الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سابعا: صلاة الجنازة
رأينا من قبل كيف أن الشيعة أجازوا صلاة الجنازة بغير طهارة، وناقشناهم فيما ذهبوا إليه. وهنا نراهم يذهبون إلى أن عدد التكبيرات في الصلاة خمس، وأن الانصراف منها بلا تسليم.
وإذا كان الحنفية والمالكية والشافعية يذهبون إلى أن التكبير أربع فقط، ففى رواية عن أبى يوسف أنها خمس، والحنابلة يذهبون إلى جواز ذلك، حيث إنهم لا يجيزون الزيادة على سبع ولا النقصان عن أربع، والأولى عندهم أربع لا يزاد عنها.
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كبر أربعاً وخمساً وأكثر من ذلك، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الصحابة حين اختلفوا في عدد التكبيرات، وقال لهم: إنكم اختلفتم، فمن يأتى بعدكم أشد اختلافاً، فانظروا آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فخذوا بذلك، فوجدوه صلى على امرأة كبر عليها أربعاً، فاتفقوا على ذلك، وكأن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة فى سائر الصلوات، وليس في المكتوبات زيادة على أربع ركعات، ولكن ابن أبى ليلى رحمه الله يقول: التكبيرة الأولى للافتتاح فينبغى أن يكون بعدها أربع تكبيرات، كل تكبيرة قائمة مقام ركعة، وأكثر أهل العلم يرون التكبير أربعا، فمنهم ـ إلى جانب من ذكر ـ ابن عمر، وزيد بن ثابت، وجابر، وابن أبى أوفى، والحسن بن على، والبراء بن عازب، وأبو هريرة، وعقبة بن عامر، وابن الحنفية، وعطاء، والأوزاعي، والثوري، وقد ذهبوا إلى ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعاً. متفق عليه. وكبر على قبر بعد ما دفن
أربعاً، وكذلك آخر ما كبر على الجنائز كان أربعاً، وجمع عمر الناس على أربع كما سبق، ولأن أكثر الفرائض لا تزيد على أربع (1) .
وكان من الممكن ألا نناقش هذا الخلاف، فمع أن الأربع رأي من ذكرنا وحجتهم واضحة، إلا أن الخمس قال بها أبو يوسف، وأجازها الحنابلة، وأخذ بها ابن أبى ليلى، وكل قد روى عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أن أصحاب عبد الله بن مسعود قالوا له: إن أصحاب معاذ يكبرون على الجنائز خمساً فلو وقت لنا وقتاً. فقال: إذا تقدمكم إمامكم فكبروا ما يكبر، فإنه لا وقت ولا عدد (2) . وروى عنه أنه قال: التكبير تسع وسبع وخمس وأربع، وكبر ما كبر الإمام (3) .
مثل هذا أيضا قد روى عن طريق الشيعة، فقد رووا أن أبا جعفر الباقر سئل عن التكبير على الجنازة هل فيه شيء موقت؟ فقال: لا، كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد عشر، وتسعاً، وسبعاً، وخمساً، وستاً، وأربعاً. ورووا عن الإمام على أنه كبر خمساً وأربعاً (4) .
ومع هذا فهم يأبون إلا الخلاف؛ فقالوا بالخمس، وأجازوا ما زاد، ولم يجيزوا الأربع إلا مع التقية، أو كون الميت مخالفا لهم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ـ في زعمهم ـ يصلى على المؤمنين فيكبر خمساً، وعلى المنافقين فيكبر أربعاً (5) .
(1) انظر المبسوط 2 / 63، والأم 1 / 239، وحاشية الدسوقى 1 / 411، والمغنى
…
2 / 392 ـ 394، وبداية المجتهد 1 / 240، ونيل الأوطار 4 / 98 ـ 101، وسبل السلام 2 / 101 ـ 103.
(2)
انظر المغنى 2 / 293.
(3)
انظر: نيل الأوطار 4 / 100.
(4)
انظر: وسائل الشيعة 3 / 423، ص 416.
(5)
انظر المرجع السابق ص 410 – باب وجوب تكبيرات الخمس في صلاة الجنازة وإجزاء الأربع مع التقية، أو كون الميت مخالفا.
فهم بذلك ينزلون المخالفين لهم من المسلمين كافة منزلة المنافقين الذين هم فى الدرك الأسفل من النار (1) .
ويلعب الخيال الشيعى الوضاع هنا دوره كذلك فيروون روايات منها: إن علة التكبير على الميت خمساً أن الله أخذ من كل فريضة تكبيرة للميت، فأخذ من الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية، وإن العلة فى ترك العامة ـ يعنى باقى المسلمين ـ تكبيرة: أنهم أنكروا الولاية وتركوا تكبيرها (2) .
ويحتج الشيعة هنا بإجماعهم، وبروايات منها ما يروونه عن الإمام الصادق:" لما مات آدم فبلغ إلى الصلاة عليه، فقال هبة الله لجبرئيل: تقدم يا رسول الله فصل على نبى الله، فقال جبرائيل: إن الله أمرنا بالسجود لأبيك، فلسنا نتقدم أبرار ولده، وأنت من أبرهم، فتقدم فكبر عليه خمساً عدة الصلوات التى فرضها الله على أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهي السنة الجارية فى ولده إلى يوم القيامة "(3) .
