الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحمل والذئب والليث
نظم عزتلو الفاضل إبراهيم بك العرب شيئاً كثيراً من الحكايات على السنة الحيوانات على نسق الشاعر الفرنسوي لافونتين. وقد بعث إلينا ببعض تلك الحكايات ننشر منها اليوم الحكاية الصغيرة الآتية:
حمل أبصر ذئباً بالفلا
…
ورأى الشر بدا من مقله
اعترته رجفة من خوفه
…
وتمشى حائراً في خبله
فاحتمى بالليث كي يحفظه
…
ورأى في الليث أقصى أمله
فأتاه التف من مأمله
…
وانقضى ما يرتجي من أجله
رب من ترجو به دفع الأذى
…
عنك يأتيك الأذى من قبله
العرب
تمدن المرأة العصرية
في 23 يوليو (تموز) أقيمت حفلة شائقة في حديقة الأزبكية بمصر إكراماً لعيد الدستور العثماني. وقد مثل فريق من الأدباء رواية أبطال الحرية وفي ختام الحفلة تلت حضرة الآنسة الأديبة هدى كيورك تحية العلم بنطق فصيح. فأعجب بها كل الحاضرين وقد أرسلت إلينا المقالة الآتية فدلت على براعتها في فن الإنشاء كما كانت قد دلت على مهارتها في فن الإلقاء. وإننا نثبت مقالتها بمزيد السرور طالبين من فتياتنا ونسائنا أن يطرقن هذه المواضيع الاجتماعية لما يترتب على بت هذه الأفكار من المنافع الجمة.
من زمن ليس ببعيد كنا نسمع الرجل المتعلم يئن ويبعث من صدره التنهدات لحالة الجهل المستولية على المرأة. وقد بقي مدة آسفاً متحسراً
لعدم وجود أنثى تعادله في المعارف، وتماثله في الأفكار، لترفع قدر بنات جنسها وتبين تأثيرها أدبياً في الهيئة الاجتماعية، نافية ما نسب إليها من ضعف المدارك وجهل الواجبات. وقد دامت هذه الحالة المحزنة مدة طويلة دون أن يسمع صوت يبشر بطريقة تربية حديثة تبدد ظلام الجهل المتلبد. وتقشع غيومه الكثيفة إلى أيامنا هذه حيث لاح لنا نور العلم من خلال المدارس التي شيدت في كل الأنحاء وصارت المخرجات منها تعد بالألوف والمئات. غير أن الرجل الذي كان يئن بالأمس من جهل المرأة وضعف إدراكها، أصبح اليوم يتحسر على تقدمها ومعارفها. وتمنى لو بقيت على الجهل التام بدلاً من أن تذوق العلم غير الصحيح الناشئ عن التربية العصرية المقتبسة من قشور التمدن الغربي الحديث. فلنبحث الآن عن الحقيقة لنرى ما هي الخطة التي اتخذناها لنرتقي في التمدن ونكتسب ثمار العلم.
يلوح لي بأن أول شيء عرفناه نحن معشر النساء من أنواع التمدن هي آفاته وأولها المودة. فقد تبعناها وبذلنا جهدنا في تتميم شروطها متمثلات بنساء الغرب، وواضعات كل إرادتنا في قبضة أيديهن لتدرننا كيفما شئن وشاءت أذواقهن. فكم من جاهلة منا عدت نفسها سعيدة وترنمت وهماً لعدم تأخرها في شيء عن مماثلة الغربيات ولكن فيما يتعلق بالمودة فقط. وكم من أخت لها ازدرت بنصائح العقلاء والمسنين واستهزأت بشخصهم إذ لم تجد عليهم رداءاً مطابقاً للمودة. فتنكرهم إن كانوا أهلها وتجحدهم إن كانوا محسنين إليها، وكل هذا عملاً بأمر المودة. . . ولو أن
هذه الآفة بقيت عند أرباب الثروة واليسار لهان أمرها وقل ضررها، غير أنها تخطت كل الحدود ودخلت حتى بيوت المسكنة والفقر فرأينا الرجل
الذي يصل ليله بنهاره في الكدح والجد ليقوم بأود معاشه، أصبح اليوم مضطراً مجبوراً إلى أن يكرس ما يربحه ثمن رداء تنتظره ابنته هدية باردة، وهي جالسة على منصة حكمها ودلالها. لأنها تبعث المودة هي أيضاً فلا ترتضى بحالة والديها ولا تكتفي بما لديهم من وسائل المعيشة. استنزفوا عرق جبينهم لتربيتها في المدارس الكبرى طمعاً في تعليمها الواجب لتكون فخرهم في حياتهم فكانت النتيجة آيلة إلى خرابهم. فقد خيبت آمالهم ولم تكتسب سوى المودة والتقليد.
نفختها روح الكبرياء وملكها حب التشبه بالكبراء، فظنت نفسها أرفع قدراً من والديها فأتتهم آمرة متحكمة. وإذا لم يتموا رغائبها ويجيبوا مطالبها خشنت أخلاقها، وأوقعت الاضطراب والكدر في المنزل غاضبة على هذا مستهزئة بذاك إلى أن يستملك الحزن قلبا فتضيع الشجاعة وتقطع الرجاء وتقول لليأس مرحباً.
