الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 10
- بتاريخ: 1 - 1 - 1911
بين الأعياد
كان الشهر المنصرم شهر أفراح وأعياد - عيد الأضحى الإسلامي فعيد الميلاد المسيحي - فتبادل الناس التهاني، وتزاور الأخوان والأصدقاء معيدين، وانقطع الجميع عن أعمال الحياة ومشاغلها، وأخلدوا بضعة أيام إلى الرحالة العقلية والجسدية. وما الأعياد إلا واحات جميلة خضراء في صحراء هذه الحياة المضنكة المقفرة. يصل إليها الإنسان منهوك القوى فينعش جسمه بنسمة هواء ينشقها، ويحيي فؤاده بجرعة ماء يرشفها، فيجدد ما خار من قواه، ويعاود السير جاداً بنشاط حتى يجتاز المرحلة الأخيرة، ويبلغ الغاية القصوى.
ينشر هذا الجزء من الزهور من تحت الطبع مع حلول عيد جديد وهو بزوغ سنة 1991 ميلادية مع أول يناير (كانون الثاني) وابتداء السنة الهجرية 1329 في 2 منه الموافق غرة محرم. فإدارة هذه المجلة تتقدم لقرائها وأنصارها وكتابها وكل العاملين فيها بتهاني العيد سائلة لهم العافية والسلامة والهناء والتوفيق.
1911 م=1329 هـ
كل سنة تسافر سفرة كبيرة تدوم 365 يوماً و6 ساعات و9 دقائق و11 ثانية: سفينتنا الأرض، وبحرنا الفضاء، وملاحنا الطبيعة، مصدرنا الحياة، ومقصدنا الأبدية. . . سلسلة أسفار حلقتها الأولى في المهد، وحلقتها الأخيرة في اللحد. وقد سافر بعضنا هذه السفرة عشرين مرة، وبعضنا ثلاثين، وآخرون خمسين أو أقل أو أكثر. . . منا من يتأثر لكل عارض يطرأ عليه أثناء السفر، فيأخذه الدواخ، ويقع متلاشياً، ومنا من يبقى ثابتاً حازماً تأبت عليه الطبيعة، وثارت العناصر، وهاجت الأنواء. . .
سفرة من سفراتنا هذه انقضت وقد بدأناها في أول يناير سنة 1910 وأنهيناها عند منتصف الليل البارح. وما كدنا ندخل المرفأ، حتى أقلعت السفينة بنا للحال، وخرجنا لرحلة جديدة حول الشمس وهي السفرة العاشرة بعد المئة والسبعة آلاف للخليقة حسب الترجمة السبعينية. فيجدر بنا أن نذكر شيئاً عما يعرض لنا أثناء هذه الأسفار المتواصلة:
تقطع في كل ساعة 106. 700 كيلومتر حول الشمس أعني في كل دقيقة 1811 كيلومتراً ونصف تقريباً. وفي أشهر السنة الاثني عشر تكون الأرض قد قطعت 963 مليوناً من الكيلومترات. فما أسرع سيرنا في بحار اللانهاية.
أما سفينتنا فهي عظيمة الطول والعرض يبلغ نطاقها الأربعين مليون
متر، ومساحتها 510. 082. 000 كيلومتر مربع وحجمها 83. 260. 000. 000 كيلومتر مكعب. أما وزنها فلا ينقص عن 5. 957. 930. 000. 000. 000 مليون كيلوغرام وهو ثقل لا يدركه العقل البشري. وقد أراد أحد علماء الفلك أن يقربه إلى الفهم فقال: وزن الأرض يعادل 78 مرة وزن القمر أو 966 مرة وزن فرنسا، أو 52 مرة ونصف وزن أوروبا. أو 11 مرة ونصف وزن آسيا أو 13 مرة وزن أمريكا. أو 13 مرة ونصف وزن أفريقيا. (فتكون آسيا أثقل الأقطار في كفة الميزان). وكل هذه الأرقام باهظة يصعب تقديرها في الواقع فنقتطف عن تقارير العلماء بعض تشابيه يسهل فهمها:
سكان الأرض مليار ونصف مليار، فلو عد كل واحد منهم في كل دقيقة مائة طن من وزن الأرض وابتدأ بذلك منذ خليقة العالم لاقتضى لهم 76. 800 سنة تقريباً حتى يعدوا كم في الأرض طناً (والطن ألف كيلوغرام).
أو لو شئنا أن ننقل الأرض إلى الشمس، لاقتضى لذلك مليون من الخطوط الحديدية يسير عليها مليون من القطارات يقطر كل واحد منها عشرة آلاف عربية وتبتدئ بالشحن سنة 2710 قبل المسيح حتى تفرغ من عملها في عامنا الحالي. ونقل الأرض إلى الشمس لا يؤثر في هذه الأخيرة أكثر من نقطة ماء تقع في البحر. وهذا هو كبر الأرض التي لا يعتد بها بالنسبة إلى بقية الأجرام السماوية. والإنسان الذي هو بمثابة ذرة على سطحها يعد سيد كل هذه الكائنات بفضل عقله وإدراكه.
وفي أثناء سفرتنا على ظهر هذه السفينة الضخمة نشاهد أيام صحو وصفاء، وأيام عواصف وشتاء. وما ذلك إلا ما نسميه فصول السنة الأربعة وهي فصل الربيع ومدته 92 يوماً و21 ساعة. وفصل الصيف ومدته 93 يوماً و14 ساعة. وفصل الخريف ومدته 89 يوماً و19 ساعة. وفصل الشتاء ومدته 89 يوماً.
