الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولئك الذين وضعوا أجسامهم عليها ضحايا للحق، وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى، ليخشع ويخضع، ويتلازم الوضع والرفع، ويحتقر هذه الدنيا الزائفة، وزخارفها الزائلة، ولعل هذا هو المقصود من أن السجود عليها يخرق الحجب السبع " (1) .
وقد ناقشنا ذلك من قبل في الفصل السابق (2) وبينا مدى مغالاة الشيعة في نظرتهم إلى التربة الحسينية، وحاولنا تعليل ذلك، فلا مدعاة إذن لتكرار ما ذكر.
خامسا: التكلم في الصلاة
اتفق الشيعة مع المذاهب الأربعة على منع التكلم فى أثناء الصلاة، ولكنهم اختلفوا فى نقاط ثلاث، فقد أجاز الشيعة تشميت العاطس وأوجبوا رد السلام، وحرموا قول آمين آخر الحمد على خلاف بينهم؛ فالكثرة الغالبة تذهب إلى القول بالتحريم وبطلان الصلاة، وذهب بعضهم إلى الحرمة دون البطلان، وقيل بالكراهية فقط (3) .
أما المذاهب الأربعة فقد منعوا رد السلام، وتشميت العاطس واستحبوا قول آمين، إلا أن الإمام مالكا جعل التأمين للمأموم دون الإمام (4) .
(1) الأرض والتربة الحسينية للإمام محمد الحسين آل كاشف الغطاء: ص 170 ـ 180، ملحق بكتاب: الوضوء فى الكتاب والسنة.
(2)
انظر: " سادس عشر " من الفصل السابق.
(3)
انظر: مفتاح الكرامة ـ كتاب الصلاة: 1 / 367 ـ 369، 2 / 37 ـ 45.
(4)
انظر: المبسوط 1 / 32 ـ 33، و170 ـ 171، والمدونة 1 / 71، 99 ـ 100 والأم 1 / 94 ـ 95، و107، والمغنى 1 / 532 ـ 533، و715 ـ 716.
واستدل الشيعة على وجوب رد السلام بقوله تعالى: "" وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ""(1) .
قال صاحب كنز العرفان: " إذا سلم أحد على المصلى وجب عليه الرد، لإطلاق الأمر بالرد المتبادل لحال الصلاة وغيرها، وليس هو من كلام الآدميين فيدخل تحت النهي، لأن هذه الصيغة وردت فى القرآن "(2) .
واستدلوا كذلك بروايات عن أئمتهم، كرواية عثمان بن عيسى عن الإمام الصادق قال:" سألته عن الرجل يسلم عليه فى الصلاة، قال: يرد بقوله: سلام عليكم، ولا يقول: عليكم السلام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائما يصلى، فمر به عمار بن ياسر، فسلم عليه، فرد عليه النبى صلى الله عليه وسلم وهكذا "(3) .
وعن محمد بن مسلم قال: " دخلت على أبى جعفر عليه السلام وهو فى الصلاة، فقلت: السلام عليك. فقال: السلام عليك. قلت: كيف أصبحت؟ فسكت. فلما انصرف قلت له: أيرد السلام وهو فى الصلاة؟ قال: نعم مثل ما قيل له "(4) .
وأجازوا تشميت العاطس، مستندين إلى روايات عن أئمتهم، مثل ما روى عن أبى بصير:" قلت له (أي للإمام الصادق) : أسمع العطسة، فأحمد الله، وأصلى على النبى وأنا فى الصلاة؟ قال نعم ولو كان بينك وبين صاحبك البحر "(5) .
(1) سورة النساء: الآية (86) .
(2)
ص 71، وانظر كذلك: المعتبر 198، والانتصار 27.
(3)
المعتبر ص 198.
(4)
المرجع السابق: 198.
(5)
المرجع السابق ص 197.
أما قول آمين فقد اعتبروه من الكلام المنهي عنه فى الصلاة، واحتجوا بما روى عن أئمتهم، كقول الإمام الصادق: " إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد، وفرغ من قراءتها، فقل أنت: الحمد لله رب العالمين، ولا تقل آمين (1) .
ونلاحظ فيما سبق أن استدلالهم بالآية الكريمة يصح إذا لم يكن لها ما يخصصها، وأن آراءهم تتعلق بمدى صحة رواياتهم، والأخذ بها، وإلا فلا يمكن أن يكون التأمين كلاما منهيا عنه فى الصلاة، على حين يجوز تشميت العاطس، فالمسألة إذن تتعلق بالأدلة النقلية.
ومن المعروف أن التكلم كان مباحا فى الصلاة، ثم نهي المسلمون عنه، فقد ثبت ما يفيد ذلك، كرواية زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم فى الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه فى الصلاة، حتى نزلت (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام ". رواه الجماعة إلا ابن ماجه (2) .
