الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحربية والبحرية. . .
فهلا تنظر حكوماتنا الشرقية، وهلا يرى قادة الأفكار منا الحاجة إلى ترقية حال عمالنا والسهر على مصالحهم، والذود عن حقوقهم فلا يبقوا في أيد أصحاب العمل آلة مسيرة، حتى إذا ما أدت الخدمة المطلوبة أو تعطل سيرها طرحت خارجاً.
وسنأتي في العدد القادم على بعض ما يتعلق بالاعتصابات.
كيف ترتقي
اللغة العربية
نشرنا في الجزء السابق ص 343 القسم الأول من مقالة حضرة صاحب الإمضاء وفيه لمحة عن حالة الآداب العربية في أيام الجاهلية وعلى عصر الخلفاء. وهذا هو القسم الثاني وفيه بحث عن الوسائل الواجب اتخاذها لترقية هذه اللغة:
إن ارتقاء آداب اللغة العربية يجب أن يتم بسلم ذات ثماني درجات، لا غنى للواحدة عن الأخرى فيها ولا يمكن الوصل إلى قمة نجاحها بغيرها وهي: الدولة والأمة والمدارس والصحافة والتأليف والمجتمعات العلمية والمكاتب. وإليك الكلام على كل منها باختصار.
1 -
الدولة - لا خفاء أن اللغة ترتقي بارتقاء الدولة فهي التي تذود عن حوضها وتحمي ذمارها. ومن يجهل نهضة العباسيين في الشرق، والأمويين في الأندلس، والفاطميين في القاهرة، والأيوبيين في بلاد العرب. بل من يجهل نهضة الغربيين بحكوماتهم، وتعزيزهم للغاتهم
باستخراج دفائن الكتب ومن الخزائن القديمة ونقلها إلى لغاتهم، وتقريب العلماء وإجراء الرزق عليهم، وإرسال النساخ إلى كل إقليم ينسخون ما فاتهم من المؤلفات حتى ملأوا المكاتب ورقوا آداب اللغة وعقدوا لذلك مجامع من علماء استقدموهم من أطراف مملكتهم. فهكذا ترقي الدولة آداب لغتها وترفع منار آدابها، وتنشرها بين ظهراني الناطقين بها، فتساعد المؤلفين وتمنحهم امتيازات لحفظ حقوق مؤلفاتهم استثماراً لها. فتكثر الرغبات في وضع المؤلفات العائدة على العربية بالنفع والمرقية لآدابها والناشرة للعلوم العصرية فيها. وطالما نرى عندنا أن زيداً يؤلف كتاباً فيغير بعض عباراته وعمرو يطبعه. أو انه ينسج على منواله مستعيناً بأسلوبه ويزاحمه فيه. فعلى آداب العربية السلام وعلى اللغة العفاء. بل طالما نرى المدارس والمؤلفات لا نظام يوحد مبادئها فلا أمل في إحياء اللغة بيننا على هذه الخطة.
2 -
الأمة - يجب أن تكون حريصة على لغتها شديدة الغيرة عليها. ومن سوء الحظ أن معظم المتعلمين عندنا والمعلمين ينظرون إلى لغتهم شزراً. فكيف ينتظرون من الحكومة أن تساعدهم؟ وإذا لم يعتقد كل عربي أنه من المعيب أن يتعلم الإنسان اللغات الأعجمية وهو يجهل لغته، فلا أمل في الإصلاح. ولرب معترض يقول وما النفع من لغتنا العربية مع
كساد بضاعتها؟ فأقول لمثل هذا المعترض أن الناطق باللغة العربية لا يستغني، مهما تيسرت له الذرائع خارج موطنه، عن العودة إليه. فبأي لغة يخاطب قومه ويكاتبهم ويخطب فيهم ويفاوضهم؟ وإذا شاء كتابة شيء في موضوع وأراد تعريبه فأي لباس يلبسه وبأي قالب يسكبه.
