الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ وَرُزِقَ خَمْسَةُ أَوْلَادٍ مَاتَ أَحَدُهُمْ فِي حَيَاةِ وَلِدَاهُ، وَتَرَكَ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ عَنْ أَوْلَادِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَوَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ ثَلَاثَةٌ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، وَبَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ مَعَ وَلَدِ أَخِيهِ اسْتَحَقَّ الْوَلَدُ الْبَاقِي أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ رِيعِ الْوَقْفِ، وَوَلَدُ أَخِيهِ الْخُمْسَ الْبَاقِي أَفْتَى بِهِ الْبَدْرُ مُحَمَّدٌ الشَّهَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ، وَتَابَعَهُ النَّاصِرُ الطَّبَلَاوِيُّ الشَّافِعِيُّ وَالشِّهَابُ أَحْمَدُ الْبُهُوتِيُّ الْحَنْبَلِيُّ وَلَدُ عَمِّ وَالِدِي.
وَوَجْهُهُ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي هَذَا الْوَقْفِ إلَى آخِرِهِ مَقْصُورٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ لِنَصِيبِ وَالِدِهِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ فِي حَيَاتِهِ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى مَنْ مَاتَ مِنْ إخْوَةِ وَالِدِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بَلْ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ الْأَحْيَاءِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى آخِرِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْوَلَدِ مَقَامَ أَبِيهِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْإِخْوَةُ حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا.
وَالْأَصْلُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ، وَعَمَلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَحَلِّهِ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا.
[فَصْلٌ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَسِّمَ الْوَقْفَ عَلَى أَوْلَادِهِ]
(فَصْلٌ وَالْمُسْتَحَبُّ) لِلْوَاقِفِ (أَنْ يُقَسِّمَ الْوَقْفَ عَلَى أَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْقُرْبَةُ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ وَقَدْ اسْتَوُوا فِي الْقَرَابَةِ (، وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ) ، وَتَبِعَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ، وَغَيْرِهِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَسِّمَهُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ (مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) عَلَى حَسَبِ قِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمِيرَاثِ كَالْعَطِيَّةِ وَالذَّكَرُ فِي مَظِنَّةِ الْحَاجَةِ غَالِبًا بِوُجُوبِ حُقُوقٍ تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى (فَإِنْ فَضَّلَ) الْوَاقِفُ (بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، أَوْ خَصَّ بَعْضُهُمْ بِالْوَقْفِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْأَثَرَةِ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ (كُرِهَ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّقَاطُعِ بَيْنَهُمْ.
(وَإِنْ كَانَ) التَّفْضِيلُ أَوْ التَّخْصِيصُ (عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ) أَيْ: لِأَجْلِ
أَنَّ الْمُفَضَّلَ أَوْ الْمُخَصَّصَ (لَهُ عِيَالٌ أَوْ بِهِ حَاجَةٌ) كَمَسْكَنَةٍ أَوْ عَمًى، وَنَحْوُهُ (أَوْ خَصَّ) أَوْ فَضَّلَ (الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ أَوْ ذَا الدِّينِ دُونَ الْفُسَّاقِ أَوْ) خَصَّ أَوْ فَضَّلَ (الْمَرِيضَ أَوْ) خَصَّ (أَوْ فَضَّلَ مَنْ لَهُ فَضِيلَةٌ) مَا مِنْ الْفَضَائِلِ (مِنْ أَجْلِ فَضِيلَتِهِ فَلَا بَأْسَ) بِذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِغَرَضٍ مَقْصُودٍ شَرْعًا.
(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ أَوْ بَنِي فُلَانٍ اخْتَصَّ بِهِ الذُّكُورُ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَنِينَ وُضِعَ لِذَلِكَ حَقِيقَةً قَالَ تَعَالَى {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات: 153]{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46] فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ ذَكَرًا وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ عَلَى بَنَاتِهِ اخْتَصَّ بِهِ الْإِنَاثُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِنَّ الْخُنْثَى لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (إلَّا أَنْ يَكُونُوا قَبِيلَةً) كَبِيرَةً قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ كَبَنِي هَاشِمٍ، وَتَمِيمٍ وَقُضَاعَةَ (فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] ؛ وَلِأَنَّ اسْمَ الْقَبِيلَةِ يَشْمَلُ ذَكَرَهَا، وَأُنْثَاهَا.
وَرُوِيَ أَنْ جَوَارِيَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قُلْنَ
نَحْنُ جَوَارِي مِنْ بَنِي النَّجَّارِ
…
يَا حَبَّذَا مُحَمَّدًا مِنْ جَارٍ
(دُونَ أَوْلَادِهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَسِبُونَ إلَى الْقَبِيلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا بَلْ إلَى غَيْرِهَا وَكَمَا لَوْ قَالَ: الْمُنْتَسِبِينَ إلَيَّ، وَيَدْخُلُ أَوْلَادُهُنَّ مِنْهُمْ لِوُجُودِ الِانْتِسَابِ حَقِيقَةً وَلَا يَشْمَلُ مَوَالِيهِمْ (وَالْحَفِيدُ) وَلَدُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ (وَالسِّبْطُ وَلَدُ الِابْنِ وَ) وَلَدُ (الْبِنْتِ) قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ.
(وَلَا يَدْخُلُ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُمْ) وَلَا فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ (؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمَا حَقِيقَةً) فَلَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَالْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ يُعْتَبَرُ فِيهِمَا لَفْظُ الْوَاقِفِ وَلَفْظُ الْمُوصِي بِخِلَافِ لَفْظِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَعْنَى.
(وَلَوْ قَالَ الْهَاشِمِيُّ) وَقَفْتُ (عَلَى أَوْلَادِي مَثَلًا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الْهَاشِمِيِّينَ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ أَوْلَادِ بِنْتِهِ مَنْ لَيْسَ هَاشِمِيًّا) لِعَدَمِ وُجُودِ الْوَصْفِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الْوَاقِفُ فِيهِ، وَأَمَّا الْهَاشِمِيُّ فَفِي دُخُولِهِ وَجْهَانِ،
بَنَاهُمَا الْقَاضِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ الْمُوَفَّقُ: الْأَوْلَى الدُّخُولُ لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ.
(الشَّرْطَانِ وَيُجَدَّدُ حَقُّ حَمْلٍ بِوَضْعِهِ) فَلَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَنْ لَا يُسَمَّى وَلَدًا (مِنْ ثَمَرٍ، وَزَرْعٍ كَمُشْتَرٍ) فَيَسْتَحِقُّ مِنْ ثَمَرٍ لَمْ يَتَشَقَّقْ، وَمِنْ أُصُولٍ نَحْوِ بَقْلٍ بِخِلَافِ ثَمَرٍ تَشَقَّقَ، وَزَرْعٍ لَا يُحْصَدُ إلَّا مَرَّةً فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّبِعُ أَصْلَهُ بِخِلَافِ نَحْوِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ التَّشَقُّقِ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ أَصْلَهَا فَيَسْتَحِقُّهَا مُسْتَحِقُّ الْأَصْلِ (، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَيُشْبِهُ الْحَمْلَ) فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ زَرْعٍ، وَثَمَرٍ (إنْ قَدِمَ) إنْسَانٌ (إلَى ثَغْرٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ فِيهِ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ إلَى بَلَدٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ فِيهِ وَقِيَاسُهُ مَنْ نَزَلَ فِي مَدْرَسَةٍ، وَنَحْوِهِ) وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: يَسْتَحِقُّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُغَلِّ، وَمَنْ جَعَلَهُ كَالْوَلَدِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلِلْوَرَثَةِ مِنْ الْمُغَلِّ بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ مُوَرِّثُهُمْ انْتَهَى قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَاعْلَمْ أَنْ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ هَهُنَا إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ بِصِفَةٍ مَحْضَةٍ، مِثْلِ كَوْنِهِ وَلَدًا أَوْ فَقِيرًا، وَنَحْوَهُ.
