الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العمال في الهيئة الاجتماعية
كتبنا في صدر الجزء التاسع الماضي مقالة عن العمال والحكومات بمناسبة الاعتصابات التي توالت في أوروبا وسرت عدواها إلى مصر، وقد ألقى السر إدوارد غراي ناظر خارجية إنكلترا خطاباً في تأبين أحد أصحاب المصانع الكبرى بحث فيه عن مركز العمال في الهيئة الاجتماعية نقتطف منه ما يلي إتماماً للفائدة:
إن الاستياء البادية دلائله بين طبقات العمال، والذي يظهر حيناً بمظاهر الاعتصاب، وحيناً بالتذمر من النقابات وزعمائها، لا يرجع كما يتوهم البعض إلى تحرّج مركز العمال، أو سوء مصيرهم، فإن حالتهم وإن كانت لا تزال موضوعاً للتحسين، فإنها أرقى بكثير مما كانت عليه منذ خمسين سنة. وعليه فإن سبب هذا الاستياء الشرود في عالم الأحلام والآمال والمطامع التي لم يكن يحلم بها عمال الزمان الماضي.
فإنه كان من المحتم أن ينتج عن مبدأ المساواة السياسية التي سلمنا بها، مبدأ المساواة الاقتصادية. زادت رواتب العمال وتحسنت طرق تشغيلهم ولكنهم باتوا يتساءلون إذا كانت تلك الزيادة وهذا التحسن بنسبة نقص نفقات الصناعة الحديثة. ثم إن الطبقة العاملة باتت في قلق دائم من حيث استمرار العمل، لأن وقوف الأشغال مدة من السنة أصبح قاعدة مطردة في كل البلدان.
وقد ولد نشر التعليم بين الشعب عاطفة نفور في صدور فتيان العمال من حياة العامل وما فيها من شظف العيش والعناء الجزيل والنصب الدائم وهذه الأمور تدلك على أسبابا لتذمر والاستياء بين العمال بالرغم عن
تحسن مركزهم في الهيئة الاجتماعية. وإن جماعة هذه عواطفهم واستعداداتهم يكونون في كل حين على أهبة التمرد، بسبب أو بلا سبب، تارة على رؤسائهم أصحاب العمل، وتارة على زعمائهم أنفسهم.
وعليه فيجب أن نحذر من إضعاف النقابات. وإذا تركنا الفوضى تتشرب إليها، فإننا نكون رفعنا راية اليأس وسرنا وراءها، لأن كل جماعة لا قائد لها لا يسعها إلا التخريب والتدمير.
فنحن نريد أن نرى نقابات العمال أقوى مما هي، لا أن نراها ضعيفة مضطربة كما يرغب البعض في ذلك. لأن قوتها أصبحت اليوم أكثر لزوماً من كل حين. وهي التي تجعل موازنة في المجتمع الإنساني، إذ تقف أمام قوة رأس المال التي باتت أكثر مقدرة وأقل
شفقة من الماضي.
وقد اتسعت الهوة الفاصلة بين مساهم الشركة الذي ينتظر بفروغ صبر توزيع حصص الأرباح، وبين العالم الذي يشتغل في هذه الشركة، فإن الاثنين يعيشان متباعدين وليس ما يقربهما. وهذا التباعد مضر بالطرفين. فيجب أن تعود العواطف الإنسانية صلة بين كليهما. فلا الدستور السياسي يحرر الشعب، ولا الامتيازات تساعده، ولا الأملاك تغنيه، إذا لم ترسخ في قلبه أخلاق الرجولة والثبات والاستقامة.
فلنسع إذن كلنا أغنياؤنا وفقراؤنا، أفرادنا وجماعاتنا لننشئ هيئة صناعية كبرى يمكننا أن نطالبها كلنا بحقوقنا ولكن نقوم أيضاً كلنا بواجباتنا نحوها. فتكون جمعية لا يعد العامل فيها حيواناً مأجوراً حتى ولا يداً عاملة بل عقلاً مفكراً وقلباً شاعراً.
- إدوار غراي