الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَعَبْدٍ أَبِقَ وَجَمَلٍ شَرَدَ (فَأَدَّى قِيمَتَهُ) لِلْحَيْلُولَةِ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (أُجْرَتُهُ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْقِيمَةِ) فَقَطْ (فَإِنْ قَدَرَ) الْغَاصِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (بَعْدَ) أَنْ كَانَ عَجَزَ عَنْهُ (لَزِمَهُ رَدُّهُ) لِمَالِكِهِ (كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ حِينِ دَفَعَ) الْغَاصِبُ (بَدَلَهُ إلَى رَدِّهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ بِقَبْضِ قِيمَتِهِ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ بِبَدَلِهِ الَّذِي هُوَ قِيمَتُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَبِبَدَلِهِ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ.
(وَمَنَافِعُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ (كَمَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ) أَيْ يَضْمَنُهَا الْقَابِضُ سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ أَوْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ لِمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ عُقُودِ الْأَمَانَاتِ كَالْوَكَالَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَعُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ فَلَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِهَا وَلِهَذَا يَرْجِعُ مَنْ غَرِمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَيْئًا عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا غَرِمَهُ.
(وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ ذَا صَنَائِعَ لَزِمَهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (أُجْرَةُ أَعْلَاهَا) صَنْعَةً (فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي صَنْعَتَيْنِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّ غَايَةَ مَا يَحْصُلُ لِسَيِّدِهِ بِهِ مِنْ النَّفْعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي أَعْلَى مَا يُحْسِنُهُ مِنْ الصَّنَائِعِ (وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ لَوْ حَبَسَ حُرًّا أَوْ اسْتَعْمَلَهُ كَرْهًا) فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ ذَا صَنَائِعَ وَجَبَ لَهُ أُجْرَةُ أَعْلَاهَا.
[فَصْلٌ تَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ]
(فَصْلٌ وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ) وَكَذَا غَيْرُ الْغَاصِبِ (وَهِيَ) أَيْ التَّصَرُّفَاتُ الْحُكْمِيَّةُ (مَا لَهَا حُكْمٌ مِنْ صِحَّةٍ أَوْ فَسَادٍ) أَيْ مَا تُوصَفُ تَارَةً بِالصِّحَّةِ وَتَارَةً بِالْفَسَادِ (كَالْحَجِّ مِنْ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ) الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمَغْصُوبِ إذَا فَعَلَهَا عَالِمًا ذَاكِرًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ كَالصَّلَاةِ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ فِي مَكَان مَغْصُوبٍ وَالْوُضُوءِ مِنْ مَاءٍ مَغْصُوبٍ وَإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ بِخِلَافِ عِبَادَةٍ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا كَالصَّوْمِ وَالذِّكْرِ وَالِاعْتِقَادِ.
(وَالْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ) لِلْمَغْصُوبِ (وَالْإِنْكَاحِ كَأَنْ أَنْكَحَ) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ وَنَحْوَهَا) أَيْ نَحْوَ الْمَذْكُورَاتِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ (تَحْرُمُ وَلَا تَصِحُّ) خَبَرُ قَوْلِهِ: وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ لِحَدِيثِ: «مَنْ عَمَلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» أَيْ مَرْدُودٌ (وَتَحْرُمُ) التَّصَرُّفَاتُ (غَيْرُ الْحُكْمِيَّةِ) فِي الْمَغْصُوبِ (كَإِتْلَافِ) الْمَغْصُوبِ
(وَاسْتَعَمَّا لِ) هـ (كَأَكْلِ) الْمَغْصُوبِ (وَلُبْسِ) هـ (وَنَحْوِهِمَا) كَرُكُوبِهِ وَحَمْلٍ عَلَيْهِ وَسُكْنَى الْعَقَارِ لِحَدِيثِ: «إنَّ أَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» .
