الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في حدائق العرب
الأندلس
إن الحوادث الجارية في إسبانيا، والثورة التي قامت في البرتغال فقلبت الملكية وأحلت محلها الجمهورية، لفتت الأبصار إلى تلك الأنحاء فأحببنا أن نخصص هذا الباب من المجلة بتلك البلاد وهي معروفة عند العرب بالأندلس، وقد سادوا فيها مدة طويلة وذكرها يملأ كتبهم.
قال أبو عبيد البكري في وصفها:
الأندلس شامية في طيبها وهوائها، يمانية في اعتدالها واستوائها، هندية في عطرها وزكائها، أهوازية في عظم جبالها، صينية في جواهر معادنها، عدنية في منافع سهولها.
وقال أحد الشعراء:
يا أهل أندلس لله دركم
…
ماء وظل وأشجار وأنهار
ما جنة الخلد إلا في دياركم
…
ولو تخيرت هذا كنت أختار
لا تختشوا أن تروا من بعدها سقراً
…
فليس تدخل بعد الجنة النار
وقد فتح العرب الأندلس على يد طارق وطريف ومولاهما الأمير موسى بن نصير وكان ذلك سنة 711م.
وإلى طارق ينسب جبل طارق الذي يعرفه العامة بجبل الفتح في قبلة الجزيرة الخضراء. . . واحتل طارق بالجبل المنسوب إليه يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة اثنين وتسعين في 12 ألفاً. . . وخرج من
الجبل واقتحم بسيط البلد شاناً للغارة، وأصاب عجوزاً من الجزيرة فقالت له في بعض قولها أنه كان لها زوج عالم بالحدثان، فكان يحدثهم عن أمير سيدخل إلى بلدهم هذا، فيغلب عليه. ويصف من نعته أنه ضخم الهامة - وأنت كذلك - ومنها أن في كتفه شامة عليها شعر، فإن كانت فيك فأنت هو. . . فكشف ثوبه فإذا بالشامة في كتفه على ما ذكرت، فاستبشر بذلك ومن معه. . .
وقد دونت العرب في كتبها الخطبة التي ألقاها طارق بن زياد لما بلغه دنو ردوريغ - أو لذريق كما يسميه العرب - وهي من أبلغ ما خطب به قائد أمام جنوده، قال وكان على ما يروى قد أحرق المراكب التي أقلت عساكره لئلا تحدثهم النفس بالعودة إلى الأوطان:
أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو من أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام. وقد استقبلكم عدوكم بجيشه. وأسلحته وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ول تنجزوا لكم أمراً، ذهب ريحكم وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجرأة عليكم. فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذه الطاغية. فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت. وإني لم أحذركم أمراً أنا عنه بنجوة، ولا حملتكم على خطة أرخص
متاع فيها النفوس. ابدأ بنفسي. واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلاً، استمتعتم بالأرفه الألذ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي عما حظكم فيه بأوفر من حظي. وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الخيرات العميمة. . . وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عرباناً ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختاناً، ثقة منه بارتياحكم للطعان، واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان. . . والله تعالى ولي أنجادكم على ما يكون لكم ذكراً في الدارين. . . واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه، وإني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله إن شاء الله. . . فاحملوا معي، فإن هلكت بعده فقد كفيتم أمره وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عظيمتي هذه واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهم من فتح هذه الجزيرة بقتله. . .
وظلت الأندلس تحت سيادة العرب ثمانية قرون (711 إلى 1492) فتغلب عليهم الملك فردينان. ولما خرجت الأندلس من يد العرب قال أبو البقاء صالح بن شريف الرندي قصيدته المشهورة، منها:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
…
فلا يغر بطيب العيش إنسان
دهى الجزيرة أمر لا عزاء له
…
هوى له أحد وانهد ثهلان
فاسأل بلنسية ما شأن مرسية
…
وأين شاطبة أم أين جيان
وأين قرطبة دار العلوم فكم
…
من عالم قد سما فيها له شان
وأين حمص وما تحويه من نزه
…
ونهرها العذب فياض وملآن
تلك المصيبة أنست ما تقدمها
…
وما لها مع طول الدهر نسيان
يا راكبين عتاق الخيل ضامرة
…
كأنها في مجال السبق عقبان
وراتعين وراء البحر في دعة
…
لهم بأوطانهم عز وسلطان
أعندكم نبأ عن أهل أندلس
…
فقد سرى بحديث القوم ركبان
رئيس الجمهورية البرتغالية
كان من أساتذة الفلسفة وعلم الإجتماع، وله في هذه المواضيع تآليف كثيرة وهو الآن في الثامنة والستين من عمره. ومن أعز أماني براغا ضم إسبانيا والبرتغال تحت راية الجمهورية