الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جمالان في معرض
بعد ظهر السبت في 23 أبريل كان افتتاح المعرض السنوي الخامس من معارض الزهور في كازينو سان استفانو في الإسكندرية بحضور سمو الجناب الخديوي وهو عبد الزهر والجمال. وقد جاءتنا الرسالة الآتية بهذا الموضوع. ومن أولى من مجلة الزهور بالاهتمام بمعرض الزهور:
أخذت الشمس تبزغ ساطعة في أفق صافٍ هو جزء من جو انقشعت سحابته التي كانت تبدو تارة سنجابية رامزة إلى البرد والعواصف، وتارة كثيفة سوداء منذرة بالبرق والرعد والمطر - أخذت تبزغ فتتهادى متجلية في هذا الجو اللازوردي مانحة روح الحياة إلى الطبيعة. فانجلت عبوستها مسفرة عن مجموع جمالي طبيعي رائع كاسف لسواه من الجمال. فهو الحياة في سن الشباب الزاهر، بل البهاء السائد على القلوب، بل الرواء الآسر للأميال السامية، بل الشذا الذي تحرك النسمات مصدره فيعطر الأرجاء، بل الروح التي تمتزج في نفس اليائس فتولد فيه الأمل، وتمر بالعبوس المكتئب فتنفس كربته، ويستنشقها الحزين فتخفف ما به، وتصل إلى معاطس العليل فتنعشه، بل هي التي يراها السعيد فتضاف إلى سعادته سعادة أخرى، وتلمسها أنامل الحسناء فترى مستقبلها في نطاق الغبطة، ويشاهدها المعاقر فيتجلى له الحبب للآلئ، ويضمها العاشق فيود لو ينزع قلبه فيهديه إلى عشيقته، بل هي التي ينساب الماء في مجاريها فتنمو، وتنبعث الحرارة الشمسية في عيدانها فتحيا، ويداعب الهواء البليل أوراقها فيسمع لتلامسها صوت هو الشدو، أي هي الورود - بين أحمر
قانٍ، وأصفر فاقع، وأبيض ناصع - وقد تفتح. والقرنفل على تباين ألوانه وقد برز من أغشيته المخضرة. والياسمين وقد كسا أغصانه التي هي كجدائل العذارى بخيطانه البيضاء. والفل وقد كللت نواصي عيدانه برمز الطهر والثالوث وقد بدا كأنموذج لألوان الكشمير و. و. إلى غاية ما هناك من الزهور والرياحين ولا غرو في هذا كله فقد أخذت وصيفات الربيع تقرعن باب الجمال فلاحت عروس مايو مفترقة للوجود عن ذلك المجموع، قائلة للشاعر تغزل، وللكاتب تصور وللعاشق تأمل، وللمصور صور فإن فيّ آية الآيات.
* * *
هو ذا البستان والحديقة والحقل بل هو ذا المكان الذي بدت فيه هذه الزهور زاهرة يانعة،
ولكن ما هذه اليد الإنسانية التي تمتد إلى الأغصان فتنزع حلاها منها، وتنقض على العيدان فتنزع منها الثمر، وتغوص في الأرض فترفع الشجيرات من أصولها؟؟. . . . . . . . .
* * *
هناك. على ذاك الشاطئ الرملي الذي سورته يد الإنسان ليدرأ عن البر هجمات البحر، وحيث يبدو هذا البحر كصحيفة من لجين لانحراف الشمس نحو الغرب فتكسبه لوناً أرجوانياً. هناك حيث امتزج دوي الأمواج المزبدة بأصوات المئات من الأنفس بنغمات الآلات العازفة فينقل الهواء هذه النغمات إلى بعد بعيد - إلى هناك حيث نادي سان استيفانو الذي هو مصيف الإسكندرية الأكبر - نقلت تلك اليد هذه الورود
والزهور والرياحين نقلاً، ورصتها فيه رصاً، ونسقتها تنسيقاً هندسياً أفرغ في قالب الحسن الوضعي فأطلق على النادي في ذاك اليوم اسم معرض الزهور
* * *
غص النادي فحوى الجمالين. جمال الحسان وجمال الزهور. فتباريا متزاحمين. أحدهما خليع طائش وثانيهما ساحر ثابت. يبدو أحدهما حيناً من السهام المندفعة من عيون الحسان فيلوح الآخر في الوقت ذاته من وراء الزهور. تتمايل الحسان حيناً آخر تمايل الدلال على نغمات الآلات العازفة فتتمايل الزهور تمايل الاستمالة للنسمات الهابة. تقع العين على حمرة الخدود فتصادف حمرة الورود. تشاهد بياض الأذرع العاجي والصدور النقية فيلوح بها الفل وهو يفوق العاج، والياسمين وهو النقاوة نفسها.
* * *
غير أنه لتنازع لم يستول على مجموع قوانا. فإننا لم نلبث حتى فطنا إلى حقيقة حجبتها عنا هذه المظاهر التي سحرتنا لأول وهلة. وهي حقيقة قد جردتنا من الإعجاب بالظواهر، فرأينا البواطن فارتسمت علينا ملامح الامتعاض وقلنا والسويداء مستولية علينا:
بئساً لكما من جمالين قد خرجا عن طورهما الطبيعي ففقدا أعظم مواهبهما السامية.
دخلت التصنعات على كليكما فهبطتما من ذروة الإعجاب التي تسنمتمانها في نفسنا.
دخلت التصنعات على الحسان ميلاً منهن إليها بغية الإبداع