الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَهْبَةً فَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَعْطَتْ زَوْجَهَا شَيْئًا ثُمَّ أَرَادَتْ أَنْ تَعْتَصِرَهُ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَشْهُورُ عَنْهُ أَيْ: عَنْ الْإِمَامِ أَنْ لَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا وَهَبَ لِلْآخَرِ إلَّا أَنْ تَهَبَ الْمَرْأَةُ مَهْرَهَا لِسُؤَالٍ مِنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَتَرْجِعُ (إلَّا إنْ تَبَرَّعَتْ بِهِ) أَيْ بِمَهْرِهَا (مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةِ) الزَّوْجِ فَلَا رُجُوعَ لَهَا نَصًّا وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْكُوفِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} [النساء: 4] .
[فَصْلٌ: وَلِأَبٍ حُرًّا أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ]
(فَصْلٌ وَلِأَبٍ فَقَطْ إذَا كَانَ) الْأَبُ (حُرًّا أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ كَالرَّهْنِ وَالْفَلَسِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ رَغْبَةٌ كَالْمُدَايَنَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَقُلْنَا: يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ فَفِي التَّمَلُّكِ نَظَرٌ (مَعَ حَاجَةِ الْأَبِ) إلَى تَمَلُّكِ مَالِ وَلَدِهِ.
(وَ) مَعَ (عَدَمِهَا فِي صِغَرِ الْوَلَدِ وَكِبَرِهِ وَسَخَطِهِ وَرِضَاهُ وَبِعِلْمِهِ وَبِغَيْرِهِ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ أَبِي احْتَاجَ مَالِي فَقَالَ أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» .
وَلِأَنَّ الْوَلَدَ مَوْهُوبٌ لِأَبِيهِ بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ وَمَا كَانَ مَوْهُوبًا لَهُ كَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ كَعَبْدِهِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: 61] الْآيَةُ ذَكَرَ الْأَقَارِبُ دُونَ الْأَوْلَادِ لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْلِهِ {مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: 61] لِأَنَّ بُيُوتَ أَوْلَادِهِمْ كَبُيُوتِهِمْ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ يَلِي مَالَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةِ كَمَالِ نَفْسِهِ (دُونَ أُمٍّ وَجَدٍّ وَغَيْرِهِمَا) مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَنْعُ خُولِفَ فِي الْأَبِ لِدَلَالَةِ النَّصِّ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (بِشُرُوطٍ) سِتَّةٍ مُتَعَلِّقٌ بِ يَتَمَلَّكُ.
(أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ) مَا يَتَمَلَّكُهُ الْأَبُ (فَاضِلًا عَنْ حَاجَةِ الْوَلَدِ لِئَلَّا يَضُرَّهُ) بِتَمَلُّكِهِ وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم -
«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الْأَبِ (أَنْ يَتَمَلَّكَ سُرِّيَّتَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ) سُرِّيَّتُهُ (أُمَّ وَلَدٍ) لِلِابْنِ (لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوْجَاتِ وَلَا) يَتَمَلَّكُ أَيْضًا (مَا تَعَلَّقَتْ حَاجَتُهُ بِهِ) كَآلَةِ حِرْفَةٍ يَتَكَسَّبُ بِهَا وَرَأْسِ مَالِ تِجَارَةٍ لِأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَيْنِهِ فَلَأَنْ تُقَدَّمَ عَلَى أَبِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى الشَّرْطُ (الثَّانِي أَنْ لَا يُعْطِيَهُ) الْأَبُ (لِوَلَدٍ آخَرَ) فَلَا يَتَمَلَّكُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ زَيْدٍ لِيُعْطِيَهُ لِوَلَدِهِ عَمْرٍو لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ وَلَدِهِ بِالْعَطِيَّةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَأَنْ يُمْنَعُ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا أَخَذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْآخَرِ أَوْلَى.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ) التَّمَلُّكُ (فِي مَرَضِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الْأَبِ أَوْ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ بِالْمَرَضِ قَدْ انْعَقَدَ السَّبَبُ الْقَاطِعُ لِلتَّمَلُّكِ الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْأَبُ كَافِرًا وَالِابْنُ مُسْلِمًا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الِابْنُ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَالَهُ الشَّيْخُ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ انْتَهَى لِحَدِيثِ «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» (وَقَالَ) الشَّيْخُ أَيْضًا (الْأَشْبَهُ أَنَّ الْأَبَ الْمُسْلِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْكَافِرِ شَيْئًا) لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ وَالتَّوَارُثِ.
