الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمرات المطابع
من أكثر أبواب المجلات فائدة باب درس المطبوعات. لأن في ذلك إعلاناً للكتب المفيدة وترويجاً لها لتعميم فائدتها، وخدمة لمؤلفيها بإفراغ أفكارهم ومبادئهم في كير البحث لتمييز الجيد من الفاسد. ومن جهة ثانية ترى السواد الأعظم من القراء لا يمكنه وقته أو كيسه من مطالعة كلما يطبع ولو كانت رغبته في ذلك شديدة، فيتيسر له بواسطة المجلة التي يطالعها أن يقف على مجرى الحركة العلمية والنهضة الأدبية بمطالعة زبدة الآراء التي يستخلصها له غيره. ولما كان هذا الباب من الأهمية بمكان عظيم لم نشأ أن نحصر تحريره بكاتب واحد لأنه يتعذر عليه درس كل ما يظهر من الكتب درساً مدققاً، فعهدنا إلى فريق من الكتاب من أصدقاء هذه المجلة أن يطرقوا هذا الباب مناوبة خدمة للعلم والأدب.
على طاولتي كتب كثيرة أرسلها إلي مدير الزهور لأطلع عليها وأقول لكمتي فيها فأطلع القراء على مضمونها. وأنا أقوم بذلك بكل سرور، وأعد القارئ بالأمانة التامة، ولو أغضبت الصراحة فريقاً من المؤلفين علي، مع أن غضب الزملاء ليس بالأمر الذي يستهان به. وإذا شط بي القلم عن جادة الحق، فذلك عن قصر في النظر وضعف في الرأي، لا عن هوى في النفس وتحيز في القلب. وبعد هذه المقدمة أبدأ حديثي عن الكتب التي أمامي وهي واردة من أنحاء مختلفة.
(النجوى) رسالة وجهها فليكس أفندي فارس صاحب جريدة لسان الاتحاد إلى نساء سورية ويصح أن توجه إلى نساء الرق بل إلى نساء العالم بأجمعه. فالمرأة هي هي في كل مكان وزمان، وإن اختلفت في
بعض أطوارها: هي الحاكمة أو المحكومة، والملاك أو الشيطان، والزهرة أو الشوكة، والعسل أو الحنظل، والابتسامة أو الدمعة. . . النساء نصف الجنس البشري تقريباً فالبحث في شؤونهن واجب على كل مفكر. أردف فارس أفندي رسالته برواية. والرسالة والرواية متساويتان من حيث الأفكار المسبوكة بألطف قالب شعري. لم أقرأ للشاب شعراً - وأقوال الشاب لأن صورته في صدر كتابه تدل على نضارة العمر - وأعتقد أنه يجيده لأنه في نثره سامي الخيال جميل التصور رقيق الشعور. بل هو يقول عن نفسه لأنه لا ينظر إلى الحياة إلا من وجه الشعور والعواطف. وقد يتعب القارئ في قراءاته لتراكم الصور والاستعارات ويمل أحياناً من وحدة السياق سيما والكتاب لم يقسم إلى أبواب بل هو أنة واحدة صعدت من صدر الكاتب دفعة واحدة ولم تته إلا في آخر
سطر وذلك يدل على غزارة مادة وقوة عارضة. فعلى صاحب هذه الصفات الثمينة أن يعرف كيف يستفيد منها. . . لم يحاول صاحب النجوى أن يكسر سلاسل الأسير بل أراد أن يعلمه كيف يحرك قيوده لتسمعه رنيناً مطرباً وقد حقق ما قال. ولكن هل هنّ يا ترى كثيرات النساء اللواتي قرأن هذا السِفر المكتوب لهن؟
وكما أن الجدال شديد حول النسائيات في عصرنا هذا فإن الحرب قائمة بين الروحيين والماديين. وكل فريق يعمل على تأييد مذهبه، وتفنيد مذاهب خصمه بالقلم واللسان. وقد نزل إلى هذا الميدان سيادة الحبر الجليل العلامة كيريوس بولس أبي مراد متروبوليت دمياط النائب
البطريركي العام في القدس يافا وجال جولات تشهد له بطول الباع في كتابه البرهان السديد فدافع دفاعاً صادقاً عن الحقائق التي أقرها أكابر الفلاسفة وعلمها أساطين العلماء وهي من أمس الضرورات لنظام الاجتماع البشري إذ عليها تتأسس الشرائع والسنن التي تساس بها الهيئة الاجتماعية وهي مصدر الواجب والفضيلة وركن الضمير الشخصي وأساس التمييز بني الخير والشر وهنا أترك الكلام لأحد كبار العلماء المسلمين. تصفح هذا الكتاب فقال: إن صاحب البرهان السديد سديد البرهان، قوي الحجة، يحذو حذو الصوفيين في الإسلام ويحلق في سماء الروحانيات بعد أن يدحض أقوال ذوي المذاهب الذين لا يعرفون غير المادة، وكتابه جليل في بابه وهو بعيد النظر في الأمور.
ولا أخرج عن هذا الموضوع إذا تكلمت عن كتاب أو عن كتب حضرة المفضال الخور فسقفوس جرجس شلحت السرياني وأمامي منها كتاب النجوى في الصناعة والعلم والدين، وحواشيه المجموعة تحت اسم الجدوى ومنظومات الكون والمعبد والطراز المعلم وأكثر هذه التآليف مسبوكة شعراً سهلاً سيالاً على أنه لا يخلو من التطويل وشيء من التكلف وقد ذكرت عند قراءته فرحات والصائغ في تغزلاتهم الروحانية على أنه أكثر منهما تفنناً في طرق المواضيع المتنوعة. ولقد أعجبني من المؤلف حواشي كتابه التي دلت على معارف جمة في
التاريخ والأدب والاجتماع قديماً وحديثاً. وكثيراً ما وقفت عندها أكثر مما وقفت عند المتن. ويظهر أن لهذا الكاتب البليغ في كل فن أثراً. فكتبه تدل على اجتهاد قلما عرف في كتّاب الشرق. وكأنه أراد أن يأخذ على نفسه إعادة من نبغ في حلب الشهباء من أعلام الأدباء. فيقضي أوقاته بالتأليف والتصنيف ولا تخلو النتيجة من أمثال فنلون التي عربها
نثراً ونظماً من رشاقة وجزالة في التعبير ولكن الإنشاء الساذج كان أولى بها. وكنت قرأت منها شيئاً في مجلة الضياء فاستحسنتها.
ومن غرائب الاتفاق أنني ما انتهيت من تلاوة البرهان السديد ومؤلفات الأب شلحت حتى فتحت مقدمة السبرمان تأليف سلامة أفندي موسى والسبرمان هو ما يسميه الإفرنج أو أي فوق الإنسان وهو مذهب نيتشه الفيلسوف الألماني الرامي إلى استئصال الرحمة من بني الإنسان لأنها ضربة على الإنسانية وجريمة فظيعة لأنها تخلد الصفات الرديئة في الشعوب فيجب تفسير الحياة بحب القوة وكره الضعف، والعلم على ترقية الإنسان إلى درجة السبرمان وذلك بالتحرير الاقتصادي القائم على السوسيالية وبالتحرير الأدبي بشكلٍ ينقرض معه الدنيء ليبقى العالي. وهذا مذهب يطول البحث فيه ولا مجال لي اليوم إذ لا يزال أمامي كتب عديدة وأنا مضطر إلى إرجاء الكلام عنها إلى العدد القادم.
- ناقد