الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد هذا البيان لنا أن نتساءل: أمسلم هو؟ أم أنه حزين لأن الله عزوجل قد حفظ القرآن وحفظ دينه؟ ولنا أيضاً أن نتساءل: لمصلحة من النفخ فيمن يحاول أن يهدم الإسلام؟ وكيف بمجلات تصدر فى بلاد الإسلام تفسح صدورها وصفحاتها لمثله وتلقبه بالمفكر الإسلامى؟!
ثالثاً: موقفه من السنة المطهرة
أوامر الله تبارك وتعالى جاءتنا فى كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله الأمين، والسنة وحى، وهى كالقرآن فى وجوب الاتباع، وذكرت ما بين هذا من قبل.
والمستشرقون من اليهود والصليبيين والملاحدة، والحاقدون على الإسلام والمسلمين، حاولوا أن يدكوا صرح الإسلام بالطعن فى الوحى من الكتاب
…
والسنة، وأهداف هؤلاء واضحة معلومة فلا عجب من مسلكهم، ولكن إن تعجب فعجب أن تجد ممن ينتسبون إلى الإسلام من مدهم بمعاول الهدم، ومن أصبح لهم تابعاً وبوقاً يردد أقواهم على أنها العلم الصحيح لا البهتان العظيم.
فذلك على بن إبراهيم القمى، المتوفى سنة 307 هـ، وهو من الفرق الإسلامية، له كتاب فى التفسير، بينت ما به من ضلال وزيغ فى الباب السابق، وعندما طعن المستشرقون فى كتاب الله العزيز اعتمدوا على تفسير القمى كما صرح بهذا المستشرق اليهودى جول تسيهر. وهذا كاتبنا يردد أقوال سادته، ولكن لأن الأمر يتعلق بكتاب الله المجيد لجأ إلى طريقته التى أشرت إليها آنفاً.
وأحمد أمين لم يأخذ بأقوال المستشرقين فى القرآن الكريم، ولكن أخذ شيئاً من أقوالهم فى السنة المطهرة ونسبه لنفسه كما صرح فى نصيحته للدكتور على حسن عبد القادر.
أما شجرته الخبيثة، ابنه حسين، فقد كان أسوأ من المستشرقين وأشد خطراً. ولم يتورع أن يأخذ عنهم أى شىء قالوه فى السنة، بل أضاف من الأكاذيب والمفتريات ما لا يليق بذى بقية من دين، أو مسكة من عقل.
وقد رأينا فريته بأن الشريعة الإسلامية قاصرة، والرسول غير معصوم، وهذا القول بداية حديثه عن السنة، ولو صح فلا سنة إذن عند المسلمين!
ولا حاجة لكتبها، ولا وزن للصحيحين ولا لكتب السنن الأربعة ولا لغيرها، فالحديث إذا ثبت ثبوت التواتر، وقطعنا بأنه قول الرسول الكريم، فما قيمة هذا الحديث إذا كان لرجل غير معصوم؟
وإذا كان الكفار لا يرونه معصوماً لأنهم لا يرونه رسولاً، فكيف ينطق بهذا الكفر من ينسب نفسه أو ينسبه أحد إلى الإسلام؟
والله عزوجل تعهد بحفظ كتابه المجيد نصاً وبياناً، وكان من تمام حفظ الكتاب حفظ السنة، ولهذا هيأ الله تبارك وتعالى من يحفظ سنة رسوله المصطفى، فلم تعرف البشرية فى تاريخها علماً نقل من جيل إلى جيل بالدقة التى نقلت بها السنة المطهرة. قال الإمام مسلم فى كتاب التمييز (ص171) وهو كتابه فى العلل:
" واعلم، رحمك الله، أن صناعة الحديث، ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم، إنما هى لأهل الحديث خاصة، لأنهم الحفاظ لروايات الناس العارفين دون غيرهم. إذ الأصل الذى يعتمدون لأديانهم السنن والآثار المنقولة، من عصر إلى عصر من لدن النبى صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا. فلا سبيل لمن نابذهم من الناس، وخالفهم فى المذهب، إلى معرفة الحديث ومعرفة الرجال من علماء الأمصار فيما مضى من الأعصار، من نقال الأخبار وحمال الآثار.
وأهل الحديث هم الذين يعرفونهم ويميزونهم حتى ينزلوهم منازلهم فى التعديل والتجريح. وإنما اقتصصنا هذا الكلام، لكى ننبه من جهل مذهب أهل الحديث ممن يريد التعلم والتنبه، على تثبيت الرجال وتضعيفهم، فيعرف ما الشواهد عندهم، والدلائل التى بها ثبتوا الناقل للخبر من نقله، أو سقطوا من أسقطوا منهم، والكلام فى تفسير ذلك يكثر " ا. هـ.
بمثل هذا نقل إلينا الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأصحاب كتب الحديث منهم من لم يلتزم بالوقوف عند الصحيح، وإنما نقل الصحيح وغير الصحيح،
وفى بعض الكتب نجد أحاديث موضوعة، ولكن الجهابذة من الأئمة الأعلام وضعوا من الشروط وألفوا من الكتب ما يجعل علماء أى عصر يستطيعون معرفة درجة كل حديث، وأى مسلم يستطيع أن يدرك هذه الحقائق متى عرف كيف دونت السنة من قبل عصر التدوين إلى ما بعده، وبالاطلاع على ما كتب فى علوم الحديث، والجرح والتعديل. والذين أثاروا الشبه حول السنة تصدى لهم من بين زيفها وبطلانها، ورأينا كلام الإمام الشافعى الممتع المقنع الذى هدى الله تعالى به من حاوره بعد الضلال.
وفى عصرنا بين كثير من العلماء أباطيل المستشرقين، أما الكاتب فنراه يأخذ بهذه الأباطيل، ويأخذ أيضاً بنصيحة أبيه، فيسطو على أقوالهم وينسبها لنفسه. بل سطا على أبيه (!!) فيما أخذه عنه عن المستشرقين، فلم يرده لأبيه ولا للمستشرقين.
وأقوال المستشرقين التى أشرت إليها من قبل يرددها حيث يقول: " وقد شرع الجيل التالى للصحابة، جيل التابعين، يجمع روايات أقوال النبى وأفعاله. مما كان شائعاً فى عصره، واتخذ من هذه السنة مصدراً ثانياً للشريعة " ويقول بعد هذا: " ثم بذلت المحاولات بعد ذلك من أجل رفع أحكام السنة إلى مصاف الأحكام القرآنية فيما يتصل بالتشريع، وقيل إن النبى إنما استنها بأمر من الله تعالى، وأنها نزلت عليه كما أنزلت آيات الذكر " ـ ثم يقول: "أدرك الفقهاء أنه ما من فرصة أمام الرأى لأن يصادف القبول لدى جمهور المؤمنين ما لم يستند إلى سنة متواترة، أو يزعم أن له أصلاً فى الحديث، ومن ثم فقد لجأ الفقهاء والعلماء إلى تأييد كل رأى يرونه صالحاً ومرغوباً فيه بحديث يرفعونه إلى النبى ".
هكذا ردد الكاتب أباطيلهم فرحاً بنسبتها لنفسه، منفذاً بحمق وجهل وصية أبيه، وهذا المسلم أما عرف موقف الصحابة الكرام من السنة المطهرة، وكيف أن أبا بكر الصديق توقف فى أحكام حتى وجدها فى السنة كمسألة الجدة.
والفاروق عدل من أحكام عندما بلغته السنة؟ وغير الشيخين من الصحابة رضى الله عنهم ورضوا عنه، الذين اعتصموا بالكتاب والسنة معاً، فلا إسلام بدونهما، ولا حكم إلا لهما، فكيف إذن يقول مسلم بأن السنة ليست مصدراً من مصادر التشريع وإنما لجأ إلى هذا التابعون، والفقهاء والعلماء هم الذين كذبوا على الله ورسوله فاختلقوا السنة؟ ! كيف يقول هذا مسلم؟ ولكن لا غرابة بعد أن عرفنا رأيه فى القرآن الكريم نفسه.
ولوضع الأحاديث واستباحة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أسباب كثيرة تحدث عنها العلماء. وكان من نتائج هذا ما رأيناه من جهود الأئمة الأعلام لحفظ السنة المطهرة، وتنقيتها من هذا الزيف. ومنذ وقت مبكر بدأ النظر فى الإسناد، فكما قال ابن سيرين: ما كانوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم.
