الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التاريخ سنة 1205 هجرية موافقاً لأول آذار 1789 حساباً شرقياً. وكان ذلك في عهد السلطان سليم الثالث الذي أصدر أمره إلى الدفتردار مورالي عثماني بأن ينظم الشؤون المالية في الدولة اعتباراً من ذلك اليوم. وظل بدء السنة المالية أول آذار الشرقي، وحسبا الأشهر فيها كحساب الأشهر في السنة الشرقية.
هذا جل ما يتسع المجال لإيراده عن الحسابات المختلفة التي يتبعها البشر لتدوين تاريخهم، وهذا ملخص ما يقال عن رحلتهم السنوية حول الشمس، عسى أن تكون سفرة هذا العام سفرة خير وإقبال إن شاء الله.
الانتخابات الإنكليزية
باتت الخواطر متجهة في هذه الأيام إلى الانتخابات الجارية في إنكلترا، فرأينا أن نطلع القراء على بعض تعليمات عما يدور حول هذه الانتخابات لأن في ذلك شيئاً من الفكاهة والفائدة.
حل مجلس البرلمان الإنكليزي بعد حياةٍ قصيرة لا تتجاوز الأحد عشر شهراً لأن الانتخابات الأخيرة تمت في شهر يناير من السنة الماضية. فكان هذا المجلس أقصر المجالس عمراً بعد مجلس سنة 1886 الذي عاش خمسة أشهر ونصفاً.
وليس تجديد الانتخابات العمومية بالأمر الذي يستهان به. فإن انتخابات 1906 قد كلفت بريطانيا مليوناً و167 ألف جنيه، وانتخابات 910 التي جرت في يناير الماضي كلفتها مليوناً و297 ألف جنيه، ولاشك
في أن الانتخابات الجارية الآن ستكلفها مثل هذا المبلغ على الأقل.
وليست هذه الأرقام إلا التي يعترف بها المنتخبون رسمياً والتي يجيزها القانون. ويقول العارفون أن حقيقة ما ينفق إبان الانتخابات يبلغ ضعفي هذا المبلغ، أي أن كل تجديد انتخاب يكلف البلاد 50 مليون فرنك تقريباً. ولذلك ترى المنتخِبين والمنتخَبين لا يميلون كثيراً إلى تجديد الانتخابات العمومية، ناهيك بما يلحق بالتجارة والصناعة من وقوف الحال. فإن المرشحين يقتصدون في نفقاتهم تأهباً لمصروف الانتخاب، فتهجر المسارح والفنادق والمتنزهات وكل المحلات العمومية، لأن زبائنها ينتشرون في كل أطراف البلاد للاهتمام بشؤون الانتخابات التي تستمر مدة أربعة أسابيع تقريباً.
وفي السلطنة الإنكليزية 7 ملايين وستمئة ألف منتخِب ويؤخذ من كتابٍ خاص نشر في هذا الموضوع أن كل صوت يكلف بالتعديل 3 شلنات و10 بنسات (4 فرنكات و75 سنتيماً) وأغلى ثمن للأصوات هو في ايكوسيا حيث يكلف الصوت 5 فرنكات و50 سنتيماً، وأرخص الأصوات في ارلندا، حيث يبلغ ثمن الصوت 3 فرنكات و60 سنتيماً، وكلف مستر اسكويث انتخابه في المرة الأخيرة 20 ألف فرنك، ومستر بلفور 40 ألفاً والسرجون بثل 110 آلاف وهو أكبر مبلغ أنفق في هذه الغاية.
ولا يحق الانتخاب في إنكلترا إلا للذي يدفع أجرة منزل على الأقل عشرة جنيهات في السنة. وإجراء الانتخابات في أوائل السنة لا يوافق الأحرار لأن العامل الإنكليزي في تلك
المدة يكون متغيباً عن منزله، ومن
الصعب الاهتداء إليه وجمله على إعطاء صوته. وهذه المهمة منوطة برجال خصوصيين من أصدقاء المرشحين يطوفون المنازل والأحياء بقائمة الانتخاب، وهم مدربون خصيصاً للقيام بهذه المهمة. فيهيئون أدلة الإقناع، ويتوددون للناخبين، ويستميلون النساء والأولاد، ويقصدون العامل في معمله، ويترقبون ساعات الفراغ ليحملوه في الأتومبيل إلى محل الانتخاب لإعطاء صوته لمن يريدون. ويحظر عليهم القانون استئجار المركبات لهذه الغاية فلا يسعهم إلا استعمال المركبات الخصوصية أو التي يقدمها أنصارهم. وهذا مما يوافق المحافظين أكثر من سواهم لأنهم عادة من الأغنياء أصحاب السيارات والمركبات. وهذا السعي وراء الناخب لاصطياده يدلك على ضعف العقيدة السياسية.
وقد أصبح التصويت الآن في إنكلترا سرياً لكنه كان علنياً حتى سنة 1872 فكان المنتخِبون يحضرون إلى المحل العمومي ويعلنون جهاراً إذا كانوا ينتخبون جونس أو سميث مثلاً. فيعلو الصياح ويشتد النزاع. لأن أنصار هذا المرشح أو ذاك كانوا يسكرون الناخبين لاكتساب أصواتهم. وهكذا كانت الأصوات تباع وتشرى علناً. وكان وكلاء المرشحين يقضون نهارهم وليلهم في الحانات، يعاقرون الخمرة مع الناخبين الذين كانوا كثيراً ما يقضون شهرهم بين هذا الوكيل وذاك ويقبضون الدراهم من كلا الاثنين وهم لا يهمهم نجح الأول أو الثاني.
وقد تغيرت الحال منذ 25 سنة فأصبح القانون يعاقب بالحبس مدة سنة وبغرامة قد تبلغ خمسمئة فرنك كل من يدعو الناخب إلى الشرب أو
الأكل أو يحاول التأثير عليه بالوعد أو الوعيد.
وبالرغم عن كل هذه التشديدات لا يزال هناك من يخرق القانون. فإن الناخب يتلقى يوم الانتخاب ضمن ظرف خصوصي تذكرة للسفر مجاناً في السكة الحديدية إلى دائرة الانتخاب دون أن يعلم مصدرها. وهناك حيل كثيرة تستعمل لتعدي ما يجيزه القانون. ولكن لما كانت جميع الأحزاب تعول عليها لم يقم من يشكو أو يداعي. وعليه فإن للدراهم الكلمة الأولى في الانتخابات في إنكلترا كما في غيرها، والحزب الذي لديه ثروة كبيرة في دائرة من الدوائر الانتخابية يمكنه أن يضمن النصر لأشياعه.
على أن الانتخابات الإنكليزية ليست معرضة للضغط الإداري كما هو جارٍ في باقي البلاد. فليس هناك من مأمورين إداريين يأتمرون بأمر ناظر الداخلية فيجرون الانتخابات على هواه.
وبالإجمال فإن لدى الإنكليز كما لدى غيرهم ألف طريقة وطريقة للتأثير على أصحاب الأصوات ولكن تحقيق ذلك من الأمور الصعبة بل المستحيلة. ولما كانت هذه الطريق توافق تارة هذا الحزب وتارة تؤيد ذاك، فليس من يريد أن يتحمل مسؤولية تعديلها أو مقاومتها. وهكذا تظل الأمور جارية مجراها المعتاد ما دامت النفس البشرية ذات مطامع وأميال.