أَمَّا إنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ الْوَقْفَ عِوَضًا عَنْ عَمَلٍ وَكَانَ الْمُغَلُّ كَالْأُجْرَةِ فَيُقَسَّطُ عَلَى جَمِيعِ السَّنَةِ، كَالْمُقَاسَمَةِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ الْأُجْرَةِ حَتَّى مَنْ مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّرْعُ قَدْ وُجِدَ قَالَ: وَبِنَحْوِ ذَلِكَ أَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَفْتَى الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ أَبِي عُمَرَ: بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِسَنَةِ الْمُغَلِّ دُونَ السَّنَةِ الْهِلَالِيَّةِ فِي جَمَاعَةٍ مُقَرَّرِينَ فِي قَرْيَة حَصَلَ لَهُمْ حَاصِلٌ فِي قَرْيَتِهِمْ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِمْ، فَطَلَبُوا أَنْ يَأْخُذُوا مَا اسْتَحَقُّوهُ عَنْ الْمَاضِي، وَهُوَ مَغَلُّ سَنَةِ خَمْسٍ، وَأَرْبَعِينَ مَثَلًا، فَهَلْ يَصْرِفُهُ إلَيْهِمْ النَّاظِرُ بِحِسَابِ سَنَةِ خَمْسٍ الْهِلَالِيَّةِ، أَوْ بِحِسَابِ سَنَةِ الْمُغَلِّ مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَنْزِلُ بَعْدَ هَؤُلَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ جَمَاعَةٌ شَارَكُوا فِي حِسَابِ سَنَةِ الْمُغَلِّ فَإِنْ أَخَذَ أُولَئِكَ عَلَى حِسَابِ السَّنَةِ الْهِلَالِيَّةِ لَمْ يَبْقَ لِلْمُتَقَرِّرِينَ إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ؟ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ إلَّا بِسَنَةِ الْمُغَلِّ دُونَ الْهِلَالِيَّةِ، وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ.
(مَثَلًا وَشَجَرُ الْحُورِ الْمَوْقُوفُ إنْ أَدْرَكَ أَوَ إنْ قَطَعَهُ فِي حَيَاةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ لَهُ) أَيْ: لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ (وَإِنْ مَاتَ) الْبَطْنُ الْأَوَّلُ.
(وَبَقِيَ) الْحُورُ (فِي الْأَرْضِ مُدَّةً حَتَّى زَادَ) الْحُورُ (كَانَتْ الزِّيَادَةُ حَادِثَةً مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ الَّتِي لِلْبَطْنِ الثَّانِي، وَمِنْ الْأَصْلِ الَّذِي لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ، فَإِمَّا أَنْ تُقْسَمَ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَتَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْطَى الْوَرَثَةُ أُجْرَةَ الْأَرْضِ لِلْبَطْنِ الثَّانِي) وَالْأَوَّلُ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي بِيعَ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ.
(وَإِنْ غَرَسَهُ) أَيْ: الْحُورَ (الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَلَمْ يُدْرِكْ) أَوْ إنْ قَطْعَهُ (إلَّا بَعْدَ انْتِقَالِهِ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي فَهُوَ لَهُمْ) أَيْ: لِلْبَطْنِ
الثَّانِي (وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ فِيهِ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أَصْلَهُ فِي الْبَيْعِ فَتَبِعَهُ فِي انْتِقَالِ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثَّمَرِ غَيْرِ الْمُشَقَّقِ (قَالَهُ الشَّيْخُ) رحمه الله.
(وَإِنْ وَقَفَ إنْسَانٌ عَلَى عَقِبِهِ) أَوْ عَقِبِ غَيْرِهِ أَوْ نَسْلِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ ذُرِّيَّتِهِ (دَخَلَ فِيهِ) أَيْ: الْوَقْفَ.
(وَلَدُ الْبَنِينَ، وَإِنْ نَزَلُوا) لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُمْ (وَلَا يَدْخُلُ) فِيهِ (وَلَدُ الْبَنَاتِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ (كَمَا تَقَدَّمَ) ، وَعَنْهُ يَدْخُلُونَ قَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْبَنَاتِ أَوْلَادُهُ، وَأَوْلَادُهُنَّ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ حَقِيقَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ} [الأنعام: 84]- إلَى قَوْلِهِ {وَعِيسَى} [الأنعام: 85]، وَهُوَ وَلَدُ بِنْتِهِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» - الْحَدِيثَ يَعْنِي: الْحَسَنَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَالْقَوْلُ بِدُخُولِهِمْ أَصَحُّ، وَأَقْوَى دَلِيلًا انْتَهَى، وَأُجِيبَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ عَلَى الْمَجَازِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] ، وَعَنْ الْآيَةِ بِأَنَّ إدْخَالَ عِيسَى فِي الذُّرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ، وَأَصْلُ النَّسْلِ مِنْ النُّسَالَةِ، وَهِيَ شَعْرُ الدَّابَّةِ إذَا سَقَطَ عَنْ جَسَدِهَا، وَأَعْقَبَ الرَّجُلُ تَرَكَ عَقِبًا، وَعَقَبَ إذَا خَلَفَ وَالذُّرِّيَّةُ مِنْ ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ أَيْ: خَلَقَهُمْ، أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً وَقِيلَ: مِنْ ذَرَى اللَّهُ الْخَلْقَ أَيْ: نَشَرَهُمْ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ.