أى أن الإسناد بدأوا ينظرون فيه فى عهد الخليفة الثالث ذى النورين رضى الله عنه عندما وقعت الفتنة، فإذا كان الراوى من ذوى الأهواء أو المجروحين لم يؤخذ عنه الحديث. وقال ابن سيرين أيضاً: لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
فليس الأمر كما قال المستشرقون وأبواقهم من أن السنة وضعت فى القرن الثانى، فالواقع العملى وكتب السنة، تشهد بكذبهم، ومن فضل الله سبحانه وتعالى على المسلمين أن وفق هؤلاء الأئمة، فكشفوا الوضّاعين، وبينوا علامات الوضع فى السند، وعلاماته فى المتن، وذكروا لنا كثيراً من هذه الأحاديث الموضوعة أفردت لها مؤلفات للتحذير منها، ونبه على بعضها فى مؤلفات أخرى جمعت بين الموضوع وغيره.
والكاتب لا يسلك المنهج العلمى فى كلامه عن أسباب الوضع، وإنما يأخذ شيئاً قليلاً من الأسباب الحقيقية ويخلطه بكلام المستشرقين، فيطعن فى أئمة أثبات أعلام، بل فى صحابة كرام بررة، ويبدو مضطرباً كاللص وهو يأخذ من هنا
وهناك، فيضرب أمثلة للوضع بأحاديث موضوعة وأخرى صحيحة، قد تصل إلى أعلى مراتب الصحيح، بعضها وصل إلى مرتبة التواتر، وفى موضع يطعن فى الإسناد ويقول: كان الاهتمام بالمتن، وفى موضع آخر يطعن فى المتن، ويقول: كان الاهتمام بالإسناد دون المتن. ويتحدث عن تزييف الأسانيد الصحيحة، وأن أى أحد يستطيع أن يقوم بهذا، وهو كلام يدل على جهل تام بعلم الإسناد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
والرد على ما بثه الكاتب من سموم وأكاذيب ومفتريات، يحتاج إلى سفر ضخم، ولكن بحسبنا أن نكشف حقيقته، ونبين موقفه من السنة الشريفة عند الله وعند المؤمنين، كما بينا موقفه المخزى من كتاب الله المجيد.
ويمكن أن يذكر هنا أقوال علماء الإسلام فى السنة المطهرة، وأقوال المعاصرين منهم فى الرد على المستشرقين الذين سرق الكاتب أكاذيبهم وشبههم، وواضح أن هذا يطول جداً، ولذلك نكتفى بذكر بعض الأمثلة، ونكتفى أيضاً بأخذ هذه الأمثلة من كتاب السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى للشيخ الدكتور مصطفى السباعى رحمه الله، فقد أبطل باطل المستشرقين وأحمد أمين أبى الكاتب وناصحه الأمين.
بدأ الدكتور السباعى حديثه عن السنة مع المستشرقين بعرض تاريخى لأغراض المستشرقين، وبين مدى خطر هؤلاء وأثرهم السيئ على من خدع بهم من المثقفين المسلمين.
ثم قال رحمه الله: ننتقل من هذه المقدمة الضرورية إلى بيان موقف المستشرقين من السنة وشبههم التى أثاروها حولها، والتى تأثر بها كثير من الكتاب المسلمين كما رأيت، ولعل أشد المستشرقين خطراً وأوسعهم باعاً، وأكثرهم خبثاً وإفساداً فى هذا الميدان، هو المستشرق اليهودى المجرى " جولد تسيهر ".
وذكر خلاصة قوله فى السنة وتشكيكه بها، ثم أخذ يفصل الجواب لهذه الخلاصة، دون تتبع لكل فقرة من الفقرات. فإن كتابه كما قال ـ يضيق عن الرد التفصيلى، وللعلم فإن الكتاب اقترب من خمسمائة صفحة.
هل كان الحديث نتيجة لتطور المسلمين؟
قال الدكتور السباعى رحمه الله تحت عنوان: هل كان الحديث نتيجة لتطور المسلمين: " يقول جولد تسيهر: إن القسم الأكبر من الحديث ليس إلا نتيجة للتطور الدينى والسياسى والاجتماعى للإسلام فى القرنين الأول والثانى! ولا ندرى كيف يجرؤ على مثل هذه الدعوى، مع أن النقول الثابتة تكذبه " وأخذ يثبت كذب هذا المفترى الحاقد. أما ابن أحمد أمين فقد أخذ الفرية وصاغها بأسلوبه كأنه صاحبها.
الأمويون وعلماء المدينة:
وانتقل الدكتور السباعى بعد هذا للرد على افتراءات اليهودى الحاقد حول دور الأمويين وعلماء المدينة فى وضع الأحاديث، وأن العلماء الأتقياء استجازوا الكذب دفاعاً عن الدين.
