الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب الثاني
تفسير القمي
منزلة الكتاب وصاحبه عند الشيعة:
ثانى هذه الكتب الثلاثة تفسير القمي: لأبى الحسن على بن إبراهيم بن هاشم القمي، وهو يشمل القرآن الكريم كله. وصاحب الكتاب (1) كان في عصر الإمام العسكرى، وعاش إلى سنة 307، وهو ثقة عند الشيعة، يعتبر من أجل الرواة عندهم، وقد أكثر من النقل عنه تلميذه محمد بن يعقوب الكلينى في كتابه الكافى، الكتاب الأول في الحديث عند الجعفرية الاثنى عشرية.
وقال آقابزرك الطهرانى ـ صاحب الذريعة ـ عن الكتاب بأنه أثر نفيس وسفر خالد مأثور عن الإمامين أبى جعفر الباقر وأبى عبد الله الصادق (2) .
وقال السيد طيب الموسوى الجزائرى في مقدمته عنه (3) بأنه " تحفة عصرية، ونخبة أثرية لأنها مشتملة على خصائص شتى قلما تجدها في غيرها، فمنها:
1 -
أن هذا التفسير أصل أصوله للتفاسير الكثيرة.
2 -
أن رواياته مروية عن الصادقين عليهما السلام مع قلة الوسائط والإسناد، ولهذا قال في الذريعة: " إنه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما
…
السلام ".
3 -
مؤلفه كان في زمن الإمام العسكرى.
4 -
أبوه الذي روى هذه الأخبار لابنه كان صحابياً للإمام الرضا.
5 -
أن فيه علماً جماً من فضائل أهل البيت عليهم السلام التي سعى أعداؤهم
(1) انظر ما كتبه الجزائرى عنه في مقدمته لهذا التفسير ص 8.
(2)
انظر كلمته: ج 1 ص 5 ـ 6 من تفسير القمي، وراجع ما ذكره عن تفسير القمي في الذريعة 4 / 302:309.
(3)
راجع ص 15.
لإخراجها من القرآن.
6 -
أنه متكفل لبيان كثير من الآيات القرآنية التي لم يفهم مرادها تماماً إلا بمعونة إرشاد أهل البيت التالين للقرآن (1) .
وبادئ ذى بدء أحب أن أسجل الدهشة والعجب! فكيف يحتل الكتاب وصاحبه هذه المكانة عند إخواننا الجعفرية وهو من أوائل الغلاة الضالين الذين قادوا حركة القول بتحريف القرآن الكريم؟ !
ونقلنا هذا من قبل، ونقلنا كذلك ما ذكره الجزائرى في مقدمته للكتاب من ذهاب القمي إلى القول بتحريف القرآن الكريم ودفاع الجزائرى عنه وعن هذا التحريف (2) !!
والقمى في مقدمته لتفسيره يذكر هذا الذي يذهب إليه، ويضرب له أمثلة ببعض آيات يرى أنها محرفة (3) ، والكتاب كله بعد ذلك مملوء بالضلال المضل من ذكر التحريف، والجدل لتخطئة بعض آيات الله تعالى، أو الزعم بفساد الترتيب والنظم (4) .
(1) انظر ص 20.
(2)
انظر ص 23 ـ 24 من المقدمة المذكورة.
(3)
راجع مقدمة تفسيره ص 10 ـ 11.
(4)
انظر مثلاً: ج 1 ص 110، 118، 122، 125، 126، 272
…
. إلخ.
مظاهر الغلو والضلال
أثر عقيدة الإمامة في الكتاب يظهر فيما يأتى:
أولاً: القول بتحريف القرآن الكريم:
ما ذكرناه آنفاً من القول بالتحريف، وبينا من قبل أن عقيدة أولئك الغلاة هي التي دفعتهم إلى ما ذهبوا إليه (1) ونزيد ذلك بياناً بقليل من الأمثلة التي ما أكثرها في هذا التفسير!!
نسب للإمام ابى جعفر أنه قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ يا على فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًاً} هكذا نزلت.
…
ثم قال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
…
} (2) .
وفى سورة الزخرف قال تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} (3) . وواضح ان الآيات تتحدث عن المسيح
(1) راجع ص 153 من هذا الفصل.
(2)
1 / 142، والآيتان من سورة النساء " 64 ـ 65 "، والخطاب فيهما للرسول الكريم، فجعله القمي للإمام على فزاد " يا على " مرتين، أي أن هذه الزيادة حذفت من القرآن الكريم، وهذا يذكرنا بالفرقة الغرابية ـ من غلاة الشيعة ـ التي قالت بأن الرسالة كانت لعلى فأخطأ جبريل ونزل على محمد!!
(3)
الآيات 57 ـ 59.
عليه السلام، ولكنه يذكر الآية الأخيرة هكذا " إن على إلا عبد
…
" ثم يقول: " فمحى اسمه من هذا الموضع " (1) .
وفى سورة محمد يروى أن اسم على أسقط في موضعين ذكرهما في كتابه (2) .
ثانياً: الطعن في الصحابة:
نتيجة لما ذكرته من التلازم بين القول بالتحريف والطعن في خير أمة أخرجت للناس صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تحملوا معه أعباء الرسالة ونشرها، والدفاع عنها والتضحية من أجلها بالنفس والأهل والمال والوطن، نتيجة هذا التلازم نرى القمي يقدم على هذا الجرم، فيطعن في الصحابة الأكرمين، ويتهمهم بالكفر والنفاق والإشراك ليصل إلى القول بالتحريف، وإسقاط أسماء الأئمة، واغتصاب الخلافة! ولنذكر بعض الأمثلة:
في سورة المائدة " الآية السابعة ": {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ
…
} يقول القمي: " لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الميثاق عليهم بالولايه قالوا سمعنا وأطعنا، ثم نقضوا ميثاقهم ".
ثم يقول عن قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ} (3) يعنى نقض عهد أمير المؤمنين (4) .
(1) 2 / 286.
(2)
انظر 2 / 301 ـ 302.
(3)
المائدة: الآية: 13 والآية السابقة لها هي، {وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ
…
} فجعلها القمي لولاية الإمام على، وجعل اللعن للصحابة الأبرار بأنهم نقضوا عهد أمير المؤمنين.
(4)
1 / 163.
وسورة القصص: {طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (1) وهذه الآيات الكريمة بالنص تتحدث عن موسى وفرعون {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ} ولكن القمي يقول عن فرعون وهامان وجنودهما: " هم الذين غصبوا آل محمد حقهم وقوله " منهم " أي من آل محمد " ما كانوا يحذرون " أي من القتل والعذاب، ولو كانت هذه الآية. نزلت في موسى وفرعون لقال: ونرى فرعون وهامان وجنودهما منه ما كانوا يحذرون أي من موسى، ولم يقل منهم "(2) .
وفى سورة الزمر: {وَقَالَ لَهمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} (3) يقول: " أي طابت مواليدكم لأنه لا يدخل الجنة إلا طيب المولد: قال أمير المؤمنين: إن فلاناً وفلاناً غصبوا حقنا واشتروا به الإماء، وتزوجوا به النساء، ألا وإن قد جعلنا شيعتنا من ذلك في حل لتطيب مواليدهم "(4) .
(1) من أول السورة إلى الآية السادسة.
(2)
2 / 133، ومعلوم أن ضمير الجمع كضمائر الجمع السابقة تعود على قوم موسى لا عليه هو.
(3)
الآية 73.
(4)
2 / 254، والمراد بفلان وفلان الشيخان الصديق والفاروق حيث اعتبر خلافتهما غصباً، وهذا الافتراء طعن للإمام نفسه، فقد زوج ابنته سيدنا عمر.
وفى سورة الزخرف يقول: نزلت هاتان الآيتان هكذا قول الله تعإلى:
{حَتَّى إِذَا جَاءنَا} - يعنى فلاناً وفلاناً ـ يقول أحدهما لصاحبه حين يراه - {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} فقال الله لنبيه: قل لفلان وفلان واتباعهما {وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ آل محمد حقهم أَنَّكمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} ثم قال الله لنبيه: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} ، {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} يعنى من فلان وفلان، ثم أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ في على إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} يعنى إنك على ولاية على، وعلى هو الصراط المستقيم (1) .
وسورة محمد كلها تقريباً تدور حول الطعن والتحريف فأولها: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعمَالَهُمْ} يقول القمي: " نزلت في الذين ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وغصبوا أهل بيته حقهم، وصدوا عن أمير
(1) 2 / 286، وما ذكره هنا فيه جمع بين الطعن في الشيخين والصحابة وذكر للتحريف، ونص الآيات الكريمة هو:{حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} " 38: 43 ".
المؤمنين وعن ولاية الأئمة، أضل أعمالهم: أي أبطل ما كان تقدم منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجهاد والنصرة " (1) .
ثم يقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ في على وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} ، هكذا نزلت. " ثم يقول: نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الآية هكذا {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ في على فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} . (2)
…
وهكذا يستمر في ضلاله.
وسورة الرحمن كلها تقريباً تسير على هذا النمط، وإن ركز فيها على اتهام الشيخين بالكفر ودخول النار (3) .
هذه نماذج كافية لبيان ما أردنا حتى لا يطول بنا الحديث، نذكره مضطرين، ونسأله تعالى أن يحفظ العقل والدين.
ثالثاً: جعل الأئمة هم المراد من كلمات الله:
إلى جانب التحريف نجده يؤول كلمات بأن المراد منها الأئمة ـ كلهم أو بعضهم ـ مع أنه لا ذكر لهم ولا إشارة إليهم من قريب أو بعيد في تلك المواضع، بل إن بعضها مختص بالله تعالى:
(1) 2 / 300.
(2)
2 / 302.
(3)
انظر 2 / 344، 346، وهو هنا يستخدم أكثر من رمز من الرموز التي يبدو أنها كانت متداولة بين حزبه السرى في هذا الوقت، فالدولة العباسية التي حكمت عصر القمي ما كانت لتسمح للعلويين بالظهور والمجاهرة بآرائهم. ولعل ظلم الأمويين للشيعة وما لاقوه على أيدى أبناء عمومتهم العباسيين، ساعد على هذا التطرف والضلال، ولكنه لا يبرره.
كقوله تعالى في سورة الزمر " الآية 69 ": {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} أي بنور الله عزوجل، ولكن الكتاب يقول:" قال أبو عبد الله: رب الأرض يعنى إمام الآرض، فقلت فإذا خرج يكون ماذا؟ قال: إذاً يستغنى الناس عن ضوء الشمس ونور القمر، ويجتزون بنور الإمام! "(1) .
وقوله تعالى في سورة الرعد " الآية 28 ": {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ
…
} يقول القمي: " الذين آمنوا: الشيعة، وذكر الله: أمير المؤمنين والأئمة "(1 / 365) .
وفى موضع آخر يفسر الذكر بولاية على في قوله تعالى: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي} (2 / 47، والآية هي 101: الكهف) .
ويفسر الشرك بأنه " من أشرك بولاية على " في قوله تعالى في سورة الشورى " الآية 13 ": {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} ولذا يفسر " ما تدعوهم إليه " بقوله " من ولاية على "(2 / 105) .
وفى آخر الرحمن {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجلَالِ وَالْإِكْرَامِ
…
} يروى عن أئمته " نحن جلال الله وكرامته "(2 / 346) .
(1) 2 / 253، وهذا القول قريب من أولئك الذين قالوا بألوهية على في حياته فأحرقهم بالنار، فعلى شيعته ومحبيه ـ إن كانوا صادقين أن يحرقوا الكتاب، ويبينوا ضلال صاحبه، لا أن يرفعوه مقاماً عليا.
وبعض الآيات تختص بالقرآن الكريم كمفتتح سورة البقرة {ألم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
…
} ، فيقول القمي بأن المراد بالكتاب هنا على بن أبى طالب! (1 / 30) .
وفى سورة يونس (الآية 15){ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} يقول القمي: " أو بدله " يعنى أمير المؤمنين على بن أبى طالب، {قلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}
…
يعنى في على بن أبى طالب. (1 / 310) .
وفيها أيضاً (الآية 64){لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ} فيقول: " أي لا يغير الإمامة "(1 / 314) .
وقوله تعالى في سورة الإسراء (الآية 73) : {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ
…
} قال القمي: " يعنى أمير المؤمنين "(2 / 24) .
وفى سورة الحج (الآية 55) : {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ
…
} أي من القرآن الكريم، فيقول القمي:" أي في شك من أمير المؤمنين ".
ويقول كذلك عن (الآية 57){وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} بأن معناها
…
" ولم يؤمنوا بولاية أمير المؤمنين والأئمة "(1) .
(1) 2 / 86.
وفى سورة الطور (الآية 33) : {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ
…
} يتحدث عنها القمي فيقول: أم يقولون ـ يا محمد تقوله: يعنى أمير المؤمنين، بل لا يؤمنون أنه لم يتقوله ولم يقمه برأيه، ثم قال: فليأتوا بحديث مثله: أي برجل مثله من عند الله (1) .
وقد رأينا من قبل أن آيات كريمة خاصة بالرسول وبالمسيح صلوات الله عليهما، حرفها القمي ليجعلها للإمام على.
وهناك كذلك ما هو متصل بيوم القيامة فجعل للإمام، جاء في تفسيره (2 / 112) ما يأتى: " إن الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة، وإن على بن أبى طالب، أشرف ساعة من اثنتى عشرة ساعة، وهو قول الله تعالى (2) :{بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} .
وهو لا يكتفى بهذا، وإنما يحاول أن يجعل الإمام هو المراد من كثير من آيات الله تعالى دون نظر إلى ما هو مختص بالله تعالى ورسله وكتبه واليوم الآخر كما رأينا، وما هو مختص بالحيوان أو الجماد حتى يكاد يحط من قدر الإمام وهو يحاول أن يرفعه! انظر مثلاً إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا
…
} (3) ، فإنك تعجب وقد حاول القمي من قبل أن يرفع الإمام على إلى مرتبة الألوهية، ينزل به هنا إلى مرتبة الحشرات الضارة حيث يجعله المراد من كلمة " بعوضة "(4) .
(1) 2 / 333.
(2)
11: الفرقان.
(3)
سورة البقرة ـ الآية 26.
(4)
ص 19.
بعد هذا لا يستبعد منه أن يجعل الإمام المراد من أي آية يظن أنها تدل على الاهتمام والرفع من قيمة الإمام. ويوضح الجزائرى في مقدمته للكتاب سر هذا التأويل فيقول: " الله تعالى كان عالماً بأعمال أمة نبيه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، بأنهم يلعبون بالدين، ويهتكون بنواميس حماته في كل حين
…
فحينئذ لم يؤمن منهم أن لا يبقوا أسامى الأئمة أو فضائلهم في القرآن، فلذا لم يكن بد إلا أن يبينها الله تعالى بالكناية والاستعارة كما هو دأب القرآن وأسلوبه في أكثر آياته، فإن له ظاهراً يتعلق بشىء وباطناً بشىء آخر " (1) .
ثم يقول: " ومن هنا قال أبو جعفر: إن القرآن نزل أثلاثاً: ثلث فينا وفى أحبائنا، وثلث في أعدائنا وعدو من كان قبلنا، وثلث سنة ومثل "(2) .
ثم عقب على هذا بقوله: " فانكشف مما ذكرنا أن كل ما ورد في القرآن من المدح كناية وصراحة فهو راجع إلى محمد وآله الطاهرين، وكل ما ورد فيه من القدح كذلك فهو لأعدائهم أجمعين، السابقين منهم واللاحقين، ويحمل عليه جميع الآيات من هذا القبيل وإن كان خلافاً للظاهر "(3) .
فهذا التأويل الفاسد إذن نتيجة للقول بالتحريف، والطعن في الصحابة الكرام.
رابعا: ما يتصل بعقيدة الإمامة
1 ـ الرجعة:
القمي يرى أشياء تتصل بعقيدته في الإمامة، ولذا يضمنها تفسيره. فهو مثلا يؤمن بالرجعة، أي رجعة الأئمة قبل يوم القيامة، ورجعة من غصبوهم حقهم ـ على حد زعمه ـ ليقتص الأئمة من أعدائهم. وعلى هذا جعل من الأمور الأساسية التي اشتمل عليها القرآن الكريم الرد على من أنكروا الرجعة.
(1) انظر التفسير 1 / 34.
(2)
ص 21 من المقدمة المذكورة.
(3)
انظر مقدمته للتفسير ص 24، 25.
واستدل بقوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا} فقال: " أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين "؟ ثم قال: ومثله كثير نذكره في مواضعه (1) .
ومن هذا الذي ذكره قوله تعالى {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} (2) . قال: يعنى الرجعة. يرجع إليكم نبيكم صلى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين والأئمة (3) .
وفى سورة " ق "(الآية 41) يقول: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمنَادِ} باسم القائم واسم أبيه.. والصيحة ـ صيحة القائم من السماء..والخروج الرجعة (4) .
وفى سورة النحل (الآية 22){فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} قال القمي: يعنى أنهم لا يؤمنون بالرجعة أنها حق {قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ}
…
يعنى أنها كافرة
…
{وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} يعنى أنهم عن ولاية على مستكبرون (5) .
(1) الموضع السابق ص 24.
والآية هي رقم 83: النمل ومعناها أنهم يحشرون فوجاً، أي زمراً، فلا يبقى أحد، ونحن مأمورون بالإيمان بيوم القيامة، لا بيومين: يوم لأئمة الجعفرية ويوم للقيامة.
(انظر مناقشة هذه العقيدة وبيان بطلانها بالأدلة العقلية والنقلية في مختصر التحفة الاثنى عشرية ص 200: 203) .
(2)
85: القصص.
(3)
2 / 147.
(4)
2 / 327.
(5)
1 / 383.
ويستمر في تفسيره للسورة الكريمة فيقول: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} من العذاب في الرجعة.. {وَأَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} قال القمي: الكفار كانوا لا يحلفون بالله، وإنما أنزلت في قوم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قيل لهم ترجعون بعد الموت قبل القيامة فحلفوا أنهم لا يرجعون (1) .
2 ـ نزول الوحى على الأئمة:
والقمى ممن ذهب إلى أن الوحى لم ينقطع بانتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، لأن الإمام يقوم مقامه! فعند تفسيره لسورة القدر يقول: معنى ليلة القدر أن الله يقدر فيها الآجال والأرزاق، وكل ما يحدث من موت أو حياة، أو خصب أو جدب، أو خير أو شر، كما قال الله فيها {فِيهَا يُفرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ
…
} إلى سنة.
وقال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} تنزل الملائكة وروح القدس على إمام الزمان، ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه الأمور (2) .
ونسب للإمام أبى جعفر أنه سئل: " تعرفون ليلة القدر؟ فقال: وكيف لا نعرف ليلة القدر والملائكة يطوفون بنا فيها "(3) .
3 ـ
(1) 1 / 385.
(2)
انظر 2 / 431. والآية الكريمة التي استدل بها هي الرابعة من سورة الدخان. ونصها {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وليس فيها " إلى سنة " كما ذكرها.
(3)
2 / 432.
الأئمة يعلمون الغيب:
وهو يرى أن الأئمة يعلمون الغيب، ولهذا نراه عند تفسير قوله تعالى:{عَالِمُ الْغَيبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} (1) . يقول: يعنى علياً المرتضى من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو منه (2) .
فعلم الغيب ليس خاصاً بالله تعالى والمصطفين من الرسل الكرام، وإنما هوـ حسب افترائه ـ خاص بالإمام على مع الله عز وجل!
وحتى يظهر أن علم الأئمة يحيط بكل شىء يأتى بأشياء لا سبيل إلى العلم بها في ذلك الوقت، وإن اكتشف بعضها في عصر الكشوف العلمية للكون ومظاهره.
وإذا كان كثير من الكشف العلمى يأتى بوجوه جديدة من وجوه الإعجاز القرآنى، ويستحيل التناقض بين نظرية علمية صحيحة وبين القرآن الكريم، إلا أن هذه الكشوف كشفت عن كذب القمي ومفترياته.
فهو ينسب للإمام على أنه قال: " الأرض مسيرة خمسمائة عام، والشمس ستون فرسخاً في ستين فرسخاً، والقمر أربعون فرسخاً في أربعين فرسخاً، بطونهما يضيئان لأهل السماء، وظهورهما يضيئان لأهل الأرض، والكواكب كأعظم جبل على الأرض "(3) !
ويزعم أن الإمام على بن الحسين بين علة كسوف الشمسين بوجود بحر بين السماء والأرض، إذا كثرت ذنوب العباد، وأراد الله أن يستعتبهم بآية، أمر الملائكة الموكلين فجعلوا الشمس أو القمر في ذاك البحر (4) .
(1) 26 / 27: الجن.
(2)
2 / 390.
(3)
2 / 17.
(4)
انظر 2 / 14 ـ 15.
وفى موضع آخر ينسب للأئمة أن الأرض على الحوت، والحوت على الماء، والماء على الصخرة، والصخرة على قرن ثور أملس، والثور على الثرى (1) .
وفى أول سورة الشورى {حم عسق} يقول: " قاف جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر، فخضرة السماء من ذلك الجبل "(2) .
4 ـ نفى العلم عمن اشتهروا به من غيرهم:
والقمى لا يكتفى بمثل هذه المفتريات ليبين إحاطة الأئمة بكل شىء علماً، ولكن تحدث عن غيرهم ممن لهم مكانتهم العلمية لينفى عنهم ما اشتهروا به من العلم، حتى لا يبقى في المجال العلمى إلا أئمة الجعفرية!
فمثلا ابن عباس اشتهر بأنه حبر الأمة وترجمان القرآن، انظر إلى هذا القمي وهو يتحدث عن ابن عباس، بل عن أبيه عم الرسول صلى الله عليه وسلم:
نسب للإمام أبى جعفر الباقر أنه قال: جاء رجل إلى أبى على بن الحسين فقال: إن ابن عباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت، وفيمن نزلت، فقال أبى: سله فيمن نزلت، {وَمَن كَانَ فِي هذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي
(1) انظر 2 / 58 ـ 59.
(2)
2 / 268، وفى سورة " ق " قال " ق: جبل محيط بالدنيا من وراء يأجوج ومأجوج " (2 / 323) .
ومما يضحك ـ ومن شر البلية ما يضحك ـ أن نجد في عصرنا من يؤمن بهذه الخرافات والأكاذيب، بل يتخذ منها دليلاً على علم الأئمة وعصمتهم!! " انظر مثلاً ج 2 حاشية
…
ص 15 ـ 16، 58 ـ 59 " والروايات لو ثبتت لأثبتت لأهل البيت وحاشاهم ـ الجهل والافتراء! ولكن ما أكثر المتظاهرين بحب آل البيت وآل البيت منهم براء!
الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (1) وفيمن نزلت: {وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} (2) وتستمر الرواية لتذكر بأن الرجل ذهب إلى ابن عباس فسأله، فلم يجبه، بل أورد أسئلة أخرى، فبين الإمام سبب النزول بقوله: بأن الآية الأولى نزلت في ابن عباس وفى أبيه، والثانية نزلت في أبيه (3) ! !
5 ـ أحكامهم الفقهية كالمتعة والخمس:
ثم لا ينسى القمي ما ارتبط بعقيدته من الأحكام الفقهية، فيعرضها بطريقة يأباها كتاب الله تعالى، ففى سورة مريم " الآية 83 ": {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا
…
} قال: نزلت في مانعى الخمس والزكاة (4) .
(1) 72: الإسراء.
(2)
34: هود.
(3)
انظر 2 / 23.
وأظن أن هنا كذلك سبباً دفيناً، فالتاريخ يذكر لنا تنازعاً حدث بين العباس وابن أخيه على ـ رضي الله تعالى عنهما، ويذكر لنا أيضاً أن ابن عباس تولى إمارة البصرة في خلافة ابن عمه الإمام على، ثم ترك البصرة مغاضباً، وتبادل مع ابن عمه رسائل اتهامات: فلعل القمي سمع بهذا فرأى أن يأتى بهذه الفرية ليهاجم من تجرأ على المعصوم أبى الأئمة!
] انظر متنازع العباس وابن أخيه في صحيح مسلم ـ كتاب الجهاد والسير باب حكم الفئ. وانظر الكتب المتبادلة بين الإمام على وابن عمه في أنساب الأشراف للبلاذرى
…
1 / 192 ـ 194، وفى " على وبنوه " لطه حسين ص 125 ـ 128، وانظر أحد كتب الإمام هذه في نهج البلاغة ص 323 ـ 324 [.
(4)
2 / 53.
وفى سورة ق " الآية 26 ": {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} قال: "هو ما قالوا نحن كافرون بمن جعل لكم الإمامة والخمس "(1) .
وفى سورة النساء يحرف الآية الرابعة والعشرين فيقول {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} ويعقب بقوله: فهذه الآية دليل على المتعة (2) .
خامساً: أسباب النزول:
في ذكر القمي لأسباب النزول نرى أثر الإمامة واضحاً، ولنضرب بعض الأمثلة:
1 ـ تحالف الصحابة مع إبليس:
في سورة سبأ " الآية 20 " {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ
…
} قال: لما أمر الله نبيه أن ينصب أمير المؤمنين للناس في قوله {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ في على} (3) بغدير خم فقال: " من كنت مولاه فعلى مولاه "، فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر، وحثوا التراب على رءوسهم، فقال لهم إبليس: ما لكم؟ فقالوا: إن هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شىء إلى يوم القيامة.
(1) 2 / 326.
(2)
1 / 136، ونص الآية الكريمة {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً
…
} .
(3)
" في على " زيادة من تحريفهم، وقد ضمت الرواية إلى التحريف اتفاق الصحابة الكرام مع إبليس على نقض البيعة.
فقال لهم إبليس: كلا، إن الذين حوله قد وعدونى فيه عدة لن يخلفونى، فأنزل الله على رسوله {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} الآية (1) .
2 ـ البيعة يوم الغدير:
وعن البيعة أيضاً عند قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} (2) يقول: كان سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى بيعة علىّ يوم غدير خم، فلما بلغ الناس وأخبرهم في على ما أراد الله أن يخبره، رجعوا الناس فاتكأ معاوية على المغيرة بن شعبة وأبى موسى الأشعرى، ثم أقبل يتمطى نحو أهله ويقول: ما نقر لعلى بالولاية أبداً، ولا نصدق محمداً مقالته.. فصعد رسول الله المنبر وهو يريد البراءة منه، فأنزل الله {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
…
} (3) فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمه (4) .
3 ـ مصير من غصبوا الولاية:
وفى قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} (5)، قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الذين غصبوا آل محمد حقهم، فيعرض عليهم أعمالهم، فيحلفون به أنهم لم يعملوا فيها شيئاً كما حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا
(1) 2 / 201.
(2)
الآية 31 من سورة القيامة، وهى وسبأ مكيتان، وموقف الغدير بلا خلاف حتى بين الشيعة أنفسهم كان بعد حجة الوداع.
(3)
سورة القيامة الآية 16 وهى تتحدث عن القرآن الكريم، فالآيات التالية لها هي {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} .
(4)
2 / 397.
(5)
18: المجادلة.
أن لا يردوا الولاية في بنى هاشم، وحين هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة!! فلما أطلع الله نبيه وأخبره، حلفوا له أنهم لم يقولوا ذلك، ولم يهموا به، حتى أنزل الله على رسوله (1) : {يحلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلَاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ
…
} (2) .
4 ـ القائم يطالب بدم الحسين:
وفى سورة الحج (الآية: 39) : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} .. قال: إن العامة ـ أي جمهور المسلمين ـ يقولون نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخرجته قريش من مكة، وإنما هي للقائم إذا خرج يطلب بدم الحسين (3) .
ولا يقتصر أثر عقيدة الإمامة ـ على مثل ما سبق مما يتصل بالإمامة والأئمة، وإنما يتعداه إلى اتهام غيرهم، ومحاولة سلب فضائلهم، ولنذكر لهذا المثل التالى:
5 ـ حادث الإفك اتهام لأم المؤمنين لا تبرئة إلهية لها!!
