الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالرواية التي ذكرناها من قبل، ورواية واحدة عن الإمام على وهي أنه سئل عن الرجل يحضر الجنازة وهو على غير وضوء ولا يجد الماء؟ قال: يتيمم ويصلى عليها إذا خاف أن يفوته (1) .
وهذه الرواية تتفق مع ما ذهب إليه السنة من اشتراط الطهارة لأنه لم يبح التيمم إلا مع عدم وجود الماء، وخوف الفوت.
على أن من الشيعة أنفسهم من قيد جواز التيمم بخوف الفوت، ورد ما يخالف ذلك، ولم يعجب بعضهم هذا الرد، فقال: عمل الأصحاب بالرواية ـ أي رواية جواز التيمم مع وجود الماء ندباً ـ فلا يضر ضعفها (2) .
وكيف لا يضر ضعفها، وهي تهدم مبدأ أساسياً من مبادئ العبادة وهو اشتراط الطهارة لأي صلاة، وعدم جواز التيمم لمن يستطيع الوضوء؟
إن صلاة الجنازة صلاة لا تجوز بغير طهور، والتيمم لها لا يجوز إلا بشروط كأي صلاة، والروايات التي تخالف ذلك لابد من إسقاطها وترك العمل بها، فإنها ـ مع ضعفها ـ تخالف الكتاب والسنة بإسقاطها شرطاً من شروط الصلاة، وإجازتها التيمم مع وجود الماء.
ثامن عشر: النجاسات
1-
يرى الشيعة الرافضة أن الكافر نجس، وقد ناقشنا ذلك من قبل وبينا ضلال غلاة الرافضة وكفرهم.
2-
ويرون كذلك أن الميت ينجس الملاقى له مطلقاً. ولذلك أوجبوا الغسل على من مسه، وقد ناقشنا هذا أيضاً من قبل.
(1) المرجع السابق ص 454.
(2)
انظر مفتاح الكرامة ـ كتاب الطهارة ص 472 ـ 473.
3-
ويرون طهارة المذى والودى على خلاف المذاهب الأربعة (1) وأنهما لا ينقضان الوضوء. وقد أثبتنا من قبل نقضهما للوضوء.
والأدلة التى استدلوا بها على طهارتهما تدخل ضمن ما احتجوا به على أنهما لا ينقضان الوضوء، وما استدل به على نجاستهما مما يستدل به على نقضهما للوضوء. وأضيف إلى ذلك ما ورد عن طريق الشيعة عن الإمام الصادق أنه سئل عن المذى يصيب الثوب؟ قال: إن عرفت مكانه فاغسله، وإن خفى عليك مكانه فاغسل الثوب كله. وفى رواية أخرى: يغسله ولا يتوضأ (2) .
وحمل الروايتين على الاستحباب بعيد، فلو كان كذلك لكفى غسله إن عرف مكانه، دون مراعاة لتكلف غسل الثوب كله إن لم يعرف مكانه. وأما الحمل على التقية (3) فهو إلغاء للعقل، ففى الرواية الأخيرة " يغسله ولا يتوضأ "، والمذاهب الأربعة توجب الوضوء منه كما ذكرنا.
والحنابلة وإن كانوا يرون أن حكم الودى حكم البول سواء، لأنه خارج من مخرجه، وجار مجراه، والمذى ظاهر المذهب أنه نجس، إلا أن هناك رواية عن الإمام أحمد أنه سئل عن المذى أشد أو المنى؟ قال: هما سواء، ليسا من مخرج البول، إنما هو من الصلب والترائب كما قال ابن عباس، هو عندى بمنزلة البصاق والمخاط (4) .
(1) انظر: حاشية ابن عابدين 1 / 327، وحاشية الدسوقى 1 / 56، وحاشيتى القليوبى وعميرة 1 / 69 ـ 70، والمغنى 1 / 7225.
(2)
انظر الوسائل 4 / 274 ـ 275.
(3)
انظر المرجع السابق ص 375.
(4)
انظر المغنى 1 / 735.
وهذه الرواية تتفق مع الشيعة فى طهارة المذى. ولكنها تخالفهم فى حكم المنى. وسواء ألحقنا هذا أو ذاك بالبول أو المنى، فالشيعة يرون نجاستهما، فالأولى أن يلحق بهما المذى والودى.