وينطبق هذا على رد السلام، وتشميت العاطس، فقد ثبت النهي عنهما، فعن ابن مسعود قال:" كنا نسلم على النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى الصلاة، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشى، سلمنا عليه فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك فى الصلاة فترد علينا، فقال: " إن فى الصلاة لشغلا " متفق عليه. وفى رواية: " كنا نسلم على النبى صلى الله عليه وسلم إذ كنا بمكة قبل أن نأتى أرض الحبشة، فلما قدمنا من أرض الحبشة أتيناه، فسلمنا عليه، فلم يرد، فأخذنى ما قرب وما بعد حتى قضوا الصلاة، فسألته، فقال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإنه
(1) الاستبصار 1 / 318.
(2)
انظر: نيل الأوطار 2 / 360.
والبخارىـ كتاب العمل فى الصلاة: باب ما ينهي من الكلام فى الصلاة.
ومسلم ـ كتاب المساجد ـ باب تحريم الكلام فى الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته.
قد أحدث من أمره أن لا نتكلم فى الصلاة " رواه أحمد والنسائى وأبو داود وابن حبان فى صحيحه (1) .
وعن معاوية بن الحكم السلمى قال: " بينما أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرمانى القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أماه! ما شأنكم تنظرون إلى؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتوننى لكنى سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبى وأمى ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فو الله ما كهرنى، ولا ضربنى، ولا شتمنى، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيىء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ". رواه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود، وأخرجه أيضا ابن حبان والبيهقى (2) .
ومن الواضح أن روايات الشيعة حتى إذا صحت لا يؤخذ بها، فالأحاديث التى وردت عن طريق أهل السنة قد بينت أن ذلك كان مباحا ثم نهي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) .
وأما التأمين فقد وردت عن طريق السنة عدة روايات تدل على مشروعيته، فعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أمن الإمام فأمنوا، فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ". وقال ابن شهاب: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين ". رواه الجماعة إلا أن الترمذى لم يذكر قول ابن شهاب، وفى رواية " إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول آمين، وإن الإمام يقول آمين، فمن وافق
(1) انظر نيل الأوطار 2 / 363.
(2)
نفس المرجع ص 363 ـ 364، وصمته: أسكته. والكهر: القهر، والانتهار، واستقبالك إنساناً بوجه عابس تهاوناً به. (انظر المادتين فى القاموس المحيط) .
(3)
يقول السيد محسن الحكيم فى تشميت العاطس:
البناء على جوازه فى الصلاة محل تأمل أو منع اللهم إلا أن يكون إجماع، لكنه غير ثابت، ولا سيما بملاحظة استدلال كثير منهم على الحكم بأن الدعاء غير مبطل للصلاة، مما يوجب كون الإجماع معلوم المستند، فيسقط عن الحجية، ولا سيما بملاحظة خبر آيات عن جعفر:
…
" فى رجل عطس فى الصلاة فسمته رجل "، فقال:" فسدت صلاة ذلك الرجل "(متمسك العروة الوثقى 6 / 492) .
ولكنه ذهب إلى وجوب رد السلام فى الصلاة ـ انظر المرجع السابق 6 / 474 ـ 475.
تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه أحمد والنسائى.
وعن وائل بن حجر قال: " سمعت النبى صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقال: آمين يمد بها صوته ". رواه أحمد وأبو داود والترمذى، وأخرجه أيضا الدارقطنى وابن حبان، إلى غير ذلك من الروايات التى تدل على مشرعية التأمين (1) .
فالكلمة تدل على الدعاء، وليست كلاما خارجا عن الصلاة، ويؤيد مشروعيتها ما ورد عن طريق الشيعة من أن الإمام الصادق سئل عن قول الناس فى الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب " آمين " قال: ما أحسنها؟ واخفض بها الصوت (2) .
وقد حمل بعضهم هذه الرواية على التقية، وهذا بعيد، فلو كان القول تقية فلم خفض الصوت؟
فالأولى إذن إسقاط الروايات التى تنهي عن التأمين، بدلا من إسقاط هذه الرواية، أو حملها على التقية، فالأحاديث التى تدل على مشروعيته كثيرة، ووردت من طرق صحيحة مختلفة، ولا جدال أن الدعاء مشروع فى الصلاة، وكونها اسم فعل وليست بفعل لا يخرجها عن قصد الدعاء، وهذا هو السيد محسن
(1) انظر نيل الأوطار 2 / 244 ـ 247، وصحيح البخارى: كتاب الأذان باب جهر الإمام بالتأمين، وباب فضل التأمين، وباب جهر المأموم بالتأمين، وصحيح مسلم: كتاب الصلاة: باب التسميع والتحميد والتأمين، وأبو داود والترمذى: الصلاة: باب التأمين وراء الإمام، والنسائى: كتاب الإمامة، باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم.
(2)
انظر الاستبصار 2 / 318.