الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في جنان الغرب
نأخذ ما يلي من كتاب السعادة والسلام الذي وضعه اللورد افبري وعربه حضرة الأديب وديع أفندي البستاني وسيجزئ الكلام عنه بعد.
1
الشاعر والسماء
ما فرغ الآلهة من شأن الخليقة حتى أعلنوا للبشر أن سيقتسموا الأرض فيما بينهم، وضربوا لهم موعداً لذلك. وما آن الموعد المضروب، حتى وضع أهل الزراعة أيديهم على الحقول الممرعة، وأخذ التجار يمهدون القفار ويسلكون البحار، واحتل الرهبان منحدرات الجبال الصالحة لغرس الكروم، وخصص الأشراف وأبناء الترف الأحراج والغابات لأجل الاصطياد والتنزه، واستولت الملوك على الجسور والمضايق والخلجان لأجل وضع المكوس والضرائب عليها: أما الشاعر فما نجا من حيث كان غريق التأملات العميقة، حتى هب يسعى، ووصل فوجد كلاً قد فاز بنصيبه فراح يبكي بخته ويطالب بحقه. ولكن ما الحيلة ولم يبق في يد الآلهة شيء يعطى. فقالوا له: هيا تعال اسكن معنا في صفاء السماء الأبدي. تعال إلينا كلما شئت فالباب أبداً مفتوح لك. فقنع الشاعر بما أصابه. إلا أنه غني عن تكلف مشقة الصعود إلى طبقات الجو وطياق السماء فهو إذا شاء خلا باله وسكن بلباله، ففكره يستنزل السماء إلى الأرض.
2
وصف الحية
وكم من حيوان نظل لا نعرف له شأناً حتى يقوم كاتب كرسكن يصفه لنا. . . وهاك وصفه للحية:
ذلك الجدول الفضي الأملس - أفكرت في جريه وسعيه؟ الحية لا تمشي بل تسعى وتجري. وكأنها الزورق في البحر، إلا أن التراب ماؤها وقشرها مجذافها ورأسها دفتها. بل هي النهر تنساب في السهل انسياباً. تتموج ولا ريح تتلاعب بأمواجها. تجري ولا شلال يقطع مجراها. كل جسمها يتحرك معاً - إلا أن بعضه ذات اليمين وبعضه ذات اليسار وقسم منه إلى الأمام والآخر إلى الوراء، تمر بك ولا تسمعك صوتاً، وتفوتك وتترك لك أثراً فحواه:
إن آثارنا تدل علينا
…
فانظروا بعدنا إلى الآثار.
فاجئها بصرخة وإذا بالجدول المنساب قد استحال سهماً مسدداً وموجة السم استقامت رمحاً مقوماً يخترق الأعشاب وينفذ منها ولا طعنة الفارس من صدر العدو. لها رئة ولا تكاد تتنشق الهواء أو تتنفس الصعداء. سواء عندها الشمس والظل فهي باردة حارة، جامدة إلا أنها تتسلق ولا القرد، وتسبح ولا السمكة، وتثب ولا الغزال، وتصارع وأين منها ابن حواء وتسحق وأين منها النمر. هي قوة شيطانية مجسمة على الأرض. وكما أن العصفور هو قوة الهواء مكسية ريشاً فكذلك الحية إنها قوة التراب لابسة مسوحاً وجلداً. وكما أن العصفور هو رمز للروح والحياة، فالحية رمز لقضي الموت على الحياة وقبضته على الروح.
افبري