الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: روايات أخرى يرى بعض الجعفرية أنها تؤيد مذهبهم
يرى بعض الجعفرية أنها تؤيد مذهبهم
بعد هذا كله نقول: إن الروايات السابقة هي جميع ما يتصل بالغدير عمدة أدلة الشيعة، ومن عرضها ومناقشتها تبين لنا أنها لا تؤيد ما ذهب إليه الجعفرية
من القول في الإمامة، وتوجد روايات أخرى يرى بعض الجعفرية أنها تؤيد مذهبهم، نعرض أهمها ونناقشها بشىء من الإيجاز.
1-
خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله تخلفنى في النساء والصبيان؟ فقال: " أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدى ".
هذا الحديث الشريف رواه الشيخان وغيرهما (1) ، وهو بلا شك يدل على فضل الإمام كرم الله وجهه، وقد استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة آخرين (2) ، فهذا الاستخلاف ليس خاصاً بأبى الحسن، ومثل هذا الاستخلاف في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لايقتضى الخلافة في الأمة بعد مماته، ولو أراد الرسول صلى الله عليه وسلم الخلافة العظمى لقالها، فما يمنعه صلى الله عليه وسلم ولقال ذلك للمسلمين، ووجب عليهم السمع والطاعة وإن ولى عليهم عبد حبشى مجدع الأطراف. وواضح من شكوى الإمام في جعله مع الخوالف من النساء والصبيان أن في قول الرسول صلى الله عليه وسلم ترضية لنفسه وتهدئة
(1) راجع البخاري - كتاب المناقب - باب مناقب على بن أبى طالب- وصحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل على بن أبى طالب واللفظ لمسلم، والمسند ج 3 رواية رقم 1463 وتخريج الشيخ شاكر لها.
(2)
استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم لما خرج لحرب بنى النضير، وفى غزوة الخندق، وعثمان بن عفان لما خرج لغزوة ذات الرقاع، وأبا لبابة بن عبد المنذر لما سار لغزوة بدر (انظر المنتقى ص 53، 212) .
لخواطره، فموسى استخلف هارون عليهما السلام عندما توجه إلى الطور، ولكن الجعفرية يرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم " أنزله منه منزلة هارون من موسى، ولم يستثن من جميع المنازل إلا النبوة، واستثناؤها دليل على العموم "(1) .
وقولهم فيه نظر، فمثلاً كان هارون أخاً لموسى وأفصح منه لساناً، وهذا ينقض العموم، لأن هاتين المنزلتين لا تتحققان لعلى. بل إن التطابق لا يتحقق في الاستخلاف ذاته، فموسى استخلف أخاه على بنى إسرائيل وذهب هو للمناجاة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم استخلف ابن عمه على المدينةوليس فيها إلا من لم يخرج للقتال من النساء، والصبيان والعجزة، أما عامة المسلمين فكانوا الجيش الذي خرج للقتال مع الرسول صلى الله عليه وسلم كما أن " هارون لم يل أمر بنى إسرائيل بعد موسى عليهما السلام، وإنما ولى الأمر بعد موسى رضي الله عنه يوشع بن نون فتى موسى وصاحبها الذي سافر معه لطلب الخضر عليهما السلام، كما ولى الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدينة "(2) .
2-
روى الإمام البخاري عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
…
" يكون اثنى عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبى: إنه قال: كلهم من قريش (3) ".
وروى الإمام مسلم عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبى على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: " إن هذا الأمر لا ينقضى حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة، قال: ثم تكلم بكلام خفى على قال: فقلت لأبى ما قال؟ قال: كلهم من
…
قريش ".
(1) المراجعات ص 152.
(2)
لفصل في الملل والأهواء والنحل ص 94، وانظر المنتقى حاشية ص 213.
(3)
كتاب الأحكام من صحيحه – باب الاستخلاف.
وفى رواية أخرى " لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً " وفى إحدى الروايات كذلك " لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثنى عشر
…
خليفة " (1) ، وفى رواية لأبى داود " كلهم تجتمع عليه الأمة " (2) .
وتحديد الخلفاء باثنى عشر هو الذي جعل الاثنى عشرية يحتجون بهذه الروايات، ولكن من الواضح أن هذه الروايات تشير إلى المدة التي يظل فيها عزة الإسلام والدين، وصلاح حال المسلمين. وعلى قول الجعفرية تظل هذه العزة وهذا الصلاح إلى يوم القيامة كما يظهر من قولهم في الإمام الثانى عشر!
وواقع الأمر ودلالة الروايات يدلان على غير هذا. ومن الواضح كذلك أن الأمة لم تجتمع على أئمة الجعفرية، بل لم يتولوا الخلافة أصلاً باستثناء الإمام على.
3-
أخرج البخاري (3) عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم قال: وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال: هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدى. قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله. واختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: قوموا عنى.
قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.
وعن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس؟ اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: إئتونى أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً. فتنازعوا، ولاينبغى عند نبي تنازع، فقالوا: ماشأنه أهجر؟ استفهموه، فذهبوا يردون عليه فقال: دعونى فالذى أنا فيه خير مما تدعوننى إليه، وأوصاهم بثلاث، قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة، أو قال: فنسيتها (4) .
وفى رواية للإمام أحمد (5) : حدثنا سفيان عن سليمان بن أبى مسلم خال ابن أبى نجيح، سمع سعيد جبير يقول: قال ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس، ثم بكى حتى بل دمعه - الحصى، قلنا يا أبا العباس، وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: ائتونى أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً،
(1) راجع مسلم – كتب الإمارة – باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.
(2)
راجع سنن أبى داود – كتاب المهدى.
(3)
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب كراهية الخلاف.
(4)
راجع صحيح البخاري - باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
(5)
المسند ج 3 رواية رقم 1935، وانظر تخريج الشيخ شاكر وشرحه لها.
فتنازعوا، ولا ينبغى عند نبي تنازع، فقالوا ما شأنه؟ أهجر؟ قال سفيان: يعنى هذى، استفهموه، فذهبوا يعيدون عليه، فقال: دعونى، فالذى أنا فيه خير مما تدعونى إليه، وأمر بثلاث، وقال سفيان مرة أوصى بثلاث قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت سعيد عن الثالثة، فلا أدرى أسكت عنها عمداً، وقال مرة أو نسيها؟ وقال سفيان مرة: وإما أن يكون تركها أو نسيها.
ووردت هذه الروايات كذلك في صحيح مسلم (1) .
(1) كتاب الوصية - باب ترك الوصية، وفى كتاب الجهاد والسير من صحيح البخاري - باب جوائز الوفد - جاءت رواية أخرى اختلفت النسخ في متنها (انظر طبعة مطابع الشعب سنة 1378 هـ) ففي إحدى النسخ أسند الهجر إلى الرسول الكريم بغير استفهام، ولكن في نسختين أخريين أثبتت همزة الاستفهام، ولعلهما هنا أصح، وهذا يتفق مع الروايات الأخرى، وفى صحيح مسلم كانت الروايات بلفظ " أهجر" ولكن رواية جاءت بلفظ " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر " هكذا بغير استفهام بل بأداة تأكيد! وصاحب فتح البارى تحدث عن المراد بقولهم
…
" أهجر " فقال: المراد به هنا ما يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم*
…
*فائدته، ووقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مستحيل، لأنه معصوم في صحته ومرضه لقوله تعالى
…
(3: النجم){وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم:" إنى لا أقول في الغضب والرضا إلا حقاً". وإذا عرف ذلك فإنما قاله من قاله منكراً على من توقف في امتثال أمره بإحضار الكتف والدواة، فكأنه قال: كيف تتوقف؟ أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه؟ ويحتمل أن بعضهم قال ذلك عن شك عرض له، ولكن يبعده أن لا ينكره الباقون عليه من كونهم من كبار الصحابة ولو أنكروه عليه لنقل. ويحتمل أن يكون الذي قال ذلك صدر عن دهش وحيرة كما أصاب كثيراً منهم عند موته. ويحتمل أن يكون قائل ذلك أراد أنه اشتد وجعه فأطلق اللازم وأراد الملزوم، لأن الهذيان الذي يقع للمريض ينشأ من شدة وجعه. وقيل: قال ذلك لإرادة سكوت الذين لغطوا ورفعوا أصواتهم عنده، فكأنه قال: إن ذلك يؤذيه ويفضى في العادة إلى ما ذكره ".
ثم قال: وأوصاهم بثلاث أي في تلك الحالة، وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتب لم يكن أمراً متحتماً، لأنه لو كان مما أمر بتبليغه لم يكن يتركه لوقوع اختلافهم، ويعاقب الله من حال بينه وبين تبليغه، ولبلغه لهم لفظاً كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك وقد عاش بعد هذه المقالة أياماً، وحفظوا عنه أشياء لفظاً، فيحتمل أن يكون مجموعها ما أراد أن يكتبه والله أعلم. (انظر باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته) .
ولا تبدو صلة بين هذه الروايات وبين الإمامة، ولكن الوصية الثالثة - التي نسيت أو تركت - كانت المدخل للجدال! فوجدنا من الجعفرية من يقول بأن الصحابة " علموا أنه صلى الله عليه وسلم إنما أراد توثيق العهد بالخلافة، وتأكيد النص بهذا علَى علىّ خاصة، وعلى الأئمة من عترته عامة، فصدوه عن ذلك كما اعترف به الخليفة الثانى في كلام دار بينه وبين ابن عباس، وأنت إذا تأملت في قوله صلى الله عليه وسلم
…
" ائتونى أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده "، وقوله في حديث الثقلين:" إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتى أهل بيتي "، تعلم أن المرمى في الحديثين واحد، وأنه صلى الله عليه وسلم أراد في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين " - كتاب المراجعات ص 284، وفى ص 255 قال: " ومع
ذلك فقد أوصاهم عند موته بوصايا ثلاث: أن يولوا عليهم علياً، وأن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه، لكن السلطة والسياسة يومئذ ما أباحتا للمحدثين بوصيته الأولى، فزعموا أنهم نسوها ".