(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى قَرَابَتِهِ أَوْ عَلَى قَرَابَةِ فُلَانٍ فَهُوَ) أَيْ: الْوَقْفُ (لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِهِ، وَأَوْلَادِ أَبِيهِ وَ) أَوْلَادِ (جَدِّهِ وَ) أَوْلَادِ (جَدِّ أَبِيهِ أَرْبَعَةَ آبَاءٍ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُجَاوِزْ بَنِي هَاشِمٍ بِسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى، فَلَمْ يُعْطِ مِنْهُ لِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ، كَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا وَلَا يُقَالُ: هُمَا كَبَنِي الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَّلَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ مَنْ سَاوَاهُمْ مِمَّنْ سِوَاهُمْ فِي الْقُرْبِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ (يَسْتَوِي فِيهِ) أَيْ: فِي الْوَقْفِ عَلَى الْقَرَابَةِ (ذَكَرٌ، وَأُنْثَى، وَصَغِيرٌ، وَكَبِيرٌ، وَغَنِيٌّ، وَفَقِيرٌ) لِعُمُومِ الْقَرَابَةِ لَهُمْ.
(وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ: فِي الْوَقْفِ عَلَى الْقَرَابَةِ (مَنْ يُخَالِفُ دِينُهُ دِينَهُ) أَيْ: الْوَاقِفِ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ مُسْلِمًا لَمْ يَدْخُلْ فِي قَرَابَتِهِ كَافِرُهُمْ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يَدْخُلْ الْمُسْلِمُ فِي قَرَابَتِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ (كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا) .
(وَلَا) يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى قَرَابَتِهِ أُمُّهُ وَلَا قَرَابَتُهُ مِنْ قِبَلِهَا؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعْطِ مِنْ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى قَرَابَتَهُ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ شَيْئًا (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي لَفْظِهِ) أَيْ:
الْوَاقِفِ (مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ ذَلِكَ) أَيْ: الدُّخُولِ (كَقَوْلِهِ: وَيُفَضَّلُ قَرَابَتِي مِنْ جِهَةِ أَبِي عَلَى قَرَابَتِي مِنْ جِهَةِ أُمِّي، أَوْ قَوْلِهِ: إلَّا ابْنَ خَالَتِي فُلَانًا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى الْقَرِينَةِ (أَوْ) وُجِدَتْ (قَرِينَةٌ تُخْرِجُ بَعْضَهُمْ عُمِلَ بِهَا، وَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا حُكْمُ أَقْرَبِ قَرَابَتِهِ أَوْ الْأَقْرَبِ إلَيْهِ) مُفَصَّلًا.
(مُفَصَّلًا وَأَهْلُ بَيْتِهِ) إذَا وَقَفَ عَلَيْهِمْ كَقَرَابَتِهِ (وَقَوْمُهُ) كَقَرَابَتِهِ (وَنُسَبَاؤُهُ) كَقَرَابَتِهِ (وَأَهْلُهُ) كَقَرَابَتِهِ (وَآلُهُ كَقَرَابَتِهِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِي وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِي» .
وَفِي رِوَايَةٍ «إنَّا آلُ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» فَجَعَلَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى لَهُمْ عِوَضًا عَنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ ذَوُو الْقُرْبَى الَّذِينَ سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى هُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ، احْتَجَّ بِذَلِكَ الْإِمَامُ.
وَرَوَى عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ عِنْدَ الْعَرَبِ آبَاءُ الرَّجُلِ، وَأَوْلَادُهُمْ كَالْأَجْدَادِ وَالْأَعْمَامِ، وَأَوْلَادِهِمْ (وَالْعِتْرَةُ: الْعَشِيرَةُ، وَهِيَ) أَيْ: الْعَشِيرَةُ قَبِيلَتُهُ قَالَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فِي مَحْفَلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ " نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبَيْضَتُهُ الَّتِي تَفَقَّأَتْ عَنْهُ " وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ (، وَذَوُو رَحِمِهِ قَرَابَتُهُ مِنْ جِهَةِ أَبَوَيْهِ) ، وَأَوْلَادِهِ، وَأَوْلَادِهِمْ، وَإِنْ نَزَلُوا؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ يَشْمَلُهُمْ.
(وَلَوْ جَاوَزُوا أَرْبَعَةَ آبَاءٍ فَيُصْرَفُ) الْوَقْفُ عَلَى ذَوِي رَحِمِهِ (إلَى كُلِّ مَنْ يَرِثُ بِفَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ أَوْ بِالرَّحِمِ) لِشُمُولِهِ لَهُمْ (وَالْأَشْرَافُ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الشَّيْخُ: وَأَهْلُ الْعِرَاقِ كَانُوا لَا يُسَمُّونَ شَرِيفًا إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَغَيْرِهِمْ) كَأَهْلِ مِصْرَ (لَا يُسَمُّونَ شَرِيفًا إلَّا مَنْ كَانَ عَلَوِيًّا انْتَهَى) بَلْ لَا يُسَمُّونَ شَرِيفًا إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ.
وَلَوْ وَقَفَ عَلَى آلِ جَعْفَرٍ، وَآلِ عَلِيٍّ، فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَفْتَيْتُ أَنَا وَطَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَ أَعْيَانِ الطَّائِفَتَيْنِ، وَأَفْتَى طَائِفَةٌ أَنَّهُ يُقَسَّمُ نِصْفَيْنِ فَيَأْخُذُ آلُ جَعْفَرٍ النِّصْفَ، وَإِنْ كَانُوا وَاحِدًا، وَهُوَ مُقْتَضَى أَحَدِ قَوْلَيْ أَصْحَابِنَا انْتَهَى.
قُلْت: هُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي مَوَاضِعَ (وَجَمْعُ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ كَالْمُسْلِمِينَ وَضَمِيرِهِ)، وَهُوَ الْوَاوُ (يَشْمَلُ النِّسَاءَ) صلى الله عليه وسلم {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] (لَا عَكْسُهُ) ، وَهُوَ جَمْعُ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ وَضَمِيرُهُ، فَلَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ، إذْ لَا يَغْلِبُ غَيْرُ الْأَشْرَفِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ قَالَ هَذَا) وَقْفٌ (لِجَمَاعَةٍ) مِنْ الْأَقْرَبِ إلَيْهِ (أَوْ) هَذَا وَقْفٌ (لِجَمْعٍ مِنْ الْأَقْرَبِ إلَيْهِ فَثَلَاثَةٌ) ، وَيَشْمَلُ أَهْلَ الدَّرَجَةِ، وَإِنْ كَثُرُوا لِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ.
(وَيُتَمِّمُ) الْجَمْعَ ثَلَاثَةٌ (مِمَّا
بَعْدَ الدَّرَجَةِ الْأُولَى) إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَلَاثَةٌ، فَإِذَا كَانَ لَهُ وَلَدَانِ، وَأَوْلَادُ ابْنٍ تَمَّمَ الْجَمْعَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ يَخْرُجُ بِقُرْعَةٍ (وَالْأَيَامَى) يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى قَالَ تَعَالَى " وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ "(وَالْعُزَّابُ) يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، يُقَالُ: رَجُلٌ عَزَبٌ، وَامْرَأَةٌ عَزَبٌ قَالَ ثَعْلَبٌ:، وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَزَبًا لِانْفِرَادِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ انْفَرَدَ فَهُوَ عَزَبٌ.
، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " وَكُنْتُ شَابًّا أَعْزَبَ " وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبِكْرِ، وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْعَزَبُ وَالْأَيِّمُ غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ.
(وَالْبِكْرُ) يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (وَالثَّيِّبُ) يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (وَالْعَانِسُ) يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (وَالْإِخْوَةُ) يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (وَالْعُمُومَةُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْأَخَوَاتُ لِلْإِنَاثِ) خَاصَّةً.
