الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الكتب التي لا توجد إلا نسخة منها في إحدى المكاتب فإذا نكبت خسر العمل خسارة كبيرة. ويجب تنظيم جمعية لطبع الكتب النفيسة والتدقيق بمعارضة نسخها ومقابلتها كما فعلت شركة طبع الكتب المصرية في طبع المخصص لابن سيده في 17 مجلداً وفتوح البلدان للبلاذري وغيرهما.
هذه السلم المثمنة الدرجات التي يمكن أن نصعد عليها إلى قمة مجد اللغة وفي اعتقادنا أن المرتقي عليها لا يجب أن يترك درجة إلا ويمر بها، لأن الطفرة محال. والله يتولى من أمورنا السداد، ويفتح لنا أبواب النجاح خدمة للغة التي تفتخر بأننا ننطق بضادها، بمنه وكرمه.
لبنان
عيسى إسكندر المعلوف
الحرية
زرت صاحباً لي منذ أيام، فألفيت لديه بلبلاً سجيناً في قفص، يغرد نشيداً محزناً كأنه من قلب مزقه ألم الفراق، ويضرب أسلاك سجنه بجناحيه آملاً أن يرى له مخرجاً من ذلك المضيق. ولم يزل يغرد شاكياً ويصيح باكياً، ويتنقل في قفصه بسأم، ويضرب الأسلاك بألم، حتى أخذ منه التعب مأخذه فأنساه طريف التعب تليد الأسر.
وقد زرت صاحبي هذا اليوم. فوجدت القفص خالياً من الفريد. فسألته عنه، فأنبأني أنه قد انتحر.
تذكرت هذه الحادثة حينما أمسكت بيدي القلم للكتابة في الحرية. فما تمالكت عن ذكرها عبرة للذين يصبرون على الضيم، ويرضون بالاستعباد، وقد خلقهم الله أحراراً.
ذلك البلبل تعود أن ينتقل من غصن إلى غصن، ويطير من فنن إلى فنن يغرد أينما شاء، وحيثما أراد. فلما انتقل من هذا الجو الفسيح الذي لا يستنشق فيه سوى نسيم الحرية البليل، وهوائها العليل، إلى ذلك القفص الذي يضيق به، بذل جهده في أن يتخلص منه. فلم يمكنه. وعز عليه أن يعيش سجيناً فانتحر. ويا ما أبلغ قول مصطفى كامل لا معنى للحياة مع اليأس ولا معنى لليأس مع الحياة.
إن هذا درس مفيد للإنسان. إذ هو أحرى بأن يتمثل بقول عنترة العبسي:
لا تسقني كأس الحياة بذلة
…
بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
إن الحياة بذلة كجهنم
…
وجهنم بالعز أحسن منزل
عند ذلك تذكرت قول أحد الأدباء لو عرف الإنسان قيمة حريته المسلوبة منه، وأدرك حقيقة ما يحيط بجسمه وعقله من السلاسل والقيود لانتحر كما ينتحر البلبل إذا حبسه الصياد في القفص وكان خيراً له من حياة لا يرى فيها شعاعاً من أشعة الحرية ولا تهب عليه نسمة من نسماتها.
فالحرية هي معنى الحياة. ودليل الرقي، وعنوان المجد، ودعامة السعادة. ورائد الآمال. وروح الاستقلال.
الحرية هي سر الوجود، سر القوة سر الثبات في العمل، سر نجاح الأمم، سر تقدم الشعوب، سر نظام الحكومات.
الحرية كما قال حافظ إبراهيم هي معنى الوجود، ففي فقدها سجن النفوس، وعقال العقول
وقيد الأفكار.
الحرية كما قال المنفلوطي: هي شمس يجب أن تشرق في كل نفس، فمن عاش محروماً منها عاش في ظلمة حالكة يتصل أولها بظلمة الرحم وآخرها بظلمة القبر. هي الحياة ولولاها لكانت حياة الإنسان أشبه شيء بحياة التماثيل المتحركة في أيدي الأطفال بحركة صناعية.
الحرية كما قال مصطفى كامل: هي بنت الحقيقة، وما انتشرت الحقيقة في أمة إلا وارتفعت كلمتها وعلا شأنها. هي نو ساطع إذا انتشر اختفى الظلم وانتش العدل.
هذه هي الحرية. لا مثلما يتوهمها البعض من أنها لا تكون إلا مع الغنى والجاه. ولو انقشعت سحابة الجهل عن عيون هؤلاء الأغبياء، ورفع حجاب الوهم عن أبصارهم وبصائرهم لتمثلوا بقول الشاعر:
أنا إن عشت لست أعدم قوتاً
…
وإذا مت لست أعدم قبراً
همتي همة الملوك ونفسي
…
نفس حر ترى المذلة كفرا
وعدو الحرية الوحيد هو الجبن، لأنه يفقد الإنسان قيمته في نظر الناس، ويمحو ثقته في نفسه، ويجعله يحتمل أثقال الأسر بلا تأفف أو نزوع إلى التخلص من قيوده.
بلى هو الذي يسدل على الأنظار ستاراً فلا ترى من خلاله تمثال الحرية ويضرب على الأسماع، فلا تصغي إلى نداء الداعين إليها.
الجبن كما قال فيلسوف الشرق الشيخ محمد عبده هو الذي أوهى