مثل هذه الأعمال جعلتنا سخرية عند العقلاء وحملتهم على الاعتقاد بأننا سبب عنائهم وشقائهم وقاطعات سلك تقدمهم.
أطلقوا علينا هذا الحكم ونحن في القسم الأول من حياتنا.
وأما الحكم الثاني فيكون نتيجة الحكم الأول. فإذا دخلت إحدانا ميدان الحياة وحصلت القليل من الثروة تراها ماثلت صاحبات الألوف والملايين في لبسها وبذخها. فاشتغلت في زينتها ولهوها. وتخلت عن
إدارة بيتها. وألقت كل هذه المهمات على عاتق الخدم لتحرص على راحتها وتتفرغ لسرورها. وإذا أرادت أن تولي سياسة منزلها بعض الاهتمام نراها تسيء التصرف لأنها لم تتعلم أصول التدبير والإدارة العائلية بل كانت في شاغل عنها في تدبير زينتها والتفنن في زيها.
وإذا رزقها الباري مولوداً لتحميه بعنايتها وتحرص عليه ساهرة على مستقبله، ترمي به إلى المراضع فيشب على أيدي المربيات دون أن تسمعه كلمة نصح أو تأديب. وربما دفعها حب الذات والملذات إلى تأخيره عن المدرسة إذا كانت ماليتها لا تقوى على إسرافها ونفقات ابنها، فتكون قد ضحت مستقبله على مذبح جهلها وحب ذاتها. وهكذا تنفق مالها وتتلف آدابها وتحط من قدرها وتضيع مستقبل عمرها وهي تجري وراء المودة والتقليد. ومع هذا كله لا تريد أن تفتح أذنها لغير كلمات الثناء والإطراء والويل لمن يقول أمامها إن
النساء سبب الشقاء. . . .
هذه هي حالة أكثرنا في هذا العصر وهذه هي ثمرات علمنا وتمدننا أبمثل هذا الاستعداد وعلى هذا المنوال نتهيأ لتربية الأحداث، وأوضاع الناشئة من لبن المبادئ ما صفي وراق، لنحفظها من أردان الفساد ونبث فيها روح المروءة وعزة النفس والغيرة على الوطن. قلنا إذا لم نطرح هذه الترهات والسفاسف إلى قعر البحار فتسعى إلى الحاجيات قبل الكماليات ونعمل على حفظ كيان الحياة قبل تزيينها، فلا يمكننا أن نقوم بمهمتنا في هذه الحياة بل نعيش تعيسات ونسبب تعاسة غيرنا. وعليه فلا يصح أن نتعلم التطريز ونترك الخياطة، وأن نهتم بالموسيقى ونهمل تدبير
المنزل، وأن نعتني بالرقص قبل تربية الأولاد، وأن نبرع في التصوير ولا ندري مشاركة الرجال في تذليل مصاعب الحياة، وأن نقرأ الروايات الخيالية قبل التواريخ.
نحن لم نتشبه بالغربية سوى بمادة واحدة عرضية وذات نتائج مضرة لأن أختنا الغربية إذا تبعت المودة تكون عرفت قبل ذلك كل ما تجب معرفته فلا يخشى عليها والحالة هذه من التهور في دركات الهلاك. فلماذا نحن لا نماثلها في معارفها كما نسعى لمماثلها في أزيائها. لماذا لا نأخذ عنها مثلاً نشاطها وجدها وتعلقها بلغتها وحسن عاداتها، هل رأينا قط فتاة غربية أتقنت لغة أجنبية قبل لغتها؟ أما نحن الشرقيات فقد أصبحت عندنا عادة مألوفة بل قاعدة مكتوبة أن نتقن أية لغة كانت أجنبية ولا نعلق أدنى أهمية على لغتنا ولماذا؟ لأن للمودة دخلاً أيضاً في هذا الباب. فقد رأينا فلانة عملت هكذا فتبعناها وتوهمنا أن اللغة الإفرنسية أو الإنكليزية أرق وألطف من العربية. . . فما هذا الجهل وما هذه الأوهام. فلا كانت أيام أدت بنا إلى هذه الحالة ومكنت الغربية من أن تسخر بنا وتستخف بعقلنا، فهي بتمسكها بلغتها وارتقاء معارفها جعلتنا نحتاج إليها ونخشى أن تنتهي باستعبادنا ونحن لم نزل غافلات غير عارفات أنه بإحياء لغتنا نحيا وباعتبارنا أصلنا نعتبر. . . لننظر إلى الرجال نر على أية حالة من الرقي والتقدم هم فكل يوم نسمع بعالم كبير منهم ومصلح مفكر بينهم يسير وتتبعه الألوف سعياً وراء الإصلاح هذا ونحن متقاعدات متكاسلات مع أننا لو أحيينا فينا روح الحمية وأقبلنا بنشاط على طلب المعارف لما قصرنا عن إخواننا