الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{سَأَلَ سَائِلٌ} : دعا داع، {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} : نزلت لما قال بعض المنافقين يوم الغدير: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، فرماه الله بحجر فقتله (1) .
وفى الآية الثامنة من سورة هود يقول:
{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} : أوقات قليلة، قال الصادق: هي أصحاب المهدى عدة أصحاب أهل بدر (2) .
هذا بعض ما جاء في تفسير شبر، وأظنه يكفى لبيان أثر الإمامة فيه، وهو وإن كان في منزلة بين المنزلتين، إلَاّ أنه إلى الغلو أقرب، وعن الاعتدال أكثر بعداً.
سادساً: كنز العرفان
وبعد الانتهاء من النظر في تلك الكتب، نأتى إلى لون آخر من التفاسير، وهى تختص بآيات الأحكام فقط، رجعت إلى كتابين أحدهما يمثل جانب الاعتدال النسبى، والآخر سار في طريق الغلاة.
الكتاب الأول هو " كنز العرفان في فقه القرآن "، لمقداد بن عبد الله السيورى الحلى (3) ، والكتاب ينتصر للأحكام التي استقر عليها رأى الشيعة الجعفرية، مخالفين بها كل المذاهب أو بعضها، فمثلاً عند قوله تعالى:
(1) ص 531.
(2)
ص 228.
(3)
عاش إلى أوائل القرن التاسع الهجرى.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} (1) ، نراه يقف طويلاً عند عجز الآية، محاولاً إثبات أن الواجب مسح الرجلين لا غسلهما (2) .
وعند قوله عز وجل {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (3) ، حاول أن يثبت وجوب رد السلام في أثناء الصلاة (4) .
والانتصار للفقه الشيعى الجعفرى من باحث جعفرى أمر متوقع، بل لا ينتظر غيره، ولكنه ينتهى أحياناً إلى آراء أثر الإمامة يبدو فيها واضحاً، ومن أمثلة هذه الأراء ما يأتى:
عند قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (5) ينتهى إلى أن في الآية أحكاماً هي:
أن المشركين أنجاس نجاسة عينية لا حكمية، وأن آثارهم وكل ما باشروه برطوبة نجس أيضاً، وأنه لا يجوز دخولهم المسجد الحرام، وكذا باقى المساجد لنصوص الأئمة. ثم يقول:" لا فرق بينهم وبين الكفار عندنا في جميع ما تقدم للإجماع المركب، فإن كل من قال بنجاستهم عيناً قال بنجاسة كل كافر، ولأن أهل الذمة مشركون "(6) . وبالبحث عن باقى الكفار عندهم نجد أن الجعفرية توسعوا في
(1) سورة المائدة: 6.
(2)
انظر ص 9، 10.
(3)
سورة النساء: 86.
(4)
انظر ص 70 - 71.
(5)
التوبة: 28.
(6)
انظر ص: 21 - 22.
مفهوم الكفر فحكموا بكفر كثير من المسلمين، حتى أن بعضهم اعتبر غير الجعفرى كافراً مشركاً (1) .
وفى قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) : يذكر مشروعية الصلاة على الآل تبعاً للنبى صلى الله عليه وسلم، وجواز الصلاة عليهم " لا تبعاً له بل إفراداً كقولنا اللهم صلى على آل محمد، بل الواحد منهم لا غير "، وأن الصلاة عليهم واجبة في الصلاة، ومستحبة في غيرها، ثم يقول:" والذين يجب الصلاة عليهم في الصلاة، هم الأئمة المعصومون لإطباق الأصحاب على أنهم هم الآل، ولأن الأمر بذاك مشعر بغاية التعظيم المطلق الذي لا يستوجبه إلَاّ المعصومون، وأما فاطمة عليها السلام فتدخل أيضاً لأنها بضعة منه صلى الله عليه وسلم ".
ويذكر كذلك أن أئمته هم القائمون مقام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن مقام إمامتهم اغتصب (3) .
وفى قوله سبحانه: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} (4) .
ينتهى إلى أحكام منها قوله: " وجوب القصر، وإن كان عاماً لظاهر الآية، لكنه عندنا مخصوص بما عدا المواضع الأربعة: مسجد مكة، والمدينة، وجامع
(1) انظر حكم سؤر الآدمى في الجزء الرابع من هذه الموسوعة، وراجع كذلك آراء من سبق الحديث عنهم من غلاة مفسريهم، وانظر ما كتبناه عن أصول الكافى وروضته في الجزء التالي.
(2)
سورة الأحزاب: الآية 56.
(3)
انظر كتابه ص 58 – 61.
(4)
النساء: الآية 101.
الكوفة، والحاير الشريف، وعليه إجماع أكثر الأصحاب، لأن الإتمام فيها
…
أفضل، لكونها مواضع شريفة تناسب التكثير من العبادة فيها " (1) .
سابعا ً: زبدة البيان
ذلك هو الكتاب الأول، أما الكتاب الثاني فهو " زبدة البيان في أحكام القرآن"، لأحمد بن محمد الشهير بالمقدسى الأردبيلى (2) ولنتبين مدى غلوه، وأثر الإمامة فيه نعرض ما يأتى: -
في كتاب الطهارة ذكر أن الإيمان المطلق عند الجعفرية يدخل فيه التصديق والإقرار " بالولاية والإمامة والوصاية لأهل البيت (ع) بخصوص كل واحد واحد "(3) .
