الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما الرأي فيما ذكر من كلام الشيخ الباقورى من أن الخلاف بينهم وبين المذاهب الأربعة كالخلاف بين أي مذهب وباقى المذاهب؟!
ونكتفي هنا بالتساؤل دون إجابة أو تعقيب، والله عز وجل يحفظ دينه.
ثانياً: اعتبار المذى والودى من موجبات الوضوء
أجمعت المذاهب الأربعةعلى اعتبار المذى والودى من موجبات الوضوء (1) ، وخالفهم في ذلك الإمامية الرافضة.
استدل الإمامية بروايات عن أئمتهم تفيد ما ذهبوا إليه. وبحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم، وهو أن علياً كان رجلاً مذاء، فاستحيا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكأن
فاطمة، فأمر المقداد أن يسأله وهو جالس، فسأله، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: ليس بشيء (2) .
وورد عن طريقهم أيضاً ما يعارض رأيهم فحملوه على التقية أو الاستحباب أو غير ذلك.
من هذا ما رووه عن أحد أئمتهم أنه سئل عن المذى أينقض الوضوء؟ قال: إن كان من شهوة نقض (3) .
فحمله شيخ الطائفة الطوسى على الاستحباب، ولكن نلاحظ أن كلمة " نقض " تنفي هذا الاحتمال، لأن النقض يوجب التطهر.
(1) انظر: المبسوط 1/67، المدونة 1/10، الأم 1/33 المغنى 1/165.
(2)
انظر: وسائل الشيعة 1/261-262 والاستبصار ص 91 جـ 1 وانظر كتاب الخلاف للطوسى 1 / 24.
(3)
انظر المرجعين السابقين: الأول ص 263، والثانى ص 93.
ورووا عن أبى عبد الله أنه قال: ثلاث يخرجن من الإحليل، وهن المنى وفيه الغسل والودى فمنه الوضوء لأنه يخرج من دريرة البول. قال: والمذى ليس فيه وضوء، إنما هو بمنزلة ما يخرج من الأنف. (1)
وأعجب تخريج لهذه الرواية هو حملها على التقية، فذلك الذي خاف على نفسه فقال تقية: إن الودى ينقض الوضوء، كيف ذهب عنه الروع وهو يخالف جمهور المسلمين بقوله: والمذى ليس فيه وضوء. إنما هو بمنزلة ما يخرج من الأنف.
وحديث المقداد ـ الذي سبق ـ ورد عن طريقهم برواية خرى ـ هي " عن على عليه السلام قال: كنت رجلاً مذاء، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان فاطمة عليها السلام بنته، لأنها عندى، فقلت للمقداد يمضى ويسأله، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم عن الرجل الذي ينزل المذي من النساء، فقال: يغسل طرف ذكره وأنثييه، وليتوضأ وضوءه للصلاة "(2) .
وهذه الرواية توافق الرواية التي احتج بها أهل السنة، فقد روى عن " المقداد ابن الأسود أن على بن أبى طالب أمره أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذى، ماذا عليه؟ قال على: فإن عندى ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا استحى أن اسأله.
قال المقداد: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة " (3) .
(1) انظر الوسائل 1/263-264.
(2)
انظر وسائل الشيعة جـ 1: المستدرك ص 265.
(3)
أخرجه مالك في الموطأ: كتاب الطهارة: باب الوضوء من المذى. وانظر صحيح ابن خزيمة 1/ 14: 16. ورواه غيرهما: انظر سبل السلام 1 / 64، ونيل الأوطار 1 / 63.
ويؤيده من طريق أهل السنة ما روى عن سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذى شدة وعناء. وكنت أكثر من الاغتسال، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" إنما يجزيك من ذلك الوضوء " رواه أبو داود وابن ماجه والترمذى وقال: حديث حسن صحيح (1) .
وعن عبد الله بن سعد قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بعد الماء؟ فقال: " ذلك المذى، وكل فحل يمذى، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة " رواه أبو داود والترمذى وحسنه (2) .
