لَنَحْوِ السُّكْنَى (فَلِوَرَثَتِهِ) السُّكْنَى، وَنَحْوِهَا (بَاقِي الْمُدَّةِ لَهُمْ) أَيْ: وَرَثَتِهِ (إجَارَتُهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِهِ) كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا، وَاسْتَثْنَى سُكْنَاهَا سَنَةً قُلْت: فَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ إجَارَةِ مَا مَلَكَ مَنْفَعَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْوَاقِفُ لَهُ (وَلَوْ وَقَفَ) شَيْئًا (عَلَى الْفُقَرَاءِ فَافْتَقَرَ) الْوَاقِفُ (شَمَلَهُ) الْوَقْفُ (وَتَنَاوَلَ) الْوَاقِفُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ نَفْسَهُ، وَإِنَّمَا وُجِدَتْ الْجِهَةُ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا.

(وَلَوْ وَقَفَ) إنْسَانٌ (مَسْجِدًا، أَوْ مَقْبَرَةً، أَوْ بِئْرًا، أَوْ مَدْرَسَةً لِعُمُومِ الْفُقَهَاءِ أَوْ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ) كَالْحَنَابِلَةِ (أَوْ) وَقَفَ (رِبَاطًا أَوْ غَيْرَهُ لِلصُّوفِيَّةِ) أَوْ نَحْوَهُمْ (مِمَّا يَعُمُّ، فَهُوَ) أَيْ: الْوَاقِفُ (كَغَيْرِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالِانْتِفَاعِ) بِمَا وَقَفَهُ لِقَوْلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه «هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرُ بِئْرِ رُومَةَ فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ فِيهَا دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي فَجَعَلْتُ فِيهَا دَلْوِي مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ» ، وَالصُّوفِيُّ الْمُتَبَتِّلُ لِلْعِبَادَةِ، وَتَصْفِيَةِ النَّفْسِ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ (لَكِنْ مَنْ كَانَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ جَمَّاعًا لِلْمَالِ وَلَمْ يَتَخَلَّقْ

ص: 248

بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ، وَلَا تَأَدَّبَ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ غَالِبًا، لَا آدَابٍ وَضْعِيَّةٍ) أَيْ: لَا أَثَرَ لِتَأْدِيبِهِمْ بِآدَابِهِمْ الْمَوْضُوعَةِ لَهُمْ غَيْرِ الْمَطْلُوبَةِ شَرْعًا (أَوْ) كَانَ (فَاسِقًا، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا) مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ (قَالَهُ الشَّيْخُ) لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهِمْ.

(وَقَالَ: الصُّوفِيُّ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ يُعْتَبَرُ لَهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي دِينِهِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لِغَالِبِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ) الْآدَابُ (وَاجِبَةً: كَآدَابِ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَاللِّبَاسِ، وَالنَّوْمِ، وَالسَّفَرِ، وَالصُّحْبَةِ، وَالْمُعَامَلَةِ مَعَ الْخَلْقِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آدَابِ الشَّرِيعَةِ قَوْلًا، وَفِعْلًا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ مِنْ الْآدَابِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا فِي الدِّينِ مِنْ الْتِزَامِ شَكْلٍ مَخْصُوصٍ فِي اللُّبْسَةِ، وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُسْتَحَبُّ فِي الشَّرِيعَةُ) الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَانِعًا بِالْكِفَايَةِ مِنْ الرِّزْقِ بِحَيْثُ لَا يُمْسِكُ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ) ذَكَرَهُ (فِي كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الصُّوفِيِّ لِبَاسُ الْخِرْقَةِ الْمُتَعَارَفَةِ عِنْدَهُمْ مِنْ يَدِ شَيْخٍ) إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الشَّرْعِ.

