الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أحسن حال لكي يزيد في شرف هذا العصر الأسعد، المشمول بيمن خديوينا المحبوب الأمجد، الحامي لواء العلم والأدب، الراغب في تقدم لسان العرب.
وفي الختام أرجو عطوفتكم قبول فائق الإخلاص وجليل الاحترام.
ناظر المعارف العمومية
أحمد حشمت
مصر الأدبية
مصر تعرف أدباء سورية وهؤلاء يعرفونها! فهي إذا لم تكن منشأ جمهورهم وأمهم الحنون فهي منشأ ومربية كثيرين منهم ولا ريب.
عرفت أديب إسحق، وسليم النقاش، وأمين الشميل، وسليم وبشارة تقلا، وخليل اليازجي، ونجيب الحداد، وبشارة زلزل، وإبراهيم اليازجي، من حملة الألوية في طليعة النهضة الأدبية الحديثة. وحضنت يعقوب صروف، وسبلي شميل، وفارس نمر، وجرجي زيدان، ومحمد رشيد رضا، وسليمان البستاني، وداود عمون، وخليل مطران، وسليم سركيس، ورفيق العظم، وأمين الحداد، ويوسف الخازن، وإسكندر شاهين، وداود بركات، وعبد الحميد الزهراوي، وسامي قصيري، وسليم عنحوري وخليل زينية، ونقولا رزق الله، وأمين البستاني، وطانيوس عبده، ومصطفى صادق الرافعي، ونجيب شاهين، وانطون الجميل، وفرح أنطون، ويوسف البستاني، ورشيد عطية، ونقولا حداد، وعبد القادر المغربي، ونجيب هاشم، من حملة الأقلام اليوم.
وربت محمد عبده، وقاسم أمين، ومحمود سامي البارودي، وإبراهيم
المويلحي، وعبد الله نديم، وإبراهيم اللقاني، وعلي الليثي، ومصطفى كامل ونشأت أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وإسماعيل صبري، وفتحي زغلول، وعلي يوسف، وأحمد لطفي السيد ومحمد المويلي، وحنفي ناصف، وولي الدين يكن، ومصطفى لطفي المنفلوطي، وإمام العبد، وعبد الحليم المصري، ومحمد مسعود، وأحمد الكاشف، وأحمد فؤاد، وأحمد نسيم، وأحمد محرم العرب، وعبد الرحمن شكري، ولطفي جمعه وكثيرين آخرين وعطفت علي جمال الدين الأفغاني، وعبد الرحمن الكواكبي، وعبد المحسن الكاظمي.
فإذا كان للآداب العربية جنة فمصر جنتها يجري في أرباضها النيل. وإذا كان مجلى لعرائس الأفكار فسماء مصر موحى الشعر وملهم البيان.
ولست أدري أفي طبيعة مصر نفسها خاصية الأدب وقد كانت مصر منذ القديم ولا تزال إلى يومنا هذا أم الأدب والمتأدبين، أم هي الحياة فيها توحي الشعر، وتستنزل البيان. وقد قام في وادي النيل في كل زمان شعراء مجيدون، وكتاب أفاضل منذ فتحها عمرو بن العاص إلى اليوم وقد احتلها الإنكليز.
ولست أدري - وقد نشأ في سورية شعراء ومنشئون كثيرون - أسباب الفرن بين النفسين
المصري والسوري!
خذ أدباء اليوم في القطرين تجد ذلك الفرق بيناً ظاهراً.
أدباء مصر يبتكرون طريقتهم في كل عصر، وأدباء سورية يقلدون إما الإفرنج وإما الجاهليين. أنا أحب إلي أن تغلب علي لهجة رؤبة العجاج ومهيار الديلمي من أن تتملكني لهجة الفريد ده موسه أو واشنطون ارفنغ.
إن لغتي لغة مهيار ورؤبة أهذبها بما يقتضيه يومي من التهذيب
ولكنها ليست لغة موسه أو ارفنغ فتلين لي وتطيعني أو إذا هي لانت أو أطاعت فليس وسطي وسطها، وحياتي حياتها، وإقليمي إقليمها، وبياني بيانها. ولعل مثل هذه النظريات هو ما ابتعد بأدباء مصر عن مثل هذا التقليد. أو لعل الأقاليم الحارة تطبع أهلها على حب الملاهي فيتولد فيهم الخيال والابتكار ويلهمون الجديد والبيان فإذا هم اقتبسوا عن الإفرنج فالمعاني والأغراض ليس الطريقة والبيان. أو لعل حكومات مصر كانت العامل على ذلك بإطلاقها الأفكار وتنشيطها الأدباء؟
ذكرت هذه العوامل وفي اعتقادي أن العامل الأكبر والأقوى إنما هو مدينة مصر ومصر الحديثة أرقى الأمصار الشرقية مدينةً ولا ريب.