(فَالْأَيَامَى وَالْعُزَّابُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنْ رَجُلٍ، وَامْرَأَةٍ، وَالْأَرَامِلُ النِّسَاءُ اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ بِمَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ جَرِيرٌ:
النَّطْرُونِيُّ الْأَرَامِلُ قَدْ قُضِيَتْ حَاجَتُهَا
…
فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الْأَرْمَلِ الذَّكَرِ
؟ فَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ حَيْثُ أَرَادَ بِهِ الْإِنَاثَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ، وَوَصَفَهُ فِي الثَّانِي بِالذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَهُ لَمْ يُفْهَمْ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي: الصَّغِيرَةُ لَا تَسَمَّى أَيِّمًا وَلَا أَرْمَلَةً عُرْفًا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ صِفَةٌ لِلْبَالِغِ (، وَبِكْرٌ مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ) مِنْ رَجُلٍ، وَامْرَأَةٍ.
(وَ) يُقَالُ (رَجُلٌ ثَيِّبٌ، وَامْرَأَةٌ ثَيِّبَةٌ إذَا كَانَا قَدْ تَزَوَّجَا وَالثُّيُوبَةُ زَوَالُ الْبَكَارَةِ) بِالْوَطْءِ (وَلَوْ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ) كَسَيِّدٍ، وَوَطْءِ شُبْهَةٍ، وَزِنًا (وَالرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرِّجَالِ خَاصَّةً لُغَةً) لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَالْجَمْعُ أَرْهُطٌ، وَأَرْهَاطٌ، وَأَرَاهِطُ، وَأَرَاهِيطُ وَقَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ: الرَّهْطُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ وَكَذَا قَالَ: النَّفَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشْرَةٍ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَهْلُ الْوَقْفِ الْمُتَنَاوِلُونَ لَهُ وَالْعُلَمَاءُ حَمَلَةُ الشَّرْعِ، وَهُمْ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ أُصُولِهِ، وَفُرُوعِهِ مِنْ غَنِيٍّ، وَفَقِيرٍ لَا ذُو أَدَبٍ، وَنَحْوٍ وَلُغَةٍ، وَتَصْرِيفٍ، وَعِلْمِ كَلَامٍ وَطِبٍّ، وَحِسَابٍ، وَهَنْدَسَةٍ، وَهَيْئَةٍ، وَتَعْبِيرِ رُؤْيَا وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، وَإِقْرَائِهِ، وَتَجْوِيدِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فُقَهَاءَ، وَمُتَفَقِّهَةً كَعُلَمَاءَ قُلْت: مَدْلُولُ فُقَهَاءٍ: الْعُلَمَاءُ بِالْفِقْهِ وَالْمُتَفَقِّهَةُ طَلَبَةُ الْفِقْهِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ مَنْ عَرَفَهُ وَلَوْ حَفِظَ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا لَا مَنْ سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ (وَالْقُرَّاءُ الْآنَ) أَيْ: فِي عُرْفِ هَذَا الزَّمَانِ (حُفَّاظُ الْقُرْآنِ وَ) الْقُرَّاءُ (فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ هُمْ الْفُقَهَاءُ، وَأَعْقَلُ
النَّاسِ الزُّهَّادُ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ الْفَانِي لِلْبَاقِي.
(قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَيْسَ مِنْ الزُّهْدِ تَرْكُ مَا يُقِيمُ النَّفْسَ، وَيُصْلِحُ أَمْرَهَا، وَيُعِينُهَا عَلَى طَرِيقِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ زُهْدُ الْجُهَّالِ، وَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ: الزُّهْدُ (تَرْكُ فُضُولِ الْعَيْشِ وَ) هُوَ (مَا لَيْسَ بِضَرُورَةٍ فِي بَقَاءِ النَّفْسِ) أَيْ: نَفْسِهِ، وَنَفْسِ عِيَالِهِ (عَلَى هَذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَأَصْحَابُهُ) ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله عليه الصلاة والسلام «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» (وَالْيَتِيمُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَلَا أَبَ لَهُ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ زِنًا (وَلَوْ جَهِلَ بَقَاءَ أَبِيهِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) .
