الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آداب العربية ونبغ كثير من المؤلفين والعلماء والمعربين فنشروا لنا من المؤلفات ما هو جدير بالمطالعة وإن كانت لا تزال قاصرة عن حاجاتنا فإن فيها دليلاً على نهضتنا وكفى بجرائد المهجر في أمريكا الشمالية والجنوبية ومطابعه ومؤلفاته شاهداً عدلاً على أن العربية جددت شبابها واستعادت نهضتها. فماذا يجب اتخاذه لترقية آداب هذه اللغة؟ (هذا ما نراه في الجزء الثاني).
عيسى إسكندر المعلوف
في جنائن الغرب
العزلة
طالما كنت أجلس في الجبل تحت ظل شجرةٍ من بلوط، وقد خيم الحزن على صدري، فكنت أسرح الناظر في السهول التي نشرت أمامي أحاسن محاسنها يتلو بعضها البعض وقد أخذت زخرفها وأزينت وأنبتت من كل زوج بهيج، وقد آذنت ذكاء بالغروب مرتدية حلتها الصفراء تعلوها الكآبة. ولا أدري إن كان ما ألم بها توجعاً ورحمة لي، أو من ألم البين والفراق.
أمامي النهر يزمجر بأمواجه الزاخرة المزبدة، وينساب كالأفعى وسط الرياض، وهناك البحيرة الساكنة كالمرآة الصقيلة. وقد ارتسم كوكب المساء على صفحات الماء. وكانت الجبال التي تحوطني متوجة بغابات قاتمة رمى عليها الشفق أشعته الأخيرة.
لم تك هذه المناظر الجميلة لتروقني أو تنفحني ببعض سرور ينعش القلب، بل كنت أشاهد الأرض كظل متنقل، كما أن شمس الأحياء لا تدفئ الأموات.
كنت أنقل الناظر من أكمة لأكمة ومن الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب فلم أظفر بهناء يخفف ما بي من ألم الكآبة والوحشة.
ماذا تفيدني هذه الوديان والقصور والأكواخ التي لا أعبأ بها إذ لا أجد بها ضالتي المنشودة، وما كانت لتشرح صدري هذه الأنهار والصخور والغابات مع ما أنا فيه من الانفراد والعزلة. وإن غاب عن عيني عزيز واحد فالدنيا بأجمعها تكون أمامي قفرة موحشة.
لا أحفل بشمس تتبعها عيني في مسيرها من الشرق إلى الغرب جارية في سماء صافية أو مكفهرة إذ لا أنتظر شيئاً من الأيام.
ولو استطعت أن أتبعها في مجراها لكنت أشرف على الجو والصحاري ولكنني لا أرغب في شيء من جميع ما تنيره ولا أطلب أمراً من هذا العالم العظيم.
ولكن ربما كان بعد هذا الكون عالم آخر تضيئه الشمس وتظله سماء أخرى، ولو تسنى لي أن اترك جثماني في الأرض وأصعد بروحي إلى السماء لأنظر بعيني ما أراه في الأماني والأحلام، فهناك أتنشي من رحيق المنبع الذي آمله وأجد ما أتطلبه من الأمل والحب، وهذا غاية ما تشتهيه الأنفس، وليس له اسم في المقام الدنيوي. فلم بعد ذاك أمكث في الدنيا دار
النفي إذ لا علاقة لي بها ولا شأن لي فيها.