انظر إلى تاريخها منذ فتح العرب مصراً وامتزجت مدينتهم فيها بمدينة الأقباط المتسلسلة من الفراعنة والورم والفرس والكلدانيين والآشوريين وغيرهم إلى أن تولاها الأتراك ثم دخلها الفرنساويون وإلى أن احتلها الإنكليز فتهافت عليها الغربيون من كل صوب، نجدها مزيجاً من مدنيات مختلفة متباينة وقد بلغت اليوم شأواً بعيداً من الرقي أو ليس في بعض هذا متسع للقول بأن مصر أرقى من سورية في الحضارة وأن الآداب إنما تتكيف بتكيف الحضارة وتمشي مع المدنية في طريق واحدة؟
رب قائل يقول إن أدباء سورية الذين هاجروا إلى مصر إنما هم الذين كانوا زعماء النهضة الأدبية الحديثة فيها. فأنا لا أنكر ذلك ولكنني أرى أيضاً أنه لولا مدينة مصر ولولا الاستعداد الذي وجده أولئك الزعماء في حكومة مصر وبلاد مصر، لما استطاعوا أن ينهضوا تلك النهضة الصحيحة،
وإلا فلماذا - وهم سوريون - لم يرقوا بالآداب في سورية إلى الحد الذي رقيت إليه في مصر؟ ذلك أنهم استطاعوا أن ينهضوا بسورية نهضتهم
بمصر ولكن مدنية سورية لم تكن عوناً لهم في عملهم الشاق فوقفت تلك النهضة في منتصف الطريق.
إذا وصف حافظ قلم المرحوم الشيخ محمد عبده بقوله:
إذا مس خد الطرس فاض جبينه
…
بأسطار نور باهر اللمعات
كأن قرار الكهرباء بشقه
…
يريك سناه أيسر اللمسات
فلأن حافظاً عرف الكهرباء فلما لامسها اهتز. ولما مس لولبها أنارت فأوحى إليه هذا العلم ذلك المعنى فقاله بذلك البيان المأثور عنه.
يقول كارليل الكاتب الإنكليزي المشهور إن كل إنسان خلق شاعراً وإنما تتفاوت قوى الشاعرية فيه بتفاوت قوى عواطفه وبيانه وبتفاوت قوى المؤثرات المحيطة به. والمصري حواليه من مدنيته وفطرته وطباعه وعاداته وأخلاقه ألوف من المؤثرات تستفز نفسه. وتستثير فؤاده، غير أني - والمجال لا يسمح بتعدادها - أتجاوز عنها إلى إحداها فأذكرها بالإيجاز وهذا المؤثر الذي أريده هو الغناء.
أنا لا أعرف إلى اليوم مصرياً واحداً ليس يستخفه طرف الإنشاد ولا يذهب بلبه الصوت الحسن. خذ أياً شئت في مصر وأسمعه يا ليل ثم انظر إليه تره طرباً ثملاً يتلوى تلوي المغني في غنائه. ويتمايل معه كيف مال ويرقص رقص الدف بيد الناقر عليه وينتفض انتفاض الأوتار تحت ريشة العواد. فالمصري كما ترى يؤثر في الغناء كل التأثير فكيف به
إذا كان شاعراً والشاعر كما قال شوقي: خلق الشاعر سمحاً طرباً. . .
شوقي أطربه عبده الحمولي بقوله: يا ليل فقال فيه:
يسمع الليل منه في الفجر يا ليل فيصغي مستمهلاً في فراره
وهزه إنشاد المغني يا ليل الصب متى غده فقال أبياته الجميلة:
مضناك جفاه مرقده
وإسماعيل صبري طرب لغناء بعضهم فنظم له القد المشهور:
قدك أمير الأغصان
وخليل مطران استخفه الطرف فنظم لمغنيه الدور المغروف:
الكمال في الملاح صدف
ومراد فرج المحامي استفزه صوت مطربه فكتب له الدور المعروف أيضاً:
سلمت روحك يا فؤادي
والغناء في مصر أشهر من أن يوصف. فإذا قيل أن الموسيقى أخت الشعر وجدت مصراً مصداقاً لهذا القول ولا ريب: والغناء كما قلت أحد المؤثرات المحيطة بشعراء مصر فهو يستفز نفوسهم. ويستثير عواطفهم فيطربون له. ويهيج شاعريتهم. فيستنزل على ألسنتهم الإلهام ويوحي البديع إلى بيانهم. فيعمدون إلى الابتكار. وينبذون التقليد.
هذه كلمتي في مصر الأدبية وأنا أعلم حق العلم أني لم أستوف الموضوع حقه ولا نظرت فيه من جميع أطرافه كما يقتضي البحث الدقيق.
- (البرق) أمين تقي الدين