الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستدلال بالأحاديث الموضوعة
بعد تحريف القرآن الكريم لجأ الرافضة إلى الأحاديث الموضوعة، سواء أكانت من وضعهم وأكاذيبهم أم من وضع غيرهم.
وعندما نأتى إلى دراسة كتب السنة عندهم وتدوينها فسيتضح جليا أنها مبنية على الكذب والافتراء، وموضع هذه الدراسة في الجزء الثالث من هذا الكتاب.
ولكننا نقف هنا عند بعض الأحاديث التي ذكرها الرافضيان: ابن المطهر وعبد الحسين، أحدهما أو كلاهما، ونثبت جواب شيخ الإسلام ابن تيمية، مع إضافة بعض ما كتبته في ردى على المراجعات المفتراة على شيخ الأزهر البشرى، والتى افتراها عبد الحسين. ونبدأ بالدليل الأول الذي ذكره ابن المطهر، وجواب شيخ الإسلام.
حديث الدار
هذا هو الدليل الأول عن ابن المطهر حيث قال:
" المنهج الثالث في الأدلة المستندة إلى السنة، المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهى اثنا عشر.
الأول: ما نقله الناس كافة أنه لما نزل قوله تعالى:
" وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ "(سورة الشعراء: 214) جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عبد المطلب في دار أبى طالب، وهم أربعون رجلا، وأمر أن يصنع لهم فخذ شاة مع مد من البر ويعد لهم صاعا من اللبن، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة في مقعد واحد، ويشرب الفرق من الشراب في ذلك المقام، فأكلت الجماعة كلهم من ذلك الطعام اليسير حتى شبعوا، ولم يتبين ما أكلوه، فبهرهم (النبي صلى الله عليه وآله) بذلك، وتبين لهم آية نوبته، فقال:
يا بنى عبد المطلب، إن الله بعثنى بالحق إلى الخلق كافة، وبعثنى إليكم خاصة، فقال:"وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ " وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان، ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الأمم، وتدخلون بهما الجنة، وتنجون بهما من النار: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنى رسول الله، فمن يجيبني إلى هذا الأمر، ويؤازرنى على القيام به يكن أخي ووزيرى، ووصيي ووارثي، وخليفتى من بعدى. فلم يجبه أحد منهم. فقال أمير المؤمنين: أنا يا رسول الله أؤازرك على هذا الأمر. فقال: اجلس. ثم أعاد القول مرة ثانية فصمتوا. فقال على: فقمت فقلت مثل مقالتى الأولى، فقال: اجلس ثم أعاد القول ثالثة، فلم ينطق أحد منهم بحرف، فقمت فقلت: أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر. فقال: اجلس فأنت أخي ووزيرى، ووصيى ووارثى، وخليفتى من بعدى. فنهض القوم وهم يقولون لأبى طالب: ليهنئك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك، فقد جعل ابنك أميرا عليك ". ا. هـ
قال شيخ الإسلام:
والجواب من وجوه: الأول: المطالبة بصحة النقل. وما ادعاه من نقل الناس كافة من أظهر الكذب عند أهل العلم بالحديث، فإن هذا الحديث ليس في شىء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل: لا في الصحاح ولا في المساند والسنن والمغازى والتفسير التي يذكر فيها الإسناد الذي يحتج به، وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل منها الصحيح والضعيف، مثل تفسير الثعلبى والواحدى والبغوى، بل وابن جرير وابن أبى حاتم، لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء، دليلا على صحته باتفاق أهل العلم؛ فإنه إذا عرف أن تلك المنقولات فيها صحيح وضعيف، فلابد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف.
وهذا الحديث غايته أن يوجد في بعض كتب التفسير التي فيها الغث والثمين، وفيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة، مع أن كتب التفسير التي يوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير وابن أبى حاتم والثعلبى والبغوى، ينقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا، مثل بعض المفسرين الذين ذكروا هذا في سبب نزول الآية، فإنهم ذكروا مع ذلك بالأسانيد الصحيحة الثابتة التي اتفق أهل العلم على صحتها ما يناقض ذلك، ولكن هؤلاء المفسرين ذكروا ذلك على عادتهم في أنهم ينقلون ما ذكر في سبب نزول الآية من المنقولات الصحيحة. والضعيفة، ولهذا يذكر أحدهم في سبب نزول الآية عدة أقوال، ليذكر أقوال الناس وما نقلوه فيها، وإن كان بعض ذلك هو الصحيح وبعضه كذب، وإذا احتج بمثل هذا الضعيف وأمثاله واحد بذكر بعض ما نقل في تفسير الآية من المنقولات، وترك سائر ما ينقل مما يناقض ذلك ـ كان هذا من أفسد الحجج، كمن احتج بشاهد يشهد له ولم تثبت عدالته بل ثبت جرحه، وقد ناقضه عدول كثيرون يشهدون بما يناقض شهادته، أو يحتج برواية واحد لم تثبت عدالته بل ثبت جرحه، ويدع روايات كثيرين عدول، وقد رووا ما يناقض ذلك.
بل لو قدر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة، وقد روى آخرون من أهل الثقة والعدالة ما يناقض ذلك، لوجب النظر في الروايتين: أيهما أثبت وأرجح؟ فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين على أن الروايات المناقضة لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة، بل هذا الحديث مناقض لما علم بالتواتر، وكثير من أئمة التفسير لم يذكروا هذا بحال لعلمهم أنه باطل.
الثانى:
أنا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين: إما بإسناد يذكره مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع، ولو أنه مسألة فرعية، وإما قول رجل من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم. فإنه لو تناظر فقيهان في فرع من الفروع، لم تقم الحجة على المناظرة إلا بحديث يعلم أنه مسند إسناداً تقوم به
الحجة، أو يصححه من يرجع إليه في ذلك. فأما إذا لم يعلم إسناده، ولم يثبته أئمة النقل، فمن أين يعلم؟ لا سيما في مسائل الأصول التي يبنى عليها الطعن في سلف الأمة وجمهورها، ويتوسل بذلك إلى هدم قواعد المسألة، فكيف يقبل في مثل ذلك حديث لا يعرف إسناده ولا يثبته أئمة النقل ولا يعرف أن عالما صححه؟!
الثالث:
أن هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث، فما من عالم يعرف الحديث إلا وهو يعلم أنه كذب موضوع، ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقولات، لأن أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب.
وقد رواه ابن جرير والبغوى بإسناد فيه عبد الغفار بن القاسم بن فهد، أبو مريم الكوفي، وهو مجمع على تركه، كذبه سماك بن حرب وأبو داود، وقال أحمد: ليس بثقة، عامة أحاديث بواطيل. قال يحيى: ليس بشئ. قال ابن المديني: كان يضع الحديث. وقال النسائي وأبو حاتم: متروك الحديث. وقال ابن حبان البستى: كان عبد الغفار بن قاسم يشرب الخمر حتى يسكر، وهو مع ذلك يقلب الأخبار، لا يجوز الاحتجاج به، وتركه أحمد ويحيى.
ورواه ابن أبى حاتم، وفى إسناده عبد الله بن عبد القدوس، وهو ليس بثقة. وقال فيه يحيى بن معين: ليس بشئ رافضى خبيث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطنى: ضعيف.
وإسناد الثعلبى أضعف، لأن فيه من لا يعرف، وفيه من الضعفاء والمتهمين من لا يجوز الاحتجاج بمثله في أقل مسألة.
الرابع:
أن بنى عبد المطلب لم يبلغوا أربعين رجلا حين نزلت هذه الآية؛ فإنها نزلت بمكة في أول الأمر. ثم ولا بلغوا أربعين رجلا في مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن بنى عبد المطلب لم يعقب منهم باتفاق الناس إلا أربعة: العباس، وأبو طالب، والحارث، وأبو لهب. وجميع ولد عبد المطلب من هؤلاء الأربعة، وهم بنو
هاشم، ولم يدرك النبوة من عمومته إلا أربعة: العباس، وحمزة، وأبو طالب، وأبو لهب، فآمن اثنان، وهما حمزة والعباس، وكفر اثنان، أحدهما نصره وأعانه، وهو أبو طالب، والآخر عاداه وأعان أعداءه، وهو أبو لهب.
