الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بترتيب منزلكن وتربية أولادكن تربية جدية لا تربية دلع وتخنيث، فتشب الأولاد أشد تأنثاً من الإناث إلى آخر ما هنالك من النقائص التي لا تخفى على بصيرتكن - وإذا كنا معاشر الرجال لا نحترم إلا المتفرنجة، وإن كانت محتقرة، ونحتقر الغير متفرنجة، وإن كانت محترمة، فهذا سقوط منا فعلمننا يا رعاكن الله أن نحترم فيكن الأدب والفضل والجد والترتيب والعلم الصحيح، لا أن نحترم القبعة إذا حجبت دائرتها نور الشمس والبرد إذا قيد أرجلكن حتى تتدحرجن وتتزحلقن كلما عثرت قدم لكن - وما أكثر ما تزل القدم في تلك المقيدات!
سأغضبكن يا سيداتي بكلامي هذا وإن كان عن حسن نية وسأغضب صاحب الزهور باضطراري إياه إلى نشره، لأنه متفانٍ بخدمتكن، ولكن متى علمتن أنني أطوع لكن من البنان وإنني لا أرى للحياة معنى إلا بوجودكن، حملتم كلامي على محمل الإخلاص. وموقتاً أخفي اسمي خوفاً من غضبكن والسلام على من اتبع هدى.
حسون
إحياء الآداب العربية
ذكرنا في الجزء الماضي (ص 494) المذكرة التي قدمها إلى مجلس النظار عطوفة رئيسه بشأن إحياء آداب العرب وننشر الآن كما وعدنا ملخص التقرير المقدم بهذا الموضوع من سعادة أحمد حشمت باشا ناظر المعارف:
رئيس مجلس النظار عطوفتلو أفندي حضرتلري
تفضلتم عطوفتكم بدعوتي لدرس المفكرة المقدمة من حضرة أحمد بك زكي عن الأسباب والوسائل المؤدية لإحياء العلوم والآداب العربية بمصر مع
مجموعة الكتب التي استنسخها حضرته بالفوتوغرافية واستحضرها من الأستانة وأوروبا ولقد أمعنت النظر في هاتين المسألتين وأبدي اليوم لعطوفتكم ما أراه في هذا الشأن.
إن هذه المفكرة تشرح بأجلى بيان ما كان للقاهرة من التأثير في رفع منار العرفان وترقية الآداب العربية. فإنها بفضل مركزها وعناية أهلها، أصبحت في أوائل العصور الحديثة محطاً لرجال أهل العلم، ومهبطاً لطلاب الفضل.
ولقد أشار صاحب المفكرة إلى مبلغ الأريحية التي كان يجود بها ملوك مصر وسلاطينها، وازدهاء رونقها في بلاد الشرق. فكانت النتيجة من هذا العمل المزدوج، أن ظهرت في سماء المعارف العربية كتب جليلة حافلة بالبحث في الموضوعات المفيدة في كل فن ومطلب، ولكن سوء الحظ قضى بأن لا يصل إلى أيدينا من تلك المصنفات الثمينة سوى النزر اليسير.
ثم جاء دور الأفول فكان من دواعي الانحطاط أن مصر أضاعت ذخائرها وكنوزها في التقلبات التي أصابتها مما لا فائدة من ترديد ذكراه الآن. فانطفأ ذلك السراج الوهاج، وهبا ذلك الذكاء المصري. بيد أن شعاعاً ضئيلاً من الأمل تبدى في الأفق. فنبعث معه ذلك الذكاء من مرقده، بعد أن كان الناس يظنونه قد دخل في خبر كان ولكنه في الحقيقة إنما كان في سبات لا في ممات والفضل في تجدد هذه الحياة الأدبية راجع إلى محمد علي الكبير وإلى حفيده إسماعيل.
لذلك توخى صاحب المفكرة أن يستفيد من هذه اليقظة الأدبية. فأخذ يعمل إلى إيجاد الوسائل اللازمة لتجديد عهد الآداب العربية في ظل خديوينا المحبوب عباس الثاني الذي تعود أن يقفو آثار أسلافه الفخام في سلوك المكارم وتجديد مفاخر المآثر.
وللوصول إلى هذه الغاية التي مازال ينشدها واضع المشروع، قد اقترح حضرته تنظيم دار الكتب الخديوية تنظيماً يشمل جميع فروع الإصلاح التي تستوجبها مكانتها، لتأتي بالثمرة المطلوبة، وتقوم بالخدمة الواجبة عليها.
وإنني أوافق حضرته من هذه الوجهة موافقةً تامة، ولذلك شرعت فعلاً في درس هذا الإصلاح درساً دقيقاً، لأتمكن في وقت قريب من جعل خزانة كتبنا النفيسة كفيلة بالقيام بجميع الأغراض التي أنشئت لأجلها، أو التي يحق لنا انتظارها منها، حتى تكون من أقوى العوامل في نشر أنوار العلوم العربية.
