الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمسكتم به لن تضلوا بعدى، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتى أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفونى فيهما ". (حسن غريب) .
مناقشة الروايات
هذه هي روايات التمسك بالكتاب والعترة، وبالنظر فيها نجد ما يأتي: -
عن أبى سعيد الخدري خمس روايات، الأربع الأولى من المسند، والثانية من سنن الترمذي، وهذه الروايات كلها يرويها عطية عن أبى سعيد.
وعطية هو " عطية بن سعد بن جنادة العوفى " والإمام أحمد نفسه - صاحب المسند - تحدث عن عطية وعن روايته عن أبى سعيد فقال بأنه ضعيف الحديث، وأن الثوري وهشيما كانا يضعفان حديثه، وقال: بلغنى أن عطية كان يأتي الكلبى فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنيه بأبى سعيد فيقول: قال أبو سعيد فيوهم أن الخدري.
وقال ابن حبان: سمع عطية من أبى سعيد الخدري أحاديث فلما مات جعل يجالس الكلبى، فإذا قال الكلبى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فيحفظه، وكناه أبا سعيد، وروى عنه، فإذا قيل له: من حدثك بهذا؟ فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد الكلبى، قال: لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب.
وقال البخاري في حديث رواه عطية: أحاديث الكوفيين هذه مناكير، وقال أيضاً: كان هشيم يتكلم فيه. وقد ضعفه النسائي أيضاً في الضعفاء، وكذلك أبو حاتم. ومع هذا كله وثقه ابن سعد فقال: " كان ثقه إن شاء الله، وله أحاديث
صالحة، ومن الناس من لا يحتج به ". وسئل يحيى بن معين: كيف حديث عطية؟ قال: صالح (1)
وما ذكره ابن سعد وابن معين لا يثبت أمام ما ذكر من قبل. وقد يقُال هنا: إذا كان الإمام أحمد يرى ضعف حديث عطية فلماذا روى عنه؟
والجواب أن الإمام إنما روى في مسنده ما اشتهر، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم. ويدل على ذلك أن ابنه عبد الله قال: قلت لأبى: ما تقول في حديث ربعى بن خراش عن حذيفة؟ قال: الذي يرويه عبد العزيز بن أبى رواد؟ قلت: نعم، قال الأحاديث بخلافه، قلت: فقد ذكرته في المسند؟ قال: قصدت في المسند المشهور، فلو أردت أن أقصد ما صح عندي لن أرو من هذا المسند إلا الشئ اليسير. وقد طعن الإمام أحمد في أحاديث كثيرة من المسند، ورد كثيراً مما روى، ولم يقل به، ولم يجعله مذهباً له (2) .
وعندما عد ابن الجوزي من الأحاديث الموضوعة أحاديث أخرحها الإمام أحمد في مسنده، وثار عليه من ثار، ألف ابن حجر العسقلانى كتابه " القول المسدد في الذب عن المسند "، فذكر الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي، ثم أجاب عنها، ومما قال: " الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شئ من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام، والتساهل في إيرادها مع ترك البيان بحالها شائع، وقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا: إذا روينا في الحلال والحرام شددنا. وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا. وهكذا حال هذه الأحاديث (3) .
وما ذكره ابن حجر ينطبق على الأحاديث المروية في فضائل أهل البيت والتمسك بالعترة.
(1) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال.
(2)
انظر المسند تحقيق شاكر – طلائع الكتاب 1/75.
(3)
ص 11 من القول المسدد.
الرواية الثانية للترمذى رواها عن على بن المنذر الكوفي، عن محمد بن فضيل، ثم انقسم السند إلى طريقين: انتهى الأول إلى عطية عن أبى سعيد، والثانى إلى زيد بن أرقم، ولا يظهر هنا أي السندين هو الأصل. وإذا نظرنا إلى الروايات الأربع السابقة التي رواها عطية عن أبى سعيد نجد توافقاً تاماً في المعنى وفى كثير من اللفظ بينها وبين هذه الرواية، مما يرجح أن هذا الطريق هو الأصل، وهو المذكور أولاً في الإسناد، ومن قبل تحدثنا عما رواه الإمامان أحمد ومسلم عن زيد بن أرقم بطرق متعددة وفى تلك الروايات ذكر قوله صلى الله عليه وسلم " وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به " فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال:" وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي "(1) .
وهذا يتفق بعض الشئ مع رواية الترمذي، لكن بينهما اختلاف كبير يستوجب عدم الجمع، مما يجعلنا نطمئن إلى ضم رواية الترمذي إلى الروايات الأربع التي رواها عطية عن أبى سعيد، واستبعادها عن روايات زيد بن أرقم إلا في موضع الاتفاق.