4 ـ وفى النجاسة المعفو عنها فى الصلاة: فرق الشيعة بين الدم ودم الحيض، وبين ما يتم الصلاة فيه منفرداً، وما لا يتم فيه منفرداً: كالتكة، والجورب، والقلنسوة، ولم نجد هذه التفرقة عند المذاهب الأربعة (1) ، فهم يرون العفو عن يسير الدم مطلقاً فى ثياب المصلى.
أما الشيعة فيرون أن دم الحيض تجب إزالته وإن قل، وألحق بعضهم به دم الاستحاضة والنفاس، وأجازوا الصلاة فيما لا يتم الصلاة فيه منفرداً مع نجاسته.
واستدلوا بروايات عن أئمتهم، مثل ما رووه عن الإمام الصادق أو الباقر أنه قال: لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره، غير دم الحيض، فإن قليله وكثيره فى الثوب ـ إن رآه أو لم يره ـ سواء (2) .
وعن زرارة قال: " قلت لأبى عبد الله عليه السلام: إن قلنسوتى وقعت فى بول فأخذتها فوضعتها على رأسى ثم صليت؟ فقال: لا بأس "(3) .
وعن الإمام الصادق أيضاً: لا بأس بالصلاة فى الشيىء الذى لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيب القذر، مثل: القلنسوة والتكة والجورب.
وتبدو المشقة البالغة في الرواية الأولى، فدم الحيض القليل الذى لم يره المصلى مبطل لصلاته، على حين يظهر الاستهتار البالغ فى الرواية الثانية، فما
(1) انظر: حاشية ابن عابدين 1 / 325. وما بعدها، وحاشية الدسوقى 1 / 72،
…
الأم 1 / 47، والمغنى 1 / 728 وما بعدها.
(2)
الوسائل 4 / 380.
(3)
المرجع السابق ص: 404.
الذى ألجأ زرارة إلى أن يأخذ قلنسوته من البول ويصلى بها؟ ولماذا لم يصل بدونها؟ ألا تندرج هذه من ضمن ما يشمله قوله تعالى: "" وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ""؟ ، ثم ألم تصب هذه القلنسوه بدنه بالنجاسة؟ إن هذه الرواية ـ وأمثالها ـ لا يمكن بحال أن تقبل، فهي تجيز الصلاة بنجاسة مغلظة يمكن تجنبها دون عسر ومشقة.
أما ما يرونه من وجوب إزالة دم الحيض وإن قل، فإنا قد نجد ما يؤيدهم عن طريق أهل السنة (1) كحديث أسماء بنت أبى بكر قالت:" جاءت امرأة إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض ـ كيف تصنع؟ فقال: تحته، ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه، ثم تصلى فيه " متفق عليه.
وفى حديث آخر: " فإذا طهرت فاغسلى موضع الدم، ثم صلى فيه ". وفى رواية: " حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر ".
فهذه الأحاديث تفيد وجوب إزالة دم الحيض ـ وإن قل ـ لعمومها، ولكنا نجد رواية عن السيدة عائشة فى الحائض يصيب ثوبها الدم، قالت:" تغسله، فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشئ من صفرة، قالت: ولقد كنت أحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حيض جميعاً لا أغسل لى ثوباً ".
وفى رواية أخرى عنها قالت: " قد كان يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض، وفيها تصيبها الجنابة، ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها. وفى لفظ: ما كان لإحدانا إلا ثوب فيه تحيض فإن أصابه شيىء من دمها بلته بريقها ثم قصعته بظفرها ".
(1) انظر نيل الأوطار جـ 1 ص 47 وما بعدها ـ باب الحت والقرص والعفو عن الأثر بعدهما. وراجع صحيح البخارى: كتاب الحيض: باب غسل دم الحيض، وكتاب الوضوء: باب غسل الدم. وصحيح مسلم: كتاب الطهارة ـ باب نجاسة الدم وكيفية غسله.
وهذه الروايات ـ وما شاكلها ـ يمكن الجمع بينها دون تعارض بالعفو عن اليسير من دم الحيض، وتحمل الروايات التى أوجبت الغسل على غير اليسير تماماً كالدم بصفه عامة، والأحوط أن يغسل موضع الدم ما أمكن خروجاً من هذا الخلاف، والله سبحانه أعلم بالصواب.