والسنة في كل الحسابات مؤلفة من اثني عشر شهراً. وأسماء الأشهر مختلفة ومدتها تتراوح بين 29 و31 يوماً. وفي الأسبوع سبعة أيام يعبر عنها بالأعداد السبعة الأولى: فالأحد=1 وهو يوم بطالة عند النصارى، والاثنين=2 وكان يوم بطالة عند قدماء اليونان، والثلاثاء=3 وكان يوم بطالة عند الفرس، والأربعاء=4 وكان يوم بطالة عند الآشوريين، والخميس=5
وكان يوم بطالة عند قدماء المصريين، والجمعة=6 وهو يوم بطالة عند المسلمين، والسبت=7 وهو يوم بطالة عند الإسرائيليين.
وإذا شئت أن تعرف أي الأشهر 31 وأيها 30 فأطبق كف يدك وعد أسماء الأشهر على عقد الأصابع والفواصل مبتدئاً من يناير فإذا انتهى العدد فأعده مرة ثانية فالشهر الذي يقع على العقدة يكون 31 يوماً والذي يقع على الفاصلة (أي بين العقدتين) يكون 30: وفي شهر فبراير (شباط) 28 يوماً وفي السنين الكبيسية 29. وتعرف السنة الكبيسية بقسمة العدد على 4، فإذا لم يبق شيء فهي كبيسية، وإلا فليست كبيسية مثلاً: 1911: 4 يبقى 3 فهذه السنة ليست كبيسية. وسنة 1912: 4 لا يبقى شيء فالسنة القادمة كبيسية.
ولقد لجأ الإنسان منذ بداية تاريخه إلى الظواهر الفلكية لتدوين أيامه. وأهم التواريخ التي شاعت بين البشر الحساب الشمسي والحساب القمري لأن مراقبة الشمس والقمر أسهل من مراقبة غيرهما من الأجرام الفلكية.
وكان بعض الأقدمين قد اختاروا للدلالة على السنة المدة التي تقتضيها الشمس منذ انتقالها من نقطة الاعتدال الربيعي إلى وقت رجوعها إلى هذه النقطة نفسها.
وكان المصريون يحسبون سنتهم 360 يوماً منقسمة إلى 12 شهراً يؤلف كل واحد 30 يوماً. ومن ثم كان الاعتدال الربيعي يتأخر خمسة أيام وربع في كل سنة، حتى أنه بعد مرور 18 سنة أخذ الربيع مكان الصيف. فأصلحوا هذا الخطأ بأن حسبوا السنة مؤلفة من 365 يوماً على أن ذلك لم يخل أيضاً من الغلط لأن السنة الشمسية على الصحيح مؤلفة من 365 يوماً وربع يوم تقريباً. وكثر الفرق مع توالي السنين حتى أصلحه سوسيجنيس بزيادة يوم كل أربع سنوات وسمي هذا الحساب الحساب اليولي لأنه تم على عهد يوليس قيصر. وهو لا يزال متبعاً حتى الآن في الكنيسة الشرقية.
لكن حساب سوسيجنيس لم يكن خالياً من الغلط، لأن السنة مركبة في الأصح من 365 يوماً و6 ساعات إلا 11 دقيقة و10 ثوان. فصار يحصل عن إهمال هذه الدقائق والثواني فرق يوم كامل كل 129 سنة وهذا هو غلط الحساب اليولي وبلغ هذا الفرق عشرة أيام على عهد البابا غريغوريوس الثالث عشر فأصلحه هذا البابا بأن أسقط عشرة أيام وجعل
اليوم الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1582 اليوم الخامس عشر منه وأمر بأن
تكون السنة 366 يوماً كل أربع سنوات مع حذف يوم كل 129 سنة وذلك تفادياً من الغلط في المستقبل. وهو الحساب الذي تعول عليه اليوم كل أوروبا ما عدا روسيا واليونان. وبات الفرق بين الحسابين 13 يوماً.
أما السنة الهجرية فهي قمرية مؤلفة من اثني عشر شهراً: ستة منها تتركب من 30 يوماً وستة من 29 يوماً لأن دوران القمر يتم في 29 يوماً ونصف تقريباً وكانت بداية تاريخ الهجرة سنة 622 من تاريخ المسيح في الخامس عشر من شهر تموز (يوليو) عند تولد الهلال.
وليست السنة القبطية إلا السنة المصرية القديمة فهي مؤلفة من 12 شهراً عدد أيام كل منها 30 يوماً يضاف إليها 5 أيام في آخر السنة لتكون 365 يوماً وفي السنين الكبيسية تكون الزيادة 6 أيام. ويبتدئ التاريخ القبطي من سنة 284 بعد المسيح وهو تاريخ الشهداء الذين استشهدوا في مصر على عهد ديوكليسيانس.
أما تاريخ الإسرائيليين فيعد ابتداؤه منذ خلق العالم. والسنة الإسرائيلية مؤلفة من 12 شهراً في السنين البسيطة ومن 13 شهراً في السنين التي يمسونها امبوليسمية أو إضافية وهي تعود 7 مرات في مدة 19 سنة يزيدون فيها من بعد شهر آذار شهراً آخر مؤلفاً من 29 يوماً يسمونه راذار أي آذار الثاني. وذلك لتقريب السنة القمرية من السنة الشمسية.
وفي الدولة العثمانية يوجد أيضاً حساب السنة المالية وكان ابتداء هذا