وحديث الوضوء من المذى متفق عليه (3) .
ويؤيد ذلك أيضاً من طريق الإمامية، ماروى عن على قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أمرت المقداد يسأله وهو يقول:
ثلاثة أشياء: منى ووذى، وودى، فأما المذى فالرجل يلاعب امرأته فيمذى ففيه الوضوء.
وأما الودى: فهو الذي يتبع البول يشبه المنى، ففيه الوضوء أيضاً.
وأما المنى: فهو الماء الدافق الذي يكون منه الشهوة، ففيه الغسل (4) .
وهذه الروايات لا يمكن حملها إلا على وجوب الوضوء، وقد صحت من الطريقين. أما ما روى من أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاب المقداد بقوله:" ليس بشيء "
(1) نيل الأوطار ص 62.
(2)
نفس المرجع 63.
(3)
انظر صحيح البخارى: كتاب الوضوء – باب من لم ير الوضوء الا من المخرجين من القبل والدبر، وكتاب الغسل – باب غسل المذى والوضوء منه، واقرأ شرح الحديث في فتح البارى.
وصحيح مسلم: كتاب الحيض – باب المذى.
(4)
وسائل الشيعة ج 1: المستدرك ص 265.
فهذا لم يثبت من طريق أهل السنة، ولو صح لأمكن الجمع بينه وبين هذه الأخبار بأن نقول: إن قوله " ليس بشيء " متعلق بالغسل لا بالوضوء، أي أنه لا يوجب الغسل، ففي رواية سهل بن حنيف السابقة " كنت أكثر منه الاغتسال فذكرت ذلك لرسول الله "، ووقع عند أبى داود والنسائى وابن خزيمة عن على بلفظ " كنت رجلاً مذاء فجعلت أغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهرى "(1) . وبهذا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين أن المذى لا يوجب الغسل، وهذا لا يتعارض مع وجوب الوضوء. ويؤيد ما ذهبت إليه ما رواه الشيعة عن على قال:
" إنى لمذاء، وما أزيد على الوضوء "(2) .
فأما ما رواه الشيعة عن أئمتهم من أن المذى لا يوجب الوضوء، فيمكن حمله على ما ذهب إليه الإمام مالك حيث قال:" إذا كان ذلك منه من سلس من برد أو ما أشبه ذلك قد استنكحه ودام به فلا أرى عليه الوضوء. وإن كان ذلك من طول عزبة إذا تذكر فخرج منه، أو كان إنما يخرج المرة بعد المرة، فأرى أن ينصرف فيغسل ما به ويعيد الوضوء "(3) .
ويؤيد هذا من طريق الشيعة ما روى عن محمد بن إسماعيل، عن أبى الحسن الرضا قال: سألته عن المذى فأمرنى بالوضوء منه، ثم أعدت عليه سنة أخرى، فأمرنى بالوضوء منه، وقال: إن علياً عليه السلام أمر المقداد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحيا أن يسأله، فقال: فيه الوضوء. قلت: وإن لم أتوضأ، قال لا بأس " (4) .
(1) انظر: سبل السلام 1/64.
(2)
وسائل الشيعة جـ 1 المستدرك ص 265.
(3)
المدونة 1/10، وقد ذهب الإمام إلى ذلك لأنه لا يوجب الوضوء على أصحاب الأعذار، كالمستحاضة، والسلس البول.
(4)
الوسائل 1/263، وانظر الاستبصار ص 92 جـ 1.*
*وبهذه الرواية أيد السيد محسن الحكيم ـ مرجع الشيعة السابق بالعراق ـ ما ذهب إليه من حمل الروايات التى تذكر أن من المذى الوضوء على الاستحباب (انظر كتابه: مستمسك العروة الوثقى 2/217-218) ولكنا وجدنا فيما سبق عدم جواز هذا الحمل، ثم إن هذه الرواية يمكن تخريجها كما نرى في التعقيب عليها.