الشَّرْطُ (الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ) مَا يَتَمَلَّكُهُ الْأَبُ (عَيْنًا مَوْجُودَةً) فَلَا يَتَمَلَّكَ دَيْنَ ابْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَيَحْصُلُ تَمَلُّكُهُ) أَيْ: الْأَبِ لِمَالِ وَلَدِهِ (بِقَبْضِ) مَا يَتَمَلَّكُهُ (مَعَ قَوْلٍ) تَمَلَّكْتُهُ أَوْ نَحْوِهِ (أَوْ نِيَّةٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَوْ قَرِينَةٍ لِأَنَّ الْقَبْضَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ غَيْرِهِ فَاعْتُبِرَ الْقَوْلُ أَوْ النِّيَّةُ لِيَتَعَيَّنَ وَجْهُ الْقَبْضِ.
(وَهُوَ) أَيْ: الْقَبْضُ مَعَ مَا ذُكِرَ الشَّرْطُ (السَّادِسُ: وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) أَيْ: الْأَبِ (فِيهِ) أَيْ: فِي مَالِ وَلَدِهِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ الْقَوْلِ أَوْ النِّيَّةِ (وَلَوْ عِتْقًا) لِأَنَّ مِلْكَ الِابْنِ تَامٌّ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَحِلُّ لَهُ وَطْءُ جَوَارِيهِ.
وَلَوْ كَانَ الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا لَمْ يَحِلَّ الْوَطْءُ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَإِنَّمَا لِلْأَبِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ كَالْعَيْنِ الَّتِي وَهَبَهَا إيَّاهُ (وَلَا يَمْلِكُ أَبٌ إبْرَاءَ نَفْسِهِ) مِنْ دَيْنِ وَلَدِهِ (وَلَا) يَمْلِكُ الْأَبُ أَيْضًا (إبْرَاءَ غَرِيمِ وَلَدِهِ وَلَا) يَمْلِكُ الْأَبُ (تَمَلُّكَ مَا فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ، وَلَا) تَمَلُّكَ مَا فِي (ذِمَّةِ غَرِيمِ وَلَدِهِ، وَلَا) يَمْلِكُ (قَبْضَهُ) أَيْ: الدَّيْنِ (مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ نَفْسِهِ وَغَرِيمِ وَلَدِهِ (لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَمْلِكْهُ) قَبْلَ قَبْضِهِ.
(وَلَوْ أَقَرَّ) الْأَبُ (بِقَبْضِ دَيْنِ وَلَدِهِ) مِنْ غَرِيمِهِ (فَأَنْكَرَ الْوَلَدُ) أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ قَبَضَ (أَوْ أَقَرَّ) بِالْقَبْضِ (رَجَعَ) الْوَلَدُ (عَلَى غَرِيمِهِ) بِدَيْنِهِ لِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ بِالدَّفْعِ إلَى أَبِيهِ (وَرَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْأَبِ) بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبِبَدَلِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا لِأَنَّهُ قَبَضَ مَا لَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ لَا بِوِلَايَةٍ وَلَا بِوَكَالَةٍ.
