الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناقشة الروايات
هذه هي الروايات السبع، والرواية الأولى سندها ضعيف، إلا أن متنها صحيح وهو:" من كنت مولاه فعلى مولاه "، والروايات الأخرى تؤيده، كما أنه روى بطرق مختلفة عن غير الإمام على، حتى عده بعض رجال الحديث من المتواتر أو المشهور (1) .
وفى الروايتين الثالثة والخامسة نجد زيادة " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ". وفى الرابعة " وانصر من نصره، واخذل من خذله " ولكن نجد في السابعة " فزاد الناس بعد: وال من والاه، وعاد من عاداه ".
فهذه الرواية تنص على أن الزيادة ليست من قول الرسول صلى الله عليه وسلم.
والإشكال هنا أن هذه الروايات الأربع صحيحة السند، وفى المسند كذلك عن زيد بن أرقم عدة روايات في بعضها زيادة " اللهم وال من والاه، وعاد من
…
عاداه "، وفى بعضها إنكار لهذه الزيادة (2) ، وهذا يجعلنا نتوقف فلا نستطيع الحكم بأن هذا قول النبي الكريم أو زيادة الناس بعد إلا بمزيد من البحث للترجيح.
(1) انظر كشف الخلفاء 2/274 ، والرواية الساسة تتفق مع كثير من الروايات فيما عدا زيادة إنكار بعض الصحابة ودعاء الأمير عليهم، وهى ضعيفة السند بحمد الله تعالى، فاتفق هذا الضعف مع هذه الزيادة التي لم تأت في رواية صحيحة على الإطلاق، والتي لا تستقيم مع ماعرف عن الصحابة الكرام، فليس بمؤمن من يكتم شهادة حق، وهذه شهادة معروفة لا ضرر في إظهارها ولا خير في إنكارها، فلو كان هؤلاء ممن نافقوا لا من المؤمنين فلم يقدمون على هذا الكتمان؟ وأنى هذا إذا كان الجرم ينسب لأنس بن مالك وزيد بن أرقم وبراء بن عازب وغيرهم من أجلاء الصحابة! ثم أنى لمن تربى في بيت النبوة وتخلق بخلقها أن يدعو عليهم بدلاً من أن يدعو لهم! ولكن هذه الاتهامات لخير قرن ـ مع ضعفها ـ تعجب بعض الشيعة فيلتقطونها من أي مصدر لتأييدها وترويجها. (انظر مثلاً الغدير 1/191-195) .
(2)
انظر المسند ط الميمنية 4/368 - 373.
والمهم هنا دلالة المتن مع الزيادة أو بدونها، أيعتبر هذا نصاً في أن الخلافة يجب أن تكون للإمام على؟
سبق بيان أن الولى بمعنى المتولى للأمور والمستحق للتصرف فيها، وبمعنى الناصر والخليل، والقرآن الكريم عندما أمر بمولاة أقوام، أو نهى عن موالاة آخرين جاءت الموالاة بمعنى النصرة والمحبة، ولم تأت حالة واحدة بمعنى الولاية العامة على المؤمنين، وهذه الروايات تأمر بموالاة الإمام على ونصرته وتنهى عن معاداته وخذلانه، وهذا لا يخرج عن الاستعمال القرآنى كما هو واضح، فإذا كان النهى عن المعاداة والخذلان، فالأمر بالمحبة وهى الموالاة والنصرة، ولا مكان للخلافة هنا، ولو أرادها الرسول صلى الله عليه وسلم لكان التعبير بنص صريح لا يحتمل تأويلاً يخرجه عن معناه، ولكانت القرائن كذلك تؤيده.
ومما يدل على أن المراد بالموالاة المحبة والنصرة لا الخلافة، أن الإمام نشد الناس في الكوفة بعد أن آلت الخلافة إليه، وأهل الكوفة - ومن ذهب معه إليها - بايعوه بلا خلاف، ولكن أكثرهم خذلوه ولم ينصروه كما هو معلوم مشهور (1)
ولو كان المراد بالموالاة الخلافة لاحتج بهذا على الخلفاء الراشدين
(1) للإمام على خطب كثيرة تبين تخاذل هؤلاء الشيعة، يمكن الرجوع إليها في نهج
…
البلاغة - وعندما أغار سفيان بن عوف بجنده على الأنبار، ثم انصرفوا وافرين، خطب الإمام خطبة منها: " فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى، يغار عليكم ولا تُغيرون، وتُغزَون ولا تَغزُون، ويعصى الله وترضون! فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الصيف قلتم: هذه حمارةّ القيظ، أمهلنا يُسَّبح عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا فراراً من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون فأنتم والله من السيف أفر!