حادث الإفك معروف مشهور، ونزل القرآن الكريم بتبرئة أم المؤمنين السيدة عائشة، فعز على القمي أن يبرئ الله تعالى صلحبه الجمل، وابنة أبى بكر أول من اغتصب الخلافة في رأيه! ولهذا قام القمي بإفك جديد، فجعل من الحديث عن
(1) 74: التوبة.
(2)
2 / 358.
(3)
2 / 84 ـ 85.
الإفك اتهاماً للسيدة عائشة لا تبرئة لها!! فعند قوله تعالى:
…
{إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ
…
} (1) الآية قال: فإن العامة رووا أنها نزلت في عائشة، وما رميت به في غزوة بنى المصطلق من خزاعة، وأما الخاصة فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية، وما رمتها به بعض النساء المنافقات ".
ثم ذكر رواية عن الإمام أبى جعفر أنه قال: " لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حزن عليه حزناً شديداً، فقالت منافقة: ما الذي يحزنك عليه؟ فما هو إلا ابن جريج! فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وأمره بقتله "(2) .
وفى سورة الحجرات ذكر قصة اتهام فلانة لمارية، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم علياً بأن يقتل جريجاً، وأن هذا كان سبب نزول قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية (3) .
وفى سورة التحريم قال عن كلمة " أبكاراً " التي جاءت في ختام الآية الخامسة " عرض عائشة لأنه لم يتزوج ببكر غير عائشة "(4) .
وبعد هذا في نفس الصفحة ورد ما يأتى: " ثم ضرب الله مثلا فقال {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} (5) فقال: والله ما عنى بقوله فخانتاهما إلا الفاحشة،
(1) سورة النور آية: 11.
(2)
2 / 99.
(3)
انظر 2 / 318 ـ 319 والآية هي " 6 ".
(4)
2 / 377.
(5)
10: التحريم.
وليقيمن الحد على فلانة فيما أتت في طريق
…
وكان فلان يحبها، فلما أرادت أن تخرج إلى
…
قال لها فلان: لا يحل لك أن تخرجى من غير محرم، فزوجت نفسها من فلان " (1) .
وإذا كان القمي ذكر بأن الخاصة ـ أي الشيعة ـ رووا أن فلانة، وهى إحدى المنافقات، جاءت بالإفك، ولم يصرح باسمها، فإن غيره من الجعفرية قد صرح باسمها وقال بأنها عائشة (2) . وضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط يعتبره الجعفرية تعريضاً بالسيدتين عائشة وحفصة من أمهات المؤمنين (3) ، والقمى هنا يؤكد أن الخيانة المرادة هي الفاحشة، ثم مهد لإلصاقها بمن برأها الله تعالى!
سادساً: القرآن كتاب تاريخ اثنى عشرى!!
عندما آلت الخلافة إلى الإمام على كرم الله وجهه ـ لم تسلم له، وخاض عدة معارك، ولاقى الشيعة بعد ذلك ما لاقوا في ظل الحكم الأموى. وقد تحدثت كتب التاريخ عن ذلك مفصلاً، ولكن القمي يحاول أن يغير من طبيعة القرآن الكريم ليصله بكتب التاريخ عند الجعفرية، فتسمع عن البصرة والجمل وبنى أمية من وجهة النظر الجعفرى، ولنضرب لذلك الأمثال.
1 ـ أصحاب الجمل والبصرة:
في سورة الأعراف (الآية 40) : {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ
…
}
…
(1) منقول بالنص وفيه النقط.
(2)
انظر تفسير شبر ص 338.
(3)
بل يعتبره بعضهم تصريحاً لكفرهما، قال المجلسى:" لا يخفى على الناقد البصير والفطن الخبير ما في تلك الآيات من التعريض بل التصريح بنفاق عائشة وحفصة وكفرهما! ". " بحار الأنوار 22 / 33 ".
ولن يلج الجمل في سم الخياط، فالكفار إذن لن يدخلوا الجنة، ولكن القمي إذا به يقول " نزلت هذه الآية في طلحة والزبير والجمل جملهم "(1) !
ويقول أيضا: إن أصحاب الجمل نزلت فيهم (الآية: 12) من سورة التوبة {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ
…
} الآية (2) .
وفى سورة النجم يقول بأن المؤتفكة هي البصرة، وقال: ائتفكت بأهلها مرتين، وعلى الله تمام الثالثة، وتمام الثالثة في الرجعة (3) .
وفى سورة الحاقة يقول بأن البصرة أيضاً هي المؤتفكات (4) .
2 ـ بنو أمية:
أما بنو أمية فإنا نصادفهم كثيراً ونحن نقرأ هذا التفسير العجيب، وما دام ثلث القرآن في أعداء الجعفرية ـ كما زعموا ـ فلابد إذن أن يكون للأمويين نصيب كبير! انظر مثلا تفسيره لقوله تعالى:{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (5) .
يقول: نزلت في بنى أمية، فهم أشر خلق الله، هم الذين كفروا في باطن القرآن، فهم لا يؤمنون (6) .
(1) 1 / 230.
(2)
انظر 1 / 283، وتكملة الآية الكريمة {وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}
…
.
(3)
انظر 2 / 340 ـ 341.
(4)
انظر 2 / 384.
(5)
الأنفال: الآية 55.
(6)
1 / 279.
ولهذا نجد كثيرا من الآيات التي تتناول الكفار يجعلها لبنى أمية (1) .
3 ـ بنو السباع:
والقمى عاش في العصر العباسى الأول، والعلويون رأوا الحكم يذهب لغيرهم، ثم لم يسلموا من ظلم ذوى القربى، فالعباسيون ـ من وجهة النظر الجعفرية ـ لا يفترقون كثيراً عن الأمويين، ولكن القمي لا يستطيع أن يصرح بهم عند الحديث عن كفرهم فيسميهم بنى السباع بدلاً من بنى العباس (2) .
4 ـ الاتفاق على قتل على!
وعندما تناول بعض الأحداث التاريخية الأخرى وضع قصصاً خيالية غريبة، فمثلا عند قوله تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
…
} (3) نراه يتحدث عن ذلك في خمس صفحات، ويأتى بقصيدة يقول بأن السيدة فاطمة الزهراء ـ رضي الله تعالى عنها ـ احتجت بها على الصديق، وكذلك احتج الإمام على، وخاف الصديق من ضياع الحكم نتيجة هذا الموقف، فبعث إلى الفاروق الذي أشار بقتل على! وأمر خالد بن الوليد بقتله فوافق خالد، إلى آخر تلك الخرافة (4) .
5 ـ كفر أصحاب بيعة الرضوان:
وعندما تحدث عن صلح الحديبية قال " فلما. أجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلح أنكر عامة أصحابه، وأشد ما كان إنكاراً فلان، فقال يا رسول الله، ألسنا
(1) انظر مثلاً: ج 1 ص 156، 196، 211، 371، وج 2 ص 68، 80، 123، 242، 243، 255، 384.
(2)
انظر 2 / 242.
(3)
سورة الروم الآية 38.
(4)
انظر 2 / 155: 159.
على الحق وعدونا على الباطل؟ فقال: بلى! قال: فنعطى الذلة في ديننا؟
…
قال: إن الله وعدنى ولن يخلفنى. قال لو أن معى أربعين رجلاً لخالفته " (1) .
والمعروف أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صاحب الجزء الأول من هذه المناقشة، فافترى القمي هذه الزيادة المنكرة " لو أن معى أربعين رجلا لخالفته "، وقال بأن عامة أصحابه الذين أنكروا الصلح أكثروا القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: إن لم تقبلوا الصلح فحاربوهم. ويزيد فريته بأنهم حاربوا فعلاً، وهزموا هزيمة قبيحة، إلى أن قام على بسيفه فتراجعت قريش (2) .
ثم يستمر ليقول بأن عامة الصحابة هؤلاء هم الذين عناهم الله تعالى بقوله: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} (3) .
وهكذا يستمر هذا القمي ليجعل عامة أصحاب بيعة الرضوان من أصحاب النار، وهم الذين رضي الله عنهم بنص القرآن الكريم، ويطعن في ترتيب آيات سورة الفتح ليصل إلى ضلاله (4) !
6 ـ الفرق الأخرى:
ونراه كذلك يخضع القرآن الكريم للحديث عن الفرق الأخرى، فمثلا عند قوله تعالى {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ
(1) 2 / 311 ـ 312. وفى الأصل: فقال نعم!
(2)
انظر 2 / 312.
(3)
انظر 2 / 315، والآية الكريمة ـ هي السادسة من سورة الفتح.
(4)
انظر 2 / 315.
وُجُسْوَدَّوههُم مُّةٌ} (1) يقول: " من ادعى أنه إمام وليس بإمام يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة
…
. وإن كان علوياً فاطمياً " (2) .
7 ـ القائم وجيش السفيانى:
وكثير من فرق الشيعة قالت بعودة بعض الأئمة قبل يوم القيامة، ومنهم من وقف عند إمام معين، وقال بأنه لم يمت وإنما أظهر موته تقية، إلى غير ذلك مما تذكره كتب التاريخ. وكان من صدى هذا أن بعض الأمويين قالوا بعودة رجل منهم أسموه السفيانى: فزاد بعض الجعفرية خرافة أخرى وهى أن المهدى عندما يرجع سيقابل جيش السفيانى ويهزمه! وإذا بنا نجد هذا في تفسير القمي!
فعند قوله تعالى {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} (3) قال: هم والله أصحاب القائم، يجتمعون والله إليه في ساعة واحدة، فإذا جاء إلى البيداء يخرج إليه جيش السفيانى، فيأمر الله الأرض فتأخذ أقدامهم، وهو قوله {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ} (4) يعنى بالقائم (5) .
وفى قوله تعالى: {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}
…
(6) قال يعنى ما يحدث من أمر القائم والسفيانى (7) .
(1) 60: الزمر.
(2)
2 / 251.
(3)
8: هود.
(4)
سبأ: 51 / 52.
(5)
2 / 205.
(6)
113: طه.
(7)
2 / 65.
وبهذا يصبح تفسير القمي مرجعاً من مراجع التاريخ لغلاة الجعفرية!
سابعا: طرق التغرير والتضليل:
والقمى قد خالف ظاهر القرآن الكريم، وحرف معانيه إلى جانب القول بتحريف نصه، وأتى بما لا يحتمله كتاب الله تعالى بل يعارضه، وخالف ما أجمعت عليه الأمة في أكثر الآيات وما يتعلق بها، وجعل أكثرها ـ مكية ومدنية ـ متعلقة ببيعة غدير خم التي قال الجعفرية أنفسهم بأنها بعد حجة الوداع. وزعم أن صفوة هذه الأمة كفار ومشركون ومنافقون، إلى غير ذلك مما يبرأ منه الإسلام والعقل السليم.
ورأينا من قبل كيف حاول صاحب التفسير المنسوب للإمام العسكرى أن يغرر بضعاف العقول، وجهلة القوم، ليؤمنوا بخرافاته، ويسيروا في ظلمات ضلاله. والقمى هو الآخر قد حاول القيام بنفس الدور فسلك لذلك عدة طرق:
1 ـ جل آرائه نسبها للأئمة وعلى الأخص الإمامان الباقر والصادق. كما أشرنا في مقدمة الحديث عن الكتاب.