والمفتريات الذى ذكرها الدكتور السباعى وبين بطلانها وتهافتها أخذها (المفكر الإسلامى) كأنها من بنات أفكاره.
الإمام الزهرى:
قبل أن يتحدث الدكتور السباعى عن الإمام الزهرى ومكانته فى التاريخ، ليدفع الباطل قال رحمه الله: ـ
وهنا نجد من حقنا وواجبنا أن نزيح الستار عن مؤامرة هذا اليهودى المستشرق على أكبر إمام من أئمة السنة فى عصرة، بل على أول من دون السنة من التابعين، لنرى ما فيها من لؤم وخبث ودس وتحريف، وإنها لخطة مبيتة من
هذا المستشرق أن يهاجم أركان السنة واحداً بعد الآخر، فلقد هاجم أكبر صحابى روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبو هريرة رضى الله عنه.
وسترى كيف ناقشنا هذه الاتهامات التى أوردها الأستاذ أحمد أمين فى فجر الإسلام وتابع فيها المستشرق احتساباً لغير وجه الله تعالى، حتى إذا فرغ من تهديم أبى هريرة على زعمه جاء هنا لهدم ركن السنة فى عصر التابعين، حتى إذا تم له انهارت السنة بعد أن وجه إليها المعاول من ناحيتين، ناحية رواتها وأئمتها، وناحية الشك بها جملة، كما ترى صنيعه هنا، ولكن الله غالب على أمره، ولابد للحق من هزيمة الباطل مهما أوى الباطل إلى ظل ظليل وركن متين " (ص 206) .
والمؤامرة التى دبرها المستشرق وتابعه أحمد أمين فى جزء منها، أعادها كاملة غير منقوصة (المصلح الدينى!) ابن أحمد أمين " والله يعلم المصلح من المفسد ".
حديث لا تشد الرحال: المثل الذى أراد الكاتب أن يصل به إلى هدفه السيئ فى الطعن فى الإمام الزهرى، العلم الثبت الحجة العدل الضابط الذى لم يطعن فيه أحد قبل اليهودى المستشرق، وهو حديث " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد
…
" وقال: حين أراد الخليفة عبد الملك بن مروان بن الحكم صد الناس عن الحج إلى مكة خشية أن يجبر عدوه عبد الله بن الزبير الحجاج الوافدين من الشام على مبايعته خليفة للمسلمين، أسند إلى الزهرى ـ وهو الفقيه التقى الصالح ـ مهمة البحث عن حديث (أو اختلاق حديث) يضع الحج إلى بيت المقدس، بمثابة الحج إلى مكة، فكان إذا اشتكى الناس من خطر الحج إلى مكة أجابهم عبد الملك بقوله: هذا ابن شهاب الزهرى يحدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال.. إلخ.
واختلاق أن الإمام ابن شهاب الزهرى ـ وحاشاه ـ اختلق هذا الحديث هو من كلام اليهودى الخبيث المفترى، وذكر الدكتور السباعى هذه الفرية وقال: " فهذا
لعمرى عجب من أعاجيب الافتراء والتحريف والتلاعب بحقائق التاريخ " ثم أخذ يفند هذا الافتراء بأدلة منها سن الزهرى آنذاك، وأن نصوص التاريخ قاطعة بأنه فى عهد الزبير لم يكن يعرف عبد الملك ولا رآه بعد، وأهم من هذا أن الحديث روته كتب السنة كلها، وهو مروى عن طرق مختلفة غير طريق الزهرى: فقد أخرجه البخارى عن أبى سعيد الخدرى من غير طريق الزهرى، ورواه مسلم من ثلاث طرق إحداها من طريق الزهرى، وثانيتها من طريق جرير عن ابن عمير عن قزعه عن أبى سعيد، وثالثتها عن طريق ابن وهب عن عبد الحميد بن جعفر ابن عمران بن أبى أنس عن سلمان الأغر عن أبى هريرة، أى أن الإمام الزهرى لم ينفرد برواية الحديث كما زعم المستشرقون.
ومع أن هذه الأدلة وغيرها تثبت سخف هذا الافتراء الذى اختلقه اليهودى، إلا أن هذا المسلم ابن أحمد يذكر الفرية كحقيقة مسلمة دون نسبتها لمفتريها الأول، ودون نظر إلى الأدلة الواضحة البينة، ودون أن يعبأ بعقول المسلمين ومشاعرهم تجاه إمام أجمعت الأمة على إمامته وعلمه وفضله.