(وَلَا رُسُومٌ اشْتَهَرَ تَعَارُفُهَا بَيْنَهُمْ) عِبَارَةُ الْحَارِثِيِّ وَلِمُتَأَخِّرِي مَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ رُسُومٌ اشْتَهَرَ تَعَارُفُهَا بَيْنَهُمْ (فَمَا وَافَقَ مِنْهَا الْكِتَابَ، وَالسُّنَّةَ فَهُوَ حَقٌّ، وَمَا لَا فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى اشْتِرَاطِهِ) ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ (قَالَهُ الْحَارِثِيُّ) .

الشَّرْطُ (الثَّالِثُ) مِنْ شُرُوطِ الْوَقْفِ (أَنْ يَقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ) مِنْ جِهَةٍ، كَمَسْجِدِ كَذَا أَوْ شَخْصِ: كَزَيْدٍ (يَمْلِكُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي تَحْبِيسَ الْأَصْلِ تَحْبِيسًا لَا تَجُوزُ إزَالَتُهُ، وَمَنْ مِلْكُهُ غَيْرُ ثَابِتٍ تَجُوزُ إزَالَتُهُ، وَالْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاجِدِ، وَنَحْوِهَا وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ عَيْنٌ فِي نَفْعٍ خَاصٍّ لَهُمْ (فَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى مَجْهُولٍ كَرَجُلٍ، وَمَسْجِدٍ، وَنَحْوِهِمَا) كَسِقَايَةٍ وَرِبَاطٍ، وَلَا عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الْمَسْجِدَيْنِ لِتَرَدُّدِهِ.

(وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى مَيِّتٍ، وَجِنِّيٍّ وَرَقِيقٍ قِنٍّ، مَثَلًا وَمُدَبَّرٍ وَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَلَدٍ وَمُكَاتَبٍ) ، وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ، وَالْمُكَاتَبُ مِلْكُهُ ضَعِيفٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ.

(وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ أَيْضًا (عَلَى حَمْلٍ أَصَالَةً) كَوَقَفْتُ دَارِي عَلَى مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ إذْنٍ، وَالْحَمْلُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ بِغَيْرِ الْإِرْثِ، وَالْوَصِيَّةِ (لَا) إنْ وَقَفَ عَلَى الْحَمْلِ (تَبَعًا) لِمَنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ (ك) وَقَفْتُ (عَلَى أَوْلَادِي أَوْ) عَلَى (أَوْلَادِ فُلَانٍ)، وَفِيهِمْ حَمْلٌ فَيَشْمَلُهُ الْوَقْفُ عَلَى مَا يَأْتِي أَوْ قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا،

ص: 249

(أَوْ) أَوْلَادِ زَيْدٍ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا، وَنَحْوِهِ ف (انْتَقَلَ الْوَقْفُ إلَى بَطْنٍ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَفِيهِمْ حَمْلٌ فَيَسْتَحِقُّ) مَعَهُمْ (بِوَضْعِهِ مِنْ ثَمَرٍ، وَزَرْعٍ مَا يَسْتَحِقُّ مُشْتَرٍ) عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ، وَالثِّمَارِ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: يَسْتَحِقُّ مِنْ زَرْعٍ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْحَصَادَ، وَمِنْ نَخْلٍ لَمْ يُؤَبَّرْ فَإِنْ بَلَغَ الزَّرْعُ الْحَصَادَ أَوْ أُبِّرَ النَّخْلُ لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْهُ شَيْئًا وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْقَوَاعِدِ.

(وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى مَعْدُومٍ أَصْلًا) أَيْ: أَصَالَةً (ك) قَوْلِهِ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى (مَنْ سَيُولَدُ) لِي أَوْ لِفُلَانٍ (أَوْ) عَلَى مَنْ (يَحْدُثُ لِي أَوْ لِفُلَانٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ (وَيَصِحُّ) الْوَقْفُ عَلَى الْمَعْدُومِ (تَبَعًا) كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي، وَمَنْ سَيُولَدُ لِي، أَوْ عَلَى أَوْلَادِ زَيْدٍ، وَمَنْ يُولَدُ لَهُ، أَوْ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا.

(وَلَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ (عَلَى مَلَكٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَحَدُ الْمَلَائِكَةِ (كَجِبْرِيلَ، وَنَحْوِهِ وَلَا عَلَى بَهِيمَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ.

(وَإِنْ قَالَ: وَقَفْتُ كَذَا مَثَلًا وَسَكَتَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَصْرِفَهُ، فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ) فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمُمَلَّكِ (وَلِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَصْرِفِ) مَعَ ذِكْرِهِ (مُبْطِلَةٌ، فَعَدَمُ ذِكْرِهِ أَوْلَى) بِالْإِبْطَالِ وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الْوَقْفُ صَحِيحٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا، فَظَاهِرُهُ أَنَّ فِي الصِّحَّةِ خِلَافًا انْتَهَى وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّ صَاحِبَ الْإِنْصَافِ لَمْ يَطَّلِعْ فِيهِ عَلَى خِلَافٍ لِلْأَصْحَابِ، وَكَذَا لَمْ يَحْكِ الْحَارِثِيُّ فِي صِحَّتِهِ خِلَافًا بَيْنَ الْأَصْحَابِ قَالَ: وَلَنَا أَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَصَحَّ مُطْلَقًا كَالْأُضْحِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةِ أَمَّا صُورَةُ الْمَجْهُولِ: فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِطْلَاقَ يُفِيدُ مَصْرِفَ الْبِرِّ، لِخُلُوِّ اللَّفْظِ عَنْ الْمَانِعِ مِنْهُ، وَكَوْنُهُ مُتَعَارَفًا فَالصَّرْفُ إلَيْهِ ظَاهِرٌ فِي مُطَابَقَةِ مُرَادِهِ وَلَا كَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِالْمَجْهُولِ فَإِنَّهُ قَدْ يُرِيدُ مُعَيَّنًا غَيْرَ مَا قُلْنَا مِنْ الْمُتَعَارَفِ فَيَكُونُ إذْنُ الصَّرْفِ إلَى الْمُتَعَارَفِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِمُرَادِهِ فَيَنْتَفِي الصَّرْفُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَصِحَّ.

الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَقِفَ نَاجِزًا) غَيْرَ مُعَلَّقٍ وَلَا مُؤَقَّتٍ وَلَا مَشْرُوطٍ بِنَحْوِ خِيَارٍ (فَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الْوَقْفَ (بِشَرْطٍ غَيْرِ مَوْتِهِ لَمْ يَصِحَّ) الْوَقْفُ سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ لِابْتِدَائِهِ كَقَوْلِهِ: إذَا قَدِمَ زَيْدٌ، أَوْ وُلِدَ لِي وَلَدٌ، أَوْ جَاءَ رَمَضَانُ، فَدَارِي وَقْفٌ عَلَى كَذَا، أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ لِانْتِهَائِهِ، كَقَوْلِهِ: دَارِي وَقْفٌ عَلَى كَذَا إلَى أَنْ يَحْضُرَ زَيْدٌ أَوْ يُولَدَ لِي وَلَدٌ، وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ فِيمَا لَمْ يَبِنْ عَلَى التَّغْلِيبِ، وَالسِّرَايَةِ، فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ كَالْهِبَةِ.

(وَإِنْ قَالَ: هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ فَصَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ: قِفُوا دَارِي بَعْد مَوْتِي عَلَى كَذَا، وَاحْتَجَّ

ص: 250

الْإِمَامُ بِأَنَّ عُمَرَ وَصَّى، فَكَانَ فِي وَصِيَّتِهِ " هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ أَنَّ ثَمَغًا صَدَقَةٌ "، وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْخَبَرِ.

وَرَوَى نَحْوَهُ أَبُو دَاوُد قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَثَمَغٌ بِالْفَتْحِ مَالٌ بِالْمَدِينَةِ لِعُمَرَ وَقَفَهُ (وَيَكُونُ) الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ (لَازِمًا) مِنْ حِينِ قَوْلِهِ: هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ، وَبَيْنِ الْمُدَبَّرِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْفَرْقُ عَسِرٌ جِدًّا، وَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ نَحْوَ أَمَةٍ، فَفِي الْقَوَاعِدِ: صَارَتْ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَهَا وَوَلَدَهَا انْتَهَى وَأَمَّا الْكَسْبُ، وَنَحْوُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلْوَاقِفِ، وَوَرَثَتِهِ إلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ قَبْلَ الْمَوْتِ لِقَوْلِ الْمَيْمُونِيِّ لِلْإِمَامِ، وَالْوُقُوفُ إنَّمَا هِيَ شَيْءٌ وَقَفَهُ بَعْدَهُ، وَهُوَ مِلْكُ السَّاعَةِ.

(وَيُعْتَبَرُ) الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ تَوَقَّفَ لُزُومُ الْوَقْفِ فِي الزَّائِدِ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَإِذَا قَالَ: دَارِي وَقْفٌ عَلَى مَوَالِيَّ بَعْدَ مَوْتِي دَخَلَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَمُدَبَّرُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ مَوَالِيهِ حَقِيقَةً إذَنْ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.

(وَإِنْ شَرَطَ) الْوَاقِفُ فِي الْوَقْفِ (شَرْطًا فَاسِدًا كَخِيَارٍ فِيهِ) بِأَنْ قَالَ: وَقَفْتُهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لَمْ يَصِحَّ أَ (و) بِشَرْطِ (تَحْوِيلِهِ) أَيْ: الْوَقْفِ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ بِأَنْ قَالَ: وَقَفْتُ دَارِي عَلَى كَذَا عَلَى أَنْ أَحُوِّلَهَا عَنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، أَوْ عَنْ الْوَقْفِيَّةِ بِأَنْ أَرْجِعَ فِيهَا مَتَى شِئْتُ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ.

(وَ) كَشَرْطِهِ (تَغْيِيرَ شَرْطِهِ، وَ) كَشَرْطِ (بَيْعِهِ) مَتَى شَاءَ (وَ) شَرْطِهِ (هِبَتَهُ، وَ) شَرْطِهِ (مَتَى شَاءَ أَبْطَلَهُ، وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ (وَلَوْ شَرَطَ الْبَيْعَ عِنْدَ خَرَابِهِ) أَيْ: الْوَقْفِ.

(وَصَرْفَ الثَّمَنِ فِي مِثْلِهِ أَوْ شَرَطَهُ لِلْمُتَوَلِّي بَعْدَهُ) ، وَهُوَ مَنْ يَنْظُرُ فِي الْوَقْفِ (فَسَدَ الشَّرْطُ فَقَطْ) وَصَحَّ الْوَقْفُ مَعَ إلْغَاءِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ، وَهَذَا وَجْهٌ حَكَاهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَحَكَى قَبْلَهُ عَنْهُمَا، وَعَنْ ابْنِ الْبِنَاءِ، وَغَيْرِهِمْ: يَبْطُلُ الْوَقْفُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْوَجْهِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ، وَإِلْغَاءِ الشَّرْطِ، وَلَا يَصِحُّ فَإِنَّ إلْغَاءَ الشَّرْطِ إبْطَالٌ لِلْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ، وَالْبَيْعُ عِنْدَ الْخَرَابِ ثَابِتٌ، وَالثَّابِتُ اشْتِرَاطُهُ تَأْكِيدٌ لَهُ.

الشَّرْطُ (الْخَامِس أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ، وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ سَفِيهٍ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ الْمَالِيَّةِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا فِي يَدِهِ بِالْوَقْفِ، وَغَيْرِهِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِالْوَقْفِ حَتَّى يَثْبُتُ الْمِلْكُ.

ص: 251