فَقَوْلُ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: وَلَوْ
أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنِ ابْنِهِ فَأَنْكَرَ رَجَعَ عَلَى غَرِيمِهِ وَهُوَ عَلَى الْأَبِ: لَا يُعَوَّلُ عَلَى مَفْهُومِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ سَائِلٍ فَلَا يُحْتَجُّ بِمَفْهُومِهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ لَوْ أَخَذَ) الْأَبُ (مِنْ مَالِ وَلَدِهِ شَيْئًا ثُمَّ انْفَسَخَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ) أَيْ: الشَّيْءِ الْمَأْخُوذِ (بِحَيْثُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الَّذِي كَانَ مَالِكَهُ، مِثْلُ أَنْ يَأْخُذَ) الْأَبُ (صَدَاقَ ابْنَتِهِ ثُمَّ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ) قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُ الصَّدَاقَ (أَوْ يَأْخُذُ) الْأَبُ (ثَمَنَ السِّلْعَةِ الَّتِي بَاعَهَا الْوَلَدُ ثُمَّ تُرَدُّ السِّلْعَةُ أَوْ يَأْخُذُ) الْأَبُ (الْمَبِيعَ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْوَلَدُ ثُمَّ يُفْلِسُ) الْوَلَدُ (بِالثَّمَنِ) وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ وَيَفْسَخُ الْبَائِع.
(وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَمَا لَوْ فَسَخَ الْبَائِعُ لِعَيْبِ الثَّمَنِ بَعْدَ أَخْذِ الْأَبِ الْمَبِيعَ مِنْ وَلَدِهِ (فَالْأَقْوَى فِي جَمِيعِ) هَذِهِ (الصُّوَرِ: أَنَّ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَبِ) لِسَبْقِ حَقِّهِ عَلَى تَمَلُّكِ الْأَبِ (وَيَأْتِي فِي الصَّدَاقِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا) أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ، وَأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ مَعَ نِيَّةِ: التَّمَلُّكِ وَأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُهُ رَجَعَ عَلَيْهَا لَا عَلَى أَبِيهَا، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ.
(وَإِنْ وَطِئَ) أَبٌ (جَارِيَةَ وَلَدِهِ) قَبْلَ تَمَلُّكِهَا (فَأَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) أَيْ: لِلْأَبِ لِأَنَّ إحْبَالَهُ لَهَا يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْوَطْءُ مُصَادِفًا لِلْمِلْكِ، فَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَلَدِ.
(وَوَلَدُهُ) أَيْ: الْأَبِ مِنْ جَارِيَةِ وَلَدِهِ (حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ انْتَفَى فِيهِ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ (لَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) لِوَلَدِهِ الْمُنْتَقِلِ عَنْهُ مِلْكُ الْجَارِيَةِ لِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ وَدُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ بِالْإِحْبَالِ فَلَمْ تَأْتِ بِالْوَلَدِ إلَّا فِي مِلْكِ الْأَبِ (وَلَا) يَلْزَمُهُ (مَهْرٌ) لِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبُ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَإِيجَابُ الْقِيمَةِ لِلْوَلَدِ، وَالْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْقِيمَةِ كَالْإِتْلَافِ فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ الْمَهْرُ.
(وَلَا حَدَّ) لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ (وَيُعَزَّرُ) لِأَنَّهُ وَطِئَ وَطْئًا مُحَرَّمًا أَشْبَهَ وَطْءَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
(وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْأَبَ (قِيمَتُهَا) أَيْ: قِيمَةُ الْأَمَةِ الَّتِي أَوْلَدَهَا لِوَلَدِهِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهَا وَمَحَلُّ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهَا لِلْأَبِ (إنْ لَمْ يَكُنْ الِابْنُ وَطِئَهَا) لِأَنَّهَا بِالْوَطْءِ تَصِيرُ كَحَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ فَتَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ.
(وَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهَا إنْ كَانَ الِابْنُ اسْتَوْلَدَهَا فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ) إذْ أُمُّ الْوَلَدِ لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهَا.
(وَإِنْ كَانَ الِابْنُ وَطِئَهَا وَلَوْ لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا لَمْ يَمْلِكْهَا الْأَبُ) بِالْإِحْبَالِ (وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهَا بِالْوَطْءِ صَارَتْ مُلْحَقَةً بِالزَّوْجَةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِالْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَلَا يَمْلِكُهَا بِالْإِحْبَالِ (وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا) أَيْ: عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهَا مِنْ مَوْطُوآتِ ابْنِهِ، وَعَلَى الِابْنِ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ (وَلَا يُحَدُّ) الْأَبُ
بِوَطْئِهِ لِلْأَمَةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِشُبْهَةِ " أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ "(وَإِنْ وَطِئَ) الِابْنُ (أَمَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) لَهُ إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ (وَوَلَدُهُ قِنٌّ وَيُحَدُّ) إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ لِأَنَّ الِابْنَ لَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ فَلَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْوَطْءِ.
