الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووجدنا من الشيعة الاثنى عشرية أنفسهم من ينكر هذه العقيدة الخرافية (1) .
فهى إذن ليست من المبادئ المجمع عليها، ونحن نرى أن الصواب مع أولئك الذين أنكروها، وأن من قال بها فقد أدخل على الإسلام ما هو منه براء (2) .
رابعاً: التقية
نقول: اتقيت الشئ وَتقَيْته أتَّقِيته وأتقْيٍةٍ تُقىّ وتقَّية وِتقاء: أي: حِذَرْته (3) ومنها قوله تعالى (4) :
" لَاّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً "
وفى قراءة: " تقية "(5)
ومعنى هذا أن الله سبحانه قد أباح للمؤمنين: إذا خافوا شر الكافرين أن يتقوهم بألسنتهم، فيوافقوهم بأقوالهم وقلوبهم مطمئنة بالإيمان.
وقد اتخذت الشيعة التقية مبدأ من مبادئها، و" معنى التقية التي قالوا بها أن تقول أو تفعل غير ما تعتقد لتدفع الضرر عن نفسك، أو مالك، أو لتحتفظ بكرامتك، كما لو كنت بين قوم لا يدينون بما تدين، وقد بلغوا الغاية في التعصب،
(1) انظر جوامع الكلم 1/13، 41 والشيعة والتشيع ص 55، وضحى الإسلام 3/242، والإمام الصادق ص 240.
(2)
راجع مناقشة هذه العقيدة، وبيان بطلانها بالأدلة العقلية والنقلية في كتاب: مختصر التحفة الاثنى عشرية ص 200-203
(3)
انظر القاموس المحيط ولسان العرب مادة " وقى ".
(4)
آل عمران: الآية 28.
(5)
انظر: تفسير البيضاوى ص 70، وإملاء ما من به الرحمن للعكبرى 1/130.
بحيث إذا لم تجارهم في القول والفعل تعمدوا إضرارك والإساءة إليك. فتماشيهم بقدر ما تصون به نفسك، وتدفع الأذى عنك، لأن الضرورة تقدر بقدرها " (1) .
واستدلوا على صحة هذا المبدأ بالآية الكريمة السابقة، وبقوله تعالى:(2)
" إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ "
وبقصة عمار، فقد أخذه المشركون ولم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير، ولم يؤثر ذلك في إيمانه، إلى غير ذلك من الأدلة التي تبيح للمؤمن أن يظهر غير ما يضمر حفاظاً على حياته أو عرضه (3) .
والتقية في هذه الصورة لا تتعارض ومبادئ الإسلام، فلا ضرر ولا ضرار، والضرورات تبيح المحظورات.
ومن يرجع إلى التاريخ ير من الأهوال التي نزلت بالشيعة ما تقشعر منه الأبدان، وتأباه النفوس المؤمنة.
ونذكر على سبيل المثال: كتاب مقاتل الطالبيين لأبى الفرج الأصفهانى، فقد ترجم فيه لنيف ومائتين من شهداء الطالبين!
فمن العبث إذن أن يعرض الإنسان حياته للهلكة دون أن يكون من وراء ذلك وصول إلى هدف مقدس، أو غاية شريفة.
ويرى الإمامية أن " العمل بالتقية له أحكامه الثلاثة "
فتارة يجب كما إذا كان تركها يستوجب تلف النفس من غير فائدة، وأخرى يكون رخصة كما لو كان في تركها والتظاهر بالحق نوع تقوية له، فله أن يضحى بنفسه، وله أن يحافظ عليها.
(1) الشيعة والتشيع ص 49.
(2)
سورة النحل: الآية 106.
(3)
انظر: الدعوة الإسلامية ص 38 – 39 وأصل الشيعة وأصولها: ص 192 –195، والشيعة والتشيع ص 48-53.
وثالثة يحرم العمل بها كما لو كان ذلك موجبا لرواج الباطل، وإضلال الخلق، وإحياء الظلم والجور " (1)
والعمل بالتقية في ظل هذه الأحكام لا تنفرد به الإمامية، فلماذا إذن اختصوا بهذا المبدأ، وهوجموا من أجله؟
أرى أن ذلك يرجع إلى الأسباب الآتية:
الأول: أنهم غالوا في قيمة التقية، مع أنها رخصة لا يقدم عليها المؤمن إلا اضطراراً. من ذلك ما جاء في كتاب الكافى:
عن أبى عبد الله في قوله تعالى: " أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا " قال: بما صبروا على التقية. " وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِئَةَ ". قال: الحسنة التقية، والسيئة الإذاعة. (فهذا تحريف لمعانى القرآن الكريم) .
وعن أبى عبد الله: " إن تسعة أعشار الدين التقية، ولا دين لمن لا تقية له! ".
وعنه عن أبيه: " لا والله ما على وجه الأرض شىء أحب إلى من التقية (2) . وعن أبى جعفر: " التقية من دينى ودين آبائى، ولا إيمان لمن لا تقية له ".
فمثل هذه الأخبار تنزل التقية منزلة غير المنزلة، فمن ارتآها كذلك فإنما تخلق منه إنساناً جباناً كذوباً، وأين هذا من الإيمان؟!
(1) أصل الشيعة: ص193.
(2)
انظر: الأصول من الكافى ج 2 باب التقية ص 217-221.
