الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأقيموا لها الأعياد، وأشعلوا الشموع حول كنوزها، وأوقدوا المباخر
قدموا القرابين على مذابح أقدامها، وارفعوا الأصوات بالصلوات
فالحياة منها ولها، وبها نسعد ونشقى
سبحوها بصنوج الهتاف وآلات الطرب، قدسوا اسمها وخبروا بكل عجائبها
فالأرض والسماء بذكرها تحدثان!
ومن هي تلك؟
هي ربة الجمال، إلاهة الغنى والثروة وغاية متمنيات بني الإنسان
فالسلام لك يا لذة الأنام ومحبوبة الأرباب
السلام لك يا حياة النفوس ومعبودة القلوب
السلام لك والمجد أيتها الملكة الجميلة والغنية. . .
(إنطاكية) سمعان بطرس اللادقاني
الخريف
ظهرت سحابة في كبد القبة الزرقاء، وابتل جناح الهواء، واغرورقت مقلة السماء، فوقعت على الأرض بعض نقط ماء. . . تركت السنونو الديار مهاجرة إلى أقطار شاسعة، وهب نسيم بارد فألوى سنابل الحقل وأحنى غصون الأشجار الباسقة. عري وجه الأرض من دبيبها وصارت الدنيا كهلة وقد ولت أيام شبابها فقلنا: ها الخريف قد أقبل والصيف قد أدبر. . .
عبس وجه الطبيعة، واكفهرت طلعة السماء فاستحالت زرقتها سواداً، واتشحت بثوب الغيوم الكالح حداداً، وجادت المزن حزناً بدمعها الصافي، فبرد بعض ما فيها من الحر والحرقة، فسالت في مآقي الأرض حمراء أسفاً ووجداً على هجر شبابها.
اصفر العشب الأخضر من لوعة هذا الفراق، وبكت الشجر فتساقطت منها الأوراق، وأصبحت تلطم جذعها بغصونها الجرداء، وحيث كنت تسمع تغريد الطيور الشجي الرخيم، لا تسمع الآن إلا حفيفاً رائعاً أشبه بزفرات المهجور الحزين. إذ أن ريح الشمال قد هبت وكان لهبوبها في الغاب صدى نوح وعويل، وأخذت تتلاعب بالأوراق الذابلة المتناثرة كتلاعب الرزايا بالأنام.
وكأن الطيور قد أنفت هذا المشهد، فأخذت تشق الفضاء ولسان حالها يقول: نحن رسل الزهو والزهر، ووفود الصفاء والبشر. . . لا تألف إلا الرياض الخضرة والحدائق النضرة، وإلا تحول تغريدنا إلى نوحٍ ورثاء، وأصبح أشبه بنعيق البوم والغربان. فنعود متى عاد الربيع. . .
أما تأثير هذا الفصل في النفوس فشديد. وليس بأقل من تأثيره في الطبيعة. فيشعر الإنسان بانقباض يستولي على فؤاده، ويسمع في داخل صدره صوتاً ينذره بقرب فصل الشتاء فصل الشيخوخة، فيتساءل حزيناً: وهل أرى فصل الربيع ثانية؟ هل أرى الأشجار تخضر والأطيار تعود. . . فيستسلم لهذه الأفكار التي تغذي النفوس بغذاء الحقيقة، وتروي القلوب التي حرقها الظمأ إلى المجهول. ويا نعم ما قال الشاعر: