الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراسلات السامية
وعدنا القراء في الجزء الفائت بإتحافهم بالمراسلة الشعرية التي دارت بين أميرين من أمراء القريض، المرحوم محمود سامي باشا البارودي والأمير شكيب أرسلان اللبناني. وهي قصائد غراء لم يسبق نشرها قبل الآن، تكاتب بها الشاعران أيام كان البارودي منفياً في جزيرة سيلان - كما سيجيء في ترجمته التي سننشرها قريباً. وكان سعادة الأمير الأرسلاني قد استشهد في بعض كتاباته أولاً وثانياً بأبيات للبارودي، وذلك على غير معرفة شخصية بينهما فكتب محمود باشا إلى الأمير بالمقطوعة الآتية:
أشدت بذكرى بادئاً ومعقباً
…
وأمسكت لم أهمس ولم أتكلم
وما ذاك ضناً بالوداد على امرئ
…
حباني به لكن تهيبت مقدمي
فأما وقد حق الجزاء فلم أكن
…
لأنطق إلا بالثناء المنمنم
فكيف أذود الفضل عن مستقره
…
وأنكر ضوء الشمس بعد توسم
وأنت الذي نوهت باسم ورشتني
…
بقول سرى عني قناع التوهم
لك السبق دوني في الفضيلة فاشتمل
…
بحليتها فالفضل للمتقدم
ودونكما يا ابن الكرام حبيرة
…
من النظم سداها بمدح العلا فمي
فأجابه الأمير بما يأتي:
لك الله من عان بشكر منمنم
…
لتقدير حق من علاك محتم
وشهم أبي النفس أضحى يرى يداً
…
تذكر فضل أو جميل لمنعم
رأى كرماً مني تذكر قوله
…
فدل على أعلى خلالاً وأكرم
ولو كان يدري فاضل قدر نفسه
…
رأى ذكره فرضاً على كل مسلم
أيعجب من تنويه مثلي بمثله
…
لعمري الذي قد شق في شعره فمي
ومهما يكن من أعجم فبفضله
…
يرى ثقفياً في الورى كل أعجم
إذا مطر الغيث الرياض بوابل
…
فأي يد للطائر المترنم
إذا ما تصبت بالعميد صباحة
…
بوجه فما فضل العميد المتيم
وهل ينكر الإحسان إلا لآمة
…
وينكر حسناً غير من طرفه عمي
وهل في شهود الشمس أدنى مزية
…
وقد جاء ضوء الشمس لم يتكتم
رويدك لا تكثر لدهرك تهمة
…
ولا تيأسن من أهله بالتوهم
فما زال من يدري الجميل ولم يكن
…
لتأخذه في الحق لومة لوم
وأنت الذي لو أنصف الدهر لم يكن
…
لغيرك في العلياء صدر التقدم
جمعت العلى من تلدها وطريفها
…
فجاءت كعقد في ثناك منظم
غدت خطتي إما يراع ومخدم
…
وأنك قطب في يراع ومخدم
ولم أر كفاً مثل كفك أحسنت
…
إلى المجد أرعاف المداد مع الدم
جمعتهما جمع القدير بكفه
…
إلى محتد سام إلى المجد ينتمي
ولو كان يرقى المرء ما يستحقه
…
إذاً لبلغت النيرات بسلم
وأنت الذي يا ابن الكرام أعدتها
…
لأفصح من عهد النواسي ومسلم
وأنشرت ميت الشعر بعد مصيره
…
لأعظم نثراً من رفات وأعظم
وأشهد ما في الناس من متأخر
…
يدانيك فيه لا ولا متقدم
ولو شعراء الدهر تعرض جملة
…
لمنجدهم من كل حي ومتهم
لأبصرت شخص البحتري منك بحتراً
…
وخلق أبي تمام غير متمم
لك الآبدات الآنسات التي نأت
…
وأنست عكاظ الشعر بل كل موسم
لكم أسهرت جفن الرواة وخالفت
…
حظوظك منها شرد غير نوم
شغفت بها طفلاً فأروي بديعها
…
ولم أرو من وجدي بها نار مضرم
ولا عجب أني أحن صبابةً
…
فيسري الهوى بالقول للمتكلم
أفي كل يوم فيك وجد كأنه
…
طوى جانحاً مني على نار ميسم
أحمل ريح الهند كل تحية
…
فكم من صبا منها عليك مسلم
وقد طالما حدثت نفسي وعاقني
…
ترددها ما بين أقدم وأحجم
حلفت بما بين الحطيم وزمزم
…
وبالروضة الزهرا ألية مقسم
لألفيت عندي دوس مشتجر القنا
…
وخوضي في حوض من الطعن مفعم
أقل بقلبي في المواقف هيبة
…
وأهون من ذاك المقام المعظم
وهب أنني باز قد انقض أشهب
…
فهل يطمع البازي بلقيان ضيغم
ولكن لي من عفو مولاي ساتراً
…
فها أنا ذا منه به بت أحتمي
أمحمود سامي إن يك الدهر خائناً
…
وطال عليك الزجر طائر أشأم
فما زالت الأيام بؤساً وأنعماً
…
وحظ الشقا بالمكث حظ التنعم
ولولا الصدى ما طاب ورد ولا حلا
…
لك الشهد إلا من مرارة علقم
عسى تعتب الأقدار والهم ينجلي
…
وينصاح صبح السعد في ذيل مظلم
وأهديك في ذاك المقام تهانئاً
…
حبيرة مسدٍ في ثناك وملحم
(لهذه الرسائل بقية)
شكيب أرسلان
ونفسك فابدأ بتصويرها
…
بما أنت من خالدٍ فاعل
وإلا مضى الجسم مع رسمه
…
ولا يخلد الزائل الزائل
(نظم صاحب الرسم وهو في الخامسة عشرة من عمره)
عبد بلا ثمن
يا من أقام فؤادي إذ تملكه
…
ما بين نارين من شوق ومن شجن
تفديك أعين قوم حولك ازدحمت
…
عطشى إلى نهلة من وجهك الحسن
وتستعيذ إذا ألفتك مبتسماً
…
من لؤلؤ بالنهى حرزاً من الفتن
جردت كل مليح من ملاحته
…
لم تتق الله في ظبي ولا غصن
فاستبق للبد بين الشهب رتبته
…
تملكه في أفقه عبداً بلا ثمن
إسماعيل صبري