وأما العمومة وبنو العمومة فأبو طالب كان له أربعة بنين: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلى. وطالب لم يدرك الإسلام، وأدركه الثلاثة، فآمن على وجعفر في أول الإسلام، وهاجر جعفر إلى أرض الحبشة، ثم إلى المدينة عام خيبر.
وكان عقيل قد استولى على رباع بنى هاشم لما هاجروا وتصرف فيها، ولهذا لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في حجته:" ننزل غدا في دارك بمكة " قال: " وهل ترك لنا عقيل من دار؟ "
وأما العباس فبنوه كلهم صغار، إذ لم يكن فيهم بمكة رجل. وهب أنهم كانوا رجالاً فهم: عبد الله، وعبيد الله، والفضل. وأما قثم فولد بعدهم، وأكبرهم الفضل، وبه كان يكنى. وعبد الله ولد في الشعب بعد نزول قوله:" وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ "(سورة الشعراء: 214) وكان له في الهجرة نحو ثلاث سنين أو أربع سنين، ولم يولد للعباس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا الفضل وعبد الله وعبيد الله، وأما سائرهم فولدوا بعده.
وأما الحارث بن عبد المطلب وأبو لهب فبنوهما أقل. والحارث كان له ابنان: أبو سفيان وربيعة، وكلاهما تأخر إسلامه، وكان من مسلمة الفتح.
وكذلك بنو أبى لهب تأخر إسلامهم إلى زمن الفتح، وكان له ثلاثة ذكور، فأسلم منهم اثنان: عتبة ومغيث، وشهد الطائف وحنينا، وعتيبة دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكله الكلب، فقتله السبع بالزرقاء من الشام كافراً. فهؤلاء بنو عبد المطلب لا يبلغون عشرين رجلا، فأين الأربعون؟ !
الخامس:
قوله: " إن الرجل منهم كان يأكل الجذعة ويشرب الفرق من اللبن " فكذب على القوم، ليس بنو هاشم معروفين بمثل هذه الكثرة في الأكل، ولا عرف فيهم من كان يأكل جذعة ولا يشرب فرقا.
السادس:
أن قوله للجماعة: " من يجيبنى إلى هذا الأمر ويؤازرنى على القيام به يكن أخي ووزيرى ووصيى وخليفتى من بعدى " كلام مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم، لا يجوز نسبته إليه. فإن مجرد الإجابة إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا كله؛ فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين، وأعانوه على هذا الأمر، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في إقامته وطاعته، وفارقوا أوطانهم، وعادوا إخوانهم، وصبروا على الشتات بعد الألفة، وعلى الذل بعد العز، وعلى الفقر بعد الغنى، وعلى الشدة بعد الرخاء، وسيرتهم معروفة مشهورة، ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك خليفة له.
وأيضا فإن كان عرض هذا الأمر على أربعين رجلا أمكن أن يجيبوه ـ أو أكثرهم أو عدد منهم ـ فلو أجابه منهم عدد من كان الذي يكون الخليفة بعده؟ أيعين واحدا بلا موجب؟ أم يجعل الجميع خلفاء في وقت واحد؟ وذلك أنه لم يعلق الوصية والخلافة والأخوة والمؤازرة، إلا بأمر سهل، وهو الإجابة إلى الشهادتين، والمعاونة على هذا الأمر. وما من مؤمن يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر إلى يوم القيامة، إلا وله من هذا نصيب وافر، ومن لم يكن له من ذلك حظ فهو منافق، فكيف يجوز نسبة مثل هذا الكلام إلى النبي َصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ !
السابع:
أن حمزة وجعفرا وعبيدة بن الحارث أجابوا إلى ما أجابه على من الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر؛ فإن هؤلاء من السابقين الأولين الذين آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر. بل حمزة أسلم قبل أن يصير المؤمنون أربعين رجلا، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في دار الأرقم بن أبى الأرقم، وكان اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم به في دار الأرقم، ولم يكن يجتمع هو وبنو عبد المطلب كلهم في دار واحدة، فإن أبا لهب كان مظهراً لمعاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما حصر بنو هاشم في الشعب لم يدخل معهم أبو لهب.
الثامن:
أن الذي في الصحاح من نزول هذه الآية غير هذا. ففي الصحيحين عن ابن عمر وأبى هريرة ـ واللفظ له ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت: " وَأَنذِرْ عَشِيرَتكَ الْأَقْرَبِينَ "(سورة الشعراء: 214) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا، فاجتمعوا، فخص وعم فقال:" يابنى كعب بن لؤى أنقذوا أنفسكم من النار. يا بنى مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار. يا بنى عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار. يا بنى عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار. يا بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار. يا بنى عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار. يا فاطمة بنت محمد أنقذى نفسك من النار، فإنى لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها ".
وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه أيضا لما نزلت هذه الآية قال: " يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغنى عنكم من الله شيئا. يا بنى عبد المطلب لا أغنى عنكم من الله شيئا. يا صفية عمة رسول الله لا أغنى عنك من الله شيئا. يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئا. سلانى ما شئتما من مالى ". وخرجه مسلم من حديث ابن المخارق وزهير بن عمرو ومن حديث عائشة وقال فيه: " قام على الصفا ".
وقال في حديث قبيصة: " انطلق إلى رضمة من جبل، فعلا أعلاها حجرا، ثم نادى: يا بنى عبد مناف إنى لكم نذير. إنما مثلى ومثلكم كمثل رجل رأي العدو فانطلق يربأ أهله، فخشى أن يسبقوه، فجعل يهتف: يا صباحاه ".
وفى الصحيحين من حديث ابن عباس قال: " لما نزلت هذه الآية خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه " فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد. فاجتمعوا إليه، فجعل ينادى:" يا بنى فلان، يا بنى عبد مناف، يا بنى عبد المطلب " وفى رواية: " يا بنى فهر، يا بنى عدى، يا بنى فلان " لبطون قريش فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو، فاجتمعوا فقال:" أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقى؟ " قالوا: ما جربناعليك كذبا. قال: " فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد " قال: فقال أبو لهب: تبا لك أما جمعتنا إلا لهذا؟ فقام فنزلت هذه السورة: " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ "(سورة المسد: 1) .
وفى رواية: " أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم ويمسيكم أكنتم تصدقونى؟ " قالوا: " بلى ".
فإن قيل: فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين والمصنفين في الفضائل، كالثعلبى والبغوى وأمثالهما والمغازلى.
قيل له: مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث؛ فإن في كتب هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع، وفيها شئ كثير يعلم بالأدلة اليقينية السمعية والعقلية أنها كذب، بل فيها ما يعلم بالاضطرار أنه كذب. والثعلبى وأمثاله لا يتعمدون الكذب، بل فيهم من الصلاح والدين ما يمنعهم من ذلك، لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب، ويروون ما سمعوه، وليس لأحدهم من الخبرة بالأسانيد ما لأئمة الحديث، كشعبة، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدى، وأحمد بن حنبل، وعلى بن المديني، ويحيى بن معين، وإسحاق، ومحمد بن يحيى الذهلى، والبخاري، ومسلم، وأبى داود، والنسائى، وأبى حاتم وأبى زرعة الرازيين، وأبى عبد الله ابن منده، والدار قطنى، وأمثال هؤلاء من أئمة الحديث ونقاده وحكامه وحفاظه
الذين لهم خبرة ومعرفة تامة بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأحوال من نقل العلم والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم من نقلة العلم.
وقد صنفوا الكتب الكثيرة في معرفة الرجال الذين نقلوا الآثار وأسماءهم، وذكروا أخبارهم وأخبار من أخذوا عنه، ومن أخذ عنهم. مثل كتاب " العلل وأسماء الرجال " عن يحيى القطان، وابن المديني، وأحمد، وابن معين، والبخاري، ومسلم، وأبى زرعة، وأبى حاتم، والنسائى، والترمذى، وأحمد بن عدى، وابن حبان، وأبى الفتح الأزدى، والدارقطنى وغيرهم.
وتفسير الثعلبى فيه أحاديث موضوعة وأحاديث صحيحة. ومن الموضوع فيه الأحاديث التي في فضائل السور: سورة سورة.
