الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في رياض الشعر
كتب حضرة الألمعي مدير الجريدة مقالة جميلة عن تولستوي، فأرسل إليه سعادة أحمد شوقي بك قصيدة في ذلك الموضوع رأى أن يجمع فيها بين حكيم هذا العصر، الكونت تولستوي، وبين حكيم الدهر، فخر الضاد، أبي العلاء المعري وقد طرق الموضوع نفسه حضرة حافظ أفندي إبراهيم فرأينا أن نتحف القراء بدرر القصيدتين:
حكيم العصر وحكيم الدهر
(تولستوي) تجري آية العلم دمعها
…
عليك ويبكي بائس وفقير
وشعب ضعيف الركن زال نصيره
…
وما كل يوم للضعيف نصير
ويندب فلاحون أنت منارهم
…
وأنت سراج غيبوه منير
يعانون في الأكواخ ظلماً وظلمة
…
ولا يملكون البث وهو يسير
تطوف كعيسى بالحنان والرضى
…
عليهم وتغشى دورهم وتزور
ويأسى عليك الدين إذ لك لبه
…
وللخادميه الناقمين قشور
أيكفر بالإنجيل من تلك كتبه
…
أناجيل منها منذر وبشير
وتبكيك إلف فوق (ليلى) ندامةً
…
غداة مشى (بالعامري) سرير
تناول ناعيك البلاد كأنه
…
يراع له في راحتيك صرير
وقيل تولى الشيخ في الأرض هائماً
…
وقيل بدير الرهبات أسير
وقيل قضى لم يغن عنه طبيبه
…
وللطب من بطش القضاء عذير
إذا أنت جاورت (المعري) في الثرى
…
وجاور (رضوى) في التراب (ثبير)
وأقبل جمع الخالدين عليكما
…
وغالى بمقدار النظير نظير
جماجم تحت الأرض عطرنها شذى
…
جناهن مسك فوقها وعبير
بهن تباهى بطن حواء واحتوى
…
عليهن بطن الأرض فهو فخور
فقل يا حكيم الدهر حدث عن البلى
…
فأنت عليم بالأمور خبير
أحطت من الموتى قديماً وحادثاً
…
بما لم يحصل منكر ونكير
طوانا الذي يطوي السموات في غد
…
وينشر بعد الطي وهو قدير
تقادم عهدانا على الموت واستوى
…
طويل زمان في البلى وقصير
كأن لم تضق بالأمس عني كنيسة
…
ولم يؤوني دير هناك طهور
أرى راحة بين الجنادل والحصى
…
وكل فراش قد أراح وثير
نظرنا بنور الموت كل حقيقة
…
وكنا كلانا في الحياة ضرير
إليك اعترافي لا لقس وكاهن
…
ونجواي بعد الله وهو غفور
فزهدك لم ينكره في الأرض عارف
…
ولا متعال في السماء كبير
بيان يشم الوحي من نفحاته
…
وعلم كعلم الأنبياء غزير
سلكت سبيل المترفين ولذني
…
بنون ومال والحياة غرور
أداة شتائي الدف في ظل شاهق
…
وعدة صيفي جنة وغدير
ومتعت بالدنيا ثمانين حجة
…
ونضر أيامي غنى وحبور
وذكر كضوء الشمس في كل بلدة
…
ولاحظ مثل الشمس حين تسير
فما راعني إلا عذارى أجرنني
…
ورب ضعيف تحتمي فيجير
أردت جوار الله والعمر منقض
…
وجاورته في العمر وهو نضير
صباً ونعيم بين أهل وموطن
…
ولذات دنيا كل ذاك نذور
بهن وما يدرين ما الذنب خشية
…
ومن عجب تخشى الخطيئة حور
أو أنس في داج من الدير موحش
…
ولله أنس في القلوب ونور
وأشبه طهر في النساء بمريم
…
فتاة على نهج المسيح تسير
تسائلين هل غير الناس ما بهم
…
وهل حدثت غير الأمور أمور
وهل آثر الإحسان والرفق عالم
…
دواعي الأذى والشر فيه كثير
وهل سلكوا سبل المحبة بينهم
…
كما يتصافى أسرة وعشير
وهل آن من أهل الكتاب تسامح
…
خليق بآداب الكتاب جدير
وهل عالج الأحياء بؤساً وشقوة
…
وقل فساد بينهم وشرور
قم أنظر وأنت المالئ الأرض حكمة
…
أأجدى نظيم أم أفاد نثير
أناس كما تدري ودنيا بحالها
…
ودهر رخي تارة وعسير
وأحوال خلق غابر متجدد
…
تشابه فيها أول وأخير
تمر تباعاً في الحياة كأنها
…
ملاعب لا ترخى لهن ستور
وحرص على الدنيا وميل مع الهوى
…
وغش وإفك في الحياة وزور
وقام مقام الفرد في كل أمة
…
على الحكم جم يستبد غفير
وأضحى قول الناس مولى وعبده
…
إلى قولهم مستأجر وأجير
وأضحى نفاذ المال لا أمر في الورى
…
ولا نهي إلا ما يرى ويشير
تساس حكومات به وممالك
…
ويذعن أقيال له وصدور
وعصر بنوه في السلاح وحرصه
…
على السلم يجري ذكرها ويدير
ومن عجب في ظلها وهو وارف
…
يصادف شعباً آمناً فيغير
ويأخذ من قوت الفقير وكسبه
…
ويؤوي جيوشاً كالحصى ويمير
ولما استقل البر والبحر مذهباً
…
تعلق أسباب السماء يطير
شوقي
* * *
رثاك أمير الشعر في الشرق وانبرى
…
لمدحك من كتاب مصر كبير
ولست أبالي حين أرثيك بعده
…
إذا قيل عني قد رثاه صغير
فقد كنت عوناً للضعيف وإنني
…
ضعيف وما لي في الحياة نصير
ولست أبالي حين أبكيك للورى
…
حوتك جنان أو حواك سعير
فإني أحب النابغين لعلمهم
…
وأعشق روض الفكر وهو نضير
دعوت إلى عيسى فضجت كنائس
…
وهز لها عرش وماد سرير
وقال أناس إنه قول ملحد
…
وقال أناس إنه لبشير
ولولا حطام رد عنك كيادهم
…
لضقت به ذرعاً وساء مصير
ولكن حماك العلم والرأي والحجى
…
ومال إذا جد النزال وفير
إذا زرت رهن المحبسين بحفرة
…
بها الزهد ثاوٍ والذكاء ستير
وأبصرت أنس الزهد في وحشة البلى
…
وشاهدت وجه الشيخ وهو منير
وأيقنت أن الدين لله وحده
…
وإن قبور الزاهدين قصور
فقف ثم سلم واحتشم إن شيخنا
…
مهيب على رغم الفناء وقور
وسائله عما غاب عنك فإنه
…
عليم بأسرار الحياة بصير
يخبرك الأعمى وإن كنت مبصراً
…
بما لم تخبر أحرف وسطور
كأني بسمع الغيب أسمع كلماً
…
يجيب به استاذنا ويحير
يناديك أهلاً بالذي عاش عيشنا
…
ومات ولم يدرج إليه غرور
قضيت حياة ملؤها البر والتقى
…
فأنت بأجر المتقين جدير
وسموك فيهم فيلسوفاً وأمسكوا
…
وما أنت إلا محسن ومجير
وما أنت إلا زاهد صاح صيحةً
…
يرن صداها ساعة ويطير
سلوت عن الدنيا ولكنهم صبوا
…
إليها بما تعطيهم وتمير
حياة الورى حرب وأنت تديرها
…
سلاماً وأسباب الكفاح كثير
أبت سنة العمران إلا تناحراً
…
وكدحاً ولو أن البقاء يسير
تحاول رفع الشر والشر واقع
…
وتطلب محض الخير وهو عسير
ولولا امتزاج الشر بالخير لم يقم
…
دليل على أن الإله قدير
ولم يبعث الله النبيين للهدى
…
ولم يتطلع للسرير أمير
ولم يعشق العلياء حر ولم يسد
…
كريم ولم يرج الثراء فقير
ولو كان فينا الخير محضاً لما دعا
…
إلى الله داع أن تبلج نور
ولا قيل هذا فيلسوف موفق
…
ولا قيل هذا عالم وخبير
فكم في طريق الشر خير ونعمة
…
وكم في طريق الطيبات شرور
ألم تر أني قمت قبلك داعياً
…
إلى الزهد لا يأوي إلي ظهير
أطاعوا أبيكيرا وسقراط قبله
…
وخولفت فيما أرتئي وأشير
ومت وما ماتت مطامع طامع
…
عليها ولا ألقى القياد ضمير
إذا هدمت للظلم دور تشيدت
…
له فوق أكتاف الكواكب دور
أفاض كلانا في النصيحة جاهداً
…
ومات كلانا والقلوب صخور
فكم قيل عن كهف المساكين باطل
…
وكم قيل عن شيخ المعرة زور
وما صد عن فعل الأذى قول مرسل
…
ولا راع مفتون الحياة نذير
حافظ
وقد طرق هذا الموضوع أيضاً حضرة الأديبين أحمد أفندي نسيم وبعد الحليم أفندي
المصري. وأطلعنا على قصيدتيهما بعد نشر ما تقدم فلم ينفسح المجال لنشرهما.
يا ليل الصب متى غده
نشرنا المعارضة التي جاءتنا من شوقي بك لهذه القصيدة، ثم عارضها بعده على صفحات الزهور أيضاً أعلام شعرائنا كصبري باشا والأمير نسيب أرسلان ووليا لدين بك يكن. ولا يزال البريد يحمل إلينا من أنحاء مختلفة معارضات كثيرة يحول دون نشرها ضيق المجال. منها واحدة لحضرة الأديب محمود أفندي الناظر من أم دومه قال فيها:
أهوى رشأ لولاه لما
…
قد حارب جسمي مرقده. .
قد ضاع الوصل فيا أملي
…
بحياة الدل تؤيده
فالوجه سباني أبيضه
…
والشعر سباني أسوده
وقال أيضاً حضرة الفاضل الشيخ محمود رمزي نظيم من قصيدة
العيش تولى أرغده
…
فعسى بالوصل تجدده
إن تنكر حبي أو ولهي
…
فلسان الدمع يؤيده. .
مولاي ومثلك لا يجفو
…
صباً يهواه ويعبده
إن راح اليوم على أمل
…
من وصلك أيأسه غده
كم جمع من أمل بلقا
…
ئك والهجران يبدده
وجاءنا أيضاً شيء بهذا المعنى من حضرة كاظم أفندي الدجيلي من بغداد.
وقد تراكمت علينا المواد الشعرية ومعظمها من فطاحل شعرائنا في أجمل الموضوعات سننشرها تباعاً في حينها. فترجو من أصحابها صبراً وعذراً.
ومن الطرف التي سنتحف بها قراءنا في العدد القادم مراسلات شعرية دارت بين سعادة الأمير شكيب أرسلان اللبناني والمرحوم محمود سامي باشا البارودي أيام كان هذا منفياً في جزيرة سيلان ولم يسبق نشرها قبل الآن. وقد مكنتنا الصدف من تقديمها إلى قراء الزهور قبل سواهم.