الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيرته العلمية وآثاره الأدبيّة ومنها التاريخ
ذكرنا في أثناء الكلام على سيرة حياته، إن صحّ التعبير، شيئا من سيرته العلمية. وذلك للاتّصال الوثيق بين السيرتين، بحيث يتعذّر الفصل بينهما فصلا تامّا، ونحن نحاول ها هنا أن نتكلّم على سيرته العلمية، وآثاره ببعض تفصيل، فابن الفوطيّ كان والده قد هيّأه لدراسة الأدب وإتقان الحديث النبويّ وعلومه، كشأن أبناء الطبقة الوسطى من المجتمع الإسلامي العراقيّ في القرن السابع للهجرة وما قبله؛ وهم الأعيان إذا عدّدنا الطبقة الاولى طبقة الامراء، وقد ذكر هو في تلخيص معجم الألقاب أنّه درس المقامات الحريريّة، كما نقلناه من قبل، وسمع جامع الترمذي في الحديث، كما قدّمنا ذكره، قبل أن يبلغ الرابعة عشرة من عمره، ولكن مثل هذه الدراسة تكون، كما هو معروف، قليلة الفوائد لصغر السنّ.
فالحشد اللّغوي الذي احتوت عليه المقامات الحريريّة، وغريب الحديث الذي اشتمل عليه جامع الترمذيّ، ليسا ممّا يستوعبه ويعيه تلميذ فيما دون الرابعة عشرة من العمر بأيّام أو أشهر، ولا ممّا يفهمه، فالدراسة التي درسها ابن الفوطيّ قبل أسره ونقله الى خارج العراق أي قبل سنة 656 هـ التي قرضت فيها الدولة العبّاسيّة إنّما كانت أشبه بالأحلام، إلاّ أنّ فائدتها الجليلة كانت في إنقاذ ابن الفوطيّ من الامّيّة وفي تعليمه الكتابة، أعني إقداره على القراءة والكتابة، وهما بابا التثقّف والتعلّم الأوحدان.
والظاهر أنّه تعلّم مبادئ الخطّ على مؤدب حسن الخطّ، وأنّه كان له ميل الى جمال الخطّ. فلمّا هرب من أسر الكفّار، وأراد بهم التّتار، والتجأ الى نصير الدين الطوسيّ بمراغة سنة «660 هـ» وانتظم في سلك أتباعه وتلامذته، ووكل اليه أمر خزانة كتب الرصد، اجتهد في تحسين خطّه. لأنّ من لوازم الخازن في خزائن الكتب ودورها أن يكون حسن الخطّ، وقد أتقن خطّ النستعليق
ويسمّى «النستعليق» على النحت لا على التركيب، وهو الخطّ الشائع أيّامئذ في بلاد فارس، المفيد الاقتصاد في استعمال الكاغد والورق وغيرهما، لتعليق العلوم والفنون على اختلافها، وقد أمره نصير الدين بكتابة الزيج الإيلخاني وغيره من كتب علم النجوم، وجمال خطّه بنوعيه ظاهر فيما بقي ووجد من كتبه ومنسوخاته، «كتلخيص معجم الألقاب» وكتاب «الأحكام» ، و «كامل ابن الأثير» ، قال الصلاح الصفدي في كتابه «أعيان العصر وأعوان النصر»: «وأمّا خطّ ابن الفوطيّ فلم أر أقوى منه ولا أبرع، ولا أسرح ولا أسرع، خطّ فائق، رافع رائق، بديع الى الغاية في تعليقه
…
وكان يكتب من هذا الخطّ العجيب في كل يوم أربع كراريس، يأتي بها أنقش وأنفس من ذنب الطواويس، وأخبرني من رآه قال:
ينام ويضع ظهره الى الأرض، ويكتب ويداه الى جهة السقف. ولم أر له بعد هذا خطّا إلاّ وهو عجب».وقال الذهبي وتابعه ابن رجب: «كتب الكثير بخطّه المليح
…
وله ذكاء مفرط وخطّ منسوب رشيق في غاية الحسن»، وقال ابن حجر العسقلاني: «كتب بخطّه المليح كثيرا جدّا
…
وكان له نظم حسن، وخطّ بديع جدّا.
ملكت بخطّه «خريدة القصر» للعماد الكاتب في أربع مجلّدات، في قطع الكبير؛ وقدّمتها لصاحب اليمن فأثابني عليها ثوابا جزيلا جدّا، وكان مع حسن خطّه يكتب في اليوم أربع كراريس».
ودرس ابن الفوطيّ علوم الأوائل، ومنها الفلسفة على النصير الطوسيّ، كما يفهم من مترجميه، وحضر مجالس كبار العلماء في ذلك العصر؛ وكانوا يردون مراغة جماعات جماعات ووحدانا، وكتب دروس الحكمة لنفسه ولغيره كما ذكر هو نفسه، إلاّ أنّنا لم نجد في أقواله ولا في تآليفه ولا في أسمائها أثرا لتلك الحكمة، ولذلك لم يغل ابن حجر في نعته بالحكمة بل قال:«وكان له نظر في علوم الأوائل» .
والله أعلم بذلك النظر، بعد أن لم نجد له من أثر، فالرّجل حنبليّ المذهب، سلفيّ المشرب، لا يعرّج صادقا على علوم الأوائل والفلسفة والحكمة وهواه في الحديث.
ولا شكّ في أنّ ابن الفوطيّ درس اللّغة العربيّة، وحفظ المقامات الحريريّة، كما ادّعى، إلاّ أنّه لم يدرس اللّغة دراسة حقّة، دلّ على ذلك اسلوبه القصير النفس، المكرور السجع، الخالي من كلّ أناقة، الضيّق الدائرة؛ ودلّ على ذلك ارتكابه أحيانا الغلط النحوي، أعني اللّحن، والخطأ الكتابي، كما هو ظاهر للعالم القارئ لما بقي من أجزاء كتابه «تلخيص معجم الألقاب» ، ثمّ إنّ إقباله على تعلّم اللغة الفارسيّة بالتحقيق واللّغة المغولية على الراجح أوهن قدرته على اللّغة العربية، فظهرت العجمة في تركيب كلامه أحيانا، كتذكير المؤنّث وغيره؛ وربّما كان يكتب بالفارسيّة أحسن من كتابته بالعربيّة؛ إلاّ أنّنا لم نعثر على كتابة له بالفارسيّة غير ما نسخه منها في الكتب العربيّة ناقلا النصوص، وإن نعثر يوما ما ينبغ أن نعرضها على محسن متقن لتلك اللّغة ليحكم في أمرها.
إنّ ابن الفوطيّ قد تيسّر له أن يقضي من عمره أكثر من ست وخمسين سنة في خزانتي الرصد التي قيل: إنّها احتوت على أربعمائة ألف مجلّد، كما ذكرنا سابقا، وخزانة المدرسة المستنصريّة التي كان فيها ثمانون ألف مجلّد، فقرأ منها ما شاء، ونقل منها ما أراد، ونسخ منها ما شاء وكان من كتب نفيسة، ومخطوطات اخرى نادرة، وتواريخ عزيزة، وجوامع كتب التراجم والألقاب، والسّير والأنساب ما يعدّ بعشرات بل مئات، فضلا عن كتب الحديث ورجاله، وكتب المحاضرات والأخبار، ودواوين النثر والشعر، وكتب الرقائق والتصوّف والحكمة والطبّ والهيئة وما وراء الطبيعة، وغير ذلك كالحساب والهندسة.
وقد لهج ابن الفوطيّ بالتاريخ على اختلاف أنواعه المعروفة يومئذ، لأنّ العيش الصوفي يميل الى التاريخ، وفيه كثير من المواعظ والعبر، والحوادث والتجارب والغير، ولأنّه خير ما تقضى به الأوقات، وتستمتع به النفوس الحكيمة، ولأنّه يحتاج الى إمعان في إنعام الفكر وإضناء للدّماغ في الاستيعاب والإدراك، ولأنّ موادّه مهيّأة وافرة متكاثرة، ولأنّ ابن الفوطيّ كان يدّعي العروبة، ويحتج للانتماء الى الأمير معن بن زائدة الشيباني؛ ألا تقرأ قوله في آخر
تسميته نفسه «الشيباني» بخطّ يده. وقد ذكرنا أنّ ذلك ممّا حداه على تعلّم علم الأنساب، والأنساب من علوم التاريخ، ولأنّه خالط العلويّين، وتتلمذ على نسّابة مشهور منهم هو جمال الدين أحمد بن مهنّا العلويّ، والعلويّون مغرمون بالأنساب، وعرض بعض تآليفه على السيّد عميد الدين عبد المطّلب بن علي بن الحسن بن المختار، فطالع فيه، كما ذكر هو في ترجمته (1)، ولأنّ أكثر فنون التاريخ القديم لا تتعدّى النسخ والجمع والترتيب، وابن الفوطي ناسخ بارع استئلافا واحترافا.
ولم يقتصر ابن الفوطيّ على الجمع والاقتباس من الكتب، بل بعثه حبّه للسّماع، أعني سماع الأحاديث، على الاستكثار من ذلك، والسعي الى الشيوخ الرّواة، والقصد الى المعمّرين منهم والعلماء والادباء والشعراء يستمليهم أو يستكتبهم أو يسترويهم أو يستقرئهم أو يستنشدهم، وينقل عنهم بالمشافهة أو الإجازة أو المناولة، حتى لقد ذكر أنّ مشيخته احتوت على خمسمائة شيخ بين مسمع له ومجيز له الرواية عنه، وأنا أحسب هذه المشيخة مقصورة على رجال الحديث النبوي الشريف، وإلاّ فانّ الذين لقيهم وكتب عنهم أو استكتبهم يعدّون بآلاف، ولا أقول بالوف. ومنهم من لقيه مرّتين، ومنهم من لقيه ثلاث مرّات في ثلاثة مواضع، ولم ينكل عن النقل عنه في المرّات الثلاث، كما ذكر في سيرة كمال الدين أحمد بن أبي بكر البكري الزنجاني.
وقد حفظ ابن الفوطيّ في كتابه «تلخيص مجمع الآداب المرتّب على معجم الأسماء في معجم الألقاب» فوائد كثيرة وفيرة في الأدب والشعر والتاريخ والنثر الإخواني والنثر الديواني، لا توجد في كتاب غيره، فضلا عن التراجم التي كتبها لأعيان عصره وأماثل مصره، في عصر قلّ فيه المؤرّخون باللّغة العربية في البلاد الشرقية خاصّة، ولا سيّما العراق والجزيرة، وذلك لغلبة اللّغة الفارسية في عصر المغول. وإنّ هذا المعجم الوسيع المبني على الألقاب أوّلا، يدلّ دلالة واضحة على
(1)(راجع ترمته في الملقّبين بعميد الدين من هذا الكتاب).
كثرة مجموعات ابن الفوطيّ التاريخية ووساعة مطالعاته. ولا غرابة في ذلك، فقد كان يقيّد وينقل ويترجم ويستنشد ويستملي ويستكتب ويستقرئ طوال سيرته العلميّة (1) وسيرته الأدبيّة (2). ولذلك قال ابن حجر العسقلاني في الدرر:«كان روضة معارف، وبحر أخبار» .
ولم نجد عند ابن الفوطيّ ميلا الى الفقه واصوله، ولا ألفينا في كتابه نكتا فقهيّة، لأنّه ابتدأ صباه بدراسة الأدب وسماع الحديث؛ ولم يرغبه والده في الفقه، ولم تكن سنّه قبل أسر المغول له متأهّلة لدراسة الفقه، وفيه الاصول والاستدلال والاستنباط والعلّة والمعلول والقياس والاستصحاب، واصول الفقه - في رأيي - من العلوم التي تساعد على فهم الحكمة والفلسفة، فلو كان ابن الفوطيّ درس اصول الفقه لسهّل ذلك عليه أن يستوعب فنون الحكمة من علوم الأوائل، ثمّ إنّ المربى الذي عاش فيه بمراغة لم يفتح له مجالا لدراسة الفقه واصوله وفروعه، لأنّها كانت في ذلك المربى من العلوم الثانوية، على أنّ تهاونه بعلوم الأوائل حفظ عليه دينه وصانه من بلاء الإلحاد. غير أنّ عفيف الدين المطريّ قال، كما جاء في تذكرة الحفّاظ:«بلغني أنّه كان يخلّ بالصلوات، ويدخل في بلايا» ، وقال الذهبي نفسه:«وبعض الفضلاء تكلّم في عدالته، وكان ربّما يشرب المسكر» ، وزاد ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة وقد تكلّم في عقيدته وفي عدالته:«وسمعت من بعض شيوخنا ببغداد شيئا من ذلك» .وقال ابن حجر في لسان الميزان نقلا عن الذهبي: «كانت في دينه رقّة» ، ونقل عن الذهبيّ أيضا في ذيل العبر:«أنّ له هنات وبوائق» .
فإن كان أراد بالعقيدة عقيدة الإسلام، فالمتكلّم في عقيدته لم يكن على
(1)(يراد بالسيرة العلمية ما تعالمه معاصروه من مدلول العلم كالحديث وعلومه من رواية ودراية وتاريخ شيوخ).
(2)
(الكتب المهمّة التي ذكرها مستفيدا منها في الجزء الرابع والجزء الخامس من التلخيص زادت عدّتها على 152 كتابا).
صواب؛ وإن أراد له مخالفته لعقيدة الحنابلة، فذلك أمر ممكن، لأنّه كما ذكرنا قبلا قد خرج من دائرته الاجتماعية الضيّقة وساح في البلاد، وخالط مختلف طبقات العباد، واتّسعت آفاق فكره باطّلاعه على كتب الحكماء الطبيعيّين ولو لم يستوعب دراسة الحكمة ولا استوفاها، واتّصل بأهل المذاهب الاخرى ولا سيّما الشافعية، وقد تصوّف بسببهم مجبرا مظؤورا، وخالط الشيعة الإمامية علماءها ونسّابيها كعبد الكريم بن طاوس، فقد ساكنه في مشهد البرمة ببغداد، ورضيّ الدين علي ابن طاوس الصغير النقيب، وقد رافقه في السفر الى السلطانية، كما مرّ، والنصير الطوسيّ، وقد تتلمذ عليه والتجأ إليه ووجد فيه المفيد المعين، والمساعد، وخالط غيرهم ممّن ذكرهم في معجمه، وعرّفنا منهم جماعة انضمّ على أسمائها وسيرها الجزءان المعثور عليهما من التلخيص. وأمّا شربه المسكر فقد صرّح هو نفسه بما يشعر به في ترجمة الوزير غياث الدين محمد ابن الوزير رشيد الدين، وقد تقدّم، وأمّا صحّة عقيدته الاسلامية عموما فثابتة بما كان ينعى على ذوي العقيدة السيئة والمتفلسفين الذين لا يقولون بالشريعة المحمّدية، كما ذكر هو (1). وأمّا عدالته فقد ذكرنا أنّ قاضي القضاة الحسن بن القاسم النيلي قبل شهادته سنة 708 هـ من غير تزكية؛ وفي ذلك ما فيه من جليل التعديل، ولعلّه كان في زمان أعوزت فيه الشهود المزكّون الذين تقبل شهادتهم فيه.
إنّ ابن الفوطيّ، وإن ألّف بمراغة كتاب «من قصد الرصد» وسمع جماعة من الشيوخ والعلماء فيها وفي غيرها من بلاد الفرس، فأعظم سعيه في سماع الشيوخ وجمع الأحاديث قد ابتدأ بعد رجوعه الى بغداد سنة 679 هـ لأنّ بغداد يومئذ لا تزال معدن الرّواة والمحدّثين، ومباءة العلماء والفضلاء، وإن ذهب كثير منهم بالسيف في واقعة المغول سنة 656 هـ ولأنّ الكوفة كانت تحتفظ بجماعة من شيوخ الإماميّة وشيوخ الحنفيّة، هم منية طالب الحديث وطلبة متمني الرواة؛ ولأنّ الحلّة احتضنت الأدب العربيّ بعموم معناه بعد سقوط بغداد بأيدي المغول،
(1)(راجع ترجمة عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الايجي من هذا الكتاب).
وآل مهنا الحسنيّون الذي خالطهم ابن الفوطيّ مخالطة تامّة وروى عن جماعة منهم؛ ولذلك سافر الى الحلّة وإن كان سفره في طلب الرّزق أيضا.
إنّ الذي رفع مقام ابن الفوطيّ هو زيادته على كتابة من كتب من المؤرّخين قبله، وذلك بذكره حوادث عصره ومعاصريه. ولذلك استأهل أن يذكر في كتب التاريخ والتراجم الجليلة، مثل كتب شمس الدين الذهبيّ، وكتب الصفديّ، وتاريخ ابن رافع السّلاّميّ، وكتب غيرهم من المؤرّخين غير العراقيّين؛ فضلا عن العراقيّين على قلّتهم بعد ذلك العصر. وقد استحقّ أن يذكره الذهبيّ بقوله في «تذكرة الحفّاظ»: «ابن الفوطيّ العالم البارع، المتقن المحدّث، الحافظ المفيد، مؤرّخ الآفاق، معجز أهل العراق، كمال الدين أبو الفضائل عبد الرزّاق بن أحمد (1)
…
».وقال مؤلّف كتاب «غاية الاختصار» في خبر رواه: «حدّثني الفاضل المؤرّخ العلاّمة أبو الفضل عبد الرزّاق بن أحمد الشيباني» يعني ابن الفوطيّ، وقد وصفه ب «الفاضل العلاّمة».وقال الذهبيّ في موضع آخر:«ما كان ابن الفوطي بدون أبي الفرج الأصبهاني (2)» .وقد قدّمنا قول ابن حجر في «الدّرر» : «إنّه كان روضة معارف وبحر أخبار» .وفي التسوية بينه وبين أبي الفرج الأصفهاني نظر أيّ نظر، وذلك لاختلاف المذهب والمشرب والموضوعات.
وأقول المؤرّخين في مدحه كثيرة، من ذلك قول الذهبيّ في «تذكرة الحفّاظ»:«ابن الفوطيّ العالم البارع المتقن المحدّث الحافظ المفيد» .وقوله في موضع آخر وهو «المعجم المختصّ» : «المحدّث البارع العالم المتفنّن مؤرّخ الدنيا» «فاق علماء الآفاق في علم التاريخ وأيّام الناس، وصنّف في ذلك وقر بعير بخطّه
(1)(ولم يثبت الذهبيّ على قوله فقد نقل ابن حجر العسقلاني من تاريخه أنّه قال: «لم يكن ابن الفوطيّ بالثبت فيما يترجمه» «لسان الميزان 4: 10»، وقال في تذكرة الحفّاظ 4: 277: «كان يترخّص في اثبات ما يرصّعه ويبالغ في تقريض المغول وأعوانهم»، مع أنّ المغول كان فيهم المسلم وغير المسلم، فمؤاخذته بالتقريظ لهم عموما مجانبة للإنصاف).
(2)
(لسان الميزان 4: 10، 11).
المنسوب وعبارته العذبة
…
أجاز لنا غير مرّة، ومع سعة معرفته لم يكن بالمتثبّت فيما يترجمه، ولا يتورّع في مديح الفجّار، وفي دينه رقّه، ويأخذ جوائز التّتار والله يسامحه».
وإطالة الله تعالى عمره جعلته مرغوبا في حديثه، متوقا الى سماعه، مطلوب الإجازة، وقد استجازة شمس الدين الذهبيّ وغيره من أعلام المحدّثين، كما مرّ نقله آنفا. واستجازه الفريقان، فريق السّنّة وفريق الشيعة، كالسيّد تاج الدين محمد بن القاسم بن معيّة الحسني النسّابة، ونقل كثيرون من تآليفه في التاريخ والأنساب.
وقد ألّف ابن الفوطيّ في علوم الحديث والأدب والشعر، فضلا عن التاريخ والتراجم والأنساب، بمعناها المفهوم اليوم.
وبقي قسم من تآليفه في التراجم، ولم نجد له كتابا أدبيّا فيما بقي من المخطوطات، ك «درر الأصداف» الآتي ذكره قريبا، وقد عالج ابن الفوطيّ نظم الشعر، فيما يسمّى اليوم بالمناسبات؛ وشعره وسط أو دون الوسط. قال في مدح عماد الدين (1) خضر بن ابراهيم التبريزي:
أرى أهل دار الملك تبريز كلّهم
…
يميلون نحو الكفر في كلّ موطن
وما فيهم غير الرئيس المعظّم ال
…
عميد عماد الدين بمؤمن
كمؤمن حاميم الذي جاء ذكره
…
ويقرأ في نصّ الكتاب المبيّن
ورثى فلك الدين محمد بن أيدمر المستعصمي (2) بقوله من أبيات أوائلها:
ربع المعالي أضحى دارس الدّمن
…
والفضل بعدك أمسى ذا [بل الغصن]
يا أيّها الفلك الدوّار جرت ولم
…
تعدل على فلك الدين الفتى [الفطن]
(1)(راجع موجز سيرته في الملقّبين بعماد الدين من هذا الكتاب).
(2)
(راجع موجز سيرته في الملقّبين بفلك الدين من هذا الكتاب).
الفاضل الكامل المحمود سيرته
…
العالم العامل المشكور [ذو المنن]
وقال في مطايبة فخر الدين الحسن بن الحسين الزرندي:
أيّها الفخر الزرنديّ
…
أنت عندي كشهند (1)
فتحاكيه بثقل
…
ويحاكيك ببرد
(1)«شهند» تعريب ل «سهند» ، قمّة جبل من جبال ايران بأذربيجان.