الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مروان بن الحكم في تعسفه وجوره أو هذا الأعرابي في جوعه وفقره. .؟ فأنشدت تقول:
هذا وإن كان في جوع وأضرار
…
أعز عندي من قومي ومن جاري
وصاحب التاج أو مروان عامله
…
وكل ذي درهم عندي ودينار
ثم قالت: والله يا أمير المؤمنين، ما أنا بخازنته لحادثات الزمان، ولا لغدرات الأيام؛ ولكن له صحبة قديمة لا تنسى، ومحبة لا تبلى؛ وأنا أحق من يصبر معه في الضراء، كما
تنعمت في السراء.
فتعجب معاوية من عقلها ومودتها ووفائها، فدفع لها عشرة آلاف درهم، ودفه مثلها للأعرابي، فأخذها وانصرف.
الاتليدي
تاريخ المهاجرة وأسبابها
كثر ذكر المهاجرة في هذه الأيام وأفاض الكتاب الكلام فيما يتهدد سورية من الخراب من سفر أبنائها. فرأينا أن نورد هنا تاريخ هذه المهاجرة إلى أمريكا مستندين في أقوالنا وتعليماتنا إلى كتاب جميل أفندي حلوه الذي تكلمنا عنه في الجزء الفائت ص 408 ووعدنا بالرجوع إليه:
كان ذكر العالم الجديد، ولا يزال، مقروناً بالخيرات والبركات، ولكم صور في أدمغة الأوروبيين والشرقيين جبالاً من الذهب تناطح السحائب، وآباراً تفيض من التبر سكائب، حتى كادوا يظنون أن لا شيء يعوزهم هناك إلا المجارف لتجميع ما فيها من مال تليد وطارف. مع أن
الأحوال قد تغيرت في أيامنا. وأمريكا اليوم هي غير أمريكا بالمس. ولكن تيار المهاجرة لا يزال يقذف إليها في كل سنة مئات الألوف من المهاجرين.
وعهد مهاجرة السوريين قديم، يرتقي إلى أجدادهم الفينيقيين الذي رادوا البحار، وحملوا تجارتهم إلى أقصى الديار. أما مهاجرتهم إلى أمريكا فلم تبدأ إلا منذ نصف قرن تقريباً. وكان الباعث الأكبر عليها اختلال المجاري الاقتصادية في السلطنة العثمانية بفساد الحكومة الاستبدادية التي جرت على مذهب فرق تسد فتأصلت روح التعصب بين الجماعات والتشيع والطوائف حتى كادت توقع البلاد في حرب أهلية دائمة، وتضعضع الأمن، وسادت الفوضى، ودرس العلم، وثقلت المعيشة. وما بشر الناس بخيرات أمريكا حتى هرع الكثيرون إلى البواخر تحملهم إلى شواطئ العالم الجديد حيث أفلتوا من عقل التقاليد وانفكوا من قيود الفقر والمظالم، وتنفسوا الصعداء لأن حالة الفلاح العثماني كانت من أتعس الحالات.
وكان القرويون أول من شد الرحال إلى أصقاع أمريكا. وكان إثراؤهم السريع وحشدهم المال الكثير في الوقت القليل محرضاً كبيراً على إقبال إخوانهم على اللحاق بهم إلى أرض الحرية والإخاء والمساواة والغنى. وقد فتحت حكومات أمريكا باب المهاجرة لدخول المهاجرين لأنها كانت في حاجة إلى تعمير البلاد واستثمار الأراضي. وفتحت أيضاً الحكومة العثمانية الباب وسيعاً لخروجهم لأن معظمهم كان من النصارى، واهمة أنها بنزوحهم تخلص من مشاكلها مع الدول الأوروبية: على أن المسلم العثماني كان ومواطنه المسيحي سببين في احتمال المظالم وتكبد المغارم. فلحق به إلى
المهجر وهكذا لم تلبث
المهاجرة التي بدأ بها النصارى أن شملت سائر الطوائف والملل من المسلمين والدروز والمتاولة فاقتعدوا غارب الرحيل إلى العالم الجديد وكان تيارها في بداية الأمر موجهاً إلى البرازيل وما قاربها قبل أن اتجه إلى الولايات المتحدة.