ولسنا في حاجة إلى الحديث عن كبار الصحابة، رضوان الله عليهم. وعن تنزيههم عن مثل هذه المفتريات، ولكن يكفى أن نقول: بأن هذه الروايات ليست دليلاً قائماً بذاته وإنما يحتاج إلى أدلة أخرى لترجيح احتمالات الوصية الثالثة وما أريد كتابته، ولذلك احتج بحديث الثقلين للاستدلال، وهذا الحديث لم يصح له إسناد كما ثبت من قبل، والذى صح حديث التمسك بالكتاب والسنة، فلعله هو المراد من الوصية الثالثة.
على أن ذلك من باب الترجيح لا الجزم (1) . واتهام المحدثين بأنهم زعموا النسيان خوفاً من السلطة وميلاً مع السياسية، وهم يعلمون أن الوصية خاصة بخلافة على، هذا الاتهام لو صح فإنه يوجه إلى سعيد بن جبير، ويكفى لرده أن يعرف تاريخ سعيد، وشجاعته أمام الحجاج، وأن نقرأ ما كتب عنه في كتب الجعفرية أنفسهم (2) .
(1) جاء في الموضع السابق من فتح البارى: " قال الداودى: الثالثة الوصية بالقرآن، وبه جزم ابن التين. وقال المهلب: بل هو تجهيز جيش أسامة، وقواه ابن بطال بأن الصحابة لما اختلفوا على أبى بكر في تنفيذ جيش أسامة قال لهم أبو بكر إن النبي صلى الله عليه وسلم عهد بذلك عند موته. وقال عياض: يحتمل أن تكون هو قوله (ولا تتخذوا قبرى وثنا) فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود. ويحتمل أن يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله: الصلاة وما ملكت أيمانكم.
(2)
انظر ما كتب عنه في الغدير 1/65.
وإن تعجب فعجب قولهم بأن الفاروق اعترف بأن الكتاب أريد به توثيق العهد بالخلافة لعلى والأئمة من عترته، وأنه هو وكبار الصحابة صدوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك! (1)
{) .
وسيأتي بعد قليل رواية الصحيحن عن عمر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف.
(1) قال ابن تيمية: " من توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة على فهو ضال باتفاق عامة الناس من علماء السنة والشيعة، وأما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبى بكر وتقديمه. وأما الشيعة القائلون بأن علياً كان هو المستحق للإمامة فيقولون أنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصاً جلياً ظاهراً معروفا، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب، وإن قيل: إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور فلأن تكتم كتاباً حضره طائفة قليلة أولى وأحرى ، وأيضاً فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته، ولا يجوز له ترك الكتاب لشك من شك، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان النبي صلى الله عليه وسلم يبينه ويكتبه ولا يلتفت إلى قول أحد فإنه أطوع الخلق له (أي للواجب) . فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجباً ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ، إذ لو وجب لفعله (المنتقى ص 349-350) .
وقال العقاد: " أما القول بأن عمر هو الذي حال بين النبي صلى الله عليه وسلم والتوصية باختيار على للخلافة بعده فهو قول من السخف بحيث يسىء إلى كل ذى شأن في هذه المسألة، ولا تقتصر مساءته على عمر ومن رأي في المسألة مثل رأيه. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يدع بالكتاب الذي طلبه ليوصى بخلافة على أو خلافة غيره، لأن الوصية بالخلافة لا تحتاج إلى أكثر من كلمة تقال، أو إشارة كالإشارة التي فهم منها إيثار أبىبكر بالتقديم، وهى إشارته إليه أن يصلى بالناس، وقد عاش النبي بعد طلب الكتاب فلم يكرر طلبه، ولم يكن بين على وبين لقائه حائل، وكانت السيدة فاطمة زوج على عنده إلى أن فاضت نفسه الشريفة، فلو شاء لدعى به وعهد إليه. وفضلاً عن هذا السكوت الذي لا إكراه فيه، نرجع إلى سابقة من سنن النبي في تولية الولاة، فنرى أنه كان يجنب آله الولاية ويمنع وراثة الأنبياء، وهذه السنة مع هذا السكوت لا يدلان على أن محمداً صلى الله عليه وسلم أراد خلافة على فحيل بينه وبين الجهر بما أراد ". (عبقرية عمر ص 209-210) .