الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يداك. فتذكر أن جهالتك أفقدت رجلاً مثلك حقه في الحياة وسلبته نصيبه من الدنيا. جريمتك عظيمة فاعمل على إصلاح مستقبلك ليكون كفارة عما جنيت.
ثم جمعنا شيئاً من الدراهم وأردنا أن ننقده إياها. فأبى وقال: لا حاجة بي إلى ذلك. ولا أرغب إلا في إحسان القلب إلى القلب فعدوني بالعودة إلي من حين إلى حين ليشرق نور الأمل في جو نفسي ويقشع عن صدري غياهب اليأس والقنوط.
فوعدنا وخرجنا وقد تمثل أمام أعيننا تقصير الإنسان في واجبه نحو أخوانه. فكم من النفوس تذهب ضحية الجهل لأنها لم تجد من يهذب أخلاقها ويقوم طباعها وهي إنما تنتقم من الإنسانية لأن الإنسانية أهملتها.
حلب
يوسف توتل
أزهار وأشواك
بين الرصافة والجسر
أتردد كثيراً إلى مكتب إدارة الزهور لأطالع الصحف والمجلات العربية الواردة من كل الأنحاء. فإن لي شغفاً في استطلاع أنباء أدباء العرب.
وقد تصفحت في زورتي الأخيرة جرائد بغداد، فرأيتها صاخبة ناقمة، وفيها الردود الطويلة العريضة على مقالة كتبها أديب بغدادي في الزهور عن النهضة الأدبية في العراق. قال ذاك الكاتب إن الصحف
هناك لا يزال بينها وبين الكمال مراحل شاسعة. فرأت تلك الصحف أن توسعه شتماً وسباباً لتدمغه بالحجة وتبرهن على رقيها وقربها من الكمال. وما كان أغناها عن ذلك البرهان! إن صحافة مصر وأمريكا العربية أرقى من صحافة العراق وصحافة الإفرنج أرقى من هذه وتلك ومع ذلك فإن الكتاب هنا وهناك لا يزالون يرمون الصحف بالتقصير دون أن يخطر على بال صحافي أن يفرغ جام غضبه على المنتقد. لأن الجميع يفهمون أن مهمة الصحافة كبيرة فالمطلوب منها كثير. ولكن الظاهر أن في العراق فريقاً من محرري الصحف ومنهم كتاب الرصافة سريعي الغضب قريبي التهيج وما عهد حملتهم على جميل الزهاوي ببعيد. ومن الأمور التي لا أجد لها وصفاً ولا نعتاً أن احد هؤلاء الصحافيين أغار على رواية أبطال الحرية تأليف منشئ هذه المجلة فطبعها وتاجر بها بين قومه - تجارة رابحة إن شاء الله. . . 1 ولكني أشكو هذه السرقة الشنعاء إلى زميلي الرقيب اليقظ الذي يكتب في الإخاء تحت عنوان الجرائم الأدبية. فليقل لي إذا كان يحق لمثل هؤلاء الصحافيين أن يغضبوا إذا قال قائل إن صحافتهم لا تزال في أدنى درجة من سلم الترقي؟
ألا حيا الله ربوع بغداد، وجادتها مزن العلم لتعود إلى ما كانت عليه من ازدهار المعارف والعمران على عهد الخلفاء، وإن ذلك لقريب بفضل أصحاب النهضة الحقيقية لا بفضل المدعين، وإن كل أديب عربي يتوقع هذه الأمنية كأن:
عيون المها بين الرصافة والجسر
…
جلبن الهوى من حيث يدري ولا يدري
حول الأزياء أيضاً
كان لما كتبته عن سودة المقيدات في العدد الماضي وقع كبير بين قرائي وقارئاتي.