وصل المهاجرون إلى بلاد سادت فيها الحرية، واستتب الأمن، وتوفرت مصادر الارتزاق، والكل فيها سواء، برعاية النظام والقانون، والاشتراك في إدارة شؤون البلاد. فنزلوا في ميدان الجهاد وأقبلوا على العمل بنشاط واجتهاد. فأثروا شيئاً فشيئاً وتخلقوا بأخلاق القوم الذين نزلوا بينهم وفتح الكثيرون منهم البيوت التجارية الكبيرة بعد أن كانت تجارتهم دائرة على الكشة والجزدان ومدوا يدهم إلى الصناعة والزراعة فأحرزوا نجاحاً يذكر.
ويقدر عددهم الآن بثلاثمائة ألف في الولايات المتحدة وحدها وقد أسسوا أيضاً جوالي كثيرة في الجمهورية الفضية والبير والبرازيل والمكسيك وهايتي وسائر أنحاء أمريكا وأصبحت لهم بين القوم منزلة سامية، وقد أجاد حافظ إبراهيم وأبدع في وصف المهاجر السوري إذ قال:
يمضي ولا حلية إلا عزيمته
…
وينثني وحلاه المجد والذهب
ير صرف الليالي عنه منقلباً
…
وعزمه ليس يدري كيف ينقلب
بأرض كولب أبطال غطارفة
…
أسد جياع إذا ما ووثبوا وثبوا
أسطولهم أمل في البحر مرتحل
…
وجيشهم عمل في البر مغترب
ما عابهم أنهم في الأرض قد نثروا
…
فالشهب منثورة مذ كانت الشهب
رادوا المناهل في الدنيا ولو وجدوا
…
إلى المجرة ركباً صاعداً ركبوا
سعوا إلى الكسب محموداً وما فتئت
…
أم اللغات بذاك السعي تكتسب
وبالحقيقة فقد نشر المهاجرون لواء اللغة العربية في أقصى أنحاء المعمور وأصبحت جرائدهم ومجلاتهم في أمريكا تعد بالعشرات. وصحافتهم من أرقى الصحف العربية منها جرائد يومية تصدر بحجم أكبر جرائدنا اليومية وهي مشحونة بغرر المقالات ودرر الأشعار (وسنعود إلى كل ذلك في أبحاث آتية عن النهضة الأدبية في أمريكا).
* * *
هذا جل ما يقال عن تاريخ المهاجرة وأسبابها وحالة المهاجرين. وأمامنا الآن نقطتان: أولاً،
إيقاف تيار المهاجرة الذي كاد يفرغ البلاد من سكانها. وثانياً، الاهتمام بالذين هاجروا وحفظ روابطهم بوطنهم. وكلا المرين جدير بالبحث وإمعان النظر.
كتب الكثيرون من الأدباء عن الطريق الواجب اتخاذها لإقفال باب المهاجرة. ولكن النقطة الجوهرية راجعة إلى أمرين، مادي وأدبي. أي تسهيل الحكومة للأهالي تأسيس المشروعات الاقتصادية والأعمال العمومية بل مباشرتها بنفسها، وإنشاء سبل المواصلات واستثمارها ثروة البلاد حتى يجد الناس مرتزقاً. وضبط الأمن وإقامة العدل ونشر المساواة التامة دون محاباة. فإن ذلك لا يمنع الناس فقط عن المهاجرة بل يعيد إلى الأوطان العدد الأكبر من الذين نزحوا عنها. فينفعون بلادهم بما اكتسبوا في الخارج من الخبرة والمعارف والثروة.