يا أشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت أنى لم أركم ولم أعرفكم! معرفة والله جرت ندماً، وأعقبت سدماً، قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبى قيحاً، وشحنتم صدرى غيظاً، وجرعتمونى نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم على رأيى
…
بالعصيان والخذلان، حتى قالت قريش: إن ابن أبى طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له* *بالحرب " (نهج البلاغة ص 53 -54) (ترحاً: هماً وحزناً أو فقراً - حمارة القيظ: شدة الحر - سبخ عنا الحر: خفف - صبارة الشتاء: شدة برده - القر بالضمة: البرد - ربات الحجال: النساء - السدم: الهم مع أسف أو غيظ - النغب: جمع نغبة كجرعة لفظاً ومعنى
…
- التهمام: الهم - أنفاساً: أي جرعة بعد جرعة) .
السابقين وعلى من بايعهم، وهذا لم يثبت على الإطلاق، ولم أجد في كتب السنة التي رجعت إليها رواية واحدة تذكر مثل هذا الاحتجاج.
وفى الفصل الأول ذكرت ما رواه البخاري ومسلم عن بيعة أبى الحسن للصديق، وليس فيها ذكر لشىء عن الغدير، ولم ينكر الإمام على أحقية الصديق ولا فضله، وسر المسلمون بذلك الموقف وقالوا لعلى: أصبت وأحسنت، وكانوا إليه قريباً حين راجع المعروف، أي حين بايع، ولو نشد المسلمين هنا لشهد المئات ممن حضر الغدير، ومنهم من شهد بعد ذلك بالفعل في الكوفة، ولكنه بين سبب تأخره عن البيعة بقوله لأبى بكر:" إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك، ولكنك استبددت علينا بالأمر، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيباً ". وعند البيعة أمام المسلمين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر وتشهد، وعظم حق أبى بكر، وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبى بكر، ولا إنكاراً للذى فضله الله به، " ولكننا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً، فاستبد علنا، فوجدنا في أنفسنا ".
فالإمام على قد وجد في نفسه لأنه لم يشرك في أمر الخلافة واستبد به غيره، وله ما يؤيد وجهة نظره، فأمر خطير كهذا لا يُقضى دون مشورة أبى الحسنين ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته فاطمة الزهراء، إلى جانب فضله وسبقه وعلمه. وعذر أبى بكر وعمر وسائر الصحابة كان واضحاً - كما يقول النووى - لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين، وخافوا من تأخيرها حصول خلاف ونزاع تترتب عليه مفاسد عظيمة، ولهذا أخروا دفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى عقدوا البيعة لأنها كانت أهم الأمور، كيلا يقع نزاع في مدفنه أو كفنه أو
غسله، أو الصلاة عليه أو غير ذلك، وليس لهم من يفصل الأمور، فرأوا تقديم البيعة أهم الأشياء.
فلو كانت الموالاة تعنى الخلافة لاحتج بها على الصديق ومن بايعه، ولما تمت البيعة أصلاً.
والشكوى التي من أجلها دافع الرسول صلى الله عليه وسلم عن أبى الحسن توضح أن المراد بالموالاه شىء آخر غير الخلافة، أو على أقل تقدير لا ترجح أن الخلافة هي المراد.
وتبين الشكوى كذلك السبب في أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا في خطبته الجامعة يوم عرفة في حجة الوداع، فلو كان المراد الخلافة لكان من الأرجح - إن لم يكن من المؤكد - أن يقال هذا في تلك الخطبة لا أن يقال بعد الشكوى (1) }
{) .
قال الآلوسى:
"
(1) ذكر صاحب كتاب المراجعات أن الشيخ سليم البشرى لم يقتنع فقط بقول الجعفرية في تفسير كلمة المولى التي وردت في روايات الغدير، بل كتب يخاطبه (ص 220) :" لو كان المراد الناصر أو نحوها ما سأل سائل بعذاب واقع، فرأيكم في المولى ثابت مسلم! ".