ومنها ما يروونه عن أئمتهم أنهم قالوا: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلى على المؤمنين ويكبر خمساً، ويصلى على أهل النفاق ـ سوى من ورد النهي عن الصلاة عليهم ـ فيكبر أربعاً، فرقاً بينهم وبين أهل الإيمان، وكانت الصحابة إذا رأته قد صلى على ميت وكبر أربعاً قطعوا عليه بالنفاق "(4) .
ولهذا خرجوا الروايات التى تذكر الأربع على أن الصلاة كانت على منافقين، أو على التقية كما ذكرنا آنفا.
(1) يرون في الصلاة علي المنافق الدعاء عليه، وبعضهم يفسر المنافق بالناصب، وآخرون يرونه كل مخالف مطلقا (انظر مفتاح الكرامة، كتاب الطهارة ص 480) .
(2)
انظر نفس المرجع ص 417، وانظر المسح علي الخفين في الفصل السابق تجد رواية فيها التكبير علي الجنائز خمس تكبيرات، وقد بينا أنها موضوعة.
(3)
وسائل الشيعة 3 / 413.
(4)
نفس المرجع ص 416، وانظر لاستدلالاتهم كذلك: الحقائق جـ 2 45 ـ 74.
ولا ندرى كيف أن الصلاة على آدم كانت بخمس تكبيرات، وأن هذه هي السنة إلى يوم القيامة؟ (1) ومن الذى عنده علم هذا ما دام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يخبرنا به؟
وإذا كان الرسول يعلم هذا فلم يخرج على هذه السنة فيصلى بغير الخمس كما ورد عن الطريقين؟
ثم أنى للرسول الكريم أن يصلى على المنافقين بعد أن نهاه ربه سبحانه عن ذلك في قوله تعالى: "" وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ ""(2) فهذه الآية الكريمة تشمل المنافقين جميعا، فمن إذن أولئك المنافقون الذين لم يرد النهي بالصلاة عليهم؟
وإذا كان الصحابة يعلمون أن تكبير الأربع لا يكون إلا في الصلاة على المنافق، فكيف بهم إذن يجتمعون فى عهد عمر على الأربع (3) .
(1) وفي إحدي رواياتهم أن هبة الله كبر خمسا وسبعين تكبيرة بعدد صفوف الملائكة الذين صلوا عليه، وفي أخري أنه كبر خمسا وسبعين تكبيرة: سبعين لآدم، وخمسا لأولاده، وفي ثالثة أن السبعين تفضلا لآدم، والخمس للسنة (انظر الوسائل 3 / 423، 430) وهذا الاضطراب نتيجة حتمية لمن قال بغير علم.
(2)
84: التوبة.
(3)
تري - معاذ الله - هل وهم هؤلاء أيضا، وظل هذا الوهم إلي أن اكتشفه صاحب كتاب الحقائق حيث يقول (2 / 48 - 49) :" تكبيره - أي الرسول الكريم - خمسا كان علي المؤمنين، وتكبيره أربعا كان علي المنافقين، ومن هنا وهم إخواننا فعملوا علي الأربع "!
وفي رواية لابن عبد البر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن صلي علي النجاشي وكبر أربعا، ثبت علي هذا التكبير حتي توفاه الله (انظر: سبل السلام 2 / 103، وبداية المجتهد 1 / 240) فهل معني ذلك أن إخوانه السنة لم ينتبهوا إلي أن النجاشي ومن صلي عليهم الرسول بعده، كانوا جميعا منافقين؟! سبحانك ربي هذا بهتان عظيم! كان الأجدر بصاحب الحقائق أن يبحث عن الحقائق بحثا جادا نزيها بلا تعصب، بدلا من أن ينسب الوهم لجمهور المسلمين.
فما ذهب إليه الشيعة يرفضه الكتاب الكريم، والسنة الشريفة، وإجماع الكثيرين من الصحابة الأجلاء، وليس لهم من مستند إلا حب الخلاف، وإجماعهم الذى لا جدوى منه، والذى دفعهم إلى الوضع والتحريف.
وأما إسقاطهم التسليم، فكما قلنا من قبل، عند إسقاطهم الطهارة بأن هذه صلاة مفروضة، والمشرع هو الذى أسقط الركوع والسجود، فليس من حق أحد غيره أن يسقط شيئا آخر (1) .
على أنا إذا نظرنا فى روايات الشيعة وجدنا منها عددا يشترط التسليم، وحمل هذه الروايات على التقية فيه من التناقض ما لا يقبله العقل فإنها تذكر خمس تكبيرات، وبلا قراءة، وفيها دعاء للميت (2) .
فمعنى هذا فى مذهبهم أنها صلاة على من ليس بمخالف، فلو كانت هذه الروايات وردت مورد التقية لاقتضى المذهب الشيعي أن تكون التكبيرات أربعاً، وأن تكون الصلاة بقراءة، فإنهم يجيزون الأربع والقراءة تقية، لأن ذلك مذهب أكثر السنة، فأما أن تأتى الروايات بالشروط التي يرونها كاملة، حتى إذا ما انتهت بالتسليم حملوه على التقية فهذا عين التناقض.
