الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: فإن كنت أمرت بذلك على صدق الشاهدين فى الظاهر، فقبلتهما على الظاهر، ولا يعلم الغيب إلا الله، وإنا لنطلب فى المحدث أكثر مما نطلب فى الشاهد، فنجيز شهادة بشر لا نقبل حديث واحد منهم.
ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من الحفاظ، وبالكتاب والسنة. ففى هذا دلالات. ولا يمكن هذا فى الشهادات.
قال: فأقام على ما وصفت من التفريق فى رد الخبر، وقبول بعضه مرة ورد مثله أخرى، مع ما وصفت فى بيان الخطأ فيه، وما يلزمهم اختلاف أقاويلهم.
وفيما وصفنا ههنا، وفى الكتاب قبل هذا ـ دليل على الحجة عليهم وعلى غيرهم.
فقال لى: قد قبلت منك أن أقبل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلمت أن الدلالة على معنى ما أراد بما وصفت من فرض الله وطاعته، فأنا إذا قبلت خبره فعن الله قبلت ما أجمع عليه المسلمون فلم يختلفوا فيه، وعلمت ما ذكرت من أنهم لا يجتمعون ولا يختلفون إلا على حق، إن شاء الله تعالى
…
إلخ.
*****
بعد الإمام الشافعى
هذا هو حوار الإمام الشافعى الذى هدى من حاوره بعد ضلال، ولكن هداية هذا الرجل لا تعنى عدم ضلال الطائفة.
ويأتى القرن الثالث، الذى توفى الإمام الشافعى فى العام الرابع من بدايته، ليكون العصر الذهبى لجمع السنة وتنقيتها وتدوينها، حيث دون مسند الإمام أحمد، والصحيحان، وكتب السنن الأربعة، وغيرها من الكتب الأخرى: كسنن سعيد بن
منصور، والدارمى، ومسانيد إسحاق بن راهويه، وبقى بن مخلد، والبزار، وأبى يعلى. غير أن ذاك القرن ضم أيضاً من حاول هدم السنة المطهرة.
ننظر مثلاً إلى كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة المتوفى سنة 276 هـ، فنراه جعل كتابه فى الرد على أعداء أهل الحديث، والجمع بين الأخبار التى ادعوا عليها التناقض والاختلاف، والجواب عما أوردوه من الشبه على بعض الأخبار المتشابهة أو المشكلة بادئ الرأى. ولا يكتفى ابن قتيبة بالرد على الشبه، وبيان سوء فهم من أثاروا تلك الشبه، وإنما يتحدث عن الأشخاص أنفسهم الذين أثاروها حتى يعرف القارئ سبب عدائهم لأهل الحديث.
فيذكر منهم النظام ويقول: وجدنا النظام شاطراً من الشطار، يغدو على سكر، ويروح على سكر، ويبيت على جرائرها، ويدخل فى الأدناس، ويرتكب الفواحش والشائنات
…
إلخ.
وذكر أن النظام خرج على إجماع الأمة، وطعن فى أبى بكر وعمر وعلى وابن مسعود وأبى هريرة، ثم عقب ابن قتيبة بعد هذا بقوله: هذا هو قوله ـ أى النظام ـ فى جلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضى عنهم، كأنه لم يسمع بقول الله عز وجل فى كتابه الكريم:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} إلى آخر السورة، ولم يسمع بقوله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} (1) .
وبعد حديثه عن النظام، ورده عليه يقول: ثم نصير إلى قول أبى هذيل العلاف فنجده كذاباً أفاكاً
…
إلخ.
(1) راجع حديثه عن النظام، ومناقشته له فى ص 17:42.
وهكذا استمر ابن قتيبة فى كتابه.
وكان أسوأ وأشد خطراً من هؤلاء الذين تحدث عنهم، قوم اتخذوا لأنفسهم سنة خاصة تختلف عن مفهوم السنة عند الأمة، فأشركوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم فى العصمة ووجوب الاتباع أشخاصاً اعتبروهم أئمة طائفتهم، ووضعوا الأخبار فى ظلمات هذا المفهوم، وفى ظلماته أيضاً كتبوا فى الجرح والتعديل.
شهد القرن الثالث ثلاثة من كتب هؤلاء، وبالرجوع إليها نجد أنها تطعن فى خير الناس: صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضى الله عنهم ورضوا عنه، وتذكر أن القرآن الكريم حرف نصاً ومعنى، وجاء الطعن والقول بالتحريف فى روايات مفتراه، اعتبروها صحيحة بمقياسهم.
وألف كتاب رابع لتلميذ لأحد أصحاب الكتب الثلاثة، واعتبر هذا الكتاب الكتاب الأول فى الحديث عندهم، وعندما قرأته وجدت صاحبه قد ضل ضلالاً بعيداً، ووضع من المفتريات ما لا يستطيع أن يتصوره أى مسلم. وعندما رجعت لكتب الجرح والتعديل عندهم وجدت آثار هذه الظلمات: فصاحب الكتاب الرابع ثقة الإسلام! وشيخه ليس ثقة فحسب، بل كل من وثقهم وروى عنهم فهم ثقات! ولا يعتبر الحديث صحيحاً إلا إذا كان الرواة كلهم جميعاً من طائفتهم.
والجرح عندهم سيئ للغاية، ولذلك أكتفى بالإشارة السريعة. فأذكر هذه النماذج:
عثمان بن عفان الأموى خليفة العامة: ضعيف.
عبد الله بن عمر بن الخطاب: الخبيث، ضعيف.
عبد الرحمن بن عوف: من أضعف الضعفاء.
المغيرة بن شعبة: صحابى فى غاية الضعف.
محمد بن أبى بكر بن أبى قحافة: من أجلاء الثقات، وتربى فى بيت سوء.
معاوية بن أبى سفيان: زندقته أشهر من كفر إبليس.