الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأيمن، ثم أراني وقت العصر وكان ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس، ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق، ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشتبكة، فصل لهذه الأوقات، والزم السنة المعروفة، والطريق الواضح " (1) .
وقد احتج أحد علمائهم على مانعي الجمع لغير عذر بروايات السنة التي أباحت ذلك، وقال في آخر كلمته:" لا كلام في أن التفريق أفضل، ولذلك كان يؤثره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا لعذر كما هي عادته في المستحبات كلها "(2) .
فإذا كانت هذه حقيقة لا كلام فيها، فعلى أي أساس إذن يجمع الشيعة دائماً بين الصلاتين؟؟
*****
ثانيا: الأذان
ينحصر الخلاف هنا في أن الشيعة يزيدون " حي على خير العمل " مرتين بعد " حي على الفلاح "، ويثنون لا إله إلا الله، وحاليا يزيدون الشهادة بالولاية بعد الشهادتين.
وحجة الشيعة روايات عن أئمتهم تفيد ذلك (3) .
وقالوا: إن " حى على خير العمل " كان موجوداً فى الأذان والإقامة إلى عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو الذى أسقطها رغبة منه فى إعلام الناس بأن خير العمل إنما هو الجهاد فى سبيل الله، وقد كان عصره عصر فتوحات، فلو
(1) انظر المرجع السابق ص 170.
(2)
انظر: رسالة الإسلام ـ العدد الثامن، السنة السابعة (رمضان سنة 1374) : الجمع بين الصلاتين للسيد شرف الدين الموسوى ص 148 وما بعدها.
(3)
انظر: الاستبصار جـ 1 ص 305 وما بعدها.
عرف الناس أن الصلاة خير العمل مع ما فيها من الدعة والسلامة لاقتصروا فى ابتغاء الثواب عليها، وأعرضوا عن خطر الجهاد المفضول بالنسبة إليها، وفتح الممالك لا يكون إلا بتشويق الجند إلى التورط فى سبيله بالمهالك، بحيث يشربون فى قلوبهم الجهاد، حتى يعتقدوا أنه خير عمل يرجونه يوم الميعاد، فقدم المصلحة على التعبد بما جاء به الشرع الأقدس، وقد تبعه فى إسقاطها عامة من تأخر عنه من المسلمين، حاشى أهل البيت ومن يرى رأيهم " (1) .
وروى أن ابن عمر كان يؤذن بحى على خير العمل أحياناً، وعن على بن الحسين أنه قال: هو الأذان الأول، وعن زيد بن أرقم أنه أذن بذلك، وروى بذلك عن أمامة بن سهيل البدرى (2) .
ويلعب الخيال الشيعى دوره، ويجد الوضاعون مجالا لهم هنا، فيروى أن الإمام السابع موسى الكاظم سئل عن (حي على خير العمل) لم تركت من الأذان؟ فقال:" أما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالا على الصلاة، وأما الباطنة فإن خير العمل الولاية، فأراد من أمر بترك (حى على خير العمل) من الأذان ألا يقع حث عليها، ودعاء إليها "(3) .
وسواء قال الإمام ذلك أو لم يقله، فهو طعن فى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتعصب جاهل لمبدأ دخيل، وإذا كانت الولاية خير العمل فلم لم يوضح ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وكيف حرم منها الصفوة الصافية من سلف المسلمين رضوان الله عليهم؟ وكيف أن عمر الفاروق يعلم بأن الولاية خير عمل فيقدم على أمر فيه مخالفة لله سبحانه ولرسوله عليه الصلاة والسلام؟
لقد ذكرنا من قبل أن الشيعة جميعهم ليس فيهم من يصل إلى مكانة عمر رضي الله عنه باعتراف أبى الأئمة على كرم الله وجهه، ولكن العداء للإسلام،
(1) انظر: الفصول المهمة ص 89 ـ 92.
(2)
انظر: نيل الأوطار 2 / 19.
(3)
الحقائق جـ 2 ص 145.