2 ـ ذهب إلى أن القرآن الكريم لا يفهم معناه ولا يدرك مراده إلا عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الأئمة.
نسب للإمام على ـ كرم الله وجهه ـ أنه قال: " ذلك القرآن فاستنطقوه، فلن ينطق لكم، أخبركم عنه، إن فيه علم ما مضى وعلم ما يأتى إلى يوم القيامة، وحكم ما بينكم، وبيان ما أصبحتم فيه مختلفين، فلو سألتمونى عنه لأخبرتكم عنه لأنى أعلمكم "(1) ونسب للإمام الصادق أنه قال: إن الكتاب لم ينطق، ولن ينطق، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هو الناطق بالكتاب، قال الله {هَذَا بكتابنا يَنطِقُ
(1) المقدمة ص 3.
عَلَيْكُم بِالْحَقِّ
…
} فقال أحدهم: إنا لا نقرؤها هكذا، فقال الإمام: هكذا والله نزل بها جبريل على محمد، ولكنه فيما حرف من كتاب الله تعالى (1) .
ونسب للإمام الباقر أنه قال: " القرآن ضرب فيه الأمثال للناس، وخاطب الله نبيه به ونحن، فليس يعلمه غيرنا "(2) .
وذهب إلى أن من لا يقبل تأويل الكتاب فهو مشرك كافر (3) .
3 -
وضع أسساً غريبة للتفسير، فإلى جانب القول بأن القرآن أصابه التحريف، ولا يؤخذ تأويله إلا عن طريقهم، نراه يذهب إلى أن هناك آيات لا يعرف تأويلها إلا بعد وقت نزولها! ويتحدث عن هذا النوع فيقول:" وأما ما تأويله بعد تنزيله فالأمور التي حدثت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبعده من غصب آل محمد حقهم، وما وعدهم الله به من النصر على أعدائهم، وما أخبر الله به من أخبار القائم وخروجه، وأخبار الرجعة والساعة "(4) .
ويذهب إلى أن هناك آيات " مما خاطب الله به نبيه صلى الله عليه وسلم والمعنى لأمته، وهو قول الصادق: إن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بإياك أعنى واسمعى يا جارة "(5) .
وذهب إلى ما هو أبعد من هذا، فقال بأن هناك " ما هو مخاطبة لقوم ومعناه لقوم آخرين! فقوله {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ أنتم يا معشر
(1) انظر 2 / 95، ونص الآية الكريمة {هَذَا كتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ
…
} " الجاثية: 29 " فحرف الآية الكريمة لأنها تعارضت مع ما ذهب إليه.
(2)
2 / 425.
(3)
انظر 2 / 260.
(4)
مقدمة تفسيرة ص 14.
(5)
مقدمة تفسيرة ص 14.
أمة محمد فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا
…
} ، فالمخاطبة لبنى إسرائيل، والمعنى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم (1) ".
وبهذه الأسس استطاع أن يحرف القرآن الكريم نصاً ومعنى ليصل إلى ضلاله.
4 -
وقد ذهب إلى تكفير غير المعتنقين عقيدته في الإمامة، الرافضين لتحريفه، لم ينس ـ من وقت لآخر في تفسيره ـ بيان أن الشيعة سيدخلون الجنة حتى فساقهم العصاة!
فمثلاً في قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} (2) الآية، يقول بأن الله سبحانه وتعالى يدفع بمن يعمل كل فريضة من الشيعة عمن لا يعملها، ولو أجمعوا على الترك لهلكوا (3) . وفى سورة طه " الآية 108 "
…
{
…
وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا
…
} يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لعصاة الشيعة، فكلهم يدخل الجنة (4) .
وفى سورة المؤمنون " الآية: 100 ": {وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} يقول: البرزخ هو أمر بين أمرين، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة.. وهو قول الصادق: والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ، فأما إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم (5) .
(1) نفس المقدمة ص 16، والآية هي الرابعة من سورة الإسراء، والتحريف واضح.
(2)
40: الحج.
(3)
1 / 83.
(4)
انظر 2 / 64: 65.
(5)
2 / 94.
وفى سورة غافر " الآية الثالثة "{غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} قال: ذلك خاصة لشيعة أمير المؤمنين (1) .
وفى سورة ق " الآية 24 ": {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} يقول بأن الآية الكريمة مخاطبة للنبى صلى الله عليه وسلم وعلى، ويبين أنهما في منزلة خاصة دون الخلق جميعا؛ وأن رضوان يأتى بمفاتيح الجنة فيأخذها الرسول صلى الله عليه وسلم ويعطيها علياً وكذلك يفعل مالك بمفاتيح جهنم، فيأخذ على المفاتيح ويقعد إلى شفير جهنم، فتنادى: ياعلى جزنى، قد أطفأ نورك لهيبى! فيقول لها على: ذرى هذا وليى، وخذى هذا عدوى! فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلى من غلام أحدكم لصاحبه (2) .
وفى سورة الرحمن " الآية 39 ": {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ} قال:
…
" منكم "، يعنى من الشيعة. معناه أنه من تولى أمير المؤمنين، وتبرأ من أعدائه عليهم لعائن الله، وأحل حلاله، وحرم حرامه، ثم دخل في الذنوب ولم يتب في الدنيا، عذب لها في البرزخ، ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسأل عنه يوم القيامة (3) .
وفى سورة الحاقة " الآية 19 ": {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} قال: كل أمة يحاسبها إمام زمانها، ويعرف الأئمة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم، وهو قوله تعالى {وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ} (4) ، وهم الأئمة
…
{
(1) 2 / 254.
(2)
انظر 2 / 324 ـ 326.
(3)
2 / 345.
(4)
46: الأعراف.