وقد ذكر هذا الحديث الزمخشري والواحدى، وهو كذب موضوع باتفاق أهل الحديث. وكذلك غير هذا.
وكذلك الواحدى تلميذ الثعلبى، والبغوى اختصر تفسيره من تفسير الثعلبى والواحدى، لكنهما أخبر بأقوال المفسرين منه، والواحدى أعلم بالعربية من هذا وهذا، والبغوى أتبع للسنة منهما.
وليس كون الرجل من الجمهور الذين يعتقدون خلافة الثلاثة يوجب له أن كل ما رواه صدق، كما أن كونه من الشيعة لا يوجب أن يكون كل ما رواه كذبا، بل الاعتبار بميزان العدل.
وقد وضع الناس أحاديث كثيرة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الأصول، والأحكام، والزهد، والفضائل. ووضعوا كثيرا من فضائل الخلفاء الأربعة، وفضائل معاوية.
ومن الناس من يكون قصده رواية كل ما روى في الباب، من غير تمييز بين صحيح وضعيف، كما فعله أبو نعيم في فضائل الخلفاء، وكذلك غيره ممن
صنف في الفضائل. ومثل ما جمعه أبو الفتح بن أبى الفوارس، وأبو على الأهوازى وغيرهما من فضائل معاوية. ومثل ما جمعه النسائي في فضائل على،
وكذلك ما جمعه أبو القاسم بن عساكر في فضائل على وغيره، فإن هؤلاء وأمثالهم قصدوا أن يرووا ما سمعوا من غير تمييز بين صحيح ذلك وضعيفه، فلا يجوز أن يجزم بصدق الخبر بمجرد رواية الواحد من هؤلاء باتفاق أهل العلم.
وأما من يذكر الحديث بلا اسناد من المصنفين في الأصول والفقه والزهد والرقائق، فهؤلاء يذكرون أحاديث كثيرة صحيحة، ويذكر بعضهم أحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة، كما يوجد ذلك في كتب الرقائق والرأي وغير ذلك. ا. هـ.
قلت: وهذا الحديث ذكره بنصه السابق عبد الحسين، وقال بأن الإمام أحمد أخرجه في المسند، وذكر اسناده، ونسب للشيخ سليم البشرى موافقته على ثبوت الحديث وصحته.
وما جاء في المسند (1 / 111) هو ما يأتي: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا شريك، عن الأعمش، عن المنهال، عن عباد ابن عبد الله الأسدي، عن على، قال: لما نزلت هذه الآية " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ". قال: جمع النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته، فاجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا. قال: فقال لهم: من يضمن عنى دينى ومواعيدى، ويكون معى في الجنة، ويكون خليفتى في أهلي؟ فقال رجل لم يسمه شريك: يا رسول الله، أنت كنت بحرا، من يقوم بهذا! قال: ثم قاله الآخر، قال: فعرض ذلك على أهل بيته، فقال على: أنا. (انتهى الخبر) .
هذا هو نص المسند الذي ذكر الرافضي إسناده، وقال:" كل واحد من سلسلة هذا المسند حجة عند الخصم، وكلهم من رجال الصحاح بلا كلام ".
قلت: لننظر في الاسناد ثم في المتن:
أما الاسناد ففيه ما يأتي:
1-
الأعمش ثقة لكنه مدلس، ولا يقبل حديث المدلس إذا عنعن، ".... الأعمش (عن) المنهال
…
"
2 -
المنهال هو ابن عمرو الكوفي:
وثقه ابن معين والعجلى والنسائى وقال أحمد بن حنبل: أبو بشر أحب إلى من المنهال وأوثق. وقال الحاكم: غمزه يحيى بن سعيد، وتكلم فيه ابن حزم، وكان يضعفه. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبى يقول: ترك شعبة المنهال بن عمرو على عمد.
وقال الحافظ ابن حجر في هدى الساري (ص 446) :
ماله في البخاري سوى حديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في تعويذ الحسن والحسين من رواية زيد بن أبى أنيسة عنه، وحديث آخر في تفسير حم فصلت، اختلف فيه الرواة هل هو موصول أو معلق. (انظر ترجمته في تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال، وهدى الساري ص 445: 446) .
3 -
عباد بن عبد الله الأسدي:
قال الرافضي: هو عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشى الأسدي، احتج به البخاري ومسلم في صحيحيهما. سمع أسماء وعائشة بنتى أبى بكر. وروى عنه في الصحيحين ابن أبى مليكة، ومحمد بن جعفر بن الزبير، وهشام بن عروة.
قلت: هذا من كذب الرافضي وتضليله! فمن ذكره الرافضي مدني، وصاحبنا كوفي!
والاثنان مترجم لهما في صفحة واحدة في تهذيب التهذيب، وكذلك في كتاب الجرح والتعديل، فهما اثنان: والمدني لا خلاف حول توثيقه، أما صاحبنا فقال ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب: عباد بن عبد الله الأسدي الكوفي. روى عن على. وعنه المنهال بن عمرو. قال البخاري: فيه نظر. وذكره ابن حبان
في الثقات. قلت (أي ابن حجر) : وقال ابن سعد: له أحاديث. وقال على بن المديني ضعيف الحديث. وقال ابن الجوزي: ضرب ابن حنبل على حديثه عن على: أنا الصديق الأكبر، وقال: هو منكر. وقال ابن حزم: هو
…
مجهول. ا. هـ
ولم يترجم له ابن حجر في هدى الساري كما ترجم للمنهال وأمثاله، لأنه ليس من رجال الصحيحين كما ذكر الرافضي، والبخاري نفسه ضعفه حين قال: فيه نظر.
وفى ميزان الاعتدال نجد ترجمة عباد الكوفي ولا نجد ترجمة عباد المدني. قال الذهبي في الميزان:
عباد بن عبد الله الأسدي. عن على. قال البخاري: سمع منه المنهال بن عمرو. فيه نظر.
قلت (أي الذهبي) : روى العلاء بن صالح، حدثنا المنهال، عند عباد بن عبد الله، عن على، قال: أنا عبد الله، وأخو رسول الله، وأنا الصديق الأكبر، وما قالها أحد قبلى، ولا يقولها إلا كاذب مفتر، ولقد أسلمت وصليت قبل الناس بسبع سنين.
قلت (أي الذهبي) : هذا كذب علَى علىّ.
قال ابن المديني: ضعيف الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات، له في خصائص على. ا. هـ.
والذهبي ذكره أيضا في كتابه المغنى في الضعفاء.
هذه ثلاث علل في الإسناد وليست علة واحدة، ومع كل هذه العلل ينسب للعلامة شيخ الأزهر أنه قال:
"راجعت الحديث في ص 111 من الجزء الأول من مسند أحمد، ونقبت عن رجال سنده، فإذا هم ثقات أثبات حجج " !
وكأن شيخ الأزهر لا يعرف شيئا عن الحديث وعلومه ورجاله!! ولا يفرق بين عباد بن عبد الله الأسدي الكوفي، وهو من الضعفاء، وبين عباد بن عبد الله ابن الزبير بن العوام الأسدي المدني، وهو من الثقات! حاشا لعلامة زمانه أن يكون كذلك!
ونأتى إلى ما هو أوضح ولا يحتاج إلى عالم ليميز كلام الرافضي من حديث المسند، بل يدركه كل من يحسن القراءة !
فنص المسند:
" ويكون خليفتى في أهلي "، فأين الإمامة العامة هنا؟! ونهاية الخبر " فقال على: أنا "، وليس فيه الزيادة الباطلة المفتراة: " إن هذا أخي ووصيى وخليفتى فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا...." فكيف تنسب هذه الزيادة للمسند، وهو موضع الاستدلال؟ وفى رواية أخرى في المسند أيضا:
".. يابنى عبد المطلب، إنى بعثت لكم خاصة وإلى الناس بعامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيكم يبايعنى على أن يكون أخي وصاحبى؟ قال: فلم يقم إليه أحد. قال (أي على) : فقمت إليه، وكنت أصغر القوم، قال: فقال: اجلس، قال: ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدى ". انتهى الخبر.
