الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 6
- بتاريخ: 1 - 8 - 1910
مصر وسوريا
قلنا عند صدور الجزء الأول من هذه المجلة، إننا إنما أنشأناها لتكون الرابطة الأدبية بين الأقطار العربية. وذلك بإيجاد صلة تعارف وترابط بين أدباء هذه الأقطار وكتّابها وشعرائها، بنشر رسومهم وما تجود به قرائحهم، ليتم التعاضد والتساند الأدبي، فنجني الفائدة المبتغاة من تراسل
الأدباء وآزرهم للقيام بالنهضة الحديثة التي بدت طلائعها في أوائل القرن العشرين حتى كادت ترجع إلى الآداب العربية عصورها الذهبية.
أقدمنا على هذا العمل بعد مفاوضة السواد الأعظم من أئمة حملة الأقلام، فأنسنا منهم ارتياحاً عظيماً إلى هذا المشروع، لنهم كانوا يشعرون جميعهم بالحاجة إلى التكاتف والتعاون، لئلا يظلوا منفصلين عن بعضهم بعض، فلا يعرف الأديب المصري شيئاً عن الأديب الشامي، ولا يدري هذا شيئاً عن زميله العراقي، وقس على ذلك.
وإذا ألقيت نظرة على الأجزاء التي صدرت من هذه المجلة، ترى مقدار استحسان القوم لهذه الفكرة، وإقبال الأدباء على تعضيدها بغية تحقيق هذه الأمنية الشريفة. وتجد في كل جزء ميداناً تتبارى فيه أقلام الكتاب من كل صقع. حتى عرفت مجلة الزهور بهذه الميزة على سائر المجلات، وأصبح يراسلها العدد الكبير من أدباء مصر والشام والعراق والجزائر ومراكش. ناهيك بما يحمل إلينا البريد من رسائل التنشيط وكلمات الاستحسان.
ولقد سهل علينا إدراك هذه الغاية خصوصاً فيما يتعلق بمصر وسوريا، لسهولة الموصلات، وتشابه التقاليد والعادات بين هذين القطرين الشقيقين، وسير الحركة الفكرية فيهما في مجرى واحد.
ولهذا ما كدنا نعلن عن عزمنا على إصدار العدد السنوي الكبير حتى تواردت علينا الرسائل من القراء، وكلهم مجمعون على جعل موضوع العدد الخاص مصر وسوريا وكنا قد تركنا للقراء الكرام
حق اختيار الموضوع الذي يروقهم البحث فيه ، ولقد سرنا هذا الاقتراح أيما سرور لأننا رأينا فيه استحسان العامة وجمهور القراء لغاية المجلة، بعد استحسان الخاصة وفئة الأدباء. وأيقنا بنجاح تلك الفكرة، وهي التوصل شيئاً فشيئاً إلى إحكام الرابطة الأدبية بين الأمصار العربية.
هذه هي الأسباب التي حملت إدارة هذه المجلة أيها القارئ العزيز على أن تتقدم إليك بهذا العدد الخاص المتوج باسم القطرين العزيزين، وهي على يقين تام من انه سيحل منك محل
الرضى والارتياح.
* * *
بقي علينا بعد ذلك تقرير كيفية طرق هذا الموضوع الواسع. إذ ما عسانا أن نقول عن مصر وسوريا. ومصر وسوريا مهد الحضارة والمدنية، والملعب الذي تمثلت عليه أكبر مشاهد تاريخ البشرية. بل إن فينيقيا وأرض الفراعنة هما محور التاريخ القديم، ودائرة قطبه. حولهما كان معترك الأمم. وفيهما كان ممر الشعوب في زحفها من الشرق إلى الغرب، أو من الغرب إلى الشرق. في هذين القطرين حدثت الحوادث المأثورة، وفي ربوعهما جرت الوقائع المشهورة. فكانا في أيام الحرب ساحة الهيجاء، وفي أيام السلم مجتمع العلماء. هذا من الوجهة التاريخية أما من الوجهة الجغرافية فإن ذينك القطرين قبل نقض برزخ السويس وبعد نقضه كانا الرابطة بين آسيا وأفريقيا، والطريق اللاحبة بين أوروبا والهند والعالم الجديد. أما الوجهة السياسية فقد ضربنا عنها صفحاً في بحثنا منذ البداية، لأن مجلتنا غريبة منذ نشأتها عن السياسيات.
وعليه فقد وجدنا موضوعنا واسعاً مترامي الأطراف، تضيق المجلدات الضخمة عن استيعاب بعض أبوابه، سيما وغنه ليس ن غايتنا إيراد تاريخ القطرين ووصفهما جغرافياً، فالكتب التي تبحث في ذلك هي فوق الحصر فضلاً عن أن ذلك خارج عن نطلق مجلة أدبية فنية مثل الزهور ولذلك آثرنا طرق هذه الموضوع من الوجهة الأدبية. فاستكتبنا الأدباء الأعلام الذين يساعدون في تحرير هذه المجلة وأضفنا إلى كتاباتهم شيئاً من أقوال الكتاب الغابرين وبعض الشذرات الأدبية في هذا الموضوع. وزينا ذلك ببعض رسوم المناظر الطبيعية والآثار القديمة في القطرين، زيادةً في الفائدة والرونق.
