الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: الإجماع
هو المصدر الثالث من مصادر التشريع عند الجعفرية الرافضة، وقد يظن هنا إذن أنهم متفقون مع جمهور المسلمين، ولكن الواقع غير هذا لأن الإجماع عندهم في مفهومه وحجيته لا يخرج عن النطاق الجعفري وأئمة الجعفرية الاثنى عشرية: -
فالإجماع عند الجمهور يعنى " اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، في عصر من العصور بعد وفاته على حكم، وهذا التعريف: يخرج المجتهد المبتدع بما يكفر فلا يعتد بقوله وإن لم يعلم بكفر نفسه، لأنه لا يعد من الأمة، ولا يؤتمن على شئونها، أما المبتدع بما لا يكفر فالمختار دخوله فيمن يعتد بآرائهم من المجتهدين"(1) .
إذن الإجماع هنا ينظر فيه إلى الأمة التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم " لا تجتمع أمتى على ضلالة"(2) .
هذا بالنسبة لجمهور المسلمين، أما الجعفرية الاثنا عشرية فالإجماع عندهم يعنى شيئاً آخر، لأنهم لا ينظرون إلى المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما ينظرون إلى من دان بإمامة الأئمة الاثنى عشر، شريطة أن يكون الإجماع كاشفاً عن رأي الإمام، ما لم يكن الإمام داخلا بنفسه في المجمعين.
(1) أصول التشريع الإسلامي ص 110.
(2)
"حديث مشهور المتن، ذو أسانيد كثيرة وشواهد متعددة في المرفوع وغيره" المقاصد الحسنة للسخاوى ص 460 - وللجمهور أدلة كثيرة على حجية الإجماع لسنا بحاجة إلى ذكرها أو مناقشتها.
وكى نتبين هذا الرأي ننظر أولاً إلى حجية الإجماع عند الجعفرية. جاء في فوائد الأصول للخراسانى (3/ 52) :
" اختلفت مشارب الأعلام في مدرك حجية الإجماع المحصل (1) الذي هو أحد الأدلة الأربعة: فقيل إن الوجه في حجيته دخول شخص المعصوم في المجمعين، ويحكى ذلك عن السيد المرتضى.
وقيل إن قاعدة اللطف تقتضي أن يكون المجمع عليه هو حكم الله الواقعي الذي أمر المعصوم بتبليغه إلى الأنام، ويحكى ذلك عن شيخ الطائفة، وقيل إن المدرك في حجيته هو الحدس برأيه ـ أي الإمام ـ ورضاه بما أجمع عليه للملازمة العادية بين اتفاق المرءوسين المنقادين على شيىء وبين رضا الرئيس بذلك الشيء، ويحكى ذلك عن بعض المتقدمين.
وقيل إن حجيته لمكان تراكم الظنون من الفتاوى إلى حد يوجب القطع بالحكم كما هو الوجه في حصول القطع من الخبر المتواتر.
وقيل إن الوجه في حجيته إنما هو لأجل كشفه عن وجود دليل معتبر عند المجمعين ".
من هذا نرى أنهم على اختلاف مشاربهم يربطون الإجماع بالإمام بشخصه أو برأيه، وكذا بالنسبة للدليل المعتبر عندهم لا يخرج عن هذا، فهم يقولون بأن المجمعين لا يخرج الدليل الذي استندوا إليه عن السنة (بالمفهوم الجعفري) فلا
(1) الإجماع في الاصطلاح عند الجعفرية ينقسم إلى قسمين:
أـ الإجماع المحصل: والمقصود به الإجماع الذي يحصله الفقيه بتتبع أقوال أهل الفتوى.
ب ـ الإجماع المنقول: والمقصود به الإجماع الذي لم يحصله الفقيه بنفسه وإنما ينقله له من حصله من الفقهاء، سواء أكان النقل له بواسطة أم بوسائط، ثم النقل تارة يقع على نحو التواتر، وهذا حكمه حكم المحصل من جهة الحجية. وأخرى يقع على نحو خبر الواحد، وإذا أطلق قول الإجماع المنقول في لسان الأصوليين فالمراد منه هذا الأخير وقد وقع الخلاف بينهم في حجيته على أقوال. (أصول الفقه للمظفر 3/101) .
يصح أن يكون هذا الإجماع كاشفاً عن وجود دليل معتمد من أي أصل من أصول الفقه الأخرى عندهم (1) .