(انظر المسند بتحقيق شاكر 2 / 352 ـ رواية رقم 1371) وواضح من الخبر أن عليا لم يكن هو المقصود، ولذلك أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجلوس، ولما لم ينفذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطر إلى زجره أو تنبيهه بالضرب على يده في المرة الثالثة.
فكيف تتخذ مثل هذه الأخبار في هدم الإسلام، والطعن في نقلة الكتاب والسنة، وتكفير خير جيل عرفته البشرية لعدم أخذهم بمبدأ ابن سبأ في الوصي بعد النبي، ومبايعتهم للصديق خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
قال الرافضي في المراجعة (20) بعد ذكر الخبر:
" أخرجه بهذه الألفاظ كثير من حفظة الآثار النبوية " وقد رأينا كذبه فيما نسبه لمسند الإمام أحمد، وكان الكذب في الإسناد والمتن.
وأحب أن أبين طريقة أخرى من طرق الرافضي في التضليل:
ذكر الرافضي أن أبا الفداء الحافظ ابن كثير أخرج هذا الخبر بهذه الألفاظ في تاريخه. فنظرت في البداية والنهاية فوجدت الخبر مع إشارة للزيادة: " إن هذا أخي وكذا وكذا فاسمعوا له وأطيعوا ". قال (أي على) : فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبى طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ! (جـ3 ص40) .
فأين التضليل هنا إذن ما دام الخبر يتفق مع ماذكره الرافضي؟ التضليل ـ أيها المسلمون ـ هو أن الرافضي لم يشر من قريب أو بعيد إلى ما ذكره الحافظ ابن كثير بعد إيراده الخبر مباشرة، حيث قال ما نصه:
" تفرد به عبد الغفار بن القاسم أبو مريم، وهو كذاب شيعي، اتهمه على بن المديني وغيره بوضع الحديث وضعفه الباقون ".
المراجعة الثامنة وأحاديثها
في هذه المراجعة يظهر لنا بوضوح أن عبد الحسين رافضى، بل من أخبث الروافض، فهو ينتهى إلى القول بضلال الأمة وكفرها بدءا بخير أمة أخرجت للناس، وخير قرن عرفته البشرية، خير الناس الصحابة الكرام الذين بايعوا الخلفاء الراشدين الثلاثة فهم في زعم هذا الرافضي خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجعلوا الوصي بعده مباشرة على بن أبى طالب، وهو القول الذي اخترعه لأول مرة اليهودى عبد الله بن سبأ.
وهذا الطعن يشمل الإمام عليا نفسه لأنه ممن بايع كما بينا من قبل، وممن فضل الصديق والفاروق على باقي الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت بالتواتر من ثمانين طريقا.
وهذا الرافضي يضيف إلى هذا الطعن العام طعنا خاصاً، فيصف الخلفاء الراشدين الثلاثة بأنهم " أبناء الوزغ ":
والوزغ دويبة يقال لها سام أبرص، ويوصف بها الرجل إذا كان ضعيفا جبانا رزلا رديئا لا مروءة له.
(راجع معاجم اللغة: والمجموع المغيث في غريبى القرآن والحديث 409 ـ 410) لو كان هذا الرافضي في عهد الإمام على كرم الله وجهه ـ لكان موقفه منه كموقفه من ابن سبأ سواء بسواء.
ولننظر في الأحاديث التي ذكرها في هذه المراجعة لينتهى منها إلى الحكم بضلال وكفر الصحابة الكرام وخير أمة أخرجت للناس.
استند أساسا إلى حديث الثقلين، وفيما سبق جمعت كل روايات هذا الحديث، وبينت الصحيح منها وغير الصحيح، وتحدثت عن فقه الحديث الصحيح وعدم صلته بالخلافة على الإطلاق. أما الروايات غير الصحيحة، سواء أكانت ضعيفة أم موضوعة مكذوبة، فإنها ليست حجة في شرع الله تعالى، ويعارضها ويسقطها الصحيح الصريح من الأحاديث الشريفة.
والملاحظ أنه ترك الروايات الصحيحة، كرواية صحيح مسلم وغيره، وذكر الروايات الأخرى.
وأثناء الروايات جاء ذكر " من كنت مولاه فعلى مولاه "، وقد سبق الحديث عنه. وأكثر هنا من النقل من كتاب " الصواعق المحرقة "، ومن أجل مثل هذه النقول ستكون الوقفة الطويلة مع هذا الكتاب.
وبعد حديث الثقلين ذكر حديثين آخرين استدل بهما على ضلال وكفر خير أمة أخرجت للناس !! هكذا ظهر خليفة ابن سبأ.
فلننظر إلى هذين الحديثين
الحديث الأول:
" ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق "
وقال الرافضي: أخرجه الحاكم بالإسناد إلى أبى ذر.
وذكر رواية أخرى للحديث، وهى:
" إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بنى إسرائيل من دخله غفر له ".
وقال: أخرجه الطبرانى في الأوسط عن أبى سعيد.
الحديث الثانى:
" النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتى من الاختلاف (في الدين) ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب (يعنى في أحكام الله عز وجل اختلفوا فصاروا حزب إبليس ".
وقال الرافضي: أخرجه الحاكم عن ابن عباس ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قلت: الحديث الأول أخرجه الحاكم في المستدرك (3 / 151) ، وتعقبه الذهبي وبين وهى الإسناد، والحديث الثانى في المستدرك (3 / 149) ، وصححه الحاكم كما ذكر الرافضي، ولكنه لم يذكر تعقيب الذهبي حيث قال: بل موضوع.
والحديث الأول في إسناده المفضل بن صالح الكوفي. قال البخاري عنه: منكر الحديث، وهذا الجرح عند البخاري يعنى أنه لا يحل الرواية عنه. وقال مثل هذا أيضا أبو حاتم، وغيره (1) .
والحديث الثانى بين الذهبي أنه موضوع، وأن الوضع بسبب راويين اثنين وليس راويا واحدا. وذكر الشيخ الألبانى الحديث بلفظ " أهل بيتي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم "، وبين أنه موضوع، وقال: وهو في نسخة أحمد بن نبيط الكذاب، وقد وقفت عليها (2) . وذكره أيضا ابن عراق في كتابه " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة: 1 / 419 "، وقال بأنه من طريق أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط، وترجم له من قبل في مقدمة الكتاب (ص) ، فقال: " كذاب، حدث عن أبيه عن جده بنسخة فيها بلايا ".
ومن قبل عند مناقشة روايات التمسك بالكتاب والعترة، وهو حديث الثقلين، أشرت إلى أن أصحاب الحديث أنكروا على الحاكم كثيرا من الأحاديث، ولم يلتفتوا إلى تصحيحه. وذكرت قول ابن حجر في لسان الميزان عند ترجمة الحاكم: إمام صدوق، ولكنه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة فيكثر من ذلك، فما أدرى هل خفيت عليه؟ فما هو ممن يجهل ذلك. وإن علم فهو خيانة عظيمة. ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرض للشيخين. والحاكم أجل قدرا وأعظم خطرا وأكبر ذكرا من أن يذكر في الضعفاء. ولكن قيل في الاعتذار عنه أنه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره. وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له، وقطع بترك الرواية
(1) انظر تهذيب التهذيب لابن حجر 10 / 271 ـ 272، والجرح والتعديل لابن أبى حاتم 8 / 316 ـ 317، والمغنى في الضعفاء للذهبى 2 / 320.
(2)
انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1 / 84 ـ 85.
عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصححها. إذن تصحيح الحاكم ليس بحجة، مع إمامته وصدقه كما بين الحافظ ابن حجر.
ونأتى بعد هذا إلى رواية الطبرانى في الأوسط التي ذكرها الرافضي، وبالبحث نجد أن هذه الرواية إضافة إلى ثلاث روايات أخرى أخرجها الطبرانى في المعجم الكبير: في الجزء الثالث (ص 45، 46) ثلاث روايات:
الأولى
هي رقم 2636، وفى سندها الحسن بن أبى جعفر: وهو متروك، وعلى بن زيد ابن جدعان: وهو ضعيف.
والثانية
رقم 2637، وفى سندها عبد الله بن داهر: وهو متروك. وعبد الله بن عبد القدوس: بينت عدم الاحتجاج به عند الحديث عن آية التطهير، والأعمش: وهو مدلس، وهنا عنعن.
