الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى أبو داود فى مراسيله عن حسان بن عطية قال: " كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن "(1) .
وروى الدارمى عن محمد بن كثير، عن الأوزاعى، عن حسان قال:" كان جبريل ينزل على النبى صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه القرآن "(2) ورواه الخطيب البغدادى فى الكفاية (ص 12) بسنده عن حسان بن عطية أيضاً.
اعتصام السلف بالسنة
كان السلف الصالح متمسكاً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تمسكهم بالقرآن الكريم، فالكل وحى واجب الاتباع.
ففى صحيح البخارى نجد " كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة " ومما جاء فى هذا الكتاب: " وكانت الأئمة بعد النبى صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم فى الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره، اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم ".
(1) انظر قواعد التحديث للقاسمى ـ ما روى أن الحديث من الوحى ـ ص 59، وراجع حكم مراسيل أبى داود فى رسالته إلى أهل مكة فى وصف سننه ـ ص 24 ـ 25، 32.
(2)
سنن الدارمى 1 / 117. وهذه الرواية من المراسيل عن حسان أيضاً، وهو ثقة. قال خالد بن نزار: قلت للأوزاعى: حسان بن عطيه عن من قال؟ فقال لى: مثل حسان كنا نقول له: عن من؟ !
…
(انظر تهذيب التهذيب 2 / 251) . والحديث ذكره السيوطى فى كتابه " مفتاح الجنة فى الاحتجاج بالسنة ـ ص 31 " وقال: أخرجه البيهقى بسنده عن حسان بن عطيه، وأخرجه الدارمى ـ وفى الحاشية أضاف المعلق: نعيم بن حماد فى زوائده، وابن نصر فى السنة، والخطيب فى الفقيه والمتفقه، وفى الكفاية، وابن عبد البر فى الجامع، وغيرهم، ثم قال: وإسناده صحيح.
ويوضح ما سبق ما رواه الإمام الدارمى فى باب التورع من الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة.
من هذه الروايات أن أبا بكر الصديق ـ رضى الله تعالى عنه ـ كان إذا ورد عليه الخصم نظر فى كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضى بينهم قضى به، وإن لم يكن فى الكتاب وعلم من رسول الله فى ذلك الأمر سنة قضى به، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال: أتانى كذا وكذا، فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فى ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله فيه قضاء، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذى جعل فينا من يحفظ عن نبينا. فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله جمع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به.
وموقف الصديق من ميراث الجدة معلوم مشهور، حيث توقف " لا أجد لك فى كتاب الله شيئاً " إلى أن بلغه حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاها السدس.
ومن روايات سنن الدارمى أيضاً أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، كتب إلى شريح " إذا جاءك شىء فى كتاب الله فاقض به ولا يلتفتك عنه الرجال، فإن جاءك ما ليس فى كتاب الله فانظر سنة رسول الله فاقض بها، فإن جاءك ما ليس فى كتاب الله ولم يكن فيه سنة من رسول الله فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به ".
ومنها أن ابن عمر لقى جابر بن زيد فقال له: " يا أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة، فلا تفت إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية، فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت ".
ومنها أن عبد الله بن مسعود قال: " أتى علينا زمان لسنا نقضى ولسنا هنالك، وإن الله قد قدر من الأمر أن قد بلغنا ما ترون، فمن عرض له قضاء بعد اليوم فليقض فيه بما فى كتاب الله عز وجل، فإن جاءه ما ليس فى كتاب الله فليقض بما قضى به رسول الله، فإن جاءه ما ليس فى كتاب الله ولم يقض به رسول الله فليقض بما قضى به الصالحون ".
ومما يبين ما جاء فى كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من صحيح البخارى ما رواه هو ومسلم وأحمد وغيرهم، أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: أذكر الله امرأ سمع النبى صلى الله عليه وسلم فى الجنين شيئاً؟ فقام حمل بن مالك بن النابغة، فقال: كنت بين جارتين لى، يعنى ضرتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنيناً ميتاً، فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة، فقال عمر: لو لم أسمع فيه لقضينا بغيره. وقال غيره: إن كدنا أن نقضى فى مثل هذا برأينا.
وروى الإمام الشافعى بسنده عن سعيد بن المسيب: " أن عمر بن الخطاب قضى فى الإبهام بخمس عشرة، وفى التى تليها بعشر، وفى الوسطى بعشر، وفى التى تلى الخنصر بتسع، وفى الخنصر بست ".
ثم قال الشافعى: لما كان معروفاً ـ والله أعلم ـ عند عمر أن النبى قضى فى اليد بخمسين، وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال والمنافع، نزلها منازلها، فحكم لكل واحد من الأطراف بقدره من دية الكف، فهذا قياس على الخبر.
فلما وجدنا كتاب آل عمرو بن حزم، فيه: أن رسول الله قال: " وفى كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل "، صاروا إليه ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم ـ والله أعلم ـ حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله.
وفى الحديث دلالتان:
أحدهما: قبول الخبر والآخر: أن يقبل الخبر فى الوقت الذى يثبت فيه، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر الذى قبلوا.
ودلالة على أنه لو مضى أيضاً عمل من أحد من الأئمة، ثم وجد خبر عن النبى صلى الله عليه وسلم يخالف عمله، لترك عمله لخبر رسول الله.
ودلالة على أن حديث رسول الله يثبت بنفسه، لا بعمل غيره بعده.
ولم يقل المسلمون قد عمل فينا عمر بخلاف هذا بين المهاجرين والأنصار، ولم تذكروا أنتم أن عندكم خلافه ولا غيركم، بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله، وترك كل عمل خالفه.
ولو بلغ عمر هذا صار إليه، إن شاء الله، كما صار إلى غيره فيما بلغه عن رسول الله، بتقواه لله، وتأديته الواجب عليه فى اتباع أمر رسول الله، وعلمه، وبأن ليس لأحد مع رسول الله أمر، وأن طاعة الله فى اتباع أمر رسول الله.
ثم أيد الإمام الشافعى قوله السابق، فروى بسنده أن عمر بن الخطاب كان يقول:" الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا "، حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه:" أن يورث امرأة أشيم الضبابى من ديته، فرجع إليه عمر "(1) . ولمكانة السنة عند الصحابة الكرام، وجدنا منهم من يرحل لطلب حديث واحد.
روى البخارى فى الأدب المفرد بسنده عن ابن عقيل، " أن جابر بن عبد الله حدثه، أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم. فابتعت بعيراً، فشددت إليه رحلى شهراً، حتى قدمت الشام. فإذا عبد الله بن أنيس، فبعثت إليه أن جابراً بالباب. فرجع الرسول فقال: جابر بن عبد الله؟ فقلت: نعم. فخرج فاعتنقنى. قلت: حديث بلغنى لم أسمعه، خشيت أن أموت أو تموت
…
إلخ " (2) .
وروى الحميدى فى مسنده (1 / 189)، وبسنده عن عطاء بن أبى رباح قال: خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر، وهو بمصر، يسأله عن حديث سمعه
(1) انظر الرسالة ص 422: 426، واقرأ فى الحاشية تعليق الشيخ أحمد شاكر وتخريجه للروايات.
(2)
انظر الأدب المفرد 2 / 433 ـ باب المعانقة. ورواه الحاكم فى المستدرك (4 /574 ـ575) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى على التصحيح.