الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرأة العصرية
. . . منشئ الزهور
. . . . قرأت المقالة التي دبجتها حضرة الآنسة هدى كيورك ص 330 من زهوركم. فرأيتها قد أصابت في معظم أقوالها كبد الحقيقة ولكنها أصابت في كل سطر من سطورها أخواتها وبنات جنسها بسهام حادة. أجادت في وصف السيدة أو الفتاة التي تقتل الوقت بالزينة والتفنن بالأزياء وأهملت ذكر الفتيات الكثيرات اللواتي يعملن بكل جد ونشاط للتحلي بحلى الفضائل. وليس هنا مقام إيراد ذكر من نبغ من بنات جنسنا بالرغم عما يحدق بنا من المصاعب والتقاليد المقيدة لنا. بل أقول لمن يرموننا بكل فرية: كم امرأة منا تضحي صحتها وتحرم نفسها من كل ملاهي هذه الحياة لتسهر على بيتها وتدبر منزلها وتهذب أولادها وتبالغ في إرضاء زوجها. بل كم من فتاة تحيي ليلها بعد نهارها للعمل على سد عوز ذويها وإعانة أبويها الشيخين. وإذا هي تمكنت فوق ذلك من اتباع المودة فلمهارتها وتفننها. وما أدرى الناس بمهارة يدي المرأة؟ فهي تلبس ثوبها وتغالي في النظافة عليه، ولا تلبث أن تغير زيه ومودته حسب الدارج حولها، وتتفنن بذوقها المعروف بزركشته وتخريجه حتى يخالها الناظر جديداً في كل الفصول. وما قلته عن الثوب أقوله عن أثاث البيت. وليست هذه الفتاة التي وصفتها بالشيء النادر أو القليل الوجود. فكم في البيوت المتوسطة من هذه النساء.
أما اتهامنا بالنزوع عن تقاليدنا الشرقية ولغتنا العربية إلى التقاليد
الغربية واللغات الإفرنجية، فالذنب في ذلك على الرجال كما هو علينا. نظرة بسيطة إلى الصالونات والمجتمعات تؤيد قولي هذا. فلابسة البرنيطة، الناطقة بلغة أبناء السين أو التاميز. المقلدة للغربية في مشيتها وحركاتها هذه هي المكرمة، أما سواها فأمرها معلوم. ولما كانت المرأة - كالرجل - تحب أن تكرم، أصبح لها بعض العذر على ظهورها بهذه المظاهر.
أما ما ذكرته حضرة الكاتبة الأديبة عن وجوب اقتدائنا بالرجال من حيث الترقي والتقدم. فأقول - ولا أخشى أن أجرح أبناء الجنس القوي، فلكم حملوا علينا الحملات الشديدة - أن نهضتهم في ربوعنا الشرقية هي بنت أمسها. فليمهلونا قدر ما أمهلتهم الأيام فيروا منا رقياً لا ينقص عن رقيهم. وإذا هم لقبوا أنفسهم بالجنس النشيط، إلا يجب عليهم أن يقطعوا مئات الخطوات قبل أن نقطع العشرات نحن بنات الجنس الضعيف؟ فضلاً عما أثقلتنا به
الاصطلاحات من العادات القديمة التي تكاد تسد سبل التقدم في وجهنا. فعلى الرجال إذا كانوا يرغبون حقيقة في إصلاحنا أن يمدوا لنا يد المساعدة لنرافقهم في طريق الفلاح ولا نكون عبثاً ثقيلاً يؤخرهم في مسيرهم. وإلا فلا تتعبن هدى نفسها بالنصح فإننا كما قال الشاعر رحمه الله:
نحن صم عن الملام وعمي
…
عن سبيل الهدى فلا ترشدونا
وعلى كل فأنا أبسط يدي من وراء البحار لمصافحة حضرة الآنسة التي فتحت هذه الباب على صفحات هذه المجلة عسى أن نستخرج من الزهور الدواء الشافي لأمراضنا الاجتماعية.