(وَإِنْ اتَّجَرَ) الْغَاصِبُ (بِعَيْنِ الْمَالِ) الْمَغْصُوبِ بِأَنْ كَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَاتَّجَرَ بِهَا (أَوْ) اتَّجَرَ بِثَمَنِ (عَيْنِ الْمَغْصُوبِ) بِأَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ وَاتَّجَرَ بِثَمَنِهِ وَحَصَلَ رِبْحٌ (فَالرِّبْحُ وَالسِّلَعُ الْمُشْتَرَاةُ لِلْمَالِكِ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَاحْتُجَّ بِخَبَرِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ وَسَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ أَوْ بُطْلَانِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ جِدًّا عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَكَيْفَ يَمْلِكُ الْمَالِكُ الرِّبْحَ وَالسِّلَعَ؟ لَكِنَّ نُصُوصَ أَحْمَدَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ فَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ عَلَى وُجُوهٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ فَبَنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِجَازَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُغْنِي وَبَنَاهُ فِي التَّلْخِيصِ عَلَى أَنَّهَا صَحِيحَةٌ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْغَصْبِ يَطُولُ بِطُولِ الزَّمَانِ فَيَشُقُّ اعْتِبَارُهُ وَخَصَّ ذَلِكَ بِمَا طَالَ زَمَنُهُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ ثَمَّ نَقَدَ فِيهِ دَرَاهِمَ الْغَصْبِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ عَلَى مُقَيَّدِهِ وَحَمَلَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِ الْقَوَاعِدِ عَلَى أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ وَحَمَلَهُ فِي الْمُبْدِعِ عَلَى مَا إذَا تَعَذَّرَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَالِكِهِ وَرَدُّ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي.
(وَإِنْ اشْتَرَى) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهَا) أَيْ عَيْنَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ أَوْ ثَمَنَهَا.
(وَلَوْ مِنْ وَدِيعَةِ عَبْدِهِ أَوْ قَارَضَ بِهِمَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ (وَلَوْ) كَانَ الشِّرَاءُ (بِغَيْرِ نِيَّةِ نَقْدِهِ) أَيْ الثَّمَنِ مِنْ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ (فَالْعَقْدُ) أَيْ الشِّرَاءُ (صَحِيحٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لَهُ (وَالْإِقْبَاضُ فَاسِدٌ أَيْ غَيْرُ مُبَرِّئٍ) لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ فِيهِ (وَالرِّبْحُ وَالسِّلَعُ) فِي الْمُضَارَبَةِ وَغَيْرِهَا (الْمُشْتَرَاةُ لِلْمَالِكِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ ادْفَعْ إلَيْهِ دَرَاهِمَهُ بِنِتَاجِهَا وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ يَسْتَلْزِمُ سَلَامَةَ الْعَقْدِ لِلْمَالِكِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ فَإِنَّ الْعَقْدَ إذَا صَحَّ لِكَوْنِهِ وَاقِعًا فِي ذِمَّةِ الْعَاقِدِ فَكَيْفَ يَحْصُلُ لِمَنْ لَمْ يَقَعْ فِي ذِمَّتِهِ؟ وَمَأْخَذُ الصِّحَّةِ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ نَتِيجَةُ مِلْكِهِ فَكَانَ كَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ عَيْنِهِ وَهَذَا قَضَاءٌ بِالدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ قَهْرًا كَدُخُولِ الْمِيرَاثِ بِالْإِرْثِ لَا فِي الْعَامِلِ وَلَا فِي غَيْرِهِ فِيهَا وَلَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ شَيْءٌ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ ثَمَّ إنْ كَانَ الْمُضَارِبُ عَالِمًا بِالْغَصْبِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِتَعَدِّيهِ بِالْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فَلَزِمَتْهُ أُجْرَتُهُ كَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ.
(وَإِنْ لَمْ يَبْقَ دِرْهَمٌ
مُبَاحٌ) أَيْ وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مُبَاحٍ (أَكَلَ عَادَتَهُ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ (لَا مَا لَهُ عَنْهُ غِنًى كَحَلْوَى وَفَاكِهَةٍ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ إذْ لَا مُبِيحَ لِلزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْغَاصِبُ وَالْمَالِكُ (فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ) بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ: قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَقَالَ الْمَالِكُ: اثْنَا عَشَرَ فَقَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي زِيَادَةِ قِيمَتِهِ: هَلْ زَادَتْ قَبْلَ تَلَفِهِ أَوْ بَعْدَهُ؟ أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي صِنَاعَةٍ فِيهِ وَلَا بَيِّنَةَ) لِأَحَدِهِمَا (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِهَا.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ) فَقَالَ الْغَاصِبُ: رَدَدْتُهُ وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ فَقَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ (فِيهِ بَعْدَ تَلَفِهِ) بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ:
كَانَ الْعَبْدُ أَعْمَى مَثَلًا وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ (فَقَوْلُ الْمَالِكِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ (لَكِنْ لَوْ شَاهَدَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَبْدَ مَعِيبًا عِنْدَ الْغَاصِبِ فَقَالَ الْمَالِكُ حَدَثَ) الْعَيْبُ (عِنْدَ الْغَاصِبِ وَقَالَ الْغَاصِبُ: بَلْ كَانَ) الْعَيْبُ (فِيهِ قَبْلَ غَصْبِهِ فَقَوْلُ الْغَاصِبِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صِفَةَ الْعَبْدِ لَمْ تَتَغَيَّرْ.
(وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يُعْرَفُ أَرْبَابَهَا فَسَلَّمَهَا إلَى الْحَاكِمِ وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْحَاكِمَ (قَبُولُهَا بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهَا) ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْحَاكِمِ لَهَا قَائِمٌ مَقَامَ قَبْضِ أَرْبَابِهَا لَهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمْ (وَلَهُ) أَيْ الَّذِي بِيَدِهِ الْمَغْصُوبُ (الصَّدَقَةُ بِهَا عَنْهُمْ) أَيْ أَرْبَابِهَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ يُرَادُ لِمَصْلَحَةِ الْمَعَاشِ أَوْ الْمَعَادِ وَمَصْلَحَةُ الْمَعَادِ أَوْلَى الْمَصْلَحَتَيْنِ.
وَقَدْ تَعَيَّنَتْ هَهُنَا لِتَعَذُّرِ الْأُخْرَى (بِشَرْطِ ضَمَانِهَا) لِأَرْبَابِهَا إذَا عَرَفَهُمْ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِدُونِ الضَّمَانِ إضَاعَةٌ لِمَالِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ بَدَلٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ نَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَانِهِ أَيْ مَكَانِ الْغَاصِبِ إنْ عَرَفَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى وُصُولِ الْمَالِ إلَيْهِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ وَيُرَاعَى الْفُقَرَاءُ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَنَقَلَ صَالِحٌ أَوْ بِالْقِيمَةِ وَلَهُ شِرَاءُ عَرَضٍ بِنَقْدٍ وَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةُ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ نَصًّا (كَلُقَطَةٍ) حُرِّمَ الْتِقَاطُهَا أَوْ لَمْ يَعْرِفْهَا فَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ رَبِّهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ أَوْ يَدْفَعُهَا لِلْحَاكِمِ.
وَإِذَا أُنْفِقَتْ كَانَتْ لِمَنْ يَأْخُذُ بِالْحَقِّ مُبَاحَةً كَمَا أَنَّهَا مَنْ يَأْكُلُهَا بِالْبَاطِلِ مُحَرَّمَةٌ وَبِكُلِّ حَالٍ تَرْكُ الْأَخْذِ أَجْوَدُ مِنْ الْقَبُولِ، وَإِذَا صَحَّ الْأَخْذُ كَانَ أَفْضَلَ أَعْنِي الْأَخْذَ وَالصَّرْفَ إلَى النَّاسِ الْمُحْتَاجِينَ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَهُنَاكَ التَّرْكُ أَوْلَى وَمِنْ الصَّدَقَةِ بِمَا ذُكِرَ: وَقْفُهُ أَوْ شِرَاءُ عَيْنٍ بِهِ يَقِفُهَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ نَصًّا (وَيَسْقُطُ عَنْهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (إثْمُ الْغَصْبِ)
بِدَفْعِهَا لِلْحَاكِمِ أَوْ الصَّدَقَةِ بِهَا عَنْ رَبِّهَا بِشَرْطِ ضَمَانِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ عَنْ الرَّدِّ لِلْمَالِكِ لِجَهْلِهِ بِهِ.