فالجعفرية الإمامية إذن ينظرون في الإجماع إلى الإمام نفسه لا إلى ذات الإجماع، قال علامتهم الحلى:" الإجماع إنما هو حجة عندنا لاشتماله على قول المعصوم، فكل جماعة كثرت أو قلت كان قول الإمام في جملة أقوالها فإجماعها حجة لأجله لا لأجل الإجماع "(2) .
وقال غيره: " أما الإجماع فعندنا هو حجة بانضمام المعصوم، فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجة، ولو حصل في اثنين لكان قولهما حجة لا باعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله "(3) .
ومادام الإمام عندهم يعتبر معصوماً وقوله سنة، فما جدوى الإجماع إذن؟ وما الفرق بينه وبين السنة؟ يوضح هذا أحد علمائهم إذ يقول:
" إن الإجماع بما هو إجماع لا قيمة علمية له عند الإمامية ما لم يكشف عن قول المعصوم
…
فإذا كشف على نحو القطع عن قوله فالحجة في الحقيقة هو المنكشف لا الكاشف فيدخل حينئذ في السنة ولا يكون دليلاً مستقلاً في مقابلها.
و
…
لم تثبت عندنا عصمة الأمة من الخطأ وإنما أقصى ما يثبت عندنا من اتفاق الأمة أنه يكشف عن رأي من له العصمة! فالعصمة في المنكشف لا في الكاشف.
وعلى هذا فيكون الإجماع منزلته منزلة الخبر المتواتر الكاشف بنحو القطع عن قول المعصوم، فكما أن الخبر المتواتر ليس بنفسه دليلاً على الحكم الشرعي
(1) انظر أصول الفقه للمظفر 3 / 97 ـ 98.
(2)
تهذيب الوصول ص 70، وانظر في هذا المعنى: تجريد الأصول ص 75، وزبدة البيان ص 687 والحقائق في الجوامع والفوارق ص 1/75.
(3)
المعتبر ص 6 ويلقبون القائل بالمحقق.
رأساً بل هو دليل على الدليل على الحكم، فكذلك الإجماع ليس بنفسه دليلاً بل هو دليل على الدليل.
غاية الأمر أن هناك فرقاً بين الإجماع والخبر المتواتر، فإن الخبر دليل لفظي على قول المعصوم، أي أنه يثبت به نفس كلام المعصوم ولفظه فيما إذا كان التواتر للفظ، أما الإجماع فهو دليل قطعي على نفس رأي المعصوم لا على لفظ خاص له، لأنه لا يثبت به ـ في أي حال ـ أن المعصوم قد تلفظ بلفظ خاص معين في بيانه للحكم.
ولأجل هذا يسمى الإجماع بالدليل اللبى، نظير الدليل العقلي، يعنى أنه يثبت بهما نفس المعنى والمضمون من الحكم الشرعي الذي هو كاللب بالنسبة إلى اللفظ الحاكى عنه الذي هو كالقشر له " (1) .
إذن فالإمام هو الأساس الذى ينبنى عليه الإجماع عند الجعفرية الإمامية.
ومن هنا نستطيع أن ندرك سبب نظر المحدثين - من علماء الشيعة - إلى الإجماع نظرة تباين ما كان عليه الأقدمون منهم، قال عالمهم المعاصر الشيخ مغنية: " اتفق المتقدمون على أن مصادر التشريع أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والعقل، وغالوا في الاعتماد على الإجماع حتى كادوا يجعلونه دليلاُ على كل أصل وكل فرع.
وعد المتأخرون لفظ الإجماع مع هذه المصادر ولكنهم أهملوه عملياً، ولم يعتمدوا عليه إلا نادراً، بل لم يعتمدوا عليه إلا منضماً مع دليل أو أصل معتبر". (2) ثم قال: " والخلاصة أن الإجماع المنقول ليس بحجة، والإجماع المحصل حجة شريطة أن يحصل من الصدر الأول إلى العصر الأخير، وقد اشتهر على ألسنة
(1) أصول الفقه للمظفر 3/92.
(2)
أصول الفقه للشيعة الإمامية بين القديم والحديث – بحث بمجلة رسالة الإسلام السنة الثانية– العدد الثالث، والمنقول تجده في ص 284:286.
رجال الدين في هذا العصر، وذهب مذهب المثل القول بأن الإجماع المنقول ليس بحجة والمحصل غير حاصل " (1) .
وقال الشيخ المظفر: " على كل حال لم تبق لنا ثقة بالإجماع فيما بعد عصر الإمام في استفادة قول الإمام على سبيل القطع واليقين "(2) .
(1) المرجع السابق ص 286.
(2)
كتابه " أصول الفقه 3/100 ".