وأعجب من هذا أن بعضهم يرى أن التسليم زيادة عن حمله على التقية يمكن كونه كناية عن الانصراف، ويحمل كونه سنة خارجة عن صلاة الجنازة لاستحباب التسليم عند المفارقة (3) .
فأيهما أولى بالحمل على الكناية: أن نحمل " ثم تنصرف " التى وردت فى بعض رواياتهم على الانصراف المعهود وهو بالتسليم، أم أن نحمل التسليم على
(1) انظر ما سبق عن التيمم.
(2)
انظر: وسائل الشيعة 3 / 397: الرواية السادسة، وص 399: الروايتين العاشرة والحادية عشرة.
(3)
انظر المرجع السابق ص 435.
الإنصراف بدون تسليم؟ على أن إحدى رواياتهم ورد فيها " فإذا فرغت من الصلاة على الميت انصرفت بتسليم ".
ثم إذا كان التسليم سنة خارجة عن صلاة الجنازة فلم يذكر في بيان كيفية الصلاة؟
لابد إذن من التسليم كسائر الصلوات، ورواياتهم التى تعارض هذا لا يمكن الأخذ بها، فهي إلى جانب معارضتها بروايات لا تقل عنها، نرى في بعضها ظهور وضعه لنصرة الرأي، فمثلاً يروون عن أبى الحسن الرضا أنه سئل عن الصلاة على الميت فقال:" أما المؤمن فخمس تكبيرات، وأما المنافق فأربع، ولا سلام فيها ".
وقد أثبتنا في التكبير خطأ هذا الرأي، مما يؤدى إلى إسقاط مثل هذه الرواية.
وفى وسائل الشيعة (2/ 762: 819) نجد أبواب صلاة الجنازة، وفى الأخبار التي ينسبونها كذباً للأئمة الأطهار نرى ما يؤيد ما سبق من أقوالهم الضالة من كون التكبيرات لا تكون أربعاً إلا مع التقية أو كون الميت منافقاً، أو مخالفاً للشيعة الرافضة.
وصلاة الجنازة إنما شرعت للدعاء للميت، وطلب الرحمة والمغفرة له، ولذلك نهي الله عز وجل، رسوله ـ صلى الله عليه وسلم، عن الصلاة عمن لا يستحقون الرحمة والمغفرة وإن تظاهروا بالإسلام وهم المنافقون حيث قال جل شأنه في سورة التوبة (84) :"" وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ "". وكان صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين بحكم الظاهر معاملة المسلمين، حتى نزلت هذه الآية، فما صلى بعدها على منافق ولا قام على قبره حتى قبض صلى الله عليه وسلم.
ولكن الرافضة جعلوا الصلاة على غيرهم من الموتى على عكس ما شرعه الله تبارك وتعالى، وجاءوا إفكاً وزوراً بما لا يتفق مع أخلاق المسلمين، فضلاً
عن خلق خير البشر صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، حيث جعلوا الصلاة للدعاء على الميت وليس الدعاء له ما دام الميت لم يكن من غلاة الرافضة وزنادقتهم.
وأكتفي هنا بالنظر في باب واحد من هذه الأبواب، فإنه يكشف حقيقة هؤلاء القوم بما لا يدع مجالاً للشك أو التبرير.
وهذا الباب هو " كيفية الصلاة على المخالف، وكراهة الفرار من جنازته إذا كان يظهر الإسلام ". (ص 769: 771) . فالباب إذن يتحدث عن كيفية الصلاة على من خالف الرافضة، فكيف تكون هذه الصلاة التى ابتدعها زنادقة هؤلاء القوم؟
يتضمن الباب سبع روايات، إحداها بلغ الوضاعون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والباقيات منسوبة للأئمة.
والروايات الستة تتحدث عن المخالفين، لكن بعضهم يصف المخالف بالنفاق، وبعضها يذكر أن الميت كان من بنى أمية، وكلها تذكر الدعاء على الميت مثل ما نسبوه للإمام الصادق في الرواية الأولى:" اللهم فاحش قبره نارا واحش جوفه ناراً، وعجل به إلى النار، فإنه كان يوالى أعداءك، ويعادى أولياءك، ويبغض أهل بيت نبيك. اللهم ضيق عيه قبره ".
وما نسبوه للإمام الحسين ـ رضي الله تعالى عنه ـ فى الرواية الثانية أنه رفع يديه فقال: " اللهم أخزِ عبدك في عبادك وبلادك، اللهم اصله أشد نارك، اللهم أذقه حر عذابك، فإنه كان يتولى أعداءك، ويعادى أولياءك، ويبغض أهل بيت نبيك ".
وما نسبوه لأبى جعفر الباقر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه قال في الرواية الخامسة: " إن كان جاحداً للحق فقل: اللهم املأ جوفه ناراً، وقبره ناراً، وسلط عليه الحيات والعقارب ".