ولا أدرى أكان علامة زمانه شيخ الجامع الأزهر يجهل ما ذهب إلى جمهور المفسرين بلا خلاف من مكية سورة المعارج؟ لقد ذكرت من قبل ما ذهب إليه جمهور المفسرين، وموافقة الطوسي لهم، وهو شيخ طائفة الجعفرية، وكذلك إمام المفسرين عند الجعفرية، أكان شيخ الأزهر والمالكية جعفرياً أكثر من شيخ طائفتهم وإمام مفسريهم فاتخذ من السورة الكريمة ما يؤيد رأي صاحب المراجعات؟ أم أن هذا نُسب كذباً لشيخ الأزهر – ولم يطبع الكتاب إلا بعد وفاته – كدأب كثير من أصحاب الفرق عند البحث عن طريق يسلكونها لتأييد مذهبهم؟ وقد رأينا من قبل ما نسبه صاحب الغدير لشيخ المفسرين الطبري! وسبق في ص 137 ما نسب للشيخ البشرى، المسألة إذن تحتاج إلى نظر! وقد دعانى هذا إلى تأليف كتاب " المراجعات المفتراة على شيخ الأزهر البشرى " أثبت به يقيناً براءة الشيخ البشرى مما نسب له، وبينت بالأدلة ضلال عبد الحسين مؤلف المراجعات، بل كفره وزندقته.
ربما يستدل على أن المراد بالولاية المحبة بأنه لم يقع التقييد بلفظ بعدى، والظاهر حينئذ اجتماع الولايتين في زمان واحد. ولا يتصور الاجتماع على تقدير أن يكون المراد أولوية التصرف بخلاف ما إذا كان المراد المحبة " (1) .
وإذا كان عدم التقييد بلفظ بعدى في جميع الروايات السابقة يؤيد ما ذهب إليه الآلوسى، فإنى وجدت روايات فيها التقييد، وربما يستدل بها على أن المراد بالولاية أولوية التصرف، ويحمل المطلق على المقيد حينئذ، وهذه الروايات نجدها في المسند وسنن الترمذي، ففيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" إن علياً منى وأنا منه، وهو ولى كل مؤمن بعدى"(2) وزاد الترمذي: " هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من جعفر بن سليمان ". وجعفر هذا نجده في رواية الإمام أحمد كذلك، ثم انفرد برواية أخرى عن طريق غير جعفر وفيها:" وإنه منى وأنا منه، وهو وليكم بعدى "(3) .
وجعفر بن سليمان من شيعة البصرة، وهو متكلَّم فيه: وثقة ابن معين وعباس وابن حبان والبزار. قال ابن سعد: كان ثقة وبه ضعف، وكان يتشيع.
وقال أبو طالب عن أحمد: لا بأس به. قيل له: إن سليمان بن حرب يقول لا يكتب حديثه؟ فقال: إنما كان يتشيع، وكان يحدث بأحاديث في فضل على، وأهل البصرة يغلون في على. قلت عامة حديثة رقاق؟ قال:
نعم، كان قد جمعها وكان يحيى بن سعيد لا يروى عنه، وكان يستضعفه. وكان عبد الرحمن بن مهدى يستثقل حديثه.
(1) تفسير الآلوسى 2/351.
(2)
المسند ط الميمنية 4/438، والترمذى – كتاب المناقب – باب مناقب على بن أبى طالب رضي الله عنه.
(3)
المسند 5 / 365.
وقال البخاري: يقال كان أميّاً، وقال في الضعفاء، يخالف في بعض أحاديثه. وقال ابن المديني: هو ثقة عندنا، وقال أيضاً: أكثر عن ثابت، وبقية أحاديثه مناكير.
وقال ابن شاهين في المختلف فيهم: إنما تكلم فيه لعلة المذهب، وما رأيت من طعن في حديثه إلا ابن عمار يقول: جعفر بن سليمان ضعيف.
وبغير ترجيح لتوثيق جعفر بن سليمان أو تضعيفه يمكن القول بأن حديثاً ينفرد به ويتصل بمذهبه لا يرقى إلى مرتبة الاحتجاج.
والرواية الأخرى للإمام أحمد نجد في سندها الأجلح الكندى (1) ، وهو من شيعة الكوفة، ومتكلَّم فيه أيضاً، وثقه ابن معين والعجلى وابن عدى، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة حديثة لين.
وقال أحمد: روى الأجلح غير حديث منكر.
وقال القطان: في نفسى منه شىء. وقال أيضاً: ما كان يفصل بين الحسين ابن على وعلى بن الحسين، يعنى أنه ما كان بالحافظ. وقال ابن حبان: كان لا يدرى ما يقول، جعل أبا سفيان أبا الزبير.
وضعفه أبو داود والنسائى وأبو حاتم، وقال ابن سعيد: كان ضعيفاً جداً، بل وصمه الجوزجانى بالافتراء. إذن فهذه الرواية التي انفرد بها أحمد عن الأجلح لا يحتج بها، ولا توجد روايات فيها تقييد بلفظ بعدى، وبذا يظل ما ذكره الآلوسى صحيحاً.
(1) انظر ترجمة كل منهما في تهذيب التهذيب.