ثم أشار صاحب المفكرة إلى انه يجب إرجاع المطبعة الأهلية إلى مجيد عملها السابق وذلك بطبع التآليف التي تفخر بها علماء مصر، حتى يتسنى لأهل الجيل الحاضر أن يشمروا عن ساعد الجد، ويواصلوا سلسلة الابتكار في العلوم والآداب التي بدأ بها أجداده الأمجاد.
وقد رأى صاحب المشروع من الواجب عليه أن لا يقف عند الإشارة إلى نظريات مبهم أو إبداء رغائب مجردة عن وسائل التنفيذ، مما لا يكون كفيلاً باستكمال وسائل النجاح، فلذلك أفرغ وسعه، وبذل جهده، ولم يضن بشيء من ماله ووقته وراحته، حتى تيسرت له كل الأسباب المؤدية لتحقيق الخطة التي رسمها لنفسه، وذلك أنه قرن العلم بالعمل، فانتهز فرصة الانقلاب الذي حصل في الدولة العلية، وشخص إلى الأستانة وتمكن هناك من استخدام الفوتوغراف في نقل جلائل المؤلفات التي تزدهي بها الآداب العربية، خصوصاً تلك التي كانت فيما مضى من أجمل الذخائر في الخزائن المصرية.
ولم تقف همة هذا البحاثة عند حد التنقيب وتلمس تلك الآثار من كنوزها في القسطنطينية، بل واصل سعيه أيضاً في ربوع العلم بأوروبا لاستيفاء كل المعدات ولإتمام عمله على أحسن حال.
هذا وقد ألمع في مفكرته بإيضاح وجيز إلى كل واحد من هذه المصنفات النادرة فكتب نبذة قصيرة تكشف عنها اللثام وتبين الفوائد التي تعود على اللسان العربي والأمة المصرية من العناية بطبعها وتعميم نشرها.
ولقد رأيت من الواجب أن أستعلم عما إذا كان لهذه المصنفات أو لبعضها أثر ما في دار الكتب الخديوية، أو في إحدى مكتبتي الأزهر الشريف والمجلس
البلدي بالإسكندرية.
فوافتني هذه المعاهد الثلاثة ببيانات تسمح لي بالتصريح بأن المؤلفات التي نقلها حضرة أحمد بك زكي لا توجد أصلاً ضمن مكاتبنا ومجاميعنا الأهلية، وأنها لم تطبع حتى الآن، وإن في طبعها نفعاً عظيماً للمتنورين من أبناء مصر وسائر أهل العلم على الإطلاق.
ولا ريب في أن حكومة الجناب العالي الخديوي الآخذة بناصر الآداب العربية ستقدر هذه الكنوز حق قدرها وتعمل على اقتنائها، وإضافتها إلى خزانة كتبها النفيسة، خصوصاً وأن معظمها مما جادت به قرائح البارعين من المصريين.
وليس من الصواب أن يقف عمل الحكومة الخديوية عند هذا الحد، بل يتحتم علينا أن نبادر إلى السعي في طبعها، بحيث لا يمضي قليل من الزمن حتى تصبح منهلاً سائغاً للقاصد، ومورداً عذباً لكل طالب.
ونحن إذا نظرنا إلى أهل الشرق وإلى العلماء المستشرقين في هذه الأيام تراهم جميعاً يتهافتون إلى الوقوف على كل ما له ارتباط بالحضارة الإسلامية. ولا شك عندي في أن الحظ الأوفر في هذه النهضة المباركة ينبغي أن يكون لمصر، إن لم تكن هي القائدة لحركتها والمدبرة لشؤونها، وذلك نظراً لمركزها الطبيعي ولما كان لها من الأيادي البيضاء على العلوم والآداب. وبهذه المناسبة أرى من الواجب أن نشكر المعاهد العلمية الغربية، لما تبذله من المساعي في تأييد هذه الحركة والأخذ بناصرها. ولا غرو فإن المستشرقين الذين تفتخر بهم المدارس الجامعة في بريطانيا العظمى وسائر أوروبا وأمريكا، لا يألون جهداً في العمل على نشر الكتب التي صنفها جهابذة العرب وبحثوا فيها عن شتى الموضوعات. فهؤلاء المستشرقون لا يزالون يدأبون على العمل مع الصبر في التحصيل والدرس، والبراعة في التنقيب والبحث. وبذلك تيسر لهم أن ينشروا طائفة كبيرة من أمهات الكتب العربية النفيسة، وقد يترجمونها في بعض لأحايين إلى لغاتهم، أو يتخذونها موضوعاً لمباحثهم كيما يشاركهم قومهم في الاستفادة منها. وهم بهذا السعي يبثون فينا روح الأمل باسترجاع كنوز آدابنا الشرقية رويداً رويداً ومن المؤكد أن
هذا الأمل لا يلبث أن يدخل في حيز الإمكان ويتحقق في عالم الوجود، إذا ما تعهدته مصر بالقسط الواجب عليها من المساعدة.