بيروت ادماكيرلس
في 14 من الشهر الماضي افتتح مجلس المبعوثان العثماني فصل جلساته الثالث، فرأينا أن نذكر شيئاً عن أحد المبعوثين عن ولاية سورية في المجلس الأول الذي التأم سنة 1878. وهو المرحوم نقولا نقاش زميل المرحوم خليل غانم، وسليل أسرة نقاش التي خدمت الآداب العربية أجل الخدم. فإن في ذكر أعمال السف تنشيطاً للخلف:
هو نقولا بن إلياس بن ميخائيل نقاش ولد في بيروت في أوائل سنة 1825. ولما بلغ الرابعة من عمره انكب على تعلم مبادئ اللغتين العربية والسريانية حتى أتقنهما قراءة وخطاً مع العلوم الحسابية. ثم درس اللغة الإيطالية حتى أصبح ينشئ بها كأربابها. وتخرج بعد ذلك على شقيقه المرحوم مارون نقاش الشهير وأخذ عنه مبادئ اللغة التركية وخلفه في باشكتابة بيروت وملحقاتها. وظل في هذه الوظيفة بضع سنوات كان أثناءها يزاول العربية والتركية حتى برع فيهما فنظم القصائد الرنانة وكتب المقالات الشائقة.
وفي غضون ذلك أنشأ شقيقه مارون الملاعب العربية بتأليف أول روايات تمثيلية ظهرت في لغتنا وجاراه نقولا الشاب في هذا الفن فوضع روايات كثيرة أودعها الحكم والفوائد (وسنعود إلى كل ذلك في أعداد الزهور الآتية).
ثم تقلب في مناصب شتى لا محل لتفصيلها الآن فأظهر في جميعها من الاستقامة والبراعة ما أكسبه ثقة العموم كما أظهر ذلك في أعمال التجارة التي تعاطاها حتى كانت سنة 1878 فانتخبه مواطنوه لينوب عنهم في مجلس المبعوثان الأول فقام بواجب النيابة حق القيام. إلى
أن فض هذا المجلس على ما هو معلوم فعاد إلى مقسط رأسه وعين عضواً دائماً في محكمة التجارة ولم يلبث أن استقال منها وكان قد أحرز شهادة الحقوق من الطبقة الأولى وفتح مكتباً للمحاماة ظل يشتغل فيه حتى انطفأ نور حياته في 4 ديسمبر سنة 1894 وهو في السبعين من عمره.
ولا يزال من أولاده حضرة النطاسي البارع الدكتور أنطون نقاش وعزتلو القانوني الشهير جان بك نقاش الذي استأنف الاشتغال بالمحاماة بمكتب والده، وحضرات الأفاضل الأفندية بطرس وأيوب ونقولا.
وقد ترك آثاراً أدبية وعلمية جليلة منها روايات وأشهرها الشيخ الجاهل، وربيعة، والوصي. وديوان شعر منسجم بليغ. وقد ترجم كتباً قانونية كثيرة وعلق شرحها وملاحظاته عليها منها قانون الأراضي، وقانون الجزاء، وقانون المحاكمات الحقوقية، وقانون التجارة وذيله، وقانون الأبنية، وقانون تشكيل المحاكم إلخ. وله مقالات وخطب شائقة نشر معظمها في جريدة المصباح التي أنشأها سنة 1889 فكانت في مقدمة الصحف العربية.
وقد نال الرتبة الثانية والوسام المجيدي الثالث من الدولة العثمانية ووسام سان غرعوار من طبقة شفاليه. وفي سنة 1869 زار سورية سمو الغرندوق فردريك (الذي صار فيما بعد إمبراطوراً لألمانيا وهو ولد الإمبراطور غليوم الحالي) فامتدحه صاحب الترجمة بقصيدة عصماء فأهدى إليه دبوساً ثميناً مرصعاً بحجر كريم. وأهدى إليه سمو الغرندوق نقولا شقيق قصير روسيا خاتماً جميلاً في مثل هذه المناسبة.
هذه هي بعض مآثر ذلك النائب الكريم أحببنا أن نوردها اليوم بمناسبة التئام مجلس المبعوثان، قياماً بواجب الذكر نحو الذين خدموا البلاد والعلم والأدب بأمانة وإخلاص.