حديث اتخاذ الكلب للزرع: ـ
روى ابن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو ماشية انتقص من أجره كل يوم قيراطان، فقيل لابن عمر: إن أبا هريرة رضى الله عنهـ يزيد فى الرواية (أو كلب زرع)، فقال ابن عمر:" إن لأبى هريرة زرعاً ". اعتبر جولد قول ابن عمر نقداً لأبى هريرة، وقال أحمد أمين:" وهذا نقد من ابن عمر لطيف فى الباعث النفسى ".
وذكر الدكتور السباعى حديث أبى هريرة الذى ذكر فيه اتخاذ الكلب للزرع، وأشار إلى الكتب التى أخرجته كالصحيحين وغيرها، ثم قال: قد تعرض الشراح لزيادة أبى هريرة ومن وافقه فيها، وبينوا مراد ابن عمر من مقالته تلك فى أبى هريرة. قال الحافظ ابن حجر فى " فتح البارى " بعد أن بين
أن مراد ابن عمر تثبيت رواية أبى هريرة: " وقد وافق أبا هريرة على ذكر الزرع سفيان بن زهير وعبد الله بن مغفل، وهو عند مسلم. "
وقال النووى عند قول ابن عمر، إن لأبى هريرة زرعا:" ليس هذا توهيناً لرواية أبى هريرة ولا شكا فيها، بل معناه أنه لما كان صاحب زرع وحرث اعتنى بذلك وحفظه وأتقنه، والعادة أن المبتلى بشىء يتقنه عن غيره ويتعرف من أحكامه ما لا يعرف غيره، وقد ذكر مسلم هذه الزيادة وهى اتخاذه للزرع من رواية ابن مغفل ومن رواية سفيان بن زهير. وذكرها أيضا من رواية ابن الحكم واسمه عبد الرحمن بن أبى نعيم البجلى عن ابن عمر. فيحتمل أن ابن عمر لما سمعها من أبى هريرة وتحققها عن النبى صلى الله عليه وسلم رواها عنه بعد ذلك، وزادها فى حديثه الذى كان يرويه بدونها، ويحتمل أنه تذكر فى وقت أنه سمعها من النبى صلى الله عليه وسلم فرواها، ونسيها فى وقت، فتركها. والحاصل أن أبا هريرة ليس منفردا بهذه الزيادة، بل وافقه جماعة من الصحابة فى روايتها عن النبى صلى الله عليه وسلم، ولو انفرد بها لكانت مقبولة مرضية مكرمة. ".
وقال الدكتور السباعى بعد بيان الإمام النووى: هذا هو الوضع الصحيح للمسألة، ومنه تعلم أنه ليس فيها تكذيب ابن عمر لأبى هريرة فى تلك الزيادة، وبيان الباعث النفسى على اختلاقها ونسبتها إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وكيف يتصور هذا من ابن عمر وهو الذى اعترف بأن أبا هريرة كان أحفظهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وسيأتى معنا مزيد بيان لمكان أبى هريرة فى نفس ابن عمر ونفوس الصحابة جميعاً. أم كيف يذكرالأئمة قول ابن عمر ويخرجونه فى صحاحهم لو كان تكذيباً منه لأبى هريرة؟ أم كيف يعمل الفقهاء برواية أبى هريرة ويبنون عليها أحكامهم لو كان مراد ابن عمر تكذيبها وإنكارها؟ .
الواقع أنه ليس فى الأمر شىء من هذا، ولكن أمانة صاحب " فجر الإسلام " أبت عليه إلا أن يرى فيما صنع ابن عمر نقداً لطيفاً
…
لأبى هريرة
…
وبياناً للباعث له على هذه الزيادة، وتأبى عليه أمانته العلمية أيضا إلا أن يرشدنا إلى
موضوع هذا النقد من كتب الحديث، فيقول فى ذيل الصحيفة " انظر النووى على مسلم "، وأنت سمعت كلام النووى فهل سمعت فيه رائحة التكذيب من ابن عمر لأبى هريرة؟ بل ألم تره يرد على ما قد يخطر بالبال ردا قوياً واضحاً؟ ولك أن تتساءل بعد هذا: أهو لم يفهم عبارة النووى؟ أم فهمها ولكنه آثر رأى المستشرق اليهودى جولد تسيهر؟ (ص 287 ـ 289) . وابن أحمد أمين الذي ترعرع في هذه البيئة، جاء بعد كل هذا ليقول:
روى البخارى حديثاً يأمر النبى فيه بقتل كل الكلاب إلا كلاب الصيد، فلما قيل لعبد الله بن عمر: إن أبا هريرة يضيف إلى الحديث عبارة " أو الزرع " رد ساخراً بأن أبا هريرة إنما أضافها بعد أن أصبح صاحب مزرعة!