والرواية الثالثة
رقم 2638، وفى سندها الحسن بن أبى جعفر الموجود في الرواية الأولى. وهو أيضا في الرواية الرابعة، وهى في الجزء الثانى عشر ص 34، ورقمها 12388.
فروايات الطبرانى كلها لم تخل من المتروكين، فكيف يحتج بمثلها؟ ! (انظر تخريج الروايات في المواضع المذكورة من المعجم الكبير) بقى أن نقول بأن استدلال الرافضي بهذه الأحاديث الثلاثة ليس جديدا!
فقد وجدنا ابن المطهر الحلى يستدل بهذه الأحاديث نفسها، وهو الرافضي الذي رد عليه شيخ الإسلام، وأبطل احتجاجه بهذه الأحاديث وغيرها. بل إن ابن
المطهر استدل بحديث السفينة نقلا عن شيخه نصير الدين الطوسي المتوفى سنة 672 هـ (1) .
والطوسى هذا هو أبو جعفر ـ أو أبو عبد الله ـ محمد بن محمد بن الحسن، ويعرف بالمحقق وبالخواجه. " اتصل بهولاكو وأصبح مقربا عنده، وأشار عليه بقتل المستعصم وذبح المسلمين في بغداد (2) .
وتحدث ابن القيم عنه فقال: " ولما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر الملحد، وزير الملاحدة، النصير الطوسي وزير هولاكو، شفا إخوانه نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه، فعرضهم على السيف، حتى شفا إخوانه من الملاحدة، واشتفى هو، فقتل الخليفة والقضاة والفقهاء والمحدثين، واستبقى الفلاسفة، والمنجمين، والطبائعيين والسحرة. ونقل أوقاف المدارس والمساجد، والربط إليهم، وجعلهم خاصته وأولياءه، ونصر في كتبه قدم العالم، وبطلان الميعاد، وإنكار صفات الرب جل جلاله: من علمه، وقدرته، وحياته، وسمعه وبصره، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، وليس فوق العرش إله يعبد ألبتة، واتخذ للملاحدة مدارس "(3) ثم قال:
" وبالجملة فكان هذا الملحد هو وأتباعه من الملحدين الكافرين بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر "(4) .
وقال أيضا:
" وكان هؤلاء زنادقة، يتسترون بالرفض، ويبطنون الإلحاد المحض، وينتسبون إلى أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو وأهل بيته براء منهم نسبا ودينا،
(1) انظر الأحاديث الثلاثة ورد شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية: 3 / 444،
…
7 / 142، 7 / 395، وما بعد الصفحات المذكورة.
(2)
مقدمة منهاج السنة للدكتور محمد رشاد سالم1 / 95، وانظر قول ابن تيمية في7 / 414.
(3)
، (254) إغاثة اللهفان، ص 601.
(4)
وكانوا يقتلون أهل العلم والإيمان ويدعون أهل الإلحاد والشرك والكفران، لا يحرمون حراما، ولا يحلون حلالا (1) .
وهذا الملحد يلقبه أهل السنة بشيطان الطاق، ولكن الرافضة يطلقون عليه مؤمن الطاق! والرافضى في مراجعاته يلقبه بمؤمن الطاق (2) ، ولا عجب، فهدفهما واحد. ووجدنا من الرافضة من يعتبر مجدد المائة السابعة الخواجه نصير الدين الطوسي كما صرح شهاب الدين الحسينى المرعشى النجفي في كتابه غاية الآمال (ص: خ) الذي جعله مقدمة لكتاب بهجة الآمال لرافضى مثله!!
المراجعة التاسعة
وجرأة الرافضي على الكذب والافتراء
مرت المراجعة الثامنة بما فيها من البلايا والرزايا، وتكفير خير أمة أخرجت للناس، وسب الخلفاء الراشدين الثلاثة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأثبتت المراجعة أن صاحبها ليس رافضيا فقط بل من أخبث الروافض أتباع عبد الله بن سبأ.
وتأتى المراجعة التاسعة لتثبت من جديد قول الإمام الشافعى: " ما من أهل الأهواء أشهد بالزور من الرافضة ". ولتبين أن هذا الرافضي من أكثرهم جرأة على الكذب والافتراء. لو أن شيخ الأزهر والمالكية عرض عليه المراجعة الثامنة لعاقب هذا الرافضي عقوبة تتناسب مع جريرته وجريمته.
ووضوح الكذب بجلاء في المراجعة كلها من بدايتها إلى نهايتها:
(1) المرجع السابق، ص 600.
(2)
انظر المراجعة 110، ص 342.
فكيف يرحب الشيخ البشرى بتكفير الصحابة وسب الخلفاء الراشدين الثلاثة، ويطلب المزيد بقوله: أطلق عنان القلم....؟ !
يصف ما سبق بأنه من جوامع الكلم، ونوابغ الحكم، وضوال الحكمة؟!
والشيخ بمكانته وعلمه وقد بلغ الثانية والثمانين من عمره قبيل وفاته ببضع سنوات لم يستحى هذا الرافضي أن ينسب له منكرا من القول وزورا: " وأنا في أخذ العلم عنك على جمام من نفسى و..... إلخ "؟! .........." فزدنى منه لله أبوك زدنى "؟!
والعلم هنا من كتب أهل السنة والجماعة وليس من كتب الروافض! فبعد الثمانين جاء رافضى يعلمه ما في كتبنا!!
والأحاديث التي بينا ما فيها ينسب الرافضي للعالم العلامة أنه رحب بها، وطلب المزيد منها، ووصفها بأنها أدلة وبينات!! إن الطالب الذي حصل شيئا من العلم يستطيع الرجوع إلى منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية، والصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمى، ليبين بطلان وضلال ما جاء في المراجعة الثامنة.
لكن هذا الرافضي الطريد أراد ـ دون خجل أو استحياء ـ أن يجعل شيخ الأزهر العالم الثبت تلميذا صغيرا جاهلا يتلقى العلم لأول مرة على يديه!
المراجعة العاشرة وأحاديثها
بعد أن جعل المراجعة السابقة تأييدا لباطله، بل إعجابا بهذا الباطل، ونسب للشيخ البشرى أنه طلب المزيد من النصوص دون أن يعترض على نص واحد، أو يشير إلى ضعفه فضلا عن وضعه، كما لم يعترض على تكفير الصحابة وخير أمة أخرجت للناس، وسب الخلفاء الراشدين الثلاثة، وغير ذلك من البلايا والرزايا، بعد هذا تأتى المراجعة العاشرة بمزيد من الأحاديث الموضوعة المكذوبة، وكل الأحاديث بلا استثناء أخذت من مراجع يعلم من له أدنى دراية بالحديث وعلومه أنها مراجع لا يكفى نسبة الأحاديث إليها لتكون حجة في الفروع، فكيف إذا كان
يستدل بها على عقيدة الرافضي، والحكم على الأمة كلها بالضلال؟! وإذا كان الباحث عادة يبدأ بأقوى الأدلة في نظره، فإن هذا يعنى أنه يرى أن أحاديث المراجعة الثامنة أقوى من أحاديث هذه المراجعة. فإذا لم يثبت هناك أي حديث فمن باب أولى ألا يثبت هنا حديث واحد.
ولننظر في الأحاديث الثلاثة التي بدأ بها مراجعته، أي أقوى الأحاديث في نظره.
وقد أغنانا عن البيان الشيخ الألبانى حيث ذكر هذه الأحاديث في الجزء الثانى من سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وبين أنها موضوعة وليست ضعيفة فقط، وأشار إلى هذا الرافضي، ومنهجه في كتابه المراجعات.
ولذلك فإننى أنقل كلامه هنا تاما غير منقوص، وأرقامها في كتابه هي: 892، 893، 894.
وهذه هي الأحاديث بأرقامها في الكتاب
892 (من أحب أن يحيا حياتى، ويموت موتتى، ويسكن جنة الخلد التي وعدنى ربى عزوجل، غرس قضبانها بيديه، فليتول على بن أبى طالب، فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة) .