ولرافعى رايته من خيرة المسلمين، هو الذى دفع هؤلاء إلى الطعن في شخصية ارتبط اسمها بالعدالة الإسلامية، وبالدفاع عن الدين، ونشره في العالمين.
ويبقى بعد ذلك أن روايات الشيعة يعارضها الأحاديث الصحيحة في كتب السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فليس في شيء منها ما يدل على ثبوت حي على خير العمل، وليس فيها أن عمر رضوان الله عليه أو غيره هو الذى أسقط ذلك، فالأذان كما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم يتفق مع ما ذهب إليه أصحاب المذاهب الأربعة (1) .
ولا خلاف في أن الأذان المشروع هو ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد أن يزيد فيه أو ينقص منه.
ولكنني عندما سمعت آذانهم وجدتهم يزيدون بعد الشهادتين " أشهد أن علياً ولى الله، أشهد أن علياً أمير المؤمنين وأولاده المعصومين حجة الله ".
بحثت فى كتاب " مستمسك العروة الوثقى " للمرجع السابق السيد محسن الحكيم، فوجدته يقرر أن الشهادة بالولاية ليست جزءاً من الأذان والإقامة بلا خلاف ولا إشكال، وينقل عن محكى الفقيه قوله: (هذا هو الأذان الصحيح، لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارا زادوا بها فى الأذان:" محمد وآل محمد خير البرية " مرتين، وفى بعض رواياتهم بعد " أشهد أن محمداً رسول الله "" أشهد أن علياً ولى الله " مرتين.
ومنهم من روى بدل ذلك " أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً " مرتين، ولا شك فى أن علياً ولى الله، وأمير المؤمنين حقاً، وأن محمداً وآله صلى الله عليهم خير البرية، لكن ليس ذلك فى أصل الأذان) .
(1) ارجع إلى: المبسوط 1 / 127 ـ 129، والمدونة 1 / 57 ـ 58، والأم 1 / 73 ـ 74، والمغنى 1 / 418 ـ 422، وانظر كذلك: نيل الأوطار 2 / 15 ـ 26. وصحيح مسلم ـ كتاب الصلاة: باب صفة الأذان، وصحيح البخارى ـ كتاب الأذان ـ وصحيح ابن خزيمة ـ جماع أبواب الأذان والإقامة.
وقال: " وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم فى جملتنا ".
وعن الشيخ فى محكى النهاية " فأما ما روى فى شواذ الأخبار من قول: أن علياً ولى الله وآل محمد خير البرية، فمما لا يعمل عليه فى الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً ".
ونقل عن المبسوط: " وأما قول: أشهد أن علياً أمر المؤمنين وآل محمد خير البرية ـ على ما ورد في شواذ الأخبار ـ فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله ".
وعن المنتهي: " وأما ما روى من الشاذ من قوله: أن علياً ولى الله وأن محمدا وآله خير البرية ـ فمما لا يعول عليه "(1) .
ولكن السيد الحكيم عقب على ذلك بقوله: " الظاهر من المبسوط إرادة نفى المشروعية بالخصوص، ولعله أيضا مراد غيره، لكن هذا المقدار لا يمنع من جريان قاعدة التسامح على تقدير تماميتها في نفسها، ومجرد الشهادة بكذب الراوي لا يمنع من احتمال الصدق الموجب لاحتمال المطلوبية، كما أنه لا بأس بالإتيان به بقصد الاستحباب المطلق لما في خبر الاحتجاج " إذا قال أحدكم: لا إله إلا الله محمد رسول الله. فليقل: على أمير المؤمنين، بل ذلك في هذه الإعصار، معدود من شعائر الإيمان، ورمزا إلى التشيع، فيكون من هذه الجهة راجحاً شرعاً، بل قد يكون واجباً، لكن لا بعنوان الجزئية من الأذان. ومن ذلك يظهر وجه ما في البحار من أنه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان: بشهادة الشيخ والعلامة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها " (2) .
(1) راجع ما سبق في مستمسك العروة الوثقى جـ 5 ص 437 ـ 438. والمبسوط، وغيره من الكتب التى ذكرت، لعلماء من الشيعة.
(2)
المرجع السابق 5 / 438.