الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْوَلَاءِ وَجَرِّهِ وَدَوْرِهِ]
(بَابُ الْوَلَاءِ وَجَرِّهِ وَدَوْرِهِ) الْوَلَاءُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ لُغَةً الْمِلْكُ وَشَرْعًا ثُبُوتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِعِتْقٍ أَوْ تَعَاطِي سَبَبِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَمَعْنَى الْوَلَاءِ إذَا أَعْتَقَ نَسَمَةً) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا (صَارَ لَهَا عَصَبَةٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ التَّعَصُّبِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ مِنْ النَّسَبِ) كَالِابْنِ وَالْأَبِ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمْ وَقَوْلُهُ (مِنْ الْمِيرَاثِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْعَقْلِ) إذَا جَنَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَالنَّفَقَةِ بَيَانٌ لِأَحْكَامِ التَّعْصِيبِ.
(قَالَهُ فِي الْمَطْلَعِ وَ) قَالَهُ (الزَّرْكَشِيّ) وَقَوْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ مِنْ النَّسَبِ مُتَعَلِّقٌ بِصَارَ، وَالْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ حَتَّى مَعَ وُجُودِهِ، لَكِنَّهُ مَحْجُوبٌ بِهِ عَنْ الْمِيرَاثِ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ» وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ الْوَلَاءُ عَنْ النَّسَبِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَفِيهِ " لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ " شَبَّهَهُ بِالنَّسَبِ وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَلِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْ الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَحْرَمِيَّةُ وَتَرْكُ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ الْوَلَاءِ.
إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ (فَكُلُّ مَنْ أَعْتَقَ رَقِيقًا، أَوْ) أَعْتَقَ (بَعْضَهُ فَسَرَى) الْعِتْقُ (عَلَيْهِ) إلَى بَاقِيه عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ.
(وَلَوْ) كَانَ أَعْتَقَهُ (سَائِبَةً وَنَحْوَهَا كَقَوْلِهِ: أَعْتَقْتُك سَائِبَةً، أَوْ) أَعْتَقْتُك (وَلَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَزُولُ نَسَبُ إنْسَانٍ، وَلَا وَلَدٌ عَنْ فِرَاشٍ بِشَرْطٍ لَا يَزُولُ وَلَاءٌ عَنْ عَتِيقٍ بِهِ وَلِذَلِكَ لَمَّا «أَرَادَ أَهْلُ بَرِيرَةَ اشْتِرَاطَ وَلَائِهَا عَلَى عَائِشَةَ قَالَ صلى الله عليه وسلم اشْتَرِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» يُرِيدُ أَنَّ اشْتِرَاطَ تَحْوِيلِ الْوَلَاءِ عَنْ الْمُعْتَقِ، لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَرَوَى مُسْلِمٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إنِّي أَعْتَقْت عَبْدًا لِي وَجَعَلْتُهُ سَائِبَةً، فَمَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَلَمْ يَدَعْ
وَارِثًا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ لَا يُسَيِّبُونَ وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُسَيِّبُونَ، وَأَنْتَ وَلِيُّ نِعْمَتِهِ فَإِنْ تَأَثَّمْت وَتَحَرَّجْت عَنْ شَيْءٍ فَنَحْنُ نَقْبَلُهُ وَنَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ " (أَوْ) كَانَ الْمُعْتَقُ (مَنْذُورًا، أَوْ مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّهُ مُعْتِقٌ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ (أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِرَحِمٍ) كَمَا لَوْ مَلَكَ أَبَاهُ، أَوْ وَلَدَهُ، أَوْ أَخَاهُ، أَوْ عَمَّهُ وَنَحْوَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الرَّحِمِ أَيْ الْقَرَابَةِ (أَوْ) عَتَقَ عَلَيْهِ بِ (تَمْثِيلٍ بِهِ) بِأَنْ مَثَّلَ بِرَقِيقِهِ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ (أَوْ) عَتَقَ عَلَيْهِ بِ (كِتَابَةٍ) بِأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى مَالٍ فَأَدَّاهُ.