وَإِذَا تَصَدَّقَ بِهَا فَالثَّوَابُ لِأَرْبَابِهَا (وَكَذَا رُهُونٌ وَوَدَائِعُ وَسَائِرُ الْأَمَانَاتِ وَالْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ) كَالسَّرِقَةِ وَالنَّهْبِ إذَا جُهِلَ رَبُّهَا دَفَعَهَا لِلْحَاكِمِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ رَبِّهَا بِشَرْطِ ضَمَانِهَا لَهُ؛ لِأَنَّ فِي الصَّدَقَةِ بِهَا عَنْهُمْ جَمْعًا بَيْنَ مَصْلَحَةِ الْقَابِضِ بِتَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ وَمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ بِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَهُ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَتَخَرَّجُ جَوَازُ أَخْذِ الْفُقَرَاءِ مِنْ الصَّدَقَةِ مِنْ يَدِ مَنْ مَالُهُ حَرَامٌ كَقُطَّاعِ طَرِيقٍ وَأَفْتَى الْقَاضِي بِجَوَازِهِ.
(وَلَيْسَ لِمَنْ هِيَ) أَيْ: الْغُصُوبُ وَالْأَمَانَاتُ الْمَجْهُولَةُ أَرْبَابُهَا (عِنْدَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا) وَلَوْ كَانَ (فَقِيرًا) مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: الدُّيُونُ الْمُسْتَحَقَّةُ كَالْأَعْيَانِ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ مُسْتَحِقِّهَا نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ: تَصَدَّقْ عَنِّي بِدَيْنِي الَّذِي لِي عَلَيْك لَمْ يَبْرَأْ بِالصَّدَقَةِ وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لِلنَّاسِ يَقْضِي عَنْهُ دَيْنَهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يَبْرَأُ بَاطِنًا، وَإِذَا أَرَادَ مَنْ بِيَدِهِ عَيْنٌ جَهِلَ مَالِكَهَا أَنْ يَتَمَلَّكَهَا وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا عَنْ مَالِكِهَا.
فَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ الْجَوَازُ فِيمَنْ اشْتَرَى آجُرًّا وَعَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ مَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَرْبَابٌ: أَرْجُو إنْ أُخْرِجَ قِيمَةَ الْآجُرِّ فَتَصَدَّقَ بِهِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ إثْمِهِ وَقَدْ يَتَخَرَّجُ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ جَوَازِ شِرَاءِ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ.
(وَإِذَا تَصَدَّقَ) الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ (بِالْمَالِ) الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ الْمَجْهُولِ رَبُّهُ (ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ خُيِّرَ بَيْنَ الْآجُرِّ وَبَيْنَ الْأَخْذِ) لِلْبَدَلِ (مِنْ الْمُتَصَدِّقِ فَإِنْ) اخْتَارَ الْآجُرَّ فَذَاكَ.
(وَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ مِنْ) الْمُتَصَدِّقِ (فَلَهُ ذَلِكَ وَالْآجُرُّ لِلْمُتَصَدِّقِ) عَمَّا تَصَدَّقَ بِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ إذَا عَرَفَ رَدُّ مَا فَعَلَهُ مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لَهُ شَرْعًا لِلْحَاجَةِ كَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ وَلَا حَاكِمَ.
(وَلَوْ نَوَى) الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ (جَحْدَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ) الْغَصْبِ أَوْ الْأَمَانَةِ وَنَحْوِهَا فِي حَيَاةِ رَبِّهِ (أَوْ) نَوَى جَحْدَ (حَقٍّ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ فَثَوَابُهُ لَهُ) أَيْ: لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ جَحْدِهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ إتْلَافِهِ إذَنْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لِوَرَثَةِ رَبِّهِ بِمَوْتِهِ فَكَانَ ثَوَابُهُ لَهُ (وَإِلَّا) يَنْوِي جَحْدَ مَا ذُكِرَ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ بَلْ بَعْدَ مَوْتِهِ (فَ) ثَوَابُهُ (لِوَرَثَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُدِمَ عَلَيْهِمْ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا فَاتَ عَلَيْهِ قَهْرًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ.
(وَلَوْ نَدِمَ) الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ عَلَى تَعَدِّيهِ (وَرَدَّ مَا غَصَبَهُ) أَوْ سَرَقَهُ وَنَحْوَهُ (عَلَى الْوَرَثَةِ بَرِئَ) الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ مِنْ (إثْمِهِ) أَيْ: الْمَالِ الْمَغْصُوبِ أَوْ الْمَسْرُوقِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ (لَا مِنْ إثْمِ الْغَصْبِ) فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ بَلْ يَبْقَى