أليست اللغة العربية هي التي أوحت إلى شاعرها أن يقول بلسانها:
كلامي عقار عتقت تم وروقت
…
وبعض كلام العارفين عصير
إذا ظهرت يوماً بزاة خواطري
…
فما لعصافير الطريق صفير
وهي التي وصفها الآخر بقوله:
ذكرت فصغرها العذول جهالة
…
حتى بدت للناظرين فكبرا
3 -
المدارس - المدارس القديمة في العالم من زمن الفلاسفة اليونان، ومن أقدم ما قام عند العرب منها كلية القيروان في مدينة فاس عاصمة بلاد المغرب في أفريقية، أسست في القرن التاسع للميلاد ونشرت العلم في أوروبا، ثم الجامع الأزهر سنة 359 هجري (970م) والمدرسة المستنصرية في بغداد سنة 630 هجري (1233م)، فضلاً عن مدارس هارون الرشيد في بغداد والمدن الشرقية ومدارس الأندلس في قرطبة وغيرها من المغرب. ومدارسنا الحاضرة قلما تعتمد في تدريسها العلوم على اللغة العربية بل تدرسها بالإفرنجية وهذه ضربة قاضية بإماتة اللغة وتوقيف نموها والإجهاز عليها، لأن اللغة أشبه بشجرة، تقطع بعض فروعها، وتنبت عساليج جديدة وتؤبر (تطعم) ليتم خصبها. فالأولى بنا أن ننقل العلوم العصرية على اختلافها إلى لغتنا العربية فتتوسع اللغة ألفاظاً وتكثر الأوضاع فيها ويشتد أزرها. وإن قيل إن دون ذلك عقبات تعترضنا، فقل إن المرء من مهد العوائق وذلل المصاعب. فهذه كتب مطبعة بولاق في أول عهدها، وكتب المدرسة الكلية الأمريكية في بيروت في بدء نشأتها، شاهد على سهولة التعريب ووضع الألفاظ للمسميات الغربية في العلوم الطبية والرياضية
والطبيعة، يساعدنا على ذلك الاشتقاق والنحت في العربية وهما من أمتن دعائمها للمتأمل المحقق. وربما أعجزنا وضع كلمة عربية لمسمى إفرنجي فيكفي أن نبقيه على أصله بعد تقريبه من الصيغ العربية كما فعل المعربون في عهد الدولة العباسية وما بعدها، فأدخلوها ألفاظاً كثيرة أغنت اللغة.
4 -
الصحافة - ليست الصحافة بيننا بمتجاوزة أول القرن التاسع عشر الماضي وقد
أخذت على نفسي البحث في تاريخها (بمجلة النعمة) الأرثوذكسية في دمشق ونشرت الدور الأول منها من سنة 1800 - 1870 م وسأتابع البحث فيه والنظر في ما أفادتنا الصحافة في أدوارها. وقد قدرت أن ما أنشئ من الجرائد، - ميتة وحية - باللغة العربية حتى الآن زهاء ثمانمائة جريدة. ولكن الجرائد الحية لا تكاد تتجاوز المائتين بين مجلة وجريدة في جميع أطراف المعمور. فهل أفادتنا وتفيدنا الصحافة؟
قال العلامة مكولي الإنكليزي: إن كتاب الجرائد هم مشتركوها فإذا نظرنا إلى حالة المشتركين بصحائفنا، لا نستطيع أن نحكم بترقي الصحافة لقلة الرغبة في الجرائد ولعدم تمييز المفيد منها عن المضر. كيف لا ولئن يزال تهجم كتابنا على فن الصحافة وليس لديهم رأس مال علمي ولا مادي كاف هو السبب الأول في انحطاطها. وقلما اجتمع للصحافي المال والعلم معاً. فبانفراد أحدهما تتحول الجرائد إما إلى تجارية لتحصيل المال، وإما إلى اكتساب الشهرة للمتمول. وفي الأمرين الغرور بالنفس فلي إذن من أغراضها الأولية خدمة الشعب واللغة. فضلاً عن أن كثيراً منها تصرف جل اهتمامها إلى التحامل والتشيع وبث روح الشحناء
فتضيع الفائدة المنتظرة منها، وتقل ثقة الشعب بها. اللهم إلا بعض الجرائد التي اتخذت لها خطة معتدلة وتثبتت في رواية أخبارها ووضعت الصدق نصب أعينها. ولكنها قليلة لا تستطيع سد الثلم التي تخرقها تلك.
وأحسن دواء لذلك إنشاء مدارس للصحافة ومؤتمرات لها تبحث في أسباب ترقيها كما هو جار عند الأمم الراقية. فتكون الجرائد صادقة المبادئ ومنشئوها ومراسلوها يوافقون مبادئها. فلا ينشئ مجلة أو جريدة إلا من ترشح لهذا الفن ردحاً من الزمن وعرف أصوله. وحبذا لو عرب بعض أدبائنا اليوم كتاباً في فن الصحافة من كتب الإفرنج. وإن كنا نخسر فيه رواية غرامية تثير نقعاً وتمنع نفعاً. فيستلفت الأنظار إلى آداب الصحافة.
