الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأي شيء بمصر لا يتيمنا
…
مصر حوت كل ما شاق الورى وسبى
وأعشق الأنس يجلو لي دجى كربي
…
وفي الكنانة أنس يكشف الكربا
وأعشق اللغة الفصحى وقد ضربت
…
في مصر اللغة الفصحى لها طنبا
دار إذا قال فيها نازح وطني
…
أحب منها إلى قلبي فقد كذبا
أهدي السلام (لشوقيها) و (حافظها)
…
و (للخليل) ومن يبقى من الأدبا
رشيد مصوبع
الحركة الأدبية
كانت سورية في النصف الأخير من القرن الغابر مهد كتاب مشاهير وأدباء أعلام كان لهم اليد الطولى في نهضة اللغة العربية والآداب الرقية، ولما ضاق عليهم هذا المضمار في ربوع الشام، هاجروا زرافات إلى وادي النيل، فكانت الديار المصرية خير مسرح تجلت عليه عرائس أفكارهم وبرزت إليه نفائس خواطرهم. بل وجدوا في تلك الديار التي حلوها على الرحب والسعة تكملة لسليقتهم. وهكذا إذا كانت الشام قد أنبتتهم فإن مصر انتمهم وأنضجت أفكارهم فأنتجت أينع الأثمار بعد أن كانت حملت ألطف الأزهار. وما عهد اليازجي والنقاش والحداد وأديب إسحق وغيرهم ببعيد. وعليه فيصعب على من شاء أن يكتب تاريخ الآداب العربية الحديث أن يفرق بين القطرين ويميز بين كتاب البلدين. وجل الكتاب أن لم نقل كلهم قد نسقوا نسيم لبنان العليل ورشفوا ماء النيل السلسبيل. فيحق لكلا القطرين أن يدعيهم.
وكانت ريح الاستبداد العاصفة قد شتتت شمل السوريين ونثرتهم في كل أنحاء العالم، فطرحتهم مطارح النوى إلى أقصى بلاد الله، فعرفوا مجاهل أفريقيا ومفاوز
أمريكا وبطاح أستراليا. ولما كان السوري ميالاً بطبيعته إلى الكتابة والتحرير حمل معه إلى المهجر طرسه وقلمه فأنشأ الصحف والمجلات وخدم اللغة العربية أينما نزل، والبريد يحمل إلينا في كل أسبوع جرائد شتى ومطبوعات متنوعة من مراكش وكندا والولايات المتحدة والمكسيك والبرازيل والأرجنتين إلخ.
ولما سكنت عاصفة الاستبداد التي كادت تجتاح كل عقل مفكر وقلم محبر، هب نسيم الحرية اللطيف فرد إلى سورية بعض أبنائها بعد أن كان قد خيل أن لا تلاق بع ذاك الفراق. فرأت بيروت صاحب المهاجر النيويوركي وصاحب المناظر البرازيلي وصاحبي الراوي والمصور الإسكندريين ورأت دمشق صاحب المقتبس وطرابلس المغربي ورحبت حلب بأدبائها وبغداد بشعرائها. . . ولكن الكثيرين قضي عليهم في أرض منفاهم، فخمدت أنفاسهم وتقطعت أوصابهم، فكان لحدهم في أرض غير التي هز عليها مهدهم. . . وإن سورية لتذكرهم اليوم في عينها دمعة محرقة لأنها تشعر بالحاجة إليهم لإنارة العقول وتثقيف الأذهان في طور الانتقال الصعب الذي تمر به الآن، وهي تقول: رحمة وسلام على من مات، وأهلاً وسهلاً بمن عاد. . .! بل هي تلقي نظرة ملؤها الشكر إلى شقيقتها
مصر التي حفظت لها أبناءها وأثمار أحشائها. وتدعو الكتاب المصريين لزيارة ربوعها، فإن التضييق الذي كان يقصيهم عنها قد اندرس وزال، فيلاقون كل حفاوة وإكرام، ويشعرون عندما يطأون الأرض السورية أنهم ليسوا بالأعراب فإن كتاباتهم قد سبقتهم وأعدت لهم السبيل، فصبيان المدارس يروون شعرهم ونثرهم، والكتاب يوردون رأيهم وقولهم. ولنعم النسب نسب الأدب.
ولقد وقفت مجلتا نفسها على القيام بهذه الخدمة منذ نشأتها، وهي دائبة بمعاونة الأدباء، الذين يقلدون جيدها بدور نفثاتهم، على متابعة هذه الخطة التي نالت رضى العموم. ولهذا نحن نقدم إليك أيها القارئ العزيز هذا العدد الكبير، وقد بذلنا المجهود في تزيينه بالرسوم العديدة وتحليته بأنفس ما جادت به قرائح الكتاب ونحن موقنون بأنك سترتاح إلى هذا الموضوع الجليل وتقدره حق قدره
لأنك بواسطته ستعرف أشياء كثيرة عن البلدين المتجاورين أو القطرين الشقيقين، والتعارف يؤول إلى التحاب والتواد، وعن ذلك ينجم التضامن في المصالح والتساند في المرافق، ومن أحوج منا الآن إلى التضامن والتساند.
فإلى قادة الأفكار في القطرين نوجه خصوصاً الدعوة إلى العمل على زيارة الترابط في الشؤون المادية والأدبية. ويا حبذا لو تألفت لجان في مصر تزور سورية ولجان في سورية تزور مصر. فتدرس هذه وتلك الأسباب التي توثق عرى التآلف للأخذ والرد شأن الأقطار الأخرى في الغرب، عسى أن تنبعث من احتكاك هاتين المدنيتين القديمتين شرارة توقد مصباح المدنية الحديثة في مصر وسورية فينير الظلام الذي كدنا نضيع في دياجيه، بعد أن كان أجدادنا المصريون القدماء والفينيقيون ينيرون العالم بفنونهم وصنائعهم. فيحق أن نعيد حينذاك الآية من الشرق النور النور الطبيعي والنور الأدبي.
* * *
وفي هذه المناسبة لا يسعنا إلا لسداء صميم شكرنا وشكر قراء الزهور العديدين لكل الأدباء الذين ساعدوا بنوعٍ خاص من تدييج هذه المجموعة، معتذرين للذين اضطرنا ضيق المجال إلى تأجيل كتاباتهم الرائقة، فإن الموضوع كما قدمنا واسع الأطراف لا يمكن استيعابه في كتاب واحد ولنا في سائر أعداد المجلة متسع كافٍ لإيراد ما تأخر هذه المرة.