(وَلَوْ أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (إلَى الْوَرَثَةِ) مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ وَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْرُوثِ يَرِثُ بِهِ أَقْرَبَ عَصَبَتِهِ عَلَى مَا يَأْتِي (أَوْ) عَتَقَ عَلَيْهِ بِ (تَدْبِيرٍ) بِأَنْ دَبَّرَهُ، فَمَاتَ وَخَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ (أَوْ) عَتَقَ عَلَيْهِ بِ (إيلَادٍ) كَأَنْ أَتَتْ أَمَتُهُ مِنْهُ بِوَلَدٍ ثُمَّ مَاتَ أَبُو الْوَلَدِ (أَوْ) بِسَبَبِ.
(وَصِيَّةٍ بِعِتْقِهِ) بِأَنْ وَصَّى بِعِتْقِ عَبْدِهِ، فَأَعْتَقَهُ الْوَرَثَةُ (أَوْ بِتَعْلِيقِ) عِتْقِهِ (بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ) كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: إذَا جَاءَ رَأْسُ السَّنَةِ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَجَاءَ رَأْسُ السَّنَةِ وَنَحْوُهُ (أَوْ) يُعْتِقُهُ (بِعِوَضٍ) نَحْوَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدِمَنِي سَنَةً وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِعِوَضِ حَالٍ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ نَصَّ عَلَيْهِ (أَوْ حَلَفَ) لِلسَّيِّدِ (بِعِتْقِهِ فَحَنِثَ فَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَتِيقِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (الْوَلَاءُ وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) لَهُ أَيْضًا الْوَلَاءُ (عَلَى أَوْلَادِهِ) أَيْ أَوْلَادِ الْعَتِيقِ (مِنْ زَوْجَةٍ مُعْتَقَةٍ) لِلْعَتِيقِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ) عَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ (سُرِّيَّةٍ) لِلْعَتِيقِ.
(وَ) لَهُ الْوَلَاءُ أَيْضًا (عَلَى مَنْ لَهُ) أَيْ الْعَتِيقِ وَلَاؤُهُ كَعُتَقَائِهِ (أَوْ لَهُمْ) أَيْ لِأَوْلَادِ الْعَتِيقِ وَإِنْ سَفَلُوا.
(وَلَاؤُهُ كَمُعْتَقِيهِ وَمُعْتَقِي أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ، وَمُعْتَقَيْهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا) لِأَنَّهُ وَلِيُّ نِعْمَتِهِ وَبِسَبَبِهِ عَتَقُوا، وَلِأَنَّهُمْ فَرْعٌ وَالْفَرْعُ يَتْبَعُ أَصْلَهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَ عِتْقَهُمْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ مُشَبَّهٌ بِالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ ثَابِتٌ بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ (لَا يَزُولُ) الْوَلَاءُ (بِحَالٍ) لِحَدِيثِ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» .
(وَيَرِثُ) ذُو الْوَلَاءِ (بِهِ) أَيْ بِالْوَلَاءِ (وَلَوْ بَايَنَهُ فِي دِينِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ (عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ مِنْ النَّسَبِ وَ) عِنْدَ (عَدَمِ ذَوِي فُرُوضٍ تَسْتَغْرِقُ فُرُوضُهُمْ الْمَالَ) لِحَدِيثِ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَالْوَلَاءُ دُونَ النَّسَبِ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِهِ فَقُدِّمَتْ الْعَصَبَةُ مِنْ النَّسَبِ عَلَى الْعَصَبَةِ مِنْ الْوَلَاءِ، وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ كَانَ ذُو الْفَرْضِ لَا يَرِثُ جَمِيعَ الْمَالِ) كَأُمٍّ وَبِنْتٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (فَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى) لِحَدِيثِ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» .
(ثُمَّ يَرِثُ بِهِ) أَيْ الْوَلَاءِ (عَصَبَاتُهُ) أَيْ الْمُعْتَقُ (مِنْ بَعْدِهِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَذَا لَوْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ كَقَتْلٍ (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) مِنْ الْمُعْتَقِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَصَبَةُ وَلَدًا أَوْ أَبًا أَوْ أَخًا أَوْ عَمَّا أَوْ غَيْرَهُمْ مِنْ الْعَصَبِيَّاتِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتَقُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ كَانَ الْمِيرَاثُ لِمَوْلَى الْمُعْتَقِ، ثُمَّ لِعَصَبَاتِهِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَذَلِكَ، ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ كَذَلِكَ أَبَدًا اتِّفَاقًا، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ «أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا ثُمَّ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ ابْنًا لَهَا وَأَخَاهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ مَوْلَاهَا مِنْ بَعْدِهَا فَأَتَى أَخُو الْمَرْأَةِ وَابْنُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مِيرَاثِهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: مِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ أَخُوهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَرَّ جَرِيرَةً كَانَتْ عَلَيَّ وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ لِهَذَا قَالَ نَعَمْ» .