والذى جمع بين الطريقين في هذا الإسناد على بن المنذر الكوفي أو محمد بن فضيل، ولكن الثانى روى عنه مسلم في إحدى رواياته السابقة عن زيد بن أرقم، فيُستبعد الجمع عن طريقه. فلم يبق إلا على بن المنذر، وهو من شيعة الكوفة. قال ابن أبى حاتم: سمعت منه مع أبى، وهو صدوق ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن نمير: هو ثقة صدوق. وقال الدار قطنى: لا بأس به، وكذا قال مسلمة بن قاسم، وزاد: كان يتشبع.
(1) راجع صحيح مسلم – كتاب فضائل الصحابة – باب من من فضائل على بن ابى طالب رضي الله تعالى عنهم، والمسند 4/366-367.
وقال الإسماعيلى: في القلب منه شىء لست أخيره. وقال ابن ماجه: سمعته يقول: حججت ثمانياً وخمسين حجة أكثرها راجلاً (1) .
وما سمعه منه ابن ماجه يجعلنا نتردد كثيراً في الاحتجاج بقوله: فكيف يقطع آلاف الأميال للحج ثمانياً وخمسين مرة أكثرها راجلاً؟ ليس من المستبعد إذن أن يجمع راوٍ شيعي كهذا روايتين في مناقب أهل البيت تتفقان في شىء وتختلفان في شىء آخر، وهذا يجعلنا نزداد اطمئناناً إلى ما انتهينا إليه من جعل هذه الرواية مع الروايات الأخرى لعطية عن أبى سعيد، وفصلها عن روايات زيد بن أرقم.
على أن هذه الرواية فيها ضعف آخر. وهو الانقطاع في موضعين، فالأعمش وحبيب بن أبى ثابت مدلسان. وهما يرويان بالعنعنة. فلم يثبت سماع كل منهما هنا.
والأعمش وحبيب من الثقات. وثبت سماع الأعمش من حبيب، وسماع حبيب من زيد بن أرقم. إلا أن في هذه الرواية لم يثبت السماع، والأعمش فيه تشيع وهو كوفى، وحبيب كوفى أيضاً، وفى بيئة الكوفة يمكن أن تشيع مثل هذه الأحاديث دون دقة أو تمحيص.
وحبيب نفسه قال لابن جعفر النحاس: إذا حدثني رجل عنك بحديث، ثم حدثت به عنك كنت صادقاً (2) .
فحبيب كان صادقاً ليس بكاذب، إلا أنه أبان عن رأيه، فليس من الكذب عنه أن يسمع من راوٍ عن آخر، فيروى عن الآخر مباشرة بما لايفيد السماع منه.
(1) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب.
(2)
الأعمش هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلى، مولاهم أبو محمد الكوفي. انظر ترجمته وترجمة حبيب في تهذيب التهذيب. وميزان الاعتدال.
وفى المستدرك روى الحاكم (1) هذا الحديث بما يفيد سماع الأعمش من حبيب. وهذا ما يحتاج إلى مراجعة الإسناد الذي ذكره، وما أكثر رجاله. غير أننا لسنا مضطرين إلى بذل هذا الجهد، فإن ثبت سماع الأعمش بقى أكثر من موطن ضعف. والحاكم ذكر الحديث بروايتين: -
إحداهما في إسنادها الإمام أحمد بن حنبل، وسيأتي أنه هو نفسه ضعف الحديث كما ذكر ابن تيمية، والأخرى بين الذهبي وهَىْ إسنادها (2) }
{) .
القاسم بن حسان العامرى الكوفي روى الروايتين الخامسة والسادسة من المسند عن زيد بن ثابت، ورجح المرحوم الشيخ أحمد شاكر توثيقه وقال:
" وثقة أحمد بن صالح، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وذكر البخاري في الكبير اسمه فقط، ولم يذكر عنه شيئاً، وترجمه ابن أبى حاتم في الجرح والتعديل فلم يذكر فيه جرحاً، ثم نقل عن المنذرى أن البخاري قال: القاسم بن
(1) هو عبد الله بن عبد الله الضبى النيسابورى. ولد سنة 321 هـ وجاوز الثمانين حيث توفى سنة 405 هـ. قال عنه ابن حجر في لسان الميزان: إمام صدوق ولكنه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة فيكثر من ذلك، فما أدرى هل خفيت عليه؟ فما هو ممن يجهل ذلك. وإن علم فهو خيانة عظيمة
ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرض للشيخين. والحاكم أجل قدراً وأعظم خطراً وأكبر ذكراً من أن يذكر في الضعفاء. ولكن قيل في الاعتذار عنه أنه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره. وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له، وقطع بترك الرواية عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصححها.
(2)
انظر المستدرك 3/109 - 110.