والسبب الثانى: أنهم وقد أحلوها هذه المكانة، فلم يتمسكوا بأحكامها، وتعلقوا بها تعلق المؤمن بإيمانه، وطبقوها في غير حالاتها (1)، ولنضرب لذلك الأمثال:
يرون في التيمم مسح الوجه والكفين، وورد عن أحد أئمتهم أنه سئل عن كيفية التيمم، فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه وذراعيه إلى المرفقين. وقالوا: إن ذلك محمول على ضرب من التقية (2) . فما الذي يدعو إلى هذه التقية؟ إن كثيراً من المسلمين يرون رأيهم في التيمم، فلا ضير عليهم، ولا ضرورة تلجئهم لترك ما يرون صحته ويطبقونه فيما بينهم، والتعبد بما يرونه باطلاً
وهم لا يشترطون للجمعة المصر، وروى نحو ذلك عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز والأوزاعى والليث ومكحول وعكرمة والشافعى وأحمد (3) . ورووا عن الإمام على أنه قال: لا جمعة إلا في مصر يقام فيه الحدود. وقالوا: إن هذا الخبر قيل تقية (4) .
ومن الواضح أنه لا حاجة إلى هذه التقية، ثم من الذي يتقى؟ أعلى كرم الله وجهه؟ وهو الشجاع الذي يأبى التقية إباءه للضيم، واستشهد من أجل مبادئه، وكان لفتاواه الدينية قيمتها عند المسلمين، أمن روى عنه؟ وكيف إذن يتعمدون الكذب على أمير المؤمنين وليست هناك رقاب ستقطع أو أعراض تنتهك بله أدنى ضرر؟!
(1) يقول المؤرخ الهندى سيد أمير على: " إلا أن هذه التقية، وهى الابن الطبيعى للاضطهاد والخوف، قد غدت عادة متأصلة في نفوس الفرس الشيعيين إلى درجة أنهم أصبحوا يمارسونها حتى في الظروف التي لا تكون ضرورية فيها " ص 336 من كتابه: روح الإسلام.
(2)
انظر: الاستبصار: باب كيفية التيمم: ص 170-171 ج1.
(3)
انظر: المغنى: 2/174.
(4)
انظر: الاستبصار: ص 420 ج1.
وفى صلاة الجنازة يرون رفع اليدين في كل تكبيرة، ويوافقون في ذلك ابن عمر وعمر بن عبد العزيز والشافعى وأحمد وغيرهم (1) .
ولكنهم رووا عن الإمام جعفر عن أبيه قال: كان أمير المؤمنين يرفع يديه في أول التكبير على الجنازة، ثم لا يعود حتى ينصرف.
ورووا أيضاً عن أبى عبد الله عن أبيه أن الإمام عليا لا يرفع يديه في الجنازة إلا مرة، يعنى في التكبير.
وعقب شيخ طائفتهم الإمام الطوسي على هاتين الروايتين بقوله: " يمكن أن يكونا وردا مورد التقية لأن ذلك مذهب كثير من العامة "(2) .
وأشد من هذا عجبا رواياتهم في أكثر أيام النفاس، فهم يرون أن أيام النفاس مثل أيام الحيض، ويتعارض ذلك مع روايات لهم كثيرة مثل ما رووه عن الإمام على قال: النفساء تقعد أربعين يوما. وعن أبى عبد الله: سبع عشرة، وثمانى عشرة، وتسع عشرة، وثلاثين أو أربعين إلى الخمسين، وبين الأربعين إلى الخمسين! وعن أبى جعفر: ثمانى عشرة.
فجوز إمامهم الطوسي حمل هذه الأخبار على ضرب من التقية، وقال: لأنها موافقة لمذهب العامة، ولأجل ذلك اختلفت كاختلاف العامة في أكثر أيام النفاس، فكأنهم أفتوا كلا منهم بمذهبه الذي يعتقده (3) .
بمثل هذا تكون التقية تضييعاً للعلم، وإخفاء للحق، وترويجاً للكذب.
يقول أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله: " لا يصح أن تكون التقية لإخفاء الأحكام ومنعها، فإن ذلك ليس موضوع التقية وليس صالحاً لأن
(1) انظر المغنى 2 / 373.
(2)
الاستبصار ج 1: ص 479، وانظر ص 498.
(3)
انظر: الاستبصار ج1: باب أكثر أيام النفاس: ص 151 وما بعدها.
يتسمى بها، بل له اسم آخر، وهو كتمان العلم ـ ويوصف معتنقه بوصف لا يوصف به المؤمن " (1)
والسبب الثالث: أنهم جعلوا من التقية منفذاً للغلو والانحراف، مثال هذا أن بعضهم حكم بكفر كثير من الصحابة لعداوتهم للإمام على، وقالوا بنجاستهم تبعاً لذلك، وعللوا مخالطة الشيعة لهم بأن طهارتهم مقرونة إما بالتقية، أو الحاجة، وحيث ينتفيان فهم كافرون قطعاً! (2) .
ويرون أن الصلاة لا تصح خلف من ليس إمامياً، فكيف إذن كان يصلى الإمام على مثلاً خلف الخلفاء الثلاثة؟ هذا من الأسئلة التي امتنع السيد كاظم الكفائى ان يجيب عنها، وقال:" أبو بكر وعمر أتريد أن يكفرونا؟ " ومثل هذا الغلو الذي أجمعوا عليه يجد التقية أسهل مخرج.
فالتقية إذن بهذه الصورة تعد مبدأ ينفرد به الشيعة الاثنا عشرية.
---
(1) الإمام الصادق: ص 245.
(2)
انظر: مفتاح الكرامة - كتاب الطهارة: ص 145.
الكتاب الثاني
القسم الأول
التفسير وأصوله عن أهل السنة
د. علي السالوس