الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: الصلاة
أولاً: الجمع بين الصلاتين
اختلف الشيعة فيما بينهم فى تحديد مواقيت الصلاة (1) والروايات التى رووها عن النبى صلى الله عليه وسلم تتفق مع روايات أهل السنة، كالرواية المشهورة عن جبريل عليه السلام، والروايات التى خالفت ذلك تنتهي إلى أئمتهم (2) . وهم فى اختلافهم لا ينفردون بالرأي، فمنهم من حدد المواقيت كالسنة، ولكنهم انفردوا بالقول دون المذاهب الأربعة، بإجازتهم الجمع بين الصلاتين بلا عذر، فلم يوافقهم أي مذهب منها (3) .
وقد استدل الشيعة بعدة أحاديث مؤداها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، من غير خوف، ولا مطر، ولا سفر، توسعة لأمته، ومنعا للحرج عن المسلمين، إلى جانب روايات أخرى عن أئمتهم (4) .
وإذا نظرنا في روايات السنة وجدنا ما يوافق أحاديثهم: كرواية ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء " متفق عليه، وفى رواية أخرى:
(1) انظر: مفتاح الكرامة ـ كتاب الصلاة 1/13 ـ29.
(2)
انظر وسائل الشيعة ومستدركاتها جـ 5 باب أوقات الصلوات الخمس ص166 ـ 177.
(3)
انظر: المبسوط 1 / 194 والموطأ 1 / 123 والأم 1 / 65 والمغنى 2 / 121.
(4)
انظر الوسائل ومستدركاتها جـ 5: باب جواز الجمع بين الصلاتين لغير عذر ص 225 وما بعدها.
" جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته "(1) .
وقد خرج أصحاب المذاهب الأربعة مثل هذه الرواية على الجمع الصوري، بأن يصلى الظهر في آخر وقته، والعصر في أول وقته، وكذلك المغرب والعشاء، أو أن ذلك كان لعذر كمرض أو مطر، أو غير ذلك، ولهم ما يؤيد وجهة نظرهم (2) .
ولكنا وجدنا آخرين: كابن سيرين وربيعة وابن المنذر وغيرهم، يستدلون بهذا على جواز الجمع مطلقا بشرط ألا يتخذ ذلك خلقا وعادة (3) ، ووجدنا من علماء السنة المعاصرين من يؤيد الأخذ برواية الجمع دفعا للحرج والمشقة (4) .
(1) راجع صحيح البخاري: كتاب مواقيت الصلاة: باب تأخير الظهر إلى العصر، وفتح البارى 2/ 24، وباب وقت المغرب، وكتاب التهجد: باب من لم يتطوع بعد المكتوبة، وفيه الجمع الصوري.
وراجع صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها ـ باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، وانظر شرح النووي 2/356:359.
وانظر نيل الأوطار 1/264 باب جمع المقيم لمطر أو غيره.
(2)
انظر مراجع أهل السنة السابقة، وبداية المجتهد 1 / 174 وما بعدها.
(3)
انظر الموضع السابق من نيل الأوطار.
(4)
أورد الشيخ أحمد شاكر ما حكى عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأسا أن يجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شيء، ما لم يتخذه عادة، ثم قال:" وهذا هو الصحيح الذى يؤخذ من الحديث، وأما التأول بالمرض أو العذر أو غيره فإنه تكلف لا دليل عليه، وفى الأخذ بهذا رفع كثير من الحرج عن أناس قد تضطرهم أعمالهم، أو ظروف قاهرة، إلى الجمع بين الصلاتين، ويتأثمون من ذلك ويتحرجون، ففى هذا ترفيه لهم وإعانة على الطاعة، ما لم يتخذه عادة، كما قال ابن سيرين "(سنن الترمذى 1 / 358 ـ 359 الحاشية) .
وقد ذكر الأستاذ الشيخ على الخفيف ما يؤخذ على المالكية من تركهم العمل بخبر الواحد إذا كان العمل في المدينة على خلافه، ومن هذه الأخبار حديث الجمع بين الصلاتين.
(انظر: أسباب اختلاف الفقهاء ص 78 ـ 79) .
فلو اقتصر الشيعة على جواز الجمع دفعا للحرج "" َمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ""، وتأسوا بالرسول صلى الله عليه وسلم: حيث كان يفرق غالب الأوقات، وما كان يجمع إلا نادرا باعترافهم (1) ، لو فعلوا ذلك لكان لهم ما يؤيد مذهبهم، ولكنهم يجمعون دائما جماعة وفرادى كما يقول السيد كاظم الكفائى (2) ، بل يروون روايات تفيد استحباب الجمع، مثل: عن عياش الناقد قال: تفرق ما كان فى يدى، وتفرق عنى حرفائى، فشكوت ذلك إلى أبى محمد (ع) فقال لى: اجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، ترى ما تحب " (3) .
و" عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: الجمع بين الصلاتين يزيد فىالرزق "(4) .
فهذه مخالفة صريحة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. ولما أمر به سبحانه وتعالى فى قوله: "" إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ""، فالجمع بهذه الصورة مضيعة للمواقيت التى بينها جبريل والرسول عليهما السلام.
وجاء عن طريقهم ـ غير حديث جبريل ـ روايات أخرى تفيد تحديد المواقيت الخمس، ولزوم المحافظة على هذه المواقيت، من ذلك ما كتبه الإمام على لمحمد بن أبى بكر عندما ولاه مصر: " وانظر إلى صلاتك كيف هي، فإنك إمام لقومك. ثم ارتقب وقت الصلاة فصلها لوقتها، ولا تعجل بها قبله لفراغ، ولا تؤخرها عنه لشغل، فإن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوقات الصلاة فقال: أتانى جبريل (ع) فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه
(1) انظر: مفتاح الكرامة ـ كتاب الصلاة 1 / 23.
(2)
انظر حديثه بآخر هذا الجزء، وهذا ما رأيته في العراق والكويت.
(3)
الوسائل 5 / 227.
(4)
الوسائل 5 /227.