وهذا الحديث من الأحاديث التي أنكرها عليه أصحاب الحديث، ولم يلتفتوا إلى تصحيحه.
…
(راجع ترجمته بشئ من التفصيل في التذكرة التي كتبت في صدر كتابه معرفة علوم الحديث للدكتور السيد معظم حسين) .
حسان سمع من زيد بن ثابت، وعن عمه عبد الرحمن بن حرملة، وروى عنه الركين بن الربيع، لم يصح حديثه في الكوفيين ".
ثم عقب شاكر على هذا بقوله " والذى نقله المنذرى عن البخاري في شأن القاسم بن حسان لا ادرى من أين جاء به، فإنه لم يذكر في التاريخ الكبير إلا اسمه فقط كما قلنا، ثم لم يترجمه في الصغير، ولم يذكره في الضعفاء، وأخشى أن يكون المنذرى وهم فأخطأ، فنقل كلام ابن أبى حاتم بمعناه منسوباً للبخاري، وأنا أظن أن قول البخاري في عبد الرحمن بن حرملة " لا يصح حديثه " إنما مرده إلى أنه لم يعرف شيئاً عن القاسم بن حسان، فلم يصح عنده لذلك حديث عمه عبد الرحمن "(1)
وفى توثيق القاسم بن حسلن نظر، فابن حبان ذكره أيضاً في أتباع التابعين ومقتضاه أنه لم يسمع من زيد بن ثابت، وقال ابن القطان: لايعرف حاله (2) .
والبخاري ذكر اسمه فقط في التاريخ الكبير، وليس في هذا توثيق ولا تضعيف. وفى الجرح والتعديل حقيقة لم يذكر فيه جرحاً، ولكن لم يذكر فيه كذلك تعديلاً. وإذا كان الظن بأن البخاري ضعف عبد الرحمن بن حرملة من أجل القاسم، فمن باب أولى أن يدخل القاسم في الضعفاء، ويبقى هنا الإشكال وهو أن البخاري لم يذكره في الضعفاء، ولم يذكر فيه جرحاً في كتبه الأخرى المذكورة، فمن أين جاء المنذرى بما نقله عن البخاري؟
لعل المرحوم الشيخ شاكراً كان يتردد فيما كتب لو عرف أن البخاري له كتاب كبير في الضعفاء يقع في تسعة أجزاء، وهو مخطوط ولا يوجد منه نسخ
(1) انظر المسند ج 5 التعليق على الرواية 3605، وهذه غير روايات العترة.
(2)
انظر ترجمته في تهذيب التهذيب.
في مصر، فلم لا يكون المنذرى نقل منه (1) ؟ وفاته كذلك أن يقرأ ترجمة القاسم في ميزان الاعتدال، فقد نقل الذهبي عن البخاري أن القاسم بن حسان حديثه منكر ولا يعرف (2) ، وهذا قول لا يحتمل الوهم. فلا شك أن المنذرى والذهبي قد رجعا لما لم يتيسر لنا الرجوع إليه، وأغلب الظن - إن لم يكن من المؤكد - أنهما نقلا عن كتاب الضعفاء الكبير للبخاري.
لم يبق إذن إلا الرواية الأولى للترمذى، وفى سندها زيد بن الحسن الأنماطى الكوفي، الذي روى عن الإمام الصادق عن أبيه عن جابر بن عبد الله، قال أبو حاتم عن زيد هذا: كوفى قدم بغداد، منكر الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات (3) .
وخطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع رواها مسلم بسند صحيح عن الإمام الصادق عن أبيه عن جابر، وليس فيها " وعترتى أهل بيتي "(4) ، وهذه الخطبة رويت عن جابر بطرق متعددة في مختلف كتب السنة، وليس فيها جميعاً ذكر لهذه الزيادة (5) .
(1) في الحديث عن أحد الرواة قال العلامة المرحوم أحمد شاكر: " نقل الحافظ في التهذيب أن البخاري ذكره في الضعفاء، ولم أجد فيه ". وهذا يؤيد أنه لم يسمع بكتاب الضعفاء الكبير للبخاري – انظر قوله في الحديث عن الرواية رقم 646 بالجزء الثانى من المسند.
(2)
يطلق البخاري " منكر الحديث " على من لا تحل الرواية عنه، أما عند غيره فمنكر الحديث في درجة ضعيف الحديث – انظر: قواعد في علوم الحديث للتهانوى ص 258، وانظر كذلك تدريب الراوى 1/349 وحاشية ص 347 وميزان الاعتدال 1/6.
(3)
نظر ترجمته في تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال.
(4)
راجع صحيح مسلم – كتاب الحج – باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
انظر حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها جابر بن عبد الله ص 40-45.