الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شمالي لبنان
نقتطف عن رحلة الطبيب العالم الدكتور أمي الجميل إلى تلك الأنحاء الجميلة ما لا يضيق عنه نطاق هذه المجلة. قال:
بعين الطبيب وبأذنه فحصت هذه البقعة الجميلة، وبمداد الوطنية أسطر رسالتي. وكنت أود أن أعطي موهبة الشعر ساعة من الزمن فقط، لأمثل جمال لبنان للناظر إليه من الباخرة، لأن للشاعر وحده أن يشخص لنا عظمة هذا الجبل الذي أقدامه في زرقة البحر، ورأسه في زرقة السماء، جروده مغطاة بمنطقة ناصعة البياض من ثلوج الشتاء، وسواحله تكسوها خضرة الليمون والبساتين. وبين ثلوج دائمة في الأعالي، وربيع دائم في الساحل، تلال مشجرة، ووديان مخصبة، وقرى زاهرة، وأديار عامرة. وفي كل مكان منه شعب نشيط عرف بسمو الذكاء، كما اشتهر بكرم الأخلاق وشرف المبادئ وصدق العقائد، في سورية كما في مصر وأوروبا وأمريكا.
أي نوع من الجمال بخلت به الطبيعة على لبنان العزيز؟ وقد جعلت فيه أنواع الحيوانات البرية والبحرية، والنباتات والأزهار من الأرز حتى الليمون والبلح، والمناخات كلها من الحار إلى البارد، ومن الرطب إلى الجاف، والهواء النقي والمياه العذبة والمناظر العجيبة، فجروده بديعة للاصطياف، وسواحله عجيبة للإشتاء، وبين هذه وتلك مسافة ساعتين فقط. .!
فما أكرم الطبيعة علينا وما أبخلنا عليها.
وقد كانت الذاكرة تنتقل بنا إلى الأيام التاريخية، أيام عز جبيل ومتاجرة الفينيقيين ومرور ملوك الآشوريين وأعمال الرومانيين أو الصليبيين إلخ إلخ عندما كنا نمر أمام النقط والأماكن التي فيها هذه الآثار العظيمة كنهر الكلب ونهر إبراهيم والمعاملتين والبلمند.
. . . سلكنا طريق زغرتا، فمررنا بجانب حدائق طرابلس الغناء، ذات الدخل العظيم، ثم ارتقينا أعلى المدينة ووصلنا إلى لبنان. وكل هذه الأراضي ذات خصب عجيب لأنها جمعت كل ما يلزم للنبات: تربة جيدة وحرارة قوية ومياه غزيرة. وهناك ترى من أهم وأجمل ما يوجد من الزيتون.
ولم نلبث أن وصلنا إلى زغرتا القائمة على تل لطيف تحيط بها سهول ووديان ذات تربة كلها خصب وآخر ما يمتد إليه الطرف جبال قريبة مشجرة وأعلاها يغطيه الثلج.
وقد نشا من الزغرتا وبين رجال عظام منهم البطريرك جرجس عميره واسطفان الدويهي وجبرائيل الصهيوني ويوسف بك كرم الشهير.
ويمر بهذه البلدة نهر رشعين ومياهه تفيض الخيرات على بساتين زغرتا وحدائقها.
وبالاختصار إن الطبيعة دللت كثيراً أهالي زغرتا، وبعكس ما ينتجه الدلال ترى الزغرتاويين أبطالاً وأبناء أبطال وآباء أبطال: أمس واليوم وغداً. . .
. . . أين وا حسرتاه! فرسان اللبنانيين؟ أين شجاعة رجالنا أين حماستهم في الحروب وشهرتهم في الوغى. أني إقدامهم على العظائم؟ إذا
أعلنت حرب على المملكة، أين أسود لبنان؟ وغن أراد عدو مهاجمة لبنان والاعتداء على امتيازه وحقوقه فمن هم حماته.
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه
…
يهدم ومن لا يتق الشتم يشتم
فلو قام أبو سمرا أو الشنتيري من القبر فأين هم الأبطال الذين كانوا يقتحمون معهم أهوال دفاع شريف. فإنه لم يبق عندنا جماعة مدربة مستعدة إلا في زغرتا وفي بعض البقع الدرزية.
. . . ولا يتوهمن السامع أن الشجاعة تنفي رقة الشعور، ولطف الحاسات فقلب الأب الحقيقي هو حقاً قلب أسد وقد تحققت ذلك أيضاً في زغرتا، فإن هؤلاء الرجال والنساء الذين يقال عنهم سواعد من حديد قلوب حديد رجال من حديد هم أحن الناس على الأولاد وأكثرهم عطفاً على المرضى. ولم أر في البلاد ذكر الموتى مكرماً ومحبوباً أكثر منه في هذه البقة حتى كدنا نقول إنهم يكرمون الموتى إلى درجة تقتل الأحياء. . .
الدكتور أمي الجميل
قالا لمتنبي
أحب حمصاً إلى خناصرةٍ
…
وكل نفس تحب محياها
حيث التقى خدها وتفاح لب
…
نان وثغري على حميّاها