ولقد آن للحكومة الخديوية أن تعضد العلماء المصريين وتفتح لهم مجال البحث ليتمكنوا من
الاستمرار على التنقيب والتأليف فيعيدوا في مصر عصر آبائهم ويصنعوا مثل ما صنعوا.
وأرى لإطراد هذه الحركة أن نبدأ منذ اليوم بطبع الموسوعتين اللتين تفتخر بهما مصر والعرب على الإطلاق، وأعني بهما نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري ومسالك الأبصار في ممالك الأمصار لابن فضل الله العمري. لأن هذين الأثرين الجليلين قد انعدما من بلادنا في جملة ما أضاعته من الكنوز الغوالي على أثر ما انتابها من الطوارق والطوارئ.
ولقد أعيى العلماء الغربيين استكمال هذين الأثرين النفيسين، فلم يوفقوا إلى جمع أشتات هذه الضآلة المنشودة مع ما بذلوه من الجهد في كثير من الأزمان، حتى أتاح الله لأحد مواطنينا فتيسر له بعد متاعب احتملها مدة عشرين عاماً واهتدى لجمع المواد والأجزاء التي يتألف منها هذان السفران، وأثبتها كلها بالفوتوغراف فحق لنا بعد ذلك أن نهنئ أنفسنا على هذا النجاح الباهر.
وإذا أخذنا في طبع هاتين الموسوعتين بسعد الجناب الخديوي العالي، الذي تفضل فأظهر عنايته العالية بأمرهما، فلا شك أن الإقبال على اقتنائهما سيكون عاماً عند جميع الطبقات وخصوصاً عند الفئة المولعة بالدرس وأرباب العقول المستنيرة بمصر والشرق بل يتعداهما إلى الجامعات ودور الكتب في البلاد الأجنبية والمستشرقين الذين يقدرونهما حق قدرهما لأنهم استفادوا منهما.
وعلى ذلك فإنني أشير بتشكل لجنة من أهل الدراية تختارها نظارة المعارف العمومية لتهيئة هذين السفرين للطبع ويكون من خصائصها النظر في الأصول، وضبطها بالدقة قبل تسليمها للمطبعة الأهلية، لأن الطبع إذا ما باشرته الحكومة الخديوية بنفسها وأشرفت عليه برعايتها، يجب أن يكون مستوفياً لكل أسباب
الكمال ليجيء مناسباً لحاجات العلم والنقد في العصر الحاضر.
ورأى أيضاً مخابرة نظارة المالية لتأمر المطبعة الأهلية بتوسيع نطاق القسم الأدبي حتى يتسنى له طبع ثلاث ملازم أو أربع في اليوم الواحد. ولعل سعادة ناظر المالية يسمح بتخفيض شيء من مصاريف الطبع للمعاونة على ترويج هذا العمل الأدبي العميم الفائدة الذي من شانه المساعدة على ترقية الأفكار وتعميم المعارف إذ بفضل هذه المنحة يمكننا أن نزيد في عدد النسخ بغير زيادة في النفقات والأكلاف. وبذلك يتسنى لنا أيضاً تخفيض قيمة
الاشتراكات وأثمان البيع تخفيضاً محسوساً يساعد على زيادة الإقبال وتسهيل أسباب الانتفاع.
بقي علينا أن ننظر في تدبير المال اللازم للشروع في هذا العمل الخطير وهو متوفر لدينا لوجود المبلغ الاحتياطي في دار الكتب الخديوية فإن هذا الاحتياطي مخصص بطبيعة الحال لإحراز واستنساخ وطبع المحفوظات العربية، وقد بلغ آخر أغسطس الماضي 9392 جنيهاً مصرياً. ويجب الإشارة إلى أن استخدام ذلك المبلغ الاحتياطي في هذا السبيل النافع، ستنتج عنه ثمرة مفيدة لدار الكتب الخديوية من الوجهة المادية المحضة، فضلاً عما يترتب عليه من المزايا الأدبية الكثيرة. وعلى كل حال فلو فرضنا أن هذا المشروع لا يكون من ورائه مغنم مادي، فإن الحكومة الخديوية ينبغي لها أن تغتبط بهذا المسعى الذي يفضي إلى إفاضة نور الأدب العربي في بلاد الشرق، وذلك لأن الجامعات في بلاد الإنكليز والمطابع الأهلية في ديار أوروبا، هي التي تأخذ دائماً على عاتقها طبع المؤلفات الأهلية الكبيرة القيمة الواسعة الحجم ولو أدى ذلك إلى خسارة مالية فادحة وذلك لقصور يد الأفراد عن القيام بما تقتضيه من النفقات الجسيمة. أما مشروعنا هذا فإنه بعيد عن ذلك بالمرة، لما فيه من الكاسب التي تدعو إلى الإقدام عليه والاهتمام بشأنه.
فإذا صدفت هذه الآراء والاقتراحات ما أبتغيه لها من حسن القبول لدى عطوفة الرئيس رجوته أن يسمح لي باتخاذ الوسائل اللازمة لإنجاز هذا المشروع