الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرعون وقومه
هذه قصيدة لسعادة أستاذ الشعراء إسماعيل باشا صبري، وهي من خير ما قيل في آثار مصر. وقد ضمنها الشاعر نظرية جديدة، وهي أن هذه البنايات الفخيمة لم تتم إلا على يد عمال كانوا يطلبون الإتقان الفني إكراماً للفن لا خوفاً ولا طمعاً. ولا يضارع جلال هذه الأبيات وفخامتها إلا جلال وفخامة تلك الآثار:
لا القوم قومي ولا الأعوان أعواني
…
إذا ونى يوم تحصيل العلى وإني
ولست - إن لم تؤيدني فراعنة
…
منكم - بفرعون عالي العرش والشان
ولست جبار ذا الوادي إذا سلمت
…
جباله تلك من غارات أعواني
لا تقربوا النيل إن لم تعملوا عملاً
…
فماؤه العذب لم يخلق لكسلان
ردوا المجرة كداً دون مورده
…
أو فاطلبوا غيره رياً لظمآن
وابنوا كما بنت الأجيال قبلكمو
…
لا تتركوا بعدكم فخراً لإنسان
أمرتكم فأطيعوا أمر ربكمو
…
لا يئن مستمعاً عن طاعة ثاني
فالملك أمر وطاعات تسابقه
…
جنباً لجنب إلى غايات إحسان
لا تتركوا مستحيلاً في استحالته
…
حتى يميط لكم عن وجة إمكان. . .
* * *
مقالة قد هوت من عرش قائلها
…
على مناكب أبطال وشجعان
مادت لها الأرض من ذعر ودان لها
…
ما في القطم من صخر وصوان
لو غير فرعون ألقاها على ملأ
…
في غير مصر لعدت حلم يقظان
لكن فرعون إن نادى بها جبلاً
…
لبت حجارته في قبضة الباني
وآزرته جماهير تسيل بها
…
بطاح وادٍ بماضي القوم ملآن
يبنون ما تقف الأجيال حائرة
…
أمامه بين إعجاب وإذعان
من كل ما لم يلد فكر ولا فتحت
…
على نظائره في الكون عينان
ويشبهون إذا طاروا إلى عمل
…
جناً تطير بأمر من سليمان
براً بذي الأمر لا خوفاً ولا طمعاً
…
لكنهم خلقوا طلاب إتقان
* * *
أهرامهم تلك - حي الفن متخذاً
…
من الصخور بروجها فوق كيوان
قد مر دهر عليها وهي ساخرة
…
بما يضعضع من صرح وإيوان
لم يأخذ الليل منها والنهار سوى
…
ما يأخذ النمل من أركان ثهلان
كأنها - والعوادي في جوانبها
…
صرعى - بناء شياطين لشيطان
جاءت إليها وفود الأرض قاطبة
…
تسعى اشتياقاً إلى ما خلد الفاني
فصغرت كل موجود ضخامتها
…
وغض بنيانها من كل بنيان
وعاد منكر فضل القوم معترفاً
…
يثني على القوم فيسر وإعلان
تلك الهياكل في الأمصار شاهدة
…
بأنهم أهل سبق أهل إمعان
وإن فرعون في حول ومقدرة
…
وقوم فرعون في الإقدام كفؤان
إذا أقام عليهم شاهداً حجر
…
في هيكل قامت الأخرى ببرهان
كأنما هي - والأقوام خاشعة
…
أمامها - صحف من عالم ثاني
تستقبل العين في أثنائها صور
…
فصيحة الرمز دارت حول جدران
لو أنها أعطيت صوتاً لكان له
…
صدى يروع صم الأنس والجان
* * *
أين الألى سجلوا في الصخر سيرتهم
…
وصغروا كل ذي ملك وسلطان