، (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ) عَلَى (إخْوَتِهِ إخْوَتِهِ وَنَحْوِهِمْ) كَأَعْمَامِهِ أَوْ جِيرَانِهِ (أَوْ وَصَّى لَهُمْ) بِشَيْءٍ (لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ) أَيْ: دِينَ الْوَاقِفِ أَوْ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْوَاقِفِ أَوْ الْمُوصِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ سَوَاءٌ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا (إلَّا بِقَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِمْ فَيَدْخُلُونَ (كَالصَّرِيحِ) أَيْ: كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِدُخُولِهِمْ، وَمِنْ الْقَرِينَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ.
(وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ كُفَّارًا) دَخَلُوا؛ لِأَنَّ عَدَمَ دُخُولِهِمْ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ اللَّفْظِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَفِيهِمْ) أَيْ: أَوْ كَانَ فِيهِمْ (مُسْلِمٌ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي كُفَّارٌ وَالْوَاقِفُ مُسْلِمٌ دَخَلُوا) ؛ لِأَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى وَاحِدٍ بَعِيدٌ جِدًّا (وَإِنْ كَانَ) الْوَاقِفُ كَافِرًا وَ (فِيهِمْ كَافِرٌ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْوَاقِفِ الْكَافِرِ لَمْ يَدْخُلْ) الْكَافِرُ الْمُغَايِرُ لِدِينِهِ كَمَا لَا يَرِثُهُ.
(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ) كَبَنِيهِ أَوْ بَنِي فُلَانٍ وَلَيْسُوا قَبِيلَتَهُ أَوْ مُوَالِيهِ أَوْ مَوَالِي غَيْرِهِ (وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ) بِالْوَقْفِ.
(وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ) فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَأَمْكَنَ الْوَفَاءُ بِهِ فَوَجَبَ التَّعْمِيمُ بِمُقْتَضَاهُ (كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ) بِمَالٍ (وَإِنْ أَمْكَنَ حَصْرُهُمْ فِي ابْتِدَائِهِ) أَيْ: الْوَقْفِ (ثُمَّ تَعَذَّرَ) بِكَثْرَةِ أَهْلِهِ (كَوَقْفِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، عَمَّمَ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ) بِالْوَقْفِ.
(وَسَوَّى بَيْنَهُمْ) فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ وَالتَّسْوِيَةَ كَانَا وَاجِبَيْنِ فِي الْجَمِيعِ فَإِذَا تَعَذَّرَا فِي بَعْضٍ وَجَبَا فِيمَا لَمْ يَتَعَذَّرَا فِيهِ، كَالْوَاجِبِ الَّذِي تَعَذَّرَ بَعْضُهُ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حَصْرُهُمْ ابْتِدَاءً كَالْمَسَاكِينِ وَالْقَبِيلَةِ الْكَبِيرَةِ كَبَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي تَمِيمٍ جَازَ التَّفْضِيلُ) بَيْنَهُمْ.
(وَالِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ عَدَمُ مُجَاوَزَةِ الْجِنْسِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالدَّفْعِ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِذَا جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ فَالتَّفْضِيلُ أَوْلَى (وَكَالْوَقْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ أَوْ عَلَى) أَهْلِ (إقْلِيمٍ كَالشَّامِ وَعَلَى أَهْلِ مَدِينَةٍ كَدِمَشْقَ) فَيَجُوزُ التَّفْضِيلُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ تَنَاوَلَ الْآخَرَ) فَهُمَا صِنْفَانِ حَيْثُ اجْتَمَعَا فَإِنْ
افْتَرَقَا اجْتَمَعَا.
(وَ) مَتَى كَانَ الْوَقْفُ عَلَى أَصْنَافٍ كَالْفُقَرَاءِ كَالْفُقَرَاءِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَالْغُزَاةِ وَالْغُزَاةِ وَنَحْوِهِمْ ف (مَنْ وُجِدَ فِيهِ صِفَاتٌ) بِأَنْ كَانَ ابْنَ سَبِيلٍ غَازِيًا غَارِمًا (اسْتَحَقَّ بِهَا) أَيْ: بِالصِّفَاتِ كَالزَّكَاةِ.
(وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَصْنَافِ الزَّكَاةِ) أَوْ عَلَى (صِنْفَيْنِ فَأَكْثَرَ) مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ (أَوْ) وَقَفَ عَلَى (الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى صِنْفٍ كَزَكَاةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ عَدَمُ مُجَاوَزَتِهِمْ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالدَّفْعِ إلَى صِنْفٍ مِنْهُمْ بَلْ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ.
(وَلَا يُعْطَى فَقِيرٌ) وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ (أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطَاهُ مِنْ زَكَاةٍ) إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ كَالرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ، فَيُعْطَى فَقِيرٌ، وَمِسْكِينٌ تَمَامَ كِفَايَتِهِمَا مَعَ عَائِلَتِهِمَا سَنَةً، وَمُكَاتَبٌ، وَغَارِمٌ مَا يَقْضِيَانِ بِهِ دَيْنَهُمَا، وَابْنُ سَبِيلٍ مَا يَحْتَاجُهُ لِعَوْدِهِ لِبَلَدِهِ، وَغَازٍ مَا يَحْتَاجُهُ لِغَزْوِهِ، وَهَكَذَا.
(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ فَوْقَ) فَقَطْ، وَهُمْ مَنْ أَعْتَقُوهُ اخْتَصَّ الْوَقْفُ بِهِ (أَوْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَهُ مُوَلٍّ مِنْ أَسْفَلَ) فَقَطْ، وَهُمْ عُتَقَاؤُهُ (اخْتَصَّ الْوَقْفُ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَوَالٍ مِنْ فَوْقَ وَ) مَوَالٍ مِنْ (أَسْفَلَ تَنَاوَلَ) الْوَقْفُ (جَمِيعَهُمْ فَيَسْتَوُونَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلهُمْ عَلَى السَّوَاءِ، وَمَتَى انْقَرَضَ مَوَالِيهِ فَلِعَصَبَتِهِمْ.
(وَإِنْ عَدَمَ الْمَوَالِي) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوَالٍ حِينَ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى مَوَالِيَّ (كَانَ) الْوَقْفُ (لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُمْ مَجَازًا مَعَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ.
فَإِنْ كَانَ لَهُ مَوَالٍ ثُمَّ انْقَرَضُوا لَمْ يَرْجِعْ مِنْ الْوَقْفِ شَيْءٌ لِمَوَالِي عَصَبَتِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُمْ، فَلَا يَعُودُ إلَيْهِمْ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يُوجَدْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا شَيْءَ لِمَوَالِي عَصَبَتِهِ إلَّا مَعَ عَدَمِ مَوَالِيهِ ابْتِدَاءً (وَالشَّابُّ وَالْفَتَى مِنْ الْبُلُوغِ إلَى الثَّلَاثِينَ وَالْكَهْلُ مِنْ حَدِّ الشَّبَابِ)، وَهُوَ الثَّلَاثُونَ (إلَى الْخَمْسِينَ وَالشُّيُوخُ مِنْهَا) أَيْ: الْخَمْسِينَ (إلَى السَّبْعِينَ وَالْهَرَمُ مِنْهَا) أَيْ: السَّبْعِينَ (إلَى الْمَوْتِ، وَأَبْوَابُ الْبِرِّ: الْقُرَبُ كُلُّهَا) ؛ لِأَنَّ الْبِرَّ اسْمٌ جَامِعٌ لِأَنْوَاعِ الْخَيْرِ (وَأَفْضَلُهَا الْغَزْوُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ.
(وَيُبْدَأُ بِهِ) أَيْ: بِالْغَزْوِ؛ لِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ (وَالْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ فِي) مَا ذُكِرَ فِي (هَذَا الْفَصْلِ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى لَفْظِ الْمُوصِي أَشْبَهَتْ الْوَقْفَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ دُخُولُ وَارِثِهِ فِي وَصِيَّتِهِ لِقَرَابَتِهِ، خِلَافًا لِلْمُسْتَوْعِبِ، وَمَنْ لَمْ يُجِزْ مِنْ الْوَرَثَةِ بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ أَمَةٍ فَأُنْثَى وَالْعَبْدُ ذَكَرٌ.
وَلَوْ وَصَّى بِأُضْحِيَّةٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَضَحَّوْا بِغَيْرِهِ خَيْرًا مِنْهُ جَازَ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِزِيَادَةِ خَيْرٍ فِي الْمَخْرَجِ (، وَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ ذِكْرُ أَلْفَاظٍ