(فَلَوْ أَعْتَقَ كَافِرٌ مُسْلِمًا فَخَلَّفَ الْمُسْلِمُ الْعَتِيقُ ابْنًا لِسَيِّدِهِ كَافِرًا وَعَمًّا مُسْلِمًا فَمَا لَهُ) وَمُخَالَفَتُهُ لَهُ فِي الدِّينِ غَيْرُ مَانِعَةٍ لِإِرْثِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرُّ الْأَصْلِ أَمَةً فَعَتَقَ وَلَدُهَا عَلَى سَيِّدِهَا) بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ، أَوْ سَبَبٍ (فَلَهُ) أَيْ سَيِّدِهَا (وَلَاؤُهُ) لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ لَهُ.
(وَمَنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ الْحُرَّيْنِ حُرَّ الْأَصْلِ وَلَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ) وَالْآخَرُ عَتِيقٌ فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ لِأَنَّ الْأُمَّ إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْأَبُ رَقِيقًا فِي انْتِفَاءِ الرِّقِّ وَالْوَلَاءِ، فَلَأَنْ يَتْبَعَهَا فِي انْتِفَاءِ الْوَلَاءِ وَحْدَهُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ حُرَّ الْأَصْلِ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهُ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمَوْلَى أَبِيهِ فَلَأَنْ يَتْبَعَهُ فِي سُقُوطِ الْوَلَاءِ عَنْهُ أَوْلَى (أَوْ كَانَ أَبُوهُ مَجْهُولَ النَّسَبِ وَأُمُّهُ عَتِيقَةً أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ وَأَبُوهُ عَتِيقًا (فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) لِأَحَدٍ، لِأَنَّ مَجْهُولَ النَّسَبِ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ أَشْبَهَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْآدَمِيِّينَ الْحُرِّيَّةُ وَعَدَمُ الْوَلَاءِ، فَلَا يُتْرَكُ هَذَا الْأَصْلُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ بِالْوَهْمِ كَمَا لَمْ يُتْرَكْ فِي حَقِّ أَصْلِهِ.
(وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ) أَوْ أَمَتَهُ (عَنْ مَيِّتٍ أَوْ) أَعْتَقَهُ عَنْ (حَيٍّ بِلَا أَمَرَهُ: فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ) لِحَدِيثِ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَكَمَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ غَيْرَهُ (إلَّا إذَا أَعْتَقَ وَارِثٌ عَنْ مَيِّتٍ) يَرِثُهُ (فِي وَاجِبٍ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (كَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَ) كَفَّارَةِ وَطْءِ نَهَارِ (رَمَضَانَ وَ) كَفَّارَةِ (قَتْلٍ) وَيَمِينٍ.
(وَلَهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (تَرِكَةٌ فَيَقَعُ) الْعِتْقُ (عَنْ الْمَيِّتِ وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ) لِمَكَانِ الْحَاجَةِ إلَى
ذَلِكَ وَهُوَ احْتِيَاجُ الْمَيِّتِ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ كَالنَّائِبِ عَنْ الْمَيِّتِ فِي أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ فَكَانَ الْعِتْقُ مِنْهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَنَحْوَهَا لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الدُّخُولُ فِي مِلْك الْمُكَفَّرِ عَنْهُ.
(فَإِنْ تَبَرَّعَ) وَارِثٌ (بِعِتْقِهِ عَنْهُ) أَيْ الْمَيِّتِ فِي وَاجِبٍ عَلَيْهِ (وَلَا تَرِكَةَ) لِلْمَيِّتِ (أَجْزَأَ) الْعِتْقُ (عَنْهُ) كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِ (إطْعَامٍ) أَوْ (كِسْوَةٍ) فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ (وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) لِحَدِيثِ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَإِذَا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَنْ يَمِينٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْعِتْقُ وَلَهُ الْإِطْعَامُ وَالْكِسْوَةُ وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِمَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ يُعْتِقُ عَنْ الْمَيِّتِ أَجْزَأَ وَلِمُتَبَرِّعِ الْوَلَاءِ.
(وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ حَيٍّ (بِأَمْرِهِ) لَهُ بِإِعْتَاقِهِ (فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ) كَمَا لَوْ بَاشَرَ.
(وَإِذَا قَالَ) إنْسَانٌ لِآخَرَ (أَعْتِقْ عَبْدَك) أَوْ أَمَتَك (عَنِّي مَجَّانًا أَوْ) أَعْتِقْ رَقِيقَك عَنِّي وَ (عَلَيَّ ثَمَنُهُ أَوْ) قَالَ (أَعْتِقْهُ عَنِّي وَيُطْلِقُ) فَلَمْ يَقُلْ مَجَّانًا وَلَا عَلَيَّ ثَمَنُهُ (فَفَعَلَ) الْمَقُولُ لَهُ بِأَنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ (صَحَّ) ذَلِكَ (وَالْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ لِلْقَائِلِ) وَوَقَعَ الْمِلْكُ وَالْعِتْقُ مَعًا، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَطْعِمْ عَنِّي أَوْ اُكْسُ عَنِّي (وَيُجْزِئُهُ) أَيْ يُجْزِئُ هَذَا الْعِتْقُ الْقَائِلَ (عَنْ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ) عَلَيْهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَالْمُرَادُ إذَا نَوَاهُ (مَا لَمْ يَكُنْ) الْعِتْقُ (مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) أَيْ الْقَائِلُ إذَا مَلَكَهُ، كَأَبِيهِ وَنَحْوِهِ يُجْزِئُهُ عَنْ وَاجِبٍ وَيَأْتِي فِي الْكَفَّارَةِ.
(وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْقَائِلَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي (ثَمَنُهُ) أَيْ الْعَتِيقِ (إلَّا بِالْتِزَامِهِ) بِأَنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ وَصَحَّ كُلَّمَا أَعْتَقْت عَبْدًا مِنْ عَبِيدِك فَعَلَيَّ ثَمَنُهُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْعَدَدَ وَالثَّمَنَ ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ فِي الْإِجَازَةِ.
(وَإِنْ قَالَ) إنْسَانٌ لِمَالِكِ رَقِيقٍ (أَعْتِقْهُ وَالثَّمَنُ عَلَيَّ) وَلَمْ يَقُلْ أَعْتِقْهُ عَنِّي (أَوْ) قَالَ (أَعْتِقْهُ عَنْك وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَفَعَلَ صَحَّ) الْعِتْقُ.
(وَالثَّمَنُ عَلَيْهِ) لِالْتِزَامِهِ لَهُ فَقَدْ جَعَلَ لَهُ جُعْلًا عَلَى إعْتَاقِ عَبْدِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ بِالْعَمَلِ، كَمَا لَوْ قَالَ ابْنِ لِي هَذَا الْحَائِطَ بِدِينَارٍ (وَالْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعْتَاقِهِ عَنْهُ وَلَا قَصَدَ بِهِ الْعِتْقَ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي صَرْفَهُ إلَيْهِ فَبَقِيَ الْمُعْتِقُ لِحَدِيثِ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» (وَيُجْزِيه) أَيْ يُجْزِي هَذَا الْعِتْقُ الْمُعْتِقَ (عَنْ الْوَاجِبِ) عَلَيْهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ.
(وَلَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ إجَابَةُ مَنْ قَالَ) لَهُ (أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي) أَوْ عَنْك (وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْهُ عَلَى كَذَا فَلَغْوٌ.
(وَإِنْ قَالَ كَافِرٌ لِشَخْصٍ) مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ (أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَفَعَلَ) أَيْ فَأَعْتَقَهُ عَنْ الْكَافِرِ (صَحَّ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ زَمَنًا يَسِيرًا وَلَا يَتَسَلَّمُهُ، فَاغْتُفِرَ هَذَا الضَّرَرُ الْيَسِيرُ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِلْأَبَدِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا نَفْعٌ عَظِيمٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بِهَا يَصِيرُ مُتَهَيِّئًا لِلطَّاعَاتِ وَكَمَالِ الْقُرُبَاتِ (وَعَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لَهُ)