موضوع: رواه أبو نعيم في " الحلية "(4 / 349 ـ 350) والحاكم (3 / 128) وكذا الطبرانى في " الكبير " وابن شاهين في " شرح السنة "(18 / 65 / 2) من طرق عن يحيى بن يعلى الأسلمى قال: ثنا عمر بن رزيق عن أبى إسحاق عن زياد بن مطرف عن زيد بن أرقم ـ زاد الطبرانى: وربما لم يذكر زيد بن أرقم ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث أبى إسحاق، تفرد به يحيى ".
قلت: وهو شيعي ضعيف، قال ابن معين:" ليس بشئ ". وقال البخاري: "
مضطرب الحديث ". وقال ابن أبى حاتم (4 / 2 / 196) عن أبيه: " ليس بالقوى، ضعيف الحديث ".
والحديث قال الهيثمى في " المجمع"(9 / 108) : " رواه الطبرانى، وفيه يحيى بن يعلى الأسلمى، وهو ضعيف ".
" قلت: وأما الحاكم فقال: صحيح الإسناد "! فرده الذهبي بقوله: " قلت: أنى له الصحة والقاسم متروك. وشيخه (يعنى الأسلمى) ضعيف. واللفظ ركيك، فهو إلى الوضع أقرب ".
وأقول: القاسم ـ وهو ابن شيبة ـ لم يتفرد به، بل تابعه راويان آخران عند أبى نعيم، فالحمل فيه على الأسلمى وحده دونه.
نعم للحديث عندي علتان أخريان:
الأولى: أبو إسحاق، وهو السبيعى فقد كان اختلط مع تدليسه، وقد عنعنه.
الأخرى: الاضطراب في إسناده منه أو من الأسلمى، فإنه يجعله تارة من مسند زيد بن أرقم، وتارة من مسند زياد بن مطرف، وقد رواه عنه مطين والباوردى وابن جرير وابن شاهين في " الصحابة " كما ذكر الحافظ بن حجر في " الإصابة " وقال:" قال ابن منده: " لا يصح ": قلت: في إسناده يحيى بن يعلى المحاربى. وهو واه ".
قلت: وقوله " المحاربى " سبق قلم منه. وإنما هو الأسلمى كما سبق ويأتى.
(تنبيه) لقد كان الباعث على تخريج هذا الحديث ونقده. والكشف عن علته. أسباب عدة، منها أنني رأيت الشيخ المدعو بعبد الحسين الموسوي الشيعي قد خرج الحديث في (مراجعاته)(ص 27) تخريجا أوهم به القراء أنه صحيح كعادته في أمثاله. واستغل في سبيل ذلك خطأ قلميا وقع للحافظ ابن حجر رحمه الله. فبادرت إلى الكشف عن إسناده، وبيان ضعفه، ثم الرد على الإيهام المشار إليه،
وكان ذلك منه على وجهين. فأنا أذكرهما، معقبا على كل منهما ببيان ما فيه فأقول:
الأول: أنه سابق الحديث من رواية مطين ومن ذكرنا معه نقلا عن الحافظ من رواية زياد بن مطرف، وصدره برقم (38) . ثم قال:
" ومثله حديث زيد بن أرقم.... " فذكره، ورقم له بـ (39) . ثم علق عليهما مبينا مصادر كل منهما، فأوهم بذلك أنهما حديثان متغايران إسنادا ! والحقيقة خلاف ذلك، فإن كل منهما مدار إسناده على الأسلمى، كما سبق بيانه غاية ما في الأمر أن الراوى كان يرويه تارة عن زياد بن مطرف عن زيد بن أرقم، وتارة لا يذكر فيه زيد بن أرقم ويوقفه على زياد بن مطرف، وهو مما يؤكد ضعف الحديث لاضطرابه في إسناده كما سبق.
والآخر: أنه حكى تصحيح الحاكم للحديث دون أن يتبعه بيان علته، أو على الأقل دون أن ينقل كلام الذهبي في نقده. وزاد في إيهام صحته أنه نقل عن الحافظ قوله في " الإصابة ". " قلت في إسناده يحيى بن يعلى المحاربى وهو واه ".
فتعقبه عبد الحسين (!) بقوله: " أقول: هذا غريب من مثل العسقلانى، فإن يحيى بن يعلى المحاربى ثقة بالاتفاق، وقد أخرج له البخاري
…
ومسلم.... ".
فأقول: أغرب من هذا الغريب أن يدير عبد الحسين كلامه في توهيمه الحافظ في توهينه للمحاربى، وهو يعلم أن المقصود بهذا التوهين إنما هو الأسلمى وليس المحاربى، لأن هذا مع كونه من رجال الشيخين، فقد وثقه الحافظ نفسه في " التقريب " وفى الوقت نفسه ضعف الأسلمى، فقد قال في الترجمة الأولى:
" يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربى الكوفي ثقة، من صغار التاسعة مات سنة ست عشرة ". وقال بعده بترجمة:
"
يحيى بن يعلى الأسلمى الكوفي شيعي ضعيف، من التاسعة ".
وكيف يعقل أن يقصد الحافظ تضعيف المحاربى المذكور وهو متفق على توثيقه، ومن رجال " صحيح البخاري " الذي استمر الحافظ في خدمته وشرحه وترجمة رجاله قرابة ربع قرن من الزمان؟! كل ما في الأمر أن الحافظ في " الإصابة " أراد أن يقول: "
…
. الأسلمى وهو واه " فقال واهما: " المحاربى وهو واه ".
فاستغل الشيعي هذا الوهم أسوأ الاستغلال. فبدل أن ينبه أن الوهم ليس في التوهين. وإنما في كتب " المحاربى " مكان الأسلمى. أخذ يوهم القراء عكس ذلك وهو أن راوى الحديث إنما هو المحاربى الثقة وليس الأسلمى الواهى! فهل في صنيعه هذا ما يؤيد من زكاه في ترجمته في أول الكتاب بقوله:
" ومؤلفاته كلها تمتاز بدقة الملاحظة.. وأمانة النقل ".
أين أمانة النقل يا هذا وهو ينقل الحديث من " المستدرك " وهو يرى فيه يحيى ابن يعلى موصوفا بأنه " الأسلمى " فيتجاهل ذلك، ويستغل خطأ الحافظ ليوهم القراء أنه المحاربى الثقة. وأين أمانته أيضا وهو لا ينقل نقد الذهبي والهيثمى للحديث بالأسلمى هذا؟! فضلا عن أن الذهبي أعله لمن هو أشد ضعفا من هذا كما رأيت، ولذلك ضعفه السيوطى في " الجامع الكبير " على قلة عنايته فيه بالتضعيف فقال:" وهو واه ".
وكذلك وقع في " كنز العمال " رقم (2578) ، ومنه نقل الشيعي الحديث دون أن ينقل تضعيفه هذا مع الحديث، فأين الأمانه المزعومه أين؟!
(تنبيه) أورد الحافظ ابن حجر الحديث في ترجمة زياد بن مطرف في القسم الأول من " الصحابة " وهذا القسم خاص كما قال في مقدمته، " فيمن وردت صحبته بطريق الروايه عنه أو عن غيره، سواء كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان، وقد كنت أولا
رتبت هذا القسم الواحد على ثلاثة أقسام، ثم بدا لي أن أجعله قسما واحدا، وأميز ذلك في كل ترجمة ".
قلت: فلا يستفاد إذن من إيراد الحافظ للصحابى في هذا القسم أن صحبتة ثابتة، ما دام أنه قد نص على ضعف إسناد الحديث الذي صرح فيه بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو هذا الحديث، ثم لم يتبعه بما يدل على ثبوت صحبته من طريق أخرى، وهذا ما أفصح بنفيه الذهبي في " التجريد " بقوله:(1 / 199) : " زياد بن مطرف، ذكره مطين في الصحابة، ولم يصح ".
وإذا عرفت هذا فهو بأن يذكر في المجهولين من التابعين أولى من أن يذكر في الصحابة المكرمين وعليه فهو علة ثالثة في الحديث.
ومع هذه العلل كلها في الحديث يريدنا الشيعي أن نؤمن بصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير عابئ بقوله صلى الله عليه وسلم: " من حدث عنى بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ". رواه مسلم في مقدمة " صحيحة " فالله المستعان.