فاستحسنه القراء، وتلوه في الأندية والمجتمعات وعلى مسمع من بناتهم ونسائهم. واختلف رأي القارئات فيه، فمنهن من استصوبن مقالي وعدلن عن هذا الزي الغريب القبيح فحللن قيود أثوابهن، ومنهن من أبرقن وأرعدن علي وسددن سهام العتاب إلي لتعرضي لهذا الموضوع الحرج. وما كنت لأعود إليه اليوم لولا القصيدة التي جاءتني بواسطة منشئ المجلة من صاحب التوقيع. فها هي بنصها وعلى السيدات المقيدات أن يعرضن عنها:
لم تشف من داء الغرام عليلا
…
صباً يردد أنة وعويلا
يهوى محاسنها ويرجو قربها
…
فيرى حساماً دونها مسلولا
نبت الطبيعة بالبساطة لا كما
…
شاء المشد نحافة ونحولا
يا حسنها أيام أرخت مرسلاً
…
من شعرها لا يعرف التجديلا
ونضت نقاب الحسن عن وجناتها
…
فكأنها شمس الغروب أصيلا
وثنت قواماً كالقضيب ليانةً
…
يهتز أن هب النسيم بليلا
وقفت وقوف الريم يرمي لحظها
…
نبلاً فيصمي عروة وجميلا
تلك التي بجمالها وجلالها
…
وكمالها تدع الذليل جليلا
وتهز باليمنى سرير رضيعها
…
وبكها اليسرى تجر قبيلا
قم بي أريك الآن كيف تغيرت
…
تلك العهود وبدلت تبديلا
وتشوهت تلك الخدود وأصبحت
…
تلك النهود بما حشين تلولا
قد ضيقت خصراً يذوب وعرضت
…
كفلاً، بتنفير النفوس كفيلا
صقلت عوارضها فلا والله ما
…
حد المهند مثلها مصقولا
من أبيض يقق وأصفر كالح
…
أو أحمر لا يعرف التحليلا
وتتوجت بغمامة أو روضة
…
حتى الحمام غدا بها إكليلا
فأعجب لها يا صاحبي إذ صيرت
…
تاج الرؤوس غمائماً وبقولا
وتفننت في لبسها وأتت لنا
…
ما لم يكن بحسابنا معقولا
ومشت مقيدة الخطى فكأنما
…
ركب الكمي جواده مشكولا
وتثاقلت في خطوها تطأ الثرى
…
فكأنها آسٍ يجس عليلا
وتكاد تسقط إن رنت وإذا مشت
…
شمت الأسير مصفداً مغلولا
كيف الخلاص وقد أحلت نفسها
…
في عقدة تدع العزيز ذليلا
ثمن الثياب غلا فأنت لذا ترى
…
دينار قلب عقيلها مبذولا
وإذا تباخل كان ذلك ذنبها
…
فلأجلها صار الكريم بخيلا
هيهات إصلاحاً ترجي بعدها
…
يا شرق قد عاد الصعود نزولا
الإسكندرية
خليل شيبوب
أنا لم أورد هذه القصيدة لاستحساني لها فقط، بل لأحول إلى صاحبها بعض ما أصابني من غضب سيداتي المقيدات اللواتي يشبهن الفارس وقد ركب جواده مشكولا.
في كرمة ابن هاني
في كرمة ابن هاني، في مهبط الشعر وكعبة الأدباء، في منزل شوقي بالمطرية، بين متلألئ الأنوار، ومفتح الأزهار، على رنات العود والقانون، ونغمات المنشدين المطربين، تحت الخمائل الجميلة، والسرادقات الفخيمة، التقت جماعة من الوجهاء والأدباء مساء الخميس الماضي، ابتهاجاً بعودة سمو أمير مصر إلى عاصمته.
فالتقت الحلقات حول وزير جليل، أو شاعر أديب، أو منشد مبدع؛ والمضيف الكريم يتنقل بين هذه الحلقات، فكانت ليلة سمر وأنس وسماع فريدة، والزمان بمثلها ضنين. وفي الحديقة الغناء مدت الموائد المثقلة بألوان الطعام وأنواع الشراب. وكانت فترة أنشد خلالها أحد المنشدين بحضور رئيس النظار غزلية شوقي مضناك جفاه مرقده (وهي الأبيات التي نشرتها الزهور ص 213 وعارضها كبار شعرائنا) وقد زاد عليها الشاعر أبياً كثيرة، منها في الغزل:
الحسن حلفت بيوسفه والسورة أنك مفرده
بيني في الحب وبينك ما
…
لا يقدر واش يفسده
ما بال العاذل يفتح لي
…
باب السلوان وأوصده
ويقول تكاد تجن به
…
فأقوال وأوشك أعبده. . .
قسماً بثنايا لؤلؤها
…
قسم الياقوت منضده
ورضاب يوعد كوثره
…
متقول العشق ومشهده
وبخال كاد يحج له
…
لو كان يقبل أسوده
وقوام يروي الغصن له
…
نسباً والرمح يفنده
ما خنت هواك ولا خطرت
…
سلوى بالقلب تبرده
ومن الأبيات التي يمدح بها الأمير:
يا سيف الدولة عش أبداً
…
للعصر يهزك أحمده
سعدت بقدومك مصر ضحى
…
وتلاقى الأوج وفرقده
ثم ختمها بنشيد وطني منه:
يا مصر سماؤك جوهرة
…
وثراك بحار عسجده