5 -
المطابع - الطباعة حديثة عندنا لا تتجاوز القرنين والعقد الأول من الثالث. أما الإفرنج فقد عرفوا الطباعة العربية على أثر اختراع المطبعة عندهم، وطبعوا كثيراً من المؤلفات التي لا تزال إلى اليوم نادرةً مرتبة مفيدة. ومعظم مطابعنا الآن أنشئت بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر الماضي وكثر عددها. ولكننا نرى معظمها تجارية، تطبع الكتب دون مقابلة على أصلها ولا تدقيق بإصلاحها، فتخرج مشحونة بالأغلاط غير
متقنة الطبع ولا الورق ولا الترتيب، مع غلاء في أثمانها فلا يقبل الناس على ابتياعها فيدعي واضعوها كساد بضاعة العلم.
فما أفضل الذرائع المتخذة لترخيص أثمان المطبوعات والاقتصاد بالحروف العربية، لتروج الطباعة والكتب ويقبل الأدباء على التأليف والناس على المطالعة. ومما أذكره بأسف أن المرحوم الشاعر الناثر رزق الله
حسون الحلبي الذي نشرت ترجمته في مقتطف هذه السنة، كتب مقالات ضافية، استنسخت إحداها وهي في الاقتصاد المطبعي باختصار بعض حروف ليقل عددها فيسهل العمل على المنضد (الصفيف) وترخص نفقات الطبع، فلم يلب دعوته أحد. ومثله فعل المرحوم العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي في وضع الحروف الاقتصادية، قبل مغادرته سورية وانتقاله إلى مصر والحرف باقٍ في مطبعة خليل أفندي سركيس الأدبية لم ينضد منه إلا صورة إعلان في الجرائد على أثر وضعه، وشروح نجعة الرائد التي طبعت أولاً في تلك المطبعة وأعدمت عند حريقها.
ومما تؤاخذ عليه مطابعنا عدم وضع فهارس للكتب فيتشوش الطلب على المطالع وتنكمش نفسه وينقبض صدره. فضلاً عن أنها إذا طبعت كتاباً كان قد طبع في أوروبا وذيل بحواش وفهارس وملاحظات مفيدة، حذفت كل هذه الزوائد، زاعمةً أنها فضلات، مع أن لها المقام الأول في التأليف. وما ذلك إلا لأننا نقصد السرعة في العمل للكسب لا لخدمة اللغة. وأذكر أنني رأيت كشف الظنون طبع أوروبا وعليه تعاليق مفيدة وله فهارس تقرب على المطالع بعيد مطالبه. ثم رأيته مطبوعاً في مصر والأستانة وليس فيه غير فهرس المواضيع. وكذلك كتاب المعجب في تلخيص أخبار المغرب فإنه مطبوع في أوروبا بتعاليق وفهارس ومجدد طبعه في مصر منذ بضع سنوات وليس فيه إلا فهرس صغير جداً. وهكذا قل في رحلة ابن بطوطة وابن جبير وغيرهما وهذا مثلاً كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري المطبوع في مصر. لا يفهم منه المطالع شيئاً،
حتى يقرأه تباعاً صفحة صفحة. مع أنه لو كلف أحد بدرسه ووضع فهارس لما حواه من المباحث الكثيرة في أعلام الحيوانات والتراجم والأقاصيص والفكاهات والأشعار والأسجاع، لقربت الفائدة من مطالعته.
ومع ذلك فقد رأيت قليلاً من الكتب المطبوعة في مصر قد أبقيت فهارسها مثل (طبقات الأطباء) لابن أبي أصيبعة وغيره.
ولا يجب أن ننسى عناية كثير من المطابع المصرية والبيروتية في الإتقان والترتيب والنظافة. ولكن نحب أن يعم هذا السعي المحمود بيننا ترغيباً للمطالعين وتقريباً للاستفادات. وأهم ما نستلفت إليه المطابع إصلاح الأغلاط والتدقيق.
6 -
التأليف - نريد بالتأليف ما يشمل وضع الكتب وتلخيصها أو تعريبها. ونحن في أشد حاجة ماسة إلى وضع كتب مدرسة على نظام موحد، وكتب تهذيبية ومعجمات غنية بالأوضاع والاصطلاحات والحدود العلمية، معرضة عن الألفاظ المائتة والبذيئة. وإلى مؤلفات في العلوم الطبيعية كالفلك والجيولوجيا والتاريخ الطبيعي والكيمياء والفلسفة الطبيعية والطب والجراحة والصيدلة والنبات إلخ. وإلى مؤلفات في العلوم الأدبية كالاقتصاد السياسي وعلم الأخلاق والتربية والعمران وآداب السلوك والتاريخ وفلسفته والآثار القديمة وتدبير المنزل وتاريخ الاكتشافات والاختراعات.
