الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البسوس. وبقي الحرث بن عباد على الحيادة قائلاً: لا ناقة لي في هذا ولا جمل. فذهبت مثلاً. وكان مقتل كليب سنة 494 للمسيح.
من القفص إلى العش
في قفصها الجميل، كانت الحمامة الأسيرة تنوح وتحن إلى الحرية. . .
ترى أمامها الفضاء فسيحاً، فتحاول الطيران، فتهشم جناحيها اللطيفين على الحواجز الصلبة، فيضيق بها رحب الفضاء. . .
تسمع أخواتها صادحات على الأفنان ضحىً وأصيلاً، وهي قضي عليها أن تئن وتنوح بين قضبان الحديد. . .
ترى الحدائق الغناء والرياض الخضراء والمياه المتسلسلة والجبال الشاهقة والأودية الظليلة، فتتزايد أشجانها وتتضاعف أحزانها لدى جمال الطبيعة كأنه خلق ليتمتع به سواها.
هذه هي حالة المرأة الشرقية في أمسها.
* * *
يد شفيقة حركها عامل الرحمة، ففتحت باب القفص وأفرجت عن السجينة المسكينة. . . طارت الحمامة إلى الشجرة، فنفضت ريشها وعادت إليها الحياة: غنت لمرأى الزهرة في الوادي، وهدلت مع هدير النهر المتدفق من الجبل. وقد زقزقت لخلاصها العصافير وغردت لنجاتها الطيور.
تنشقت الحمامة من هواء الحرية ما شاءت، ثم صفقت بجناحيها
ومخرت في الهواء وحلقت في الفضاء.
خاف عليها منقذها من توغلها في العلى، وخشي أن يأخذها الدوار من التحليق في الطيران، فيرمي بها من شاهق مهشمة الجناحين على الحضيض. فتعود عليها هذه الحرية بشر بلية.
سبحت الحمامة في الأثير حتى استطلعت خفايا العالمين الأدنى والأعلى، ثم أخذت تنحدر حتى هبطت عشها، فانتعشت بحرارته المنعشة واستكنت به حاضنة فراخها المطلقة.
هذه هي حالة المرأة الشرقية في يومها.
* * *
لو أتيح لهذه الحمامة أن تعبر لنا عن خالج قلبها الخفوق من العواطف بعد إطلاقها من أسرها، لفاق تعبيرها وصف أبلغ الشعراء العالمين بخفايا الصدور الواقفين على نبضات القلوب. أما وقد تم لك ذلك أيها القارئ على لسان فريدة هانم تلك لحمامة الناطقة فاسمع
تغريدها وأصغ إلى شجي غنائها بعد أن كسر الدستور قيودها وحل وثاقها:
ما ألطف الطيران!. . . وما ألطف التحليق في الفضاء!. . . طيري أيتها الحمامة وحلقي صاعدة في سماء اللانهاية.
طيري إلى الأعالي. ففي الأعالي لا يخشى على جناحيك من التهشيم. وفي الأعالي تميزين الأشياء أحسن تمييز.
هذه الأبراج العزيزة، الأبراج الرفيعة، الأبراج البيضاء. هذه هي في بلادي.
هذه المنازل والأكواخ، هذه السهول والجبال، هذه البحريات المتموجة الصافية، هذه الألوان الناصعة الزاهية، هذا الضياء الساطع، هذا النور اللامع، هذه أنت يا بلادي. فما أجملك وما أبهاك!. . .
ولكن، حذراً أيتها الحمامة من الهلاك أفلت من قفصك. فانزلي على مهل في عشك.
أنا وجدت عشي هو العائلة. فما سوف أكون فيه؟ سأكون ملكه فأنظم مملكتي الصغيرة، وأجملها بألطف الزينات وتحت إدارتي سيكون شعب صغير، فأدبر شؤونه وأقوده إلى غايته بكل سكينة.
أجل إن رحلتي في الهواء قد ولدت ف صدري مثل هذه الأوهام.
عندما حلقت في الفضاء رأيت كل منزل جزاء من البلاد. رأيت كل دار مملكة صغيرة تابعة لها الكل العظيم الذي نسميه الوطن، ورأيت كل عائلة قسماً من هذا المجموع الكبير الذي ندعوه الشعب أو الأمة
أقامتني النواميس الطبيعية والتقاليد الاجتماعية على إدارة المنزل الداخلية، فأصبح المنزل مملكة لي فيها مصالح أدبرها، وعقل أقوده، وصحة أحفظها، وأهواء أقاومها، ومعارف أنشرها.
هذا هو الدور الكبير الذي يجب علي أن أمثله في العائلة، فسأخرج من النطاق الضيق الذي حوصرت فيه لأقوم بمهمتي حق القيام، لا لأقلق خواطر أناس يغادرون على طهارة العادات ومقام المرأة في الإسلام
أريد أن أمتزج امتزاجاً عقلياً بالعالم الخارجي لأقتبس من معارفه وأكتسب من مناظره.
فأطلقوا إذن سراحي وفكوا عقالي وعلموني. . .
من العائلة يتخذ الوطن رجاله، ففي العائلة إذن مكانه العشب ومستقبل البلاد، وعلى تأثير المرأة في الود يتوقف مستقبل العائلة العثمانية الكبرى التي تتألف الآن.
فلننتبه إلى أنفسنا أيتها النساء أخواتي الساهرات على تلك الرؤوس الصغيرة.
فلننتبه إلى تفتيح هذه العواطف كالأزهار في تلك القلوب الصغيرة التي تخفق بالقرب من قلوبنا.
بالأمس كنا لا ندرك ما يدور في رأس الأخ أو الابن أو الزوج لأن حياتهم العقلية والأدبية كانت تدور في منطقة غير منطقتنا،
فعلينا نحن معشر النساء، أن نوجد العائلة: نور واحد ونار واحدة؟
والعواطف تترقى بترقي العصور: بالأمس كنا زوجات، ووالدات، واليوم صرنا صديقات وأمهات حنونات. . .
إن إدارة عقل الولد وتكييف قلبه وتهذيب طباعه لمما يؤول إلى تكوين حياته وحياة البلاد؛ وإذا دفأنا قلبه بحرارة العواطف العائلية كما تدفئ الدجاجة فراخها نكون ق أعددناه لمقاومة عواصف هذه الحياة.
فهيا إلى الأمام أيتها العائلة الصغيرة: إن الاتفاق قريب؛ كنت حتى الآن تحت سلطة الوالد؛ ونعم ما كنت عليه لأن الأب هو الرأس؛