(وَلَيْسَ لِوَلَدٍ وَلَا لِوَرَثَتِهِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنِ قَرْضٍ وَلَا ثَمَنِ مَبِيعٍ وَلَا قِيمَةِ مُتْلَفٍ وَلَا أَرْشِ جِنَايَةٍ وَلَا) بِأُجْرَةِ (مَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ مَالِهِ) لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَبِيهِ يَقْتَضِيهِ دَيْنًا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَلِأَنَّ الْمَالَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْحُقُوقِ فَلَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَةَ أَبِيهِ بِهِ كَحُقُوقِ الْأَبْدَانِ (وَلَا) لِلِابْنِ (أَنْ يُحِيلَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْأَبِ (بِدَيْنِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَبَهُ بِهِ فَلَا يَمْلِكُ الْحَوَالَةَ عَلَيْهِ.
(وَلَا) مُطَالَبَةَ لِلْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ (بِغَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا بِنَفَقَةٍ) أَيْ: الْوَلَدِ (الْوَاجِبَةِ) عَلَى الْأَبِ لِفَقْرِ الِابْنِ وَعَجْزِهِ عَنْ التَّكَسُّبِ، فَلَهُ الطَّلَبُ بِهَا (زَادَ فِي الْوَجِيزِ وَحَبْسُهُ عَلَيْهَا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» (وَلَهُ) أَيْ: الْوَلَدِ (مُطَالَبَتُهُ) أَيْ: الْأَبِ (بِعَيْنِ مَالٍ لَهُ) أَيْ: الْوَلَدِ (فِي يَدِهِ) أَيْ: الْأَبِ.
(وَيَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ لِتَمَامِ مِلْكِ الْوَلَدِ عَلَى مَالِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَوُجُوبِ زَكَاتِهِ عَلَيْهِ وَحِلِّ الْوَطْءِ وَتَوْرِيثِ وَرَثَتِهِ.
وَحَدِيثُ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» عَلَى مَعْنَى سُلْطَةِ التَّمَلُّكِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إضَافَةُ الْمَالِ لِلْوَلَدِ (وَيَثْبُتُ لَهُ) أَيْ: الْوَلَدِ (فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ: الْوَالِدِ (الدَّيْنُ) مِنْ بَدَلِ قَرْضٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ وَأُجْرَةٍ وَنَحْوِهَا (وَنَحْوُهُ) كَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ إعْمَالًا لِلسَّبَبِ فَإِنَّ مِلْكَ الْوَلَدِ تَامٌّ.
وَالسَّبَبُ إمَّا إتْلَافٌ لِمَالِ الْغَيْرِ وَإِمَّا قَرْضٌ وَنَحْوُهُ فَعَقْدٌ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] .
(قَالَ فِي الْمُوجَزِ: لَا يَمْلِكُ) الْوَلَدُ (إحْضَارَهُ) أَيْ: الْأَبِ (فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ: فَإِنْ أَحْضَرَهُ فَادَّعَى) الْوَلَدُ عَلَيْهِ (فَأَقَرَّ) الْأَبُ بِالدَّيْنِ (أَوْ قَامَتْ) بِهِ (بَيِّنَةٌ لَمْ يُحْبَسْ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْخَلَّالِ.