ومن أهم ما يجب التأليف فيه تاريخ آداب العربية فإن للإفرنج
كتباً كثيرة في هذا الفن. وليس بني أيدينا كتاب واف يبحث عن لغتنا وترقيها وانحطاطها.
ومن أمثل ما يعلل عن تأخرنا في التأليف، عدم إقبالنا على غير القصص والروايات. فهذه نجعة الرائد وضعها مؤلفها منذ عشرات من السنين، ولم يباشر طبعها حتى آنس بعض الإقبال عليها والمساعدة في نشرها، فمات قبل إتمام طبعها، وطوي الجزء الثالث منها إلى أجل غير مسمى. ومثلها كتاب تنوير الأذهان في علم الحيوان لزميله الدكتور بشارة زلزل الذي مات قبل أن يتم بعض كراريس منه. ولو كان طبعه منذ أعوام لأنجزه بحياته، واستفدنا من أوضاعه العلمية وفي هذين الكتابين غنى للغة.
ومما أذكره من هذا القبيل أنني وضعت منذ عشر سنوات ونيف كتاباً في تاريخ آداب اللغة العربية سميته الطرف الأدبية وأنفقت وقتاً طويلاً لجمعه من تضاعيف أسفار إفرنجية وعربية، وهو إلى الآن مطوي أمره وربما بقي هكذا إلى يوم النشور.
7 -
المجامع العلمية - عرفت هذه الاجتماعات باسم الأكاديميات نسبة إلى أكاديميوس أول من انتبه إلى البحث في الاجتماعات. وأول من أسس مجمعاً علمياً أفلاطون في القرن الخامس قبل الميلاد. وعقد العرب سوق عكاظ ومربد البصرة لهذه الغاية. وعرفت الأكاديميات في أوروبا في النصف الأول من القرن السابع عشر بعناية الكردينال ريشيليو،
وزير لويس الثالث عشر ملك فرنسا. ومن اللجان العربية اللجنة العلمية
المصرية أسسها نابليون سنة 1798 ولن تزال إلى عهدنا. وأنشأ الأمريكان في بيروت مع بضع المواطنين الجمعية السورية سنة 1847 م فبقيت بضع سنوات وعطلت. وبعد سنة 1880 أعيدت باسم المجمع العلمي الشرقي وعطلت أيضاً. ثم أنشئت الدائرة العلمية في مدرسة الحكمة المارونية وعطلت. وسنة 1893 أنشأ المصريون مجمعاً لغوياً علمياً للبحث في الأوضاع العربية فقرروا فيه بعض ألفاظ وتعطل. وإلى الآن لم يقم مجتمع علمي يسعى في الأوضاع والتعريب وحاجات اللغة. ولعل أدباءنا يسعون اليوم بسد هذه الثلمة إذا اجتمعت كلمتهم وتوحدت مبادئهم وانتخبوا أعضاءه من كل ملة ومشرب وموطن وإلا فلا مجتمع عربي يذكره التاريخ في آدابنا العربية.
8 -
المكاتب - المكاتب قديمة في العالم كثيرة النفع للغات. وقد اعتنى العرب بتأسيس كثير منها في أيام نهضتهم، كمكتبة قرطبة، ومكاتب بغداد ودمشق والقاهرة، ويذكر المؤرخون أنه كان في صدر القرن الخامس للهجرة نحو سبعين مكتبة في الأندلس. ولقد أعدمت النكبات مكاتبنا، وما بقي من نفائس المؤلفات حمله الإفرنج إلى بلادهم فأغنوا مكاتبهم بآثارنا. ولولا وجود المكتبة الخديوية بمصر وبعض مكاتب الأستانة ودمشق وفاس وبغداد وحلب وبيروت وطور سيناء، لكانت المكاتب عندنا أثراً بلا عين. على أننا في حاجةٍ شديدة إلى إنشاء مكتبة عامة في إحدى مدننا الكبرى تضم شتات المؤلفات الشرقية بقية الدارجين من قومنا، فنستنسخها من مظانها ونجمع شملها، فنحفظ كثيراً