وكتاب " المراجعات " للشيعى المذكور محشو بالأحاديث الضعيفة والموضوعة في فضل على رضي الله عنه، مع كثير من الجهل بهذا العلم الشريف، والتدليس على القراء والتضليل عن الحق الواقع. بل والكذب الصريح. مما لا يكاد القارئى الكريم يخطر في باله أن أحدا من المؤلفين يحترم نفسه يقع في مثله. من أجل ذلك قويت الهمة في تخريج تلك الأحاديث ـ على كثرتها ـ وبيان عللها وضعفها. مع الكشف عما في كلامه عليها من التدليس والتضليل. وذلك ما سيأتي بإذن الله تعالى برقم (4881 ـ 4975) .
893 (من سره أن يحيا حياتى، ويموت ميتتى، ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده، ثم قال لها " كونى فكانت " فليتول على بن أبى طالب من بعدى) .
موضوع: رواه أبو نعيم (1 / 86 و4 / 174) من طريق محمد بن زكريا الغلابى: ثنا بشر بن مهران: ثنا شريك عن الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة مرفوعا. وقال: " تفرد به بشر عن شريك "
قلت: هو ابن عبد الله القاضى وهو ضعيف لسوء حفظه.
وبشر بن مهران قال ابن أبى حاتم: " ترك أبى حديثه ". قال الذهبي: " قد روى عنه محمد بن زكريا الغلابى، لكن الغلابى متهم ". قلت: ثم ساق هذا الحديث. والغلابى قال فيه الدارقطنى: " يضع الحديث ". فهو آفته.
والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات"(1 / 387) من طرق أخرى، وأقره السيوطى في " اللآلئ "(1 / 368 ـ 369) ، وزاد عليه طريقين آخرين أعلهما، هذا أحدهما وقال:" الغلابى متهم ".
وقد روى بلفظ أتم منه، وهو:
894 " من سره أن يحيا حياتى، ويموت مماتى، ويسكن جنة عدن غرسها ربى فليوال عليا من بعدى، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدى. فإنهم عترتى، خلقوا من طينتى، رزقوا فهما وعلما، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتى، القاطعين فيهم صلتى، لا أنالهم الله شفاعتى ".
موضوع: أخرجه أبو نعيم (1 / 86) من طريق محمد بن جعفر بن عبد الرحيم: ثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم: ثنا عبد الرحمن بن عمران ابن أبى ليلى ـ أخو محمد بن عمران ـ: ثنا يعقوب بن موسى الهاشمى عن ابن أبى رواد عن إسماعيل بن أمية عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وقال:
" وهو غريب ".
قلت: وهذا إسناد مظلم، كل من دون ابن أبى رواد مجهولون. لم أجد ذكرهم. غير أنه يترجح عندي أن أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم إنما هو ابن مسلم الأنصارى الأطرابلسى المعروف بابن أبى الحناجر، قال ابن أبى حاتم (1 / 1 / 73) : "
كتبنا عنه وهو صدوق ". وله ترجمة في " تاريخ ابن عساكر" (2 / ق 113 ـ 114 / 1) .
وأما سائرهم فلم أعرفهم، فأحدهم هو الذي اختلق هذا الحديث الظاهر البطلان والتركيب، وفضل على رضي الله عنه أشهر من أن يستدل عليه بمثل هذه الموضوعات، التي يتشبث الشيعه بها، ويسودون كتبهم بالعشرات من أمثالها مجادلين بها في إثبات حقيقة لم يبق اليوم أحد يجحدها، وهى فضيلة على رضي الله عنه.
ثم الحديث عزاه في " الجامع الكبير "(2 / 253 / 1) للرافعى أيضا عن ابن عباس، ثم رأيت ابن عساكر أخرجه في " تاريخ دمشق " (12 / 120 / 2) من طريق أبى نعيم ثم قال عقبه:
" هذا حديث منكر، وفيه غير واحد من المجهولين ".
قلت: وكيف لا يكون منكرا، وفى مثل ذاك الدعاء! " لا أنالهم الله شفاعتى " الذي لا يعهد مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتناسب مع خلقه صلى الله عليه وسلم ورأفته ورحمته بأمته؟
وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها صاحب " المراجعات " عبد الحسين الموسوي نقلا عن كنز العمال (6 / 155 و217 ـ 218) موهما أنه في مسند الإمام أحمد، معرضا عن تضعيف صاحب الكنز إياه تبعا للسيوطى
…
... .
وكم في هذا الكتاب " المراجعات " من أحاديث موضوعات، يحاول الشيعي أن يوهم القراء صحتها وهو في ذلك لا يكاد يراعى قواعد علم الحديث حتى التي هي على مذهبهم إذ ليست الغاية عنده التثبت مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في فضل على رضي الله عنه، بل حشر كل ما روى فيه! وعلى رضي الله عنه كغيره من الخلفاء الراشدين والصحابة الكاملين أسمي مقاما من أن يمدحوا بما لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولو أن أهل السنة والشيعة اتفقوا على وضع قواعد في " مصطلح الحديث " يكون التحاكم إليها عند الاختلاف في مفردات الروايات، ثم اعتمدوا جميعا على ما صح منها، لو أنهم فعلوا ذلك لكان هناك أمل في التقارب والتفاهم فهيهات هيهات أن يمكن التقارب والتفاهم معهم. بل كل محاولة في سبيل ذلك فاشلة. والله المستعان.
انتهى كلام الشيخ العلامة، حفظه الله تعالى ونفعنا بعلمه.
هذه هي الأحاديث الثلاثة التي بدأ بها مراجعته، وكلها موضوعة مكذوبة، وما يأتي بعدها ليس بأحسن حالاً منها، وعددها ثلاثة عشر، وبالنظر إلى مراجعه التي جمع منها هذه الأحاديث نجد الآتى:
خمسة أحاديث من كتاب الصواعق المحرقة، وابن حجر الهيثمى أثبت بطلان عقيدة الرافضة، ولهذا ألف كتابه الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة. وقد بين في كتابه عدم صحة ما يستدلون به، وأنه معارض بالمتواتر والصحيح. والرافضى ينقل غير الصحيح الذي يؤيد باطله، متجاهلا ما يعارضه. ولذلك سأقف وقفة طويلة تغنينا عن الرجوع لما ينقل من كتاب الصواعق.
ونقل ثلاثة أحاديث من كنز العمال لم يصح منها شيء.
وباقى مراجعه هي: إسعاف الراغبين، والشرف المؤبد، والشفا، وإحياء الميت، والأربعين للنبهانى، وتفسير الثعلبى، وتفسير الزمخشري. وأخذ الأحاديث من هذه المراجع يدل على جهل أو تجاهل الرافضي للحديث وعلومه، والمنهج العلمى في الاستدلال بالسنة المطهرة.
فهذه الكتب كلها ليست من الكتب المعتمدة للسنن والآثار، فضلا عن أن تكون من الصحاح. بل إن هذه الكتب يكثر فيها الأخبار الباطلة مثل هذه الأخبار المنقولة.
*****
باب مدينة العلم
من الأحاديث التي استدل الرافضيان " أنا مدينة العلم وعلى بابها "، وأثبت هنا رد شيخ الإسلام على ابن المطهر.
قال رحمه الله تعالى:
وحديث: " أنا مدينة العلم وعلى بابها " أضعف وأوهى، ولهذا إنما يعدّ في الموضوعات، وإن رواه الترمذي، وذكره ابن الجوزي وبيّن أن سائر طرقه موضوعة، والكذب يعرف من نفس متنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مدينة العلم، ولم يكن لها إلا باب واحد، ولم يُبلّغ عنه العلم إلا واحد، فَسَدَ أمر الإسلام، ولهذا اتفق المسلمون على أنه لا يجوز أن يكون المبلغ عنه العلم واحدا، بل يجب أن يكون المبلغون أهل التواتر، الذي يحصل العلم بخبرهم للغائب.
وخبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرائن، وتلك قد تكون منتفية أو خفية عن أكثر الناس، فلا يحصل لهم العلم بالقرآن والسنن المتواترة.
وإذا قالوا: ذلك الواحد المعصوم يحصل العلم بخبره.
قيل لهم: فلابد من العلم بعصمته أولا. وعصمته لا تثبت بمجرد خبره قبل أن يعلم عصمته، فإنه دَوْر، ولا تثبت بالإجماع، فإنه لا إجماع فيها. وعند الإمامية إنما يكون الإجماع حجة، لأن فيهم الإمام المعصوم، فيعود الأمر إلى إثبات عصمته بمجرد دعواه، فعُلم أن عصمته لو كانت حقا لابد أن تعلم بطريق آخر غير خبره.
فلو لم يكن لمدينة العلم باب إلا هو، لم يثبت لا عصمته ولا غير ذلك من أمور الدين، فعلم أن هذا الحديث إنما افتراه زنديق جاهل ظنه مدحا، وهو مطرق الزنادقة إلى القدح في دين الإسلام، إذ لم يبلغه إلا واحد.
ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر؛ فإن جميع مدائن الإسلام بلغهم العلم عن الرسول من غير على. أما أهل المدينة ومكة فالأمر فيهما ظاهر، وكذلك الشام والبصرة؛ فإن هؤلاء لم يكونوا يروون عن على إلا شيئا قليلا، وإنما كان غالب
علمه في الكوفة، ومع هذا فأهل الكوفة كانوا يعلمون القرآن والسنة قبل أن يتولى عثمان، فضلا عن علىّ.
وفقهاء أهل المدينة تعلموا الدين في خلافة عمر، وتعليم معاذ لأهل اليمن ومقامه فيهم أكثر من على. ولهذا روى أهل اليمن عن مُعاذ بن جبل أكثر مما رووا عن على، وشريح وغيره من أكابر التابعين إنما تفقهوا على معاذ بن جبل. ولما قدم على الكوفة كان شريح فيها قاضيا. وهو وعبيدة السلمانى تفقها على غيره، فانتشر علم الإسلام في المدائن قبل أن يقدم على الكوفة.
وقال ابن حزم: " واحتج من احتج من الرافضة بأن عليا كان أكثرهم علما ". قال: " وهذا كذب، وإنما يعرف علم الصحابى بأحد وجهين لا ثالث لهما: أحدهما: كثرة روايته وفتاويه. والثانى: كثرة استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له. فمن المحال الباطل أن يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم من لا علم له. وهذه أكبر شهادة على العلم وسعته، فنظرنا في ذلك فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد ولى أبا بكر الصلاة بحضرته طول علته، وجميع أكابر الصحابة حضور، فعمر وعلى وابن مسعود وأبى وغيرهم، فهذا بخلاف استخلافه عليا إذا غزا، لأن ذلك على النساء وذوى الأعذار فقط، فوجد ضرورة أن يكون أبو بكر أعلم الناس بالصلاة وشرائعها، وأعلم المذكورين بها، وهى عمود الإسلام. ووجدناه أيضا قد استعمله على الصدقات، فوجب ضرورة أن يكون عنده من علم الصدقات كالذى عند غيره من علماء الصحابة، لا أقل، وربما كان أكثر، إذ قد استعمل غيره، وهو لا يستعمل إلا عالما بما استعمله فيه، والزكاة ركن من أركان الدين بعد الصلاة.
وبرهان ما قلناه من تمام علم أبى بكر بالصدقات أن الأخبار الواردة في الزكاة أصحها، والذى يلزم العمل به ولا يجوز خلافه فهو حديث أبى بكر، ثم الذي من طريق عمر. وأما من طريق على فمضطرب، وفيه ما قد تركه الفقهاء جملة، وهو أن في خمس وعشرين من الإبل خمسا من الشياه.
وأيضا فوجدناه صلى الله عليه وسلم استعمل أبا بكر على الحج، فصح ضرورة أنه أعلم من جميع الصحابة بالحج. وهذه دعائم الإسلام.
ثم وجدناه قد استعمله على البعوث، فصح أن عنده من أحكام الجهاد مثل ما عند سائر من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على البعوث، إذ لا يستعمل إلا عالما بالعمل، فعند أبى بكر من علم الجهاد كالذى عند على وسائر أمراء البعوث لا أقل.
وإذا صح التقدم لأبى بكر علَى علىّ وغيره في العلم بالصلاة والزكاة والحج، وساواه في الجهاد، فهذه عمدة للعلم.
ثم وجدناه صلى الله عليه وسلم قد ألزم نفسه في جلوسه ومسامرته وظعنه وإقامته أبا بكر، فشاهد أحكامه وفتاويه أكثر من مشاهدة على لها، فصح ضرورة أنه أعلم بها، فهل بقيت من العلم بقية إلا وأبو بكر المقدم فيها الذي لا يلحق؟ أو المشارك الذي لا يسبق؟ فبطلت دعواهم في العلم، والحمد لله رب العالمين.
وأما الرواية والفتيا، فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يعش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سنتين وستة أشهر، ولم يفارق المدينة إلا حاجا أو معتمرا، ولم يحتج الناس إلى ما عنده من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن كل من حواليه أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك كله فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنين وأربعين حديثا مسندة، ولم يرو عن على إلا خمسمائة وستة وثمانون حديثا مسندة، يصح منها نحو خمسين حديثا. وقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أزيد من ثلاثين سنة، فكثر لقاء الناس إياه وحاجتهم إلى ما عنده، لذهاب جمهور الصحابة، وكثر سماع أهل الآفاق، منه مرة بصفين، وأعواما بالكوفة، ومرة بالبصرة، ومرة بالمدينة، فإذا نسبنا مدة أبى بكر من حياته، وأضفنا تفرى على البلاد بلدا بلدا، وكثرة سماع الناس منه، إلى لزوم أبى بكر موطنه، وأنه لم تكثر حاجة من حواليه إلى الرواية عنه، ثم نسبنا عدد حديثه من عدد حديثه، وفتاويه من فتاويه، علم كل ذى حظ من علم أن الذي عند أبى بكر من العلم أضعاف ما كان عند على منه.
وبرهان ذلك أن مَنْ عُمّر من الصحابة عُمرا قليلا قلّ النقل عنه، ومن طال عمره منهم كثر النقل عنه إلا اليسير ممن اكتفى بنيابة غيره عنه في تعليم الناس. وقد عاش على بعد عمر سبعة عشر عاما غير أشهر، ومسند عمر خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثا، يصح منها نحو خمسين، كالذى عن على سواء، فكل ما زاد حديث علىّ علَى حديث عمر تسعة وأربعون حديثا في هذه المدة، ولم يزد عليه في الصحيح إلا حديث أو حديثان.
وفتاوى عمر موازية لفتاوى على في أبواب الفقه، فإذا نسبنا مدة من مدة، وضربا في البلاد من ضرب فيها، وأضفنا حديثا إلى حديث، وفتاوى إلى فتاوى، علم كل ذى حس علما ضروريا أن الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند على، ووجدنا مسند عائشة ألفى مسند ومائتى مسند وعشرة مسانيد، وحديث أبى هريرة خمسة آلاف مسند، وثلثمائة مسند، وأربعة وسبعون مسندا، ووجدنا مسند ابن عمر وأنس قريبا من مسند عائشة لكل واحد منهما، ووجدنا مسند جابر وابن عباس لكل واحد منهما، أزيد من ألف وخمسمائة، ووجدنا لابن مسعود ثمانمائة مسند ونيفا، ولكل من ذكرنا ـ حاشا أبى هريرة وأنس ـ من الفتاوى أكثر من فتاوى على أو نحوها، فبطل قول هذا الجاهل ".
إلى أن قال: " فإن قالوا: قد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عليا على الأخماس وعلى القضاء باليمن؟ قلنا: نعم، لكن مشاهدة أبى بكر لأقضية النبي صلى الله عليه وسلم أقوى في العلم وأثبت مما عند على وهو باليمن، وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على بعوث فيها الأخماس، فقد ساوى علمه علم على في حكمها بلا شك، إذ لا يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم إلا عالما بما يستعمله عليه، وقد صح أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يفتيان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم ذلك، ومحال أن يبيح لهما ذلك إلا وهما أعلم من غيرهما، وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا على القضاء باليمن مع على معاذا وأبا موسى الأشعرى، فلعلىّ في هذا شركاء كثير، منهم أبو بكر وعمر، ثم انفرد أبو بكر بالجمهور والأغلب من العلم ".