(وَإِنْ وَجَدَ) الْوَلَدُ (عَيْنَ مَالِهِ الَّذِي أَقْرَضَهُ) لِأَبِيهِ (أَوْ بَاعَهُ) لَهُ (وَنَحْوَهُ) كَعَيْنِ مَا غَصَبَهُ مِنْهُ (بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَهُ) أَيْ: الْوَلَدِ (أَخْذُهُ) أَيْ: مَا وَجَدَهُ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ اُنْتُقِدَ ثَمَنُهُ) لِتَعَذُّرِ الْعِوَضِ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ لِوَلَدِهِ، فَلَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْعِوَضُ رَجَعَ بِعَيْنِ الْمَالِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فَيُطَالَبُ بِالْعِوَضِ (وَلَا يَكُونُ) مَا وَجَدَ مِنْ عَيْنِ مَالِ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ (مِيرَاثًا) لِوَرَثَةِ الْأَبِ
(بَلْ) هُوَ (لَهُ) أَيْ: لِلْوَلَدِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ (دُونَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ) قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: هَذَا إذَا صَارَ إلَى الْأَبِ بِغَيْرِ تَمْلِيكٍ وَلَا عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَأَمَّا إنْ صَارَ إلَيْهِ بِنَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ قَوْلًا وَاحِدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى قُلْتُ: فَكَيْفَ تُصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ مَعَ قَوْلِهِمْ عَيْنُ مَا أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ وَمَا قَدَّمْتُهُ أَوْلَى.
(وَلَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ) أَيْ: الْأَبِ (بِمَوْتِهِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ) كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
(وَتَسْقُطُ جِنَايَتُهُ) أَيْ: أَرْشُهَا بِمَوْتِ الْأَبِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ الْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِمَا: كَوْنُ الْأَبِ أَخَذَ عَنْ هَذَا عِوَضًا بِخِلَافِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ أَيْضًا دَيْنُ الضَّمَانِ إذَا ضَمِنَ غَرِيمٌ وَلَدَهُ.
(وَلَوْ قَضَى الْأَبُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لِوَلَدِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ وَصَّى بِقَضَائِهِ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ عَلَيْهِ لَا تُهْمَةَ فِيهِ فَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَالدَّيْنِ الْأَجْنَبِيِّ.
(وَلِوَلَدِ الْوَلَدِ مُطَالَبَةُ جَدِّهِ بِمَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ) مِنْ دَيْنٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَيْرِهِمَا كَسَائِرِ الْأَقَارِبِ، إنْ لَمْ يَكُنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِوَرَثَةِ الْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنِهِ (وَكَذَا الْأُمُّ) تُطَالَبُ بِدَيْنِ وَلَدِهَا.
(وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْأَبِ عَلَى تَصَرُّفِ الْوَلَدِ فِي مَالِ نَفْسِهِ بِعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَغَيْرِهَا) لِتَمَامِ مِلْكِ الْوَلَدِ.
(وَالْهَدِيَّةُ تُذْهِبُ الْحِقْدَ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدَايَا تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ» وَالْوَحَرُ - بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - الْحِقْدُ وَالْغَيْظُ.
(وَ) الْهَدِيَّةُ (تَجْلِبُ الْمَحَبَّةَ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» (وَلَا تُرَدُّ) أَيْ: يُكْرَهُ رَدُّ الْهَدِيَّةِ.
(وَإِنْ قَلَّتْ، كَذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ) بِضَمِّ الْكَافُ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ مُسْتَدَقُّ السَّاقِ مِنْ الرِّجْلِ، وَمِنْ حَدِّ الرُّسْغِ فِي الْيَدِ وَهُوَ مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْوَظِيفِ مِنْ الْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ، وَوَظِيفُ الْبَعِيرِ: خُفُّهُ، وَهُوَ كَالْحَافِرِ لِلْفَرَسِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ» (خُصُوصًا الطِّيبُ) لِحَدِيثِ " ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ " فَعَدَّ مِنْهَا الطِّيبَ وَقَوْلُهُ:(مَعَ انْتِفَاءِ مَانِعِ الْقَبُولِ) مُتَعَلِّقٌ بِلَا تُرَدُّ.
(وَيُسَنُّ) لِمَنْ أُهْدِيَتْ إلَيْهِ (أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهَا) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهَا (فَلْيَذْكُرْهَا، وَ) ل (يُثْنِ عَلَى صَاحِبِهَا) الَّذِي أَهْدَاهَا.
(وَيَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيُجْزِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