الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه نماذج قليلة، نجد منها أكثر من عشرة آلاف فى كتاب واحد، وهى مع قلتها تكشف ضلال هؤلاء فى جرحهم وتعديلهم.
وأذكر هنا أن أحد هذه الكتب الثلاثة التى رزئ بها القرن الثالث وصل إليه المستشرقون، فاعتمدوا عليه فى طعنهم فى القرآن الكريم، وهكذا أخذ أعداء الله سلاحهم فى الطعن فى الإسلام من قوم انتسبوا للإسلام.
وأذكر أيضاً أن معاوية بن أبى سفيان، وهو من الأمناء، أحد كتاب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قام ابن الوزير اليمانى من الشيعة الزيدية، بتتبع أحاديثه، فوجد أن ما صح عنه من أحاديث الأحكام ثلاثون حديثاً كلها صحيحة مروية من طرق أخرى ليس فيها معاوية، كما لم يصح أى حديث عنه، فيه طعن فى على بن أبى طالب ـ رضى الله تعالى عنهم جميعاً. ولعل فى هذا ما يدمغ أولئك الطاعنين.
*****
فى عصر السيوطى
وفى هذه العجالة التى لا تهدف إلى الحصر والاستقصاء، ننتقل من القرن الثالث إلى القرن التاسع، فنرى الإمام السيوطى يؤلف كتاباً تحت عنوان " مفتاح الجنة فى الاحتجاج بالسنة ". وبين سبب تأليف كتابه فقال:
اعلموا ـ يرحمكم الله ـ أن من العلم كهيئة الدواء، ومن الآراء كهيئة الخلاء، لا تذكر إلا عند داعية الضرورة، وإن مما فاح ريحه فى هذا الزمان وكان دارساً ـ بحمد الله تعالى ـ منذ أزمان وهو أن قائلاً رافضياً زنديقاً أكثر فى كلامه أن السنة النبوية والأحاديث المروية ـ زادها الله علواً وشرفاً ـ لا يحتج بها، وأن الحجة فى القرآن خاصة، وأورد على ذلك حديث: " ما جاءكم عنى
من حديث فاعرضوه على القرآن ، فإن وجدتم له أصلاً فخذوا به وإلا فردوه. " (1)
(1) ذكر الإمام الشافعى فى رسالته، تحت باب العلل فى الأحاديث، قول قائل: أفتجد حجة على من روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فأنا قلته، وما خالفه فلم أقله "؟ وأجاب: فقلت له: ما روى هذا أحد يثبت حديثه فى شئ صغر ولا كبر، فيقال لنا: قد ثبتم حديث من روى هذا فى شىء. (الرسالة 224 ـ 225) . وقال السخاوى فى تخريج الحديث: قال الدارقطنى: إن أشعث تفرد به. انتهى
وهو شديد الضعف، والحديث منكر جداً. استنكره العقيلى وقال: إنه ليس له إسناد يصح. (المقاصد الحسنة 1 / 36) . وذكر العجلونى قول السخاوى، وقال: قال الصغائى: هو موضوع (انظر كشف الخفاء 1 / 86) . وقال ابن حزم فى رواية لحديث عرض السنة على القرآن: رواه الحسين بن عبد الله، وهوساقط متهم بالزندقة. (الإحكام المجلد الأول ص 250) وفى رواية أخرى رواها أشعث قال: أشعث بن بزار كذاب ساقط لا يؤخذ حديثه. (ص 252) وتتبع الروايات المختلفه للحديث، وبين سبب رفضه لها، ثم قال: أول ما نعرض على القرآن الحديث الذى ذكرتموه، فلما عرضناه وجدنا القرآن يخالفه، قال الله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} . وقال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} . وقال تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ} . ونسأل قائل هذا القول الفاسد: فى أى قرآن وجد أن الظهر اربع ركعات؟ وأن المغرب
…
إلخ (ص 252 ـ 253) ثم قال ابن حزم: ولو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا فى القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة، ولكن لا يلزمه إلا ركعه ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر فى ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم ". (ص 253 ـ 254 من الإحكام المجلد الأول) . *وقال الشيخ شاكر فى تخريج الحديث: هذا المعنى لم يرد فيه حديث صحيح ولا حسن، بل وردت فيه ألفاظ كثيرة، كلها موضوع أو بالغ الغاية فى الضعف، حتى لا يصلح شىء منها للاحتجاج أو الاستشهاد. ثم أفاض فى بيانه ـ انظر حاشية ص 224، 225 من الرسالة.
هكذا سمعت الكلام بجملته منه، وسمعه منه خلائق غيرى، فمنهم من لا يلقى لذلك بالاً، ومنهم من لا يعرف أصل هذا الكلام، ولا من أين جاء.
فأردت أن أوضح للناس أصل ذلك، وأبين بطلانه، وأنه من أعظم المهالك.
فاعلموا ـ رحمكم الله ـ أن من أنكر كون حديث النبى صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف فى الأصول حجة، كفر وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى، أو مع من شاء الله من فرق الكفرة.
روى الإمام الشافعى ـ رضى الله عنه ـ يوماً حديثاً، وقال إنه صحيح، فقال له قائل: أتقول به يا أبا عبد الله؟ فاضطرب وقال: يا هذا! أرأيتنى خارجاً من كنيسة؟ أرأيت فى وسطى زناراً؟ أروى حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به؟
وأصل هذا الرأى الفاسد أن الزنادقة وطائفة من الرافضة ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة والاقتصار على القرآن، وهم فى ذلك مختلفو المقاصد، فمنهم من كان يعتقد أن النبوة لعلى وأن جبريل عليه السلام أخطأ فى نزوله إلى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، ومنهم من أقر للنبى صلى الله عليه وسلم بالنبوة، ولكن قال: إن الخلافة كانت حقاً لعلى
…
إلخ.
ثم قال السيوطى بعد ذلك:
وهذه آراء ما كنت أستحل حكايتها، لولا ما دعت إليه الضرورة من بيان أصل هذا المذهب الفاسد الذى كان الناس فى راحة منه من أعصار.