ولا ندعي ذكر كل ما يستحق الذكر من الآثار والمناظر وما كتب فيها قديماً وحديثاً، لأنه لا يخفى ما يستغرق ذلك من الفصول الطوال إذ إن لكل شبر من هذه الأراضي تاريخاً عظيماً أو أن فيه أثراً فخيماً. فضلاً عن أن لنا متسعاً في الأعداد القادمة لذكر ما ضاق هذا الجزء عن إيراده سواء كان عن مصر وسوريا أو عن سائر الأقطار العربية.
* * *
نعم إن الإنسان ينظر إلى ماضيه، فيخاله أحسن مما كان؛ وإلى حاضره، فيراه أقبح مما
هو؛ وإلى مستقبله، فيظنه أسعد مما سيكون؛ وبحق قال دانتي الشاعر التلياني: لا حسرة للإنسان في أيام تعاسته أعظم من ذكره مجده السالف ولكن هذا المبدأ الصحيح في كل فرد من الهيأة الاجتماعية فاسد إذا ما استعملناه للشعوب، فالشعوب تحيا
بماضيها الذي تعده إرثاً ثميناً من الأجداد. ومن صفحات عزها الغابر تتخذ لها قوة تؤهلها للحياة الأمل. فنحن نذكر إذن ماضينا لننشط في حاضرنا، ويزداد أملنا في مستقبلنا. . . فعسى أن تؤدي مجلتنا بعض هذه الخدمة.
والعرب اليوم أشبه باليونان من حيث موقفهم إزاء الرقي الاجتماعي: ماضٍ مجيد، وحاضر مضطرب، ومستقبل مجهول سيكون كما يشاؤون وعلى مقدار استفادتهم في حاضرهم من عبر ماضيهم. ونحن اليوم لسنا في الظلام ولا في النور. ولكننا واقفون بين هذا وذاك. فعسى أن يكون ذلك غلساً يعقبه إشراق النهار، لا غسقاً يتقدم زوال الأنوار.
ولقد جرى اليونان في هذه السنوات الأخيرة على عادة جميلة، كان لها أكبر تأثير في إحكام رابطتهم القومية. وهي أنهم يصدرون كتاباً سنوياً يشترك في تحريره كل كتابهم من جميع الأصقاع التي نزلها أبناء العنصر اليوناني، فيكتب كل واحد منهم فصلاً عن أحوال أبناء جنسه في البلد الذي استوطنوه، فيتألف من ذلك مجموعة ضافية تتضمن كل ما يجدر بأبناء العنصر الواحد معرفته عن إخوانهم وحالتهم الأدبية والاقتصادية. . . ويجمل بالعرب، وهم الضاربون في أنحاء مختلفة، أن يحذوا هذا الحذو، فيأتوا مثل هذا العمل الذي لا تعد فوائده، ولا تحصى منافعه. فتكون تلك المجموعة أشبه بمؤتمر سنوي - يصعب عقده فعلاً - يتعارف بواسطتها أهل مصر وسوريا والعراق واليمن ومراكش والجزائر وتونس والمهاجرون منهم إلى أمريكا وأستراليا والشرق الأقصى
ويطلعون على شؤونهم بعضهم بعض في كل هذه الأصقاع فيتبادلون المنفعة والفائدة.
ولم يتيسر لهذه المجلة أن تقوم بمثل هذه الخدمة منذ سنتها الأولى، نظراً إلى مشقة هذا العمل ووجوب إعداد اللازمة لهذا المشروع الكبير، ولكن تلك أمنية من أمانيها ستعمل على تحقيقها بمناصرة الفضلاء الغيورين.
* * *
وفي هذا العدد - وإن كان قاصراً على الأدبيات - مقدمة لهذا المشروع الكبير. لأن ترابط
الأجزاء الواحد بعد الثاني يؤول حتماً إلى ترابط الكل.
ولقد قسمنا موضوعنا إلى ثلاثة أقسام: الأول يبحث في مصر، والثاني في سوريا، والثالث يتناول شيئاً من أقوال كتاب كل قطر في الثاني، مما يزيد توثيق عرى التقرب بين القطرين.
هذه هي الخدمة التي ينبغي أن نقوم بها، والغاية التي يجب أن نسعى إليها، ولا نشك في أن كل قارئ يود المساعدة على تحقيقها. فإن وراء ذلك تقريب القلوب، ونشر السلام والوئام؛ والله الموفق في البداية والختام.
مدير المجلة