كذب الصالحين وتدليس المحدثين: ـ
ذكر الدكتور السباعى هنا كلاماً للمستشرق اليهودى، ثم فنده، ومما قاله: " أما ما نقله جولد تسيهر من قول وكيع عن زياد بن عبد الله البكائى من أنه كان مع شرفه فى الحديث ـ كذوباً ـ فهذه إحدى تحريفات هذا المستشرق الخبيث، فأصل العبارة كما وردت فى التاريخ الكبير للإمام البخارى: وقال ابن عقبة السدوسى عن وكيع: هو (أى زياد بن عبد الله) أشرف من أن يكذب. فأنت ترى أن وكيعا ينفى عن زياد بن عبد الله الكذب مطلقاً لا فى الحديث فحسب، وأنه أشرف من أن يكذب، فحرفها هذا المستشرق اليهودى إلى أنه كان مع شرفه فى الحديث كذوباً. وهكذا تكون أمانة هذا المستشرق. هذا ما قاله الدكتور السباعى رحمه الله، أما حسين أحمد أمين فيقول:
تحدث وكيع عن زياد بن عبد الله قائلاً: " إنه كان يكذب فى الحديث مع شرفه ". " وحسين لم ينسب هذا لليهودى حتى يمكن أن يقال مثلاً بأنه لم ينتبه لتحريفه وتضليله، ولكنه يذكر هذا كحقيقة يعرفها هو. فما أعظم أمانة اليهودى المستشرق وحسين معاً! وما أنبل هدفهما!!
وذكر الدكتور السباعى ما نقله المستشرق عن يزيد بن هارون " إن أهل الحديث بالكوفة فى عصره ما عدا واحداً كانوا مدلسين ".
ثم أخذ الشيخ يبين المراد باصطلاح التدليس عند المحدثين، والمقبول منه والمرفوض، والكلام فى التدليس مفصل فى كتب مصطلح الحديث، والمدلسون معروفون، والكلام عنهم مفصل فى كتب الجرح والتعديل.
وهذا المفكر المسلم كان أسوأ وأقبح من اليهودى اللعين، ويبدو أنه يجهل مفهوم التدليس، فبنى على ما قرأه لسيده المستشرق اليهودى قولاً يهدم ـ فى زعمه ـ كل صحيح ثابت ثبوت الجبال فى زعمه.
فقال: " أما الإسناد الذى من شأنه أن يكسب القول وقاراً وينيله التصديق، فكان أمره هيناً وشكلياً محضاً، فبوسع أى مختلق أن يدلس حديثاً ويصدره بسلسلة ذهبية من الإسناد، يراعى فيها الاتصال بين المحدث وكاتب الحديث، أو حتى دون أن يراعيه ". (ص 51)
فالكاتب يريد أن يهدم الإسناد الذى فاق به المسلمون البشرية جمعاء فيذكر هذا القول الجاهل. فالسلسلة الذهبية هى ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر، ولا تكون ذهبية إلا إذا كان من سمع من الإمام مالك عدلاً ضابطاً ثقة، وعادة لا يكون واحداً هو الذى سمع وإنما يكون الإمام أثبته فى الموطأ أو حدث به تلامذته، أو مجموعة من المسلمين. وإذا جاء مختلق ـ كما يقول الجاهل (المفكر المسلم!!) وقال: حدثنى مالك، فإن الحديث يكون موضوعاً غير مقبول لوجود هذا المختلق، فالحديث يحمل على أقل درجة فى رجال الإسناد. فإذا وجدنا حديثاً متصل الإسناد، وكل رواته فى أعلى مراتب التوثيق والعدالة والضبط ما عدا واحداً؛ وهذا الواحد مختلق، فالحديث يحمل على هذه الدرجة السفلى، فيحكم عليه علماء الحديث بأنه موضوع لا يجوز الاحتجاج به ولا يحل كتابته إلا على سبيل التحذير.