ثم قال: فلنشر إلى ما يدل على كون أمير المؤمنين " ع " إماماً، وهو غير محصور، ونقتصر على نبذ منه. منه قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (4) .
ومما قاله في الآية الكريمة: " ظاهر أنها في أمير المؤمنين وأصحابه الذين ارتدوا بعده من الخوارج، ومحاربيه يوم الجمل وصفين وغيره ".
واستمر لبيان أنها فيه، واستدل بأحاديث لا تصلح للاستدلال هنا، وبأخرى موضوعة، إلى أن قال: وبالجملة الأوصاف كلها موجودة فيه، ويؤيد كونها فيه قوله تعالى متصلاً بالآية المذكورة:
(1) ص 88، وجامع الكوفة فيه محراب أمير المؤمنين على رضي الله عنه، وفيه ضربه بالسيف الشقى اللعين عبد الرحمن بن ملجم. " راجع ما كتب عن المسجد ونظرة الشيعة في الجزء الرابع ". والمسجد الرابع هو الحاير الحسينى بكربلاء.
(2)
توفى سنة 993 هـ.
(3)
ص 10.
(4)
سورة المائدة: الآية 54.
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} مع إجماع المفسرين على أنها في شأنه (1) .
وفى كتاب الصلاة عاد الأردبيلى للحديث عن الآية الخامسة والخمسين من سورة المائدة {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} ليستدل بها على إمامة أمير المؤمنين، والأئمة الأحد عشر من ولده الذين تصدقوا في حال ركوعهم كذلك (2) .
وفى كتاب الطهارة ذكر قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (3) ، واستدل بها على وجوب عصمة الأئمة (4) .
وفى كتاب النكاح: ذكر أول سورة التحريم، وتحدث عن أسباب النزول، ثم قال: " وفى السبب شئ عظيم لحفصة، ولعائشة أعظم، حيث كذبت وغدرت وفتنت، وأمرت بهذه المناكير، وحصل الأذى للنبى صلى الله عليه وسلم بذلك (5) .
واستدلالاً بالآية الخامسة {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}
…
(1) انظر الكتاب ص 10 – 14، وراجع ما كتبته عن آية الولاية في الجزء الأول.
(2)
انظر ص 107 - 110.
(3)
سورة البقرة: الآية 124.
(4)
انظر 47 - 48.
(5)
ص 565.
قال: " وبالجملة هذه تدل على عدم اتصافهما بهذه الصفات، واتصاف غيرهما بها (1) .
وبعد ذلك تحدث عن ضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط، ثم قال:
…
" ولعل فيه تسلية للنبى وغيره من المؤمنين، بأنه لا يستبعد حصول امرأة غير صالحة للنبى وغيره، ودخولها النار، مع كون جسدها مباشراً لجسده، ووجود الزوجية، وهى صريحة في ذلك، والمقصود واضح فافهم. وكذا رجاء من يتقرب بتزويجه وزوجيته صلى الله عليه وسلم، ولهذا كانت أم حبيبة بنت أبى سفيان أخت معاوية أيضاً عنده صلى الله عليه وسلم، وهى أحدى زوجاته، وأبوها كان أكبر رءوس الكفار، وصاحب حروبه صلى الله عليه وسلم وأخرى صفية بنت حيى بن أخطب بعد أن أعتقها، وقد قتل أبوها على الكفر، وأخرى سودة بنت زمعة، وكان أبوها مشركاً ومات عليه، وقيل: قد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه قبل البعثة بكافرين يعبدان الأصنام"(2) .
(1) ص: 571.
(2)
ص 575، وجاء في الحاشية:" قيل هما رقية وزينب كانتا بنتى هالة أخت خديجة، ولما مات أبوهما ربيتا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسبتا إليه كما كانت عادة العرب في نسبة المربى إلى المربى. وهما اللتان تزوجهما عثمان بعد موت زوجيهما ".
وفى كتاب منهاج الشريعة، الذي ألفه محمد مهدى للرد على منهاج السنة النبوية
…
لابن تيمية، جاء الحديث عن أختى الزهراء رضي الله عنهن في أكثر من موضع، ومما قاله:" ما زعمه - أي ابن تيمية - من أن تزويج بنتيه لعثمان فضيلة له من عجائبه من حيث ثبوت المنازعة في أنهما بنتاه "" 2 / 289 ".
وقال: " لم يرد شئ من الفضل في حق من زعموهن شقيقاتها بحيث يميزن به ولو عن بعض النسوة "" 2 / 290 ".
وقال: " قد عرفت عدم ثبوت أنهما بنتا خير الرسل صلى الله عليه وسلم، وعدم وجود فضل لهما تستحقان به الشرف والتقدم على غيرهما "(2 / 291) .
ولا أدرى كيف يستطيع من يهاجم بنات النبي صلى الله عليه وسلم أن يزعم أنه محب لآل البيت؟ وكيف يقبل إخواننا الشيعة وجود أمثال هؤلاء بينهم؟