الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ السَّبَقِ وَالْمُنَاضَلَةِ]
ِ السَّبْقُ بِسُكُونِ الْبَاءِ بُلُوغُ الْغَايَةِ قَبْلَ غَيْرِهِ وَالسَّبَّاقُ فَعَّالٌ مِنْهُ وَ (السَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ) وَالسُّبْقَةُ (الْجُعْلُ الَّذِي يُسَابَقُ عَلَيْهِ وَ) السَّبْقُ (بِسُكُونِهَا) أَيْ الْبَاءِ مَصْدَرُ سَبَقَ وَهُوَ (الْمُجَارَاةُ بَيْنَ حَيَوَانٍ وَنَحْوِهِ) كَسُفُنٍ (وَالْمُنَاضَلَةُ) مِنْ النَّضْلِ يُقَالُ: نَاضَلَهُ مُنَاضَلَةً وَنِضَالًا وَنَيْضَالًا وَهِيَ (الْمُسَابَقَةُ بِالسِّهَامِ) وَهِيَ النُّشَّابُ وَالنَّبْلُ (تَجُوزُ) الْمُسَابَقَةُ (بِلَا عِوَضٍ عَلَى الْأَقْدَامِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ مِنْ إبِلٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَفِيلَةٍ) جَمْعُ فِيلٍ (وَطُيُورٍ حَتَّى بِحَمَامٍ) خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ (وَبَيْنَ سُفُنٍ وَمَزَارِيقَ) جَمْعُ مِزْرَاقٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ: رُمْحٌ قَصِيرٌ أَخَفُّ مِنْ الْعَنَزَةِ قَالَهُ فِي حَاشِيَتِهِ.
(وَنَحْوِهَا) كَالرُّمْحِ وَالْعَنَزَةِ (وَمَجَانِيقَ وَرَمْيِ أَحْجَارٍ بِيَدٍ وَمَقَالِيعَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] الْآيَةُ وَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الْمُضْمَرَةِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ وَبَيْنَ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ» قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ.
وَقَالَ سُفْيَانُ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ وَالْخَيْلُ الْمُضْمَرَةُ هِيَ الْمَعْلُوفَةُ الْقُوتِ بَعْدَ السِّمَنِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ.
(وَيُكْرَهُ الرَّقْصُ وَمَجَالِسُ الشِّعْرِ وَكُلُّ مَا يُسَمَّى لَعِبًا) ذَكَرَهُ فِي الْوَسِيلَةِ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ الْآتِي (إلَّا مَا كَانَ مُعِينًا عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(فَيُكْرَهُ لَعِبُهُ بِأُرْجُوحَةٍ) وَنَحْوِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ (وَكَذَا مُرَامَاةُ الْأَحْجَارِ وَنَحْوِهَا وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ الْحَجَرَ إلَى صَاحِبِهِ) .
قَالَ الْآجُرِّيُّ فِي النَّصِيحَةِ مَنْ وَثَبَ وَثْبَةً مَرَحًا وَلَعِبًا بِلَا نَفْعٍ فَانْقَلَبَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ عَصَى وَقَضَى الصَّلَاةَ (وَظَاهِرُ) كَلَامِ الشَّيْخِ: لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ الْمَعْرُوفُ بِالطَّابِ وَالنَّقِيلَةِ قَالَ: وَيَجُوزُ اللَّعِبُ بِمَا قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ بِلَا مَضَرَّةٍ (وَقَالَ: كُلُّ فِعْلٍ أَفْضَى إلَى مُحَرَّمٍ كَثِيرًا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلشَّرِّ وَالْفَسَادِ.
وَقَالَ أَيْضًا: مَا أَلْهَى وَشَغَلَ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُحَرِّمْ جِنْسَهُ، كَبَيْعٍ وَتِجَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا انْتَهَى) وَمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ
وَجِوَارِي مَعَهَا كُنَّ يَلْعَبْنَ بِاللُّعَبِ «وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرَاهُنَّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ " وَكَانَتْ لَهَا أُرْجُوحَةٌ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ فَيُرَخَّصُ فِيهِ لِلصِّغَارِ مَا لَا يُرَخَّصُ لِلْكِبَارِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ فِي زَمَّارَةِ الرَّاعِي قُلْت: وَلَعِبُ الْجَوَارِي بِاللُّعَبِ غَيْرِ الْمُصَوَّرَةِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلتَّمَرُّنِ عَلَى مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُنَّ عَادَةً وَيُتَوَجَّهُ كَذَا فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ، لِقِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «دَعْهُمَا فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ» .
(وَيُسْتَحَبُّ اللَّعِبُ بِآلَةِ الْحَرْبِ قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَالثِّقَافُ) لِأَنَّهُ يُعِينُ عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ.
(وَيَتَعَلَّمُ بِسَيْفٍ خَشَبٍ لَا حَدِيدٍ نَصًّا) نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ بِحَدِيدٍ» .
(وَلَيْسَ مِنْ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمِ وَلَا) اللَّهْوِ (الْمَكْرُوهِ تَأْدِيبُ فَرَسِهِ وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ وَرَمْيُهُ عَنْ قَوْسِهِ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا «كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ ابْنُ آدَمَ فَهُوَ بَاطِلٌ ثُمَّ اسْتَثْنَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْمُرَادُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَيَدْخُلُ فِيهِ تَعْلِيمُ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ وَتَعْلِيمُ السِّبَاحَةِ، وَمِنْهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «مِنْ لَعِبِ الْحَبَشَةِ بِدَرَقِهِمْ وَحِرَابِهِمْ وَتَوَثُّبِهِمْ بِذَلِكَ عَلَى هَيْئَةِ الرَّقْصِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَتَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ وَهِيَ تَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَدَخَلَ عُمَرُ فَأَهْوَى إلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: دَعْهُمْ يَا عُمَرُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَيُكْرَهُ لِمَنْ عُلِّمَ الرَّمْيَ أَنْ يَتْرُكَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَمَنْ عُلِّمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَهِيَ نِعْمَةٌ كَفَرَهَا» قَالَ الْعَلْقَمِيُّ: وَرَدَتْ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَسَبَبُ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ: أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ حَصَلَتْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الدِّفَاعِ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَنِكَايَةِ الْعَدُوِّ، وَتَأَهَّلَ لِوَظِيفَةِ الْجِهَادِ فَإِذَا تَرَكَهُ فَقَدْ فَرَّطَ فِي الْقِيَامِ بِمَا قَدْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ.
(وَتَجُوزُ الْمُصَارَعَةُ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «صَارَعَ رُكَانَةَ فَصَرَعَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَ) يَجُوزُ رَفْعُ الْأَحْجَارِ لِمَعْرِفَةِ الْأَشَدِّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُصَارَعَةِ.
(وَأَمَّا اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ، وَنِطَاحِ الْكِبَاشِ، وَنِقَارِ الدُّيُوكِ فَلَا يُبَاحُ بِحَالٍ) أَيْ لَا بِعِوَضٍ وَلَا بِغَيْرِهِ وَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ مُوَضَّحًا (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ (بِالْعِوَضِ أَحْرَمُ) أَيْ أَشَدُّ حُرْمَةً وَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ.
(وَلَا تَجُوزُ) الْمُسَابَقَةُ (بِعِوَضٍ إلَّا فِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالسِّهَامِ لِلرِّجَالِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا سَبَقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مَاجَهْ
أَوْ نَصْلٍ " وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَاخْتُصَّتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بِأَخْذِ الْعِوَضِ فِيهَا لِأَنَّهَا مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ الْمَأْمُورِ بِتَعْلِيمِهَا وَإِحْكَامِهَا وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَحْرِيمَ الرِّهَانِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ إجْمَاعًا.
وَقَوْلُهُ " لِلرِّجَالِ " أَخْرَجَ النِّسَاءُ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ مَأْمُورَاتٍ بِالْجِهَادِ (بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِتَجُوزُ (أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الْمَرْكُوبَيْنِ بِالرُّؤْيَةِ) سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَتَيْنِ (وَتَسَاوِيهِمَا فِي ابْتِدَاءِ الْعَدْوِ وَانْتِهَائِهِ، وَتَعَيُّنِ الرُّمَاةِ سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَتَيْنِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمُسَابَقَةِ مَعْرِفَةُ سُرْعَةِ عَدْوِ الْمَرْكُوبَيْنِ اللَّذَيْنِ يُسَابَقُ عَلَيْهِمَا.
وَفِي الْمُنَاضَلَةِ، مَعْرِفَةُ حِذْقِ الرُّمَاةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّعْيِينِ بِالرُّؤْيَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ عَدْوِ مَرْكُوبٍ بِعَيْنِهِ، وَمَعْرِفَةُ حِذْقِ رَامٍ بِعَيْنِهِ لَا مَعْرِفَةُ عَدْوِ مَرْكُوبٍ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ حِذْقِ رَامٍ فِي الْجُمْلَةِ.
فَلَوْ عَقَدَ اثْنَانِ مُسَابَقَةً عَلَى خَيْلٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُنَاضَلَةٍ وَمَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا نَفَرٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الرَّاكِبَيْنِ وَلَا الْقَوْسَيْنِ وَلَا السِّهَامِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ عَدْوِ الْفَرَسِ، وَحِذْقِ الرَّامِي، دُونَ الرَّاكِبِ وَالْقَوْسِ وَالسِّهَامِ لِأَنَّ آلَةَ الْمَقْصُودِ مِنْهَا، فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهَا كَالسَّرْجِ.
(وَلَوْ عَيَّنَهَا لَمْ تُعَيَّنْ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَكُلُّ مَا تَعَيَّنَ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ، كَالْمُتَعَيَّنِ فِي الْبَيْعِ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ يَجُوزُ إبْدَالُهُ لِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ) فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُرْمَى بِغَيْرِ هَذَا الْقَوْسِ أَوْ بِغَيْرِ هَذَا السَّهْمِ، أَوْ لَا يَرْكَبَ غَيْرُ هَذَا الرَّاكِبِ فَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَرْكُوبَانِ وَالْقَوْسَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ أَشْبَهَا الْجِنْسَيْنِ (فَلَا تَصِحُّ) الْمُسَابَقَةُ (بَيْنَ فَرَسٍ عَرَبِيٍّ وَهَجِينٍ) وَهُوَ مَا أَبُوهُ فَقَطْ عَرَبِيٌّ.
(وَلَا) الْمُنَاضَلَةُ (بَيْنَ قَوْسٍ عَرَبِيَّةٍ وَفَارِسِيَّةٍ) وَالْعَرَبِيَّةُ قَوْسُ النَّبْلِ وَالْفَارِسِيَّةُ قَوْسُ النُّشَّابِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ (وَلَا يُكْرَهُ الرَّمْيُ بِالْقَوْسِ الْفَارِسِيَّةِ) وَلَا الْمُسَابَقَةُ بِهَا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُكْرَهُ الرَّمْيُ بِهَا لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى مَعَ رَجُلٍ قَوْسًا فَارِسِيَّةً، فَقَالَ: أَلْقِهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْقِسِيِّ الْعَرَبِيَّةِ، وَبِرِمَاحِ الْقَنَا فَبِهَا يُؤَيِّدُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، وَبِهَا يُمَكِّنُ اللَّهُ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ» وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَعَنَهَا لِحَمْلِ الْعَجَمِ لَهَا فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا وَمَنَعَ الْعَرَبَ مِنْ حَمْلِهَا لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِهَا الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: تَحْدِيدُ الْمَسَافَةِ وَالْغَايَةِ) بِأَنْ يَكُونَ لِابْتِدَاءِ عَدْوِهِمَا وَآخِرِهِ غَايَةٌ لَا يَخْتَلِفَانِ فِيهَا لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْأَسْبَقِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْغَايَةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ مُقَصِّرًا فِي ابْتِدَاءِ عَدْوِهِ سَرِيعًا فِي آخِرِهِ وَبِالْعَكْسِ.
(وَ)
تَحْدِيدِ (مَدَى الرَّمْيِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ) لِأَنَّ الْإِصَابَةَ تَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ (وَيُعْرَفُ ذَلِكَ) أَيْ مَدَى الرَّمْيِ (بِالْمُشَاهَدَةِ) نَحْوُ مِنْ هُنَا إلَى هُنَاكَ (أَوْ بِالذِّرَاعِ نَحْوُ: مِائَةَ ذِرَاعٍ أَوْ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ وَمَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ) .
وَهُوَ مَا تَتَعَذَّرُ الْإِصَابَةُ فِيهِ غَالِبًا (وَهُوَ مَا زَادَ فِي الرَّمْيِ عَلَى ثَلَاثمِائَةِ ذِرَاعٍ، فَلَا يَصِحُّ) لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ بِالرَّمْيِ قِيلَ: إنَّهُ مَا رَمَى فِي أَرْبَعمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَّا عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ.
(وَلَا يَصِحُّ تَنَاضُلُهُمَا أَنَّ السَّبَقَ لَا يَعْدُوهُمَا رَمْيًا) لِعَدَمِ تَحْدِيدِ الْغَايَةِ الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: كَوْنُ الْعِوَضِ مَعْلُومًا، إمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ بِالْقَدْرِ أَوْ بِالصِّفَةِ) لِأَنَّهُ مَالٌ فِي عَقَدٍ فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ.
وَالْمُرَادُ بِمَعْرِفَتِهِ بِالْقَدْرِ إذَا كَانَ بِالْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ أَوْ أَغْلَبُ، وَإِلَّا لَمْ يَكْفِ ذِكْرُ الْقَدْرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِهِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ) الْعِوَض (حَالًّا وَمُؤَجَّلًا) وَ (أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا) كَالثَّمَنِ وَالصَّدَاقِ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ) الْعِوَضُ (مُبَاحًا) كَالصَّدَاقِ وَالْبَيْعِ فَلَا تَصِحُّ عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهِ (وَهُوَ) أَيْ بَذْلُ الْعِوَضِ الْمَذْكُورِ (تَمْلِيكٌ) لِلسَّابِقِ (بِشَرْطِ سَبْقِهِ) فَلِهَذَا قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ الْقِيَاسُ: لَا يَصِحُّ انْتَهَى قُلْت: فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُ جِعَالَةٌ، فَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ مَحْضٍ الشَّرْطُ (الْخَامِسُ: الْخُرُوجُ عَنْ شِبْهِ الْقِمَارِ) لِأَنَّ الْقِمَارَ مُحَرَّمٌ فَشِبْهُهُ مِثْلُهُ، وَالْقِمَارُ بِكَسْرِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَامَرَهُ فَقَمَرَهُ، إذَا رَاهَنَهُ فَغَلَبَهُ (بِأَنْ لَا يُخْرِجَ جَمِيعَهُمْ) لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ قِمَارٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ.
وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ سَالِمًا مِنْ الْغُرْمِ (فَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْإِمَامِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) جَازَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ وَحَثًّا عَلَى تَعْلِيمِ الْجِهَادِ وَنَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ (أَوْ) كَانَ الْجُعْلُ (مِنْ غَيْرِهِمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا) وَحْدَهُ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَذْلُهُ مِنْ غَيْرِهِمَا فَمِنْ أَحَدِهِمَا أَوْلَى، وَكَذَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً، فَأَخْرَجَ اثْنَانِ مِنْهُمْ، أَوْ أَرْبَعَةٌ فَأَخْرَجَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ وَنَحْوُهُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَقَ أَخْذُهُ جَازَ.
فَإِنْ جَاءَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا لِأَنَّهُ لَا سَابِقَ فِيهِمَا.
(وَإِنْ سَبَقَ الْمُخْرِجُ) لِلْجُعْلِ (أَحْرَزَ سَيْفَهُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ مَا أَخْرَجَهُ (وَلَمْ يَأْخُذْ) السَّابِقُ (مِنْ الْآخَرِ) الْمَسْبُوقِ (شَيْئًا) لِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ قِمَارًا (وَإِنْ سَبَقَ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ أَحْرَزَ سَبَقَ صَاحِبِهِ) فَمَلَكَهُ وَكَانَ كَسَائِرِ مَالِهِ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي الْجِعَالَةِ، فَمَلَكَ فِيهَا كَالْعِوَضِ الْمَجْعُولِ فِي رَدِّ الضَّالَّةِ فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ دَيْنٌ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ.
وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ أَفْلَسَ ضَرَبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ (وَإِنْ أَخْرَجَا) أَيْ الْمُتَسَابِقَانِ (مَعًا لَمْ يَجُزْ وَكَانَ قِمَارًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَغْنَمَ أَوْ
يَغْرَمَ وَسَوَاءٌ كَانَ مَا أَخْرَجَاهُ مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاوِتًا، مِثْلُ إنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا عَشَرَةً، وَ) أَخْرَجَ (الْآخَرُ خَمْسَةً إلَّا بِمُحَلِّلٍ لَا يُخْرِجُ شَيْئًا) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَيْسَ قِمَارًا، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ آمِنٌ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَجَعَلَهُ قِمَارًا إذَا أَمِنَ السَّبْقَ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ، وَإِذَا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَسْبِقَ لَمْ يَكُنْ قِمَارًا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ مِنْ ذَلِكَ.
(وَيَكْفِي) مُحَلِّلٌ (وَاحِدٌ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ) لِدَفْعِ الْحَاجَةِ بِهِ قَالَ الْآمِدِيُّ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُحَلِّلِ أَنْ يَكُونَ (يُكَافِئُ فَرَسُهُ فَرَسَيْهِمَا أَوْ) يُكَافِئُ (بَعِيرُهُ بَعِيرَيْهِمَا، أَوْ) يُكَافِئُ (رَمْيُهُ رَمْيَيْهِمَا) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (فَإِنْ سَبَقَهُمَا) أَيْ سَبَقَ الْمُحَلِّلُ الْمُخْرِجَيْنِ (أَحْرَزَ) الْمُحَلِّلُ (سَبَقَيْهِمَا) بِفَتْحِ الْبَاءِ لِأَنَّهُمَا جَعَلَا لِمَنْ سَبَقَ (وَإِنْ سَبَقَاهُ) أَيْ الْمُخْرِجَانِ الْمُحَلِّلَ (أَحْرَزَ سَبَقَيْهِمَا) أَيْ أَحْرَزَ كُلٌّ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ لِأَنَّهُ لَا سَابِقَ مِنْهُمَا وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَمْ يَأْخُذَا مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمَنْ سَبَقَهُ (وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْمُخْرِجَيْنِ (أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ) لِأَنَّهُمَا جَعَلَا لِمَنْ سَبَقَ (وَإِنْ سَبَقَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ أَحَدِ الْمُخْرِجَيْنِ (الْمُحَلِّلَ) بِأَنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا وَالْمُحَلِّلُ مَعًا (أَحْرَزَ السَّابِقُ) مِنْهُمَا (مَالَ نَفْسِهِ) لِسَبْقِهِ.
(وَيَكُونُ سَبَقَ الْمَسْبُوقَ بَيْنَ السَّابِقِ وَالْمُحَلِّلِ نِصْفَيْنِ) لِأَنَّهُمَا قَدْ اشْتَرَكَا فِي السَّبْقِ، فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي عِوَضِهِ (وَإِنْ جَاءُوا) أَيْ الْمُخْرِجَانِ وَالْمُحَلِّلُ (الْغَايَةَ دَفْعَةً وَاحِدَةً، أَحْرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَقَ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ لَا سَابِقَ (وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ.
(فَإِنْ قَالَ الْمُخْرِجُ) لِلْعِوَضِ مِنْ غَيْرِهِمَا مَنْ سَبَقَ أَوْ صَلَّى مِنْكُمَا (فَلَهُ عَشَرَةٌ، لَمْ يَصِحَّ إذَا كَانَا اثْنَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِ السَّبَقِ إذَنْ فَلَا يَحْرِصُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا (فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ) مِنْ اثْنَيْنِ صَحَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا أَوْ مُصَلِّيًا (أَوْ قَالَ) الْمُخْرِجُ غَيْرَهُمَا مَنْ سَبَقَ فَلَهُ عَشَرَةٌ وَ (مَنْ صَلَّى أَيْ جَاءَ ثَانِيًا فَلَهُ خَمْسَةٌ صَحَّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجْتَهِدُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا لِيُحْرِزَ أَكْثَرَ الْعِوَضَيْنِ، وَسُمِّيَ الثَّانِي مُصَلِّيًا لِأَنَّ رَأْسَهُ تَكُونُ عِنْدَ صُلُوِّ الْأَزَلِ وَالصَّلَوَانِ هُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ مِنْ جَانِبِ الذَّنَبِ.
وَفِي الْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ سَبَقَ أَبُو بَكْرٍ وَصَلَّى عُمَرُ، وَخَبَطَتْنَا فِتْنَةٌ " (وَكَذَا) يَصِحُّ إذَا فَاوَتَ الْعِوَضَ (عَلَى التَّرْتِيبِ لِلْأَقْرَبِ إلَى السَّبَقِ) بِأَنْ جَعَلَ لِلْأَوَّلِ عَشَرَةً وَلِلثَّانِي ثَمَانِيَةً، وَلِلَّذِي يَلِيهِ خَمْسَةً ثُمَّ